تفسير رسالة العبرانيين أصحاح 13 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح الثالث عشر

العظة الثالثة والثلاثون (عب13: 1-16)

“لتثبت المحبة الأخوية لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون” (عب 13: 1-2).

لاحظ كيف يطلب منهم أن يثبتوا فيما يعيشونه بالفعل، ولم يُضف أمورًا أخري، أي لم يقل أن تحبوا أخوتكم”، بل قال “لتثبت المحبة الأخوية”. وأيضا لم يقل “كونوا مضيفين”، كما لو أنهم لم يكونوا هكذا ، بل قال “لا تنسوا إضافة الغرباء”، لأن كان من الطبيعي أن يحدث هذا بسبب الضيقات. بعد ذلك أضاف ما كان كافيًا بالأكثر أن يحثهم علي إضافة الغرباء، قائلاً “لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون أرايت كم هي عظيمة هذه الكرامة التي تنتج عن إضافة الغرباء)، ومقدار الربح الكبير من وراء هذا؟ وماذا يعني بقوله “أناس؟”، إذ يقول “وهم لا يدرون” “وأضافوا ملائكة”. لهذا قد أُعطي إبراهيم مكافأة عظيمة، لأنه استضافهم دون أن يدري أنهم كانوا ملائكة، فلو أنه كان قد عرف لما كان أبدا مستحقاً للإعجاب. البعض يقول أنه يشير هنا إلي لوط أيضا، ولأجل هذا قيل هذا الكلام.

” أذكروا المقيدين كأنكم مقيدين معهم والمذلين كأنكم أنتم أيضا في الجسد. ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله ” (عب 13: 3-4).

لاحظ كم الكلمات التي قيلت عن الحكمة والتعقل قال “إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة”، وأيضًا “لا” يكون أحد زانيًا أو مستبيحاً”، والآن أيضا يقول “وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله”. في كل الحالات كان النهي مرتبط بالتوبيخ كيف إنتبه إذا فبعدما قال “إتبعوا السلام” مع الجميع والقداسة” أضاف التي بدونها لن يري أحد الرب” ، وهنا يقول “أما العاهرون والزناة فسيدينهم الله”، وبعدما قال ذلك أضاف: “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس” وبعدما أضاف التوبيخ أظهر أن ما أضافه فيما بعد له ما يبرره لأنه إن كان الزواج مباحًا ، فمن العدل أن يُدان العاهر، وأن يُعاقب الزاني هنا يُشير إلي الهراطقة. لم يقل أيضًا “لا يكن أحد زانيا”، بل بعدما قال ذلك مرة واحدة، كرره. بعد ذلك بدأ يحث الجميع بصفة عامة، وليس كمن يتوجه لهؤلاء فقط.

يقول ” لتكن سيرتكم خالية من محبة المال كونوا مكتفين بما عندكم” (عب 13: 5 ).

لم يقل “لا تقتنوا شيئا” بل قال “لتكن سيرتكم خالية من محبة المال”، أي ليكن ذهنكم متحرراً ، لتُظهر سيرتكم حكمة كبيرة، ويمكن أظهار ذلك إن كنا لا نطلب الأشياء الزائدة، إن كان إهتمامنا مُنصب فقـط علـي مـا نحتاجه. كذلك فإنه قال قبلاً” وقبلتم سلب أموالكم بفرح”. هو ينصحهم بهذا، لكي لا يكونوا محبين للمال. يقول “كونوا مكتفين بما عندكم”. بعد ذلك يُعزيهم هنا أيضا ، حتى لا يفقدوا رجاءهم لأنه قال:

 ” لا أهملك ولا أتركك، حتى أننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي إنسان” (عب 13: 6).

ها هو أيضا يقدم التعزية في التجارب. 

ثم يقول “أذكروا مرشديكم” (عب 13: 7).

هذا ما أراد أن يُظهره منذ البداية، لهذا قال “إتبعوا السلام مع جميع الناس”. وهذا هو ما نصح به أهل تسالونيكي أن يكرموا المرشدين بقدر الإمكان. يقول “أذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله أنظروا إلي نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم”. وأية علاقة السيرة هؤلاء) بنا؟ بالطبع هناك علاقة وثيقة، لأنه يقول أنظروا إلى نهاية سيرتهم”، أي أنظروا إلي حياتهم، وتمثلوا بإيمانهم، لأن الإيمان يعتمد علي نقاوة الحياة. إما أنه يقصد بكلمة “إيمان”، اليقين. كيف؟ إذ يُظهر، أنهم آمنوا بخيرات الدهر الآتي راسخين في هذا الإيمان، لذلك فقد عاشوا هنا حياة مرضية أمام الله، وما كان لهم أن يعيشوا حياة نقية، إن كانوا قد تشككوا في خيرات الدهر الآتي.

يسوع المسيح هو هو أمس واليوم والي الأبد ” (عب 13: 8).

2. كلمة “أمس” هنا تعني كل الماضي، وكلمة “اليوم” تعني الزمن الحاضر، وكلمة إلي الأبد” تُظهر اللا حدود، الذي لا نهاية له ما يقوله يعني الآتي : أن تسمعوا لرئيس الكهنة، لكنه رئيس كهنه بلا نهاية، لأنه هو هو علي الدوام وربما لأنه كان هناك من قال إن الذي صلب ليس هو المسيح المنتظر، بل آخر سيأتي، ولهذا قال هو هو أمس واليوم وإلي الأبد”، لكي يُعلن بهذا أن ذاك الذي أتي، سيأتي مرة أخري، وأنه هو نفسه الكائن (قبل الدهور)، والذي يوجد والذي سيكون إلي الأبد، طالما أنه يوجد الآن أيضا يهود يقولون أن شخصا آخر سيأتي هؤلاء بعدما حرموا أنفسهم من الله الذي أتي، سيسقطون في (قبضة)
المسيح الدجال يقول:

“لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة” (عب 13: 9).

فهو يريد ليس فقط ألا يُساقوا بتعاليم غريبة بل ولا تعاليم مختلفة أو متنوعة فهو يتوجه لكل من يُساق بهذه التعاليم
لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة لم ينتفع بها الذين تعاطوها“. هنا هو يشير بهدوء إلي أولئك الذين ادخلوا فكرة التمييز بين الأطعمة، لأن كل شئ طاهر للمؤمنين، إذا نحن نحتاج إلي الإيمان وليس إلي الأطعمة

ثم يقول “لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن خيمة الشهادة أن يأكلوا منه ” (عب 13: 10).
إن الأمور المختصة بنا ليست هكذا، كما هي لليهود، حتى أنه لا يُسمح ولا حتى لرئيس الكهنة أن يشترك فيها (في هذه النتائج). إذا لأنه قال لا تميزوا بين الأطعمة”، فمن الواضح أنه يبطل بهذا الكلام الأمور المتعلقة بإيمانه (القديم) ومرة أخري يعود إلي نفس الموضوع ثم يتساءل وهل نحن أيضا لا تدرك هذا؟ نعم نحن ندرك ، وبدرجة كبيرة جداً، وتعرف أنه لا يُسمح للكهنة أنفسهم أن ينقلوا جزء (من هذه التقدمات).

” فإن الحيوانات التي يدخل بدمها عن الخطية إلي الأقداس بيد رئيس الكهنة تحرق أجسامها خارج المحلة لذلك يسوع أيضا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب” (عب 13: 11-12).

أرأيت كيف يُضئ النموذج أو المثال؟ يقول “خارج المحلة” و”خارج الباب”.

إذا لأن الحيوانات المقدمة لمحو الخطية، كانت نموذج محدد، وكانت تُحرق بالكامل خارج المحلة، فأمر مبرر أن يسوع أيضًا قد ذُبح خارج الباب، لكي يمحو خطايانا ، فنحن أيضًا يجب أن نتمثل بمن ذبح لأجلنا، ونحيا خارج العالم، أو من الأفضل أن نقول أن نبتعد عن أمور هذا العالم. ولكي يُعلن عن ذلك أضاف:

” فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملين عاره ” (عب 13: 13).

بمعني أن تعاني ما عاناه، وأن نصبح شركاء في آلامه. لقد صلب الرب خارج الباب، كمتهم محكوم عليه، إذا ينبغي ألا نخجل نحن أيضا من أن نخرج خارج العالم، لأن هذا هو ما يعنيه بقوله “خارج المحلة” و”خارج الباب”. ثم يقول:

” لأنه ليس لنا هنا مدينه باقية لكننا نطلب العتيدة” (عب 13: 14 ) .

هكذا يُفهم معني الخروج “خارج المحلة وخارج الباب”، لأننا نطلب المدينة العتيدة.

” فلنقـدم بـه في كل حين الله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة بإسمه ” (عب 13: 15) .

يقول “فلنقدم به”، كرئيس كهنة، من جهة طبيعته الإنسانية ثم يقول “ذبيحة التسبيح معترفة بإسمه كما لو أنه كان يقول إن أردنا أن تسبح، فينبغي ألا تجدف، أو نقول كلامًا أهوجًا، أو وقعًا، ولا نتكلم بجسارة، ولا بقنوط، بل للنتكلم في كل شئ بوقار وتقوي. وهو لم يقل هذا الكلام مصادفة، بل لأنه رأي أنهم متضايقين والنفس عندما تحزن، تفقد الكثير. مرة أخري يقول نفس الشئ، هذا ما أشار إليه من قبل” غير تاركين إجتماعنا “. هكذا سنتمكن أن نصنع كل شئ بوقار، لأنه في مرات عديدة عندما نوقر الناس، نتجنب الكثير من الأعمال الشريرة .

” ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع” (عب 13: 16).

هذا الكلام قاله الرسول بولس آنذاك، ولكنني أقوله لكم الآن، ولا أقوله للأخوة الحاضرين فقط، بل وللغائبين أيضًا. لم يسلب أحد ممتلكاتكم، بل حتى وإن كان البعض قد سلبكم، فلتضيفوا الغرباء مما تملكونه. إذا أي دفاع سنقدمه نحن عندما يسمع أولئك الذين سلبتم ممتلكاتهم هذا الكلام؟ ولاحظ أنه هنا يقول “لا تنسوا فعل الخير”، بينما قد تكلم من قبل عن “إضافة الغرباء”، هذا لا يعني أن هذا شئ ، وذلك شئ آخر، بل أنه يتحدث عن نفس الشيء ولكن بتعبير آخر. ولم يقل لا تنسوا إستقبال الغرباء”، بل قال لا تنسوا إضافة الغرباء”، بمعني أن لا تستقبلوا الغرباء فقط، بل أن تحبوا الغرباء ولم يشر إلي مكافأة الدهر الآتي، والتي هي بعيدة، لكي لا يجعلهم مُتوانيين، بل يُشير لتلك المكافأة التي أُعطيت، لأنه أضاف “لأن بها أضاف أناس ملائكة”. لكن لنري ما قيل منذ البداية.

يقول “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس”. كيف يكون الزواج مكرماً ؟ لأنه يحفظ المؤمن في العفة أنه يُشير هنا إلي اليهود ، الذين كانوا يعتبرون العلاقة الزوجية علاقة بغيضة. إن كل ما هو موجود بالطبيعة لا يعد ممقوت أو بغيض، أيها اليهودي الغبي وعديم الإحساس، هذه الأمور مرتبطة برغبة وإرادة الإنسان، لأنه إن كان الزواج مكرماً وطاهراً ، فلماذا تعتقد أنك تتنجس منه؟ ثم يقول بعد ذلك. لتكن سيرتكم خالية من محبة المال”، لأن كثيرين، بعد أن تخلوا عن ممتلكاتهم، أرادوا استرجاعها مرة أخري بحجة عمل الرحمة أو الإحسان، لهذا قال لتكن سيرتكم خالية من محبة المال”، أي أن يكون لدينا الأشياء اللازمة والضرورية. ماذا إذا إن لم يكن لدينا ولا حتى الأشياء الضرورية؟ هذا غير ممكن، لأن الرب نفسه قال وهو لا يكذب “لا” أهملك ولا أتركك الرب لي معين فلا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان”. كأنه يقول، لا ترتاب إذا مادام لديك وعد من الله، لأن الله هو الذي وَعَدَ بهذا ، فلا تتشكك في ذلك، وقوله “لا أتركك”، لا يقوله فقط عن المال، بل وعن كل الأشياء الأخرى.

“الرب لي معين فلا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان” إن سبب إضافته لهذا الجزء النبوي، هو أنه أراد أن يؤكد به كلامه حتى لا يسقطون. إذا فلنقل نحن أيضا هذا الكلام في كل تجاربنا، ولنزدري بالأمور الدنيوية، وطالما أن الله عطوف علينا، فلن يستطيع أحد أن يهزمنا. وبالمثل فعندما يكون الله رافضًا لنا، وكل الآخرين أصدقاءنا، فلن نستفد شيئًا، هكذا عندما يكون هو رفيقنا، فحتى ولو كان الآخرون جميعًا في موقف عدائي منا ، فلن يستطيعوا أن يؤذونا. ولهذا قال “لا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان”.

“أذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله”. أعتقد أنه يقول هذا الكلام هنا، لمساعدة هؤلاء، لأن هذا هو معني “الذين كلموكم بكلمة الله”. ثم يضيف أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم . ماذا يعني بقوله “أذكروا؟”، معناه أن تحولوا أفكاركم بإستمرار تجاه هؤلاء وتتذكروهم داخلكم، وأن تنظروا إليهم بعناية فاحصين سخائهم في العطاء. وبالصواب قال “نهاية سيرتهم”، أي أن تنظروا كيف كان سلوكهم حتى نهاية حياتهم. لأن نهاية سلوكهم بالفضيلة كانت مفيدة. يقول “يسوع المسيح هوهو أمسًا واليوم وإلي الأبد”، ما يقوله يعني الآتي: لا تظنوا أنه في ذلك الزمان قد أجري معجزات، بينما الآن لا يجري، فهو نفسه أمسا واليوم، فمن غير الممكن أن لا يستطيع أن يصنع نفس المعجزات ربما كان يهدف لهذا وهو يقول “أذكروا مرشديكم”.

“لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة”. كلمة غريبة تعني تعاليم مختلفة عن تلك التي سمعتموها منا ، تعاليم مختلفة “عديدة” ، لأن هذه الأنواع من التعاليم لا تحوى شيئًا ثابتا ، بل هي مضادة للتعليم الحقيقي أجل، فهو التعليم عن التمييز بين الأطعمة، ولهذا توقف عند هذا الموضوع، ثم أضاف “لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة. وهذه هي التعاليم العديدة والغريبة إنه يسخر هنا منهم، لأنهم إنشغلوا بالتمييز بين الأطعمة، لأنه أظهر أنه بسبب التمييز بين الأطعمة، بلغ بهم الحال أن يعلموا بأمور أخري، وإنطلاقا من هذا التمييز بين الأطعمة، تقدموا إلي تعاليم متنوعة وغريبة ولاحظ أنه لم يتجرأ علي أن يقول هذا صراحة، لكنه ألمح إليه، قائلاً: “لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة” و”حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة”، فهو يكاد يردد كلام المسيح “ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم. ويُظهر أن الإيمان هو أسمي من كل شيء، ويبقي القلب ثابتًا، يمكنك أن تأكل شئ وفي الوقت ذاته تؤصل إيمانك. إذا الإيمان يعطي اليقين، وبناء علي ذلك فيمكن أن تتغير الأفكار، لأن الإيمان يتجاوز الفكر.

“لم ينتفع بها الذين تعاطوها . فلتخبرني، ما هو الربح الذي ينتج عن التمييز بين الأطعمة؟ ألا يهلك ؟ ألا يجعل الإنسان يُخطئ؟ وإن كان يجب أن تميزوا ، يمكن أن تصنعوا ذلك النوع من التمييز الذي ينتج عنه فوائد لأولئك الذين يصنعوا التمييز تمييز حسن هو تجنب الشر، إستقامة الفكر، التقوى أمام الله، الإيمان المستقيم.

“لم ينتفع بها الذين تعاطوها” أي الذين حفظوها علي الدوام. هناك تمييز واحد ، أن يبتعد المرء عن الخطية، لأنه ما فائدة التمييز بين الأطعمة إذا كان ذلك لا يخلص الذين يحرصون عليه من نجاستهم تلك التي تحرمهم من المشاركة في الذبائح بل وأيضا لا يُثبت إيمانهم؟.

بعد ذلك، يُبطل الذبيحة بالمثال ، ويوجه الكلام إلي الأصل قائلاً فإن الحيوانات التي يدخل بدمها عن الخطية إلي الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها خارج المحلة لذلك يسوع أيضًا لكي يقدس الشعب بدم نفسـه تـألـم خـارج الباب”. وبناء علي ذلك فإن تلك الذبائح كانت رمزاً أو مثالاً لتلك الأحداث، وهكذا فإن يسوع الذي صُلب خارج الباب قد أتم أو أكمل كل شئ. هنا هو يُظهر أنه قدم ذاته ذبيحة بإرادته، لأنه يُظهر أن تلك الذبائح لم تكن مصادفة، بل كانت مثالاً أو رمزًا، والتدبير نفسه كان مرتبط بالألم، بل إن الحمل المذبوح قد إنتقل إلي السماء.

4- إذا أنت تري أننا نشترك في الدم الذي يتم إدخاله إلي الأقداس الأقداس الحقيقية، نشترك في الذبيحة التي كان يتمتع بها رئيس الكهنة. فنحن شركاء في الحقيقة الثابتة. إذا إن كنا نشترك لا في عاره، بل في القداسة، فالعار هو السبب في القداسة، لأنه تماماً مثلما أُهين الرب هكذا نحن أيضًا. إذا لو أننا خرجنا من العالم، لصرنا شركاء الرب. ماذا يعني إذا بعبارة “فلنخرج إذا إليه؟” يعني أن نشترك في آلامه أن نحمل عار المسيح، أن نهان لأجله، لأنه لم يتألم خارج الباب بالمصادفة، بل لكي نحمل نحن أيضا صليبه ، ونعيش خارج العالم، ونحرص أن نبقي خارجا . تماما كما أن يسوع حمل العار كمدان، هكذا نحن أيضا.

فلنتقدم به في كل حين الله ذبيحة”. لكن أي ذبيحة يقصد ؟ هو ـ الرسول بولس أضاف قائلاً، ثمر شفاه معترفة بإسمه، أي طلبات وتسابيح وتشكرات، لأن هذه هي ثمر الشفاه. إن أولئك (اليهود ) ، قدموا خرافا، وأبقارا ، وقدموها للكاهن، أما نحن فلا ينبغي أن تقدم أي شئ من هذا، بل نقدم الشكر، ونتمثل بالمسيح في كل شئ، بقدر المستطاع، وهذا ما يجب أن تُزهر به نفسه أي شفاهنا.

“لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يُسر الله”، أي يجب أن نقدم له مثل هذه الذبيحة، لكي ينقلها إلي أعلي إلي الآب، لأنها لا تنتقل للسماء بطريقة آخري، إلا عن طريق الإبن فقط، أو من الأفضل أن نقول بقلب منسحق. لقد تكلّم عن كل هذا ، وبهذه الطريقة، بسبب الضعف الروحي للمستمعين إليه، ومن حيث أن النعمة هي للإبن فهذا واضح جدًا، لأنه كيف تكون الكرامة متساوية، بطريقة آخري؟ يقول لكي يكرم الجميع الإبن كما يكرمون الآب . فإن كان الآب حين يتمجد، لا يتمجد الإبن، فأين هي المساواة في الكرامة؟ لأن ثمر الشفاه لأولئك المعترفين بإسمه، هو أن يشكروه، أي يشكروه علي كل شئ ، لما عاناه من الآلام لأجلنا. فلنتحمل كل شئ بشكر، سواء كان ذلك فقرًا ، أو مرضاً ، أو أي شئ آخر، لأن الإبن وحده يعرف ما هو لمنفعتنا. لأنه يقول “لأننا لا نعرف ما نصلي لأجله كما ينبغي. إذا مادمنا لا نعرف ما نصلي لأجله كما ينبغي، فإن لم يُعلمنا إياه الروح القدس، فكيف نرغب في أن نعرف ما هو لمنفعتنا ؟

لهذا لنحرص علي أن نشكره من أجل كل شيء ولنصبر بشجاعة علي كل ما يحدث لنا. إذا عندما نكون فقراء ومرضي، يجب أن نشكره، عندما يأتوا علي ذكرنا بالسوء، فلنشكره عندما يهينوننا، فلنشكره. فإن هذا السلوك يجعلنا قريبين من الله، وحينئذ سيكون الله مدينا لنا من ناحية آخري، فالخيرات (المادية)، تصبح سببًا لإدانتنا ، بينما الضيقات تصير سببًا لغفران خطايانا ، فالإهانات تجلب مراحم الله ، تجلب محبته للبشر، بينما الخيرات (المادية)، تحملنا علي الإفتخار والتباهي، وتقودنا إلي اللامبالاة، وتجعلنا نتصور أمورًا عظيمة عن أنفسنا، هذه الخيرات تجعلنا خاملين. لذلك قال النبي ” خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك”. حزقيا عندما أُحسن إليه وتخلّص من مصائبة إفتخر، أما عندما مرض إتضع، وإقترب من الله. ” إذ قتلهم (الرب) طلبوه ورجعوا وبكروا إلي الله وذكروا أن الله صخرتهم والله العلي وليهم، وأيضا يقول ” سمنت وغلظت أكتسيت شحما فرفض الإله هذا الشعب المحبوب) “. لأنه ” معروف هـو الـرب قضاء أمضي”

إن الضيقة هي خير عظيم، هي الطريق الضيق، لأنها تدفعنا نحو هذا الطريق ومن لا يتألم لن يستطيع أن يأتي إليه. لأن ذاك الذي يتألم داخل الطريق الضيق هو من يتمتع بالراحة، بينما ذاك الذي يُرفّه نفسه، ولا يأتي إلي الطريق الضيق، فإنه يتألم كما قيل عندما يُضغط. إسمع كيف دخل الرسول بولس إلي هذا الطريق الضيق، يقول أقمع جسدي واستعبده، لقد أقمع جسده، حتى يستطيع أن يدخل (ذلك الطريق) ، لذلك كان يشكر الله في كل ضيقاته. هل فقدت بعض الأموال؟ هذا سيجعلك تتقدم بكل إرتياح في الطريق الضيق. هل سقطت من المجد الذي كان لك؟ هذه سعة أو راحة أخري. هل وُشي بك؟ هل ما قيل ضدك، قد صار مؤكدًا، من جهة هذه الأمور التي لا تعرف عنها شيئًا ؟ لتفرح وتبتهج، لأنه يقول “طوبي لكم إذا غيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين أفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات”.

لماذا تتحير أو تندهش من جهة الآلام التي تحدث لك، وتريد أن تتخلص من التجارب؟ القديس بولس أيضا أراد أن يتخلص من التجارب، وترجي الله مرات عديدة من أجل هذا ، ولم ينل ما طلب، لأنه توسل ثلاثة مرات، أي كثيرا، يقول من جهة هذا تضرعت إلي الرب ثلاثة مرات أن يفارقني فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل “”””. وهنا كلمة “الضعف” تُشير إلي الضيقات. ماذا إذا ؟ هل لأنه سمع هذا الكلام قد احتملها بشكر، وقال “لذلك أسر بالضعفات”، أي أرضي، واسترح في الضيقات؟ إذا يجب أن نشكر الله علي كل شيء، علي الراحة وعلي الضيقة ينبغي ألا نتذمر ولا نكون جاحدين. قل أنت أيضا ” عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلي هناك “. أنك لم تخرج ممجدا لذلك لا تسعي للمجد. لقد أتيت للحياة عريانا، ليس فقط من المال، بل ومن المجد، ومن السمعة الطيبة. تأمل كم من الشرور حدثت مرات عديدة، بسبب المال، أو من الأفضل إسمع ماذا يقول المسيح ” مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلي ملكوت الله.

أرأيت كم الخيرات التي يصير الغني عائقاً لها، وأنت تريد أن تصبح غنيا؟ وهل لا تفرح لفقرك، إذ العائق قد إبتعد ؟ إنه ضيق للغاية هو الطريق المؤدي إلي ملكوت السموات، وواسع جداً هو الثراء، ومملوء بالزهو والإفتخار. لهذا يقول الرب ” إذهب بع أملاكك، لكي يستقبلك الطريق الضيق. لماذا تشتهي المال؟ من أجل هذا تركك، لكي يحررك من العبودية، إن الآباء الحقيقيين أيضا، عندما يرون أن إبنهم يسير بإتجاه الهلاك، لأنه قد يكون قد تقابل صدفة مع عاهرة، وبالرغم من نصحه كثيرًا، إلا أنهم لم يُقنعوه أن يبتعد عنها، حينئذ يبعدون العاهرة. هكذا يكون وفرة المال، إذًا لأن الرب يعتني بنا، لكي يخلصنا من الخسارة التي يسببها المال، فإنه ينزعه منًا.

إذا لا يجب أن نتصور أن الفقر شيء سيئ أو شر الخطية فقط هي الشر، لأنه ولا الغني في حد ذاته، هو صلاح أو خير، بل أن نكون مرضيين أمام الله، هو فقط الخير، إذا فلنطلب الفقر ولنسعى في أثره ، هكذا سندخل إلي السماء، وسنربح الخيرات التي في السماء، والتي ليتنا ننالها جميعًا بالنعمة والرأفات ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور أمين.

العظة الرابعة والثلاثون (عب13: 17-25)

“أطيعوا مرشديكم وأخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا لكي يفعلوا ذلك بفرح لا أنين لأن هذا غير نافع لكم” (عب 13: 17).

1 – الفوضى هي شيء شرير وسيئ، وسبب لكوارث كثيرة، وبداية الإختلال والإرتباك، لكنها حين تحدث في الكنيسة فإنها تصبح أكبر وأشد سؤا. أي كما يحدث، إذا قُتل قائد فرقة للرقص الشعبي، سيختل نظام الفرقة وسيتفرق أعضاؤها، وإذا إختطف قائد جيش من الوحدة العسكرية، فإن كل نظام هذه الوحدة وإنسجامها وتوافقها سيختل أيضا لو استبعد قائد السفينة من موقعة ، فإن السفينة ستغرق هكذا إذا إبعدت الراعي عن الرعية، فإنك ستجعل الفوضى تسود ، وستحطم كل شيء. إذا فالفوضى هي شيء سيئ للغاية، وسبب للهلاك، أما عدم خضوع الرعية فليس بأقل سوءً. وهذا يحدث أيضًا في حالة عدم الخضوع لأن الشعب الذي لا يخضع لقائده يُشبه شعباً بلا ،قائد، وربما أسوأ ، كذلك فإن هذا الشعب الذي بلا ،قائد ، يُصفح له عن عدم نظامه، لكن هنا (حيث يوجد قائد)، ليس فقط لا يُصفح له، بل ويُدان. وقد يقول لنا أحد، أن هناك شر ثالث ، أن يكون القائد شريراً. أنا أيضًا أعرف أن هذا الشر ليس هيئًا، بل هو أسوأ بكثير من الفوضى، وأنه من الأفضل أن تكون بدون حاكم، علي أن تُحكم من قائد شرير. لأن هذا القائد غير الشرير) مرات عديدة قد تعرض للخطر وأُنقذ في مرات أخري، بينما الآخر (الحاكم الشرير) سيخاطر في كل الأحوال، مندفعا نحو الهلاك. إذا كيف يقول الرسول بولس أطيعوا” مرشديكم وأخضعوا؟” بعدما قال من قبل “أذكروا مرشديكم أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم”، ثم يُضيف بعد ذلك أطيعوا مرشديكم وإخضعوا”. إذا ماذا يحدث، عندما يكون المرشد سيئًا ، ولا نخضع له؟ ماذا تقصد بكلمة سيئ؟ عندما يكون القائد سيئا من جهة الإيمان، تجنبه وابتعد عنه، ليس فقط لو كان إنسانا، بل حتى وإن كان ملاكا قد نزل من السماء، لكن إن كان سيئًا من جهة حياته الخاصة، فلا تنشغل بها . وهذا لا أقوله أنا، بل الكتاب المقدس. إسمع ماذا قال المسيح علي كرسي موسي جلس الكتبة والفريسيون” .. فبعدما أدائهم قبلا، أضاف “علي كرسي موسي “جلسوا” إذًا فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه، فأحفظوه وأفعلوه ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لديهم مكانة المعلم، لكن حياتهم نجسة. أما أنتم لا تلتفتوا إلي سلوكهم، بل إلي كلامهم، لأن عاداتهم لن تؤذي أي أحد لماذا؟ لأنها معروفة للجميع، بل ولا هو نفسه يمكنه أن يُعلم بالسوء، حتى وإن كان بعد سيئًا آلاف المرات، غير أنه إذا كان سيئًا بالنسبة لموضوعات إيمانية ، فهذا لن يكون واضحاً للجميع، وهذا الشرير لن يتردد أن يُعلم بالشر، طالما أن عبارة “لا تدينوا لكي لا تُدانوا”، ترد في طريقة الحياة، وليس في الإيمان، لأن ما أضافه يظهر هذا. يقول “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها”.

وبعد يقول “فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه”، (وكلمة “أفعلوه” تُشير إلي الأعمال، وليس إلي الإيمان)، لكن حسب أعمالهم لا تعملوا أرأيت كيف أن الكلام لا يتعلق بالعقائد أو الإيمان، بل بأسلوب الحياة والعمل؟ إن الرسول بولس أوصاهم أولاً ذلك أضاف أطيعوا مرشديكم وأخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم. كأنهم سوف يعطون حساباً”. ليسمع المرشدون هذا الكلام، وليس فقط الرعية، لأنه كما أن الرعية مدينة بأن تكون خاضعة، هكذا فإنه يجب علي المرشدين أن يكون ساهرين، وحكماء أيضًا، ماذا تقول؟ هل من اللائق أن يسهر المرشد، فهناك أخطار تهدده هو نفسه، وقد يتعرض لعقوبات لأجل خطاياك، وهو مسئول ومسئوليته محاطة بخوف كبير لأجلك، وأنت تتواني ولا تبالي، وتكون فضا ، ولا تريد أن تخضع له؟ ولهذا أضاف قائلاً “لكي يفعلوا ذلك بفرح لا أنين لأن هذا غير نافع لكم”.

أرأيت كيف أنه لا ينبغي علي المرشد أن ينتقم، عندما يحتقرونه، لأن دفاعه الكبير هو الدموع والتنهدات؟ هذا صواب طالما أن الطبيب أيضًا لا يجب أن ينتقم عندما يزدري به المريض، بل يبكي ويحزن. إذا إن كان المرشد يتنهد فإن الله سينتقم منك، لأنه إن كنا نجلب (مراحم) الله ، عندما نتنهد بسبب خطايانا، أفلا نجلب (مراحمه) عندما نجعل الآخرين أيضًا يتنهدون علي خطاياهم؟ أرأيت كيف أنه لا يترك المرشد يُسحب أو يُجر إلي أعمال غير لائقة؟ أرأيت الحكمة الكبيرة لهذا الأمر؟ يجب علي ذاك الذي يُحتقر ويُهان ويُزدري به، أن يكتفي بالتنهد. لا تشعر بالجرأة، لأنه لم ينتقم منك، خاصة وأن التنهد هو أشد إنتقام لأن المرشد عندما لا يستطيع أن يساعدك بتنهداته فإنه يستدعي الرب، وكما أنه في حالة المعلم والمربي عندما لا يخضع له الطفل، فإنه يستدعي منْ هو أقسي، هكذا هنا أيضا. يا للعجب، كم هو كبير الخطر (الناتج عن عدم الخضوع)! ماذا يمكن للمرء أن يقول تجاه أولئك التعساء الذين يدفعون أنفسهم إلي هذه الهوة الكبيرة من العقوبات؟ فبالنسبة لجميع الذين يخضعون لحكمك، نساء ورجال، وأطفال فأنت مسئول، وتضع رأسك تحت نار كبيرة بهذا القدر.

 أتساءل ، إن كان ممكنا أن يخلص أحد من القادة وكيف، إلا بتنهد كبير للغاية، وله أن يخرج من الغفلة القائمة أري أن البعض يركضون ويلقون بأنفسهم في غياهب السلطة ، لأنه إن كان هؤلاء قد وصلوا إلى السلطة بالقوة والعنف فإنه لا يُصفح عنهم ، ولا يمكن تبرير عدم ممارستهم الحكم بشكل صحيح، وإهمالهم لواجباتهم (خاصة وأن هروب الذي تولي المسئولية والسلطة لابد أن يعرضه للخطر، فإن موسي مرات عديدة أيضاً تعرض للخطر، وإن كان قد طلب من ) الله أن يسامحه علي رفضه أن يتولي العمل الذي أوكله له، وشاول أيضا الذي أستأمنه الله علي السلطة، رغم رفضه، تعرض للخطر، لأنه لم يؤدي عمله بشكل صحيح)، فكم سيُعاقب أولئك الذين يطلبونها بهوس ، ويسعون إليها بمفردهم؟ لأن شخصا مثل هذا يحرم  نفسه من كل رجاء للصفح. حقا ينبغي أن نخاف وأن نرتعب، وبسبب ثقل المسئولية ما يُمليه علينا ضميرنا، فلا نتركها إن حدث مرةً وأوكلت إلينا ولا نسعى إليها إن لم توكل إلينا ، بل نتجنبها، مفكرين في عظمة المنصب، أما إذا توليناها، فيجب أن نظهر كل الوقار. ينبغي ألا يحدث أي شيء فوق ما يجب أن يكون ، بل ليصير كل شيء بنظام ، فلو شعرت مُسبقا، وقبل أن  تصبح قائداً ، وإقتنعت أنك غير مستحق لهذا العمل أهرب وإن فكرت مرة أخري ( في تعهد السلطة)، فعليك أن تكون حذرا، وتقدم الإمتنان في كل موضع

 ثم يقول ” صلوا لأجلنا لأننا نثق أن لنا ضميرا صالحًا راغبين أن نتصرف حستا في كل شيء” (عب 13: 18).

2- أنظر، فهو يكتب هذه الأمور كمن يدافع عن أولئك الذين كانوا حزاني الذين أنصرفوا عنه، والذين اعتبروه مخالفا، والذين لم يرغبوا أن يسمعوا ولا حتى إسمه. أي أنه قد طلب من هؤلاء الذين أبغضوه، الأمور التي سيطلبها الآخرين جميعا من أصدقائهم المقربين، ولهذا قد طرح هذا الكلام هنا، قائلاً “لأننا نثق أن لنا ضميراً صالحاً” أي أنه يقول، لا تذكر لي من فضلك، الإتهامات، فإن ضميرنا لا يديننا في شئ ، ولا نشعر بأننا صنعنا لكم مكيدة، إذ يقول لأننا نثق أن لنا ضميرًا صالحا راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء”. وبناء علي ذلك، هذا الكلام ليس موجها فقط للأمميين، بل لكم أنتم أيضًا. لم نتصرف بخداع أبدا ، ولا بنفاق، لأنه كان من الطبيعي أن ينسبوا له هذه الإتهامات. ومن حيث أنه أُدين من العبرانيين، إسمع ماذا يقول يعقوب أخبروا عنك أنك تعلم .. الارتداد عن موسي. كمن يقول لهم، لا أكتب لكم كعدو، أو كخصم، بل كصديق وهذا قد أوضحه فيما بعد، بقوله

” ولكن أطلب أكثر أن تفعلوا هذا لكي أرد إليكم بأكثر سرعة ” (عب 13: 19).

هذا الكلام قد أظهر أنه قد أحبهم للغاية، وهو أنه قد إعتبرهم مستحقين أن يُصلوا من أجله. ليس هكذا ببساطة، بل صلاة حارة وبلجاجة. “لكي أرد إليكم بأكثر سرعة. هذا يُظهر إنسانًا لديه معرفة داخلية بأعماله، وهو أنه يشتهي أن يأتي بالقرب منهم، ويترجاهم أن يصلوا من أجله. من أجل هذا السبب، بعدما طلب منهم أولاً الصلاة من أجله، هو نفسه تمني لهم كل الخيرات.

ثم يقول ” وإله السلام” (عب 13: 20).

قال هذا بسبب أن أولئك قد ثاروا ضده. ومادام إلهنا هو إله السلام، فلا تثيروا التحزبات ضدنا. ثم يكمل الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم” هذا قد قيل عن القيامة، يقول “العظيم”، وها هي إضافة أخرى هنا أيضًا وحتى النهاية، يؤكد لهم وبإصرار الكلام عن قيامة الرب. ويضيف: “ربنا يسوع بدم العهد الأبدي ليكلمكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته عاملا فيكم ما يرضي أمامه بيسوع المسيح الذي له المجد إلي أبد الآبدين آمين” (عب 13: 21).

مرة أخرى يعطي تأكيدات قوية، لأن الكامل هو الذي إبتدأ أن يصير كاملاً، وسيكتمل فيما بعد. وتمني لهم هذا الكمال، الأمر الذي يُظهر محبته لهم، ورغبته في أن يصيروا كاملين. ولاحظ أنه في رسائل أخرى، يعطي السلام أو الأمنيات في البداية، بينما هنا يعطيها في النهاية يقول

” وأطلب إليكم أيها الأخوة أن تحتملوا كلمة الوعظ لأن بكلمات قليلة كتبت إليكم” (عب 13: 22).

أرأيت كيف أن ما لم يكتبه لأحد، قد كتبه لهؤلاء؟ لأنه يقول “بكلمات قليلة كتبت إليكم أي لم أجهدكم بالكلام الكثير. وأعتقد لأنه أراد أن يختم رسالته عند هذه النقطة، فقد أورد اسم تيموثاؤس كمبرر للتوقف عن الكتابة عند هذا الحد، إذ لم يكن مكروه عند هؤلاء العبرانين.

إذ يقول “اعلموا أنه قد أطلق الأخ تيموثاؤس (و) الذي معه، سوف آراكـم إنـي آتي سريعا ” (عب 13: 23).

يقول “أطلق” من أين أطلق؟ أعتقد أنه كان مسجونا ، أو إن لم يكن هذا هو المقصود، فإنه يقصد أنه رحل من أثينا. خاصة وأن هذا ما يُشير إليه في أعمال الرسل.

“سلموا علي جميع مرشديكم وجميع القديسين يسلم عليكم الذين من إيطاليا النعمة مع جميعكم أمين” (عب 13: 24-25) .

أرأيت كيف أنه يُظهر أن تحقيق الفضيلة ليس هو موضوع يخص الله وحده، ولا هو خاص بنا فقط؟ لأنه يقول “ليكلمكم في كل عمل صالح”، وهذا ما أعلنه من قبل، كما لو كان قد قال لهم، بالتأكيد أنكم تسلكون بالفضيلة، غير أن الأمر يحتاج لأن تكتملوا فيها. وقد أظهر بما قاله أنه يجب أن يكون لهم حياة مملوءة بالفضيلة، وإيمانا مستقيماً. وبالصواب أضاف “لتصنعوا مشيئته عاملاً فيكم ما يُرضي أمامه”، يقول “أمامه”، لأن هذه هي أعظم فضيلة، أن يصنع أحد ما هو مرضى أمام الله، خاصةً وأن النبي يقول ” يكافئني الرب حسب بري حسب طهارة يدي يرد لي ” . وبينما هو قد كتب الكثير جدا ، قال إنه بكلمات قليلة كتب إليهم مقارنا بما كان يرغب أن يقوله، كما يقول في موضع آخر “كما سبقت فكتبت بالإيجاز. الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح

ولاحظ حكمته، لا يقول أترجاكم أن تحتملوا كلمة النصح، بل قال “إن تحتملوا كلمة الوعظ، أي العزاء، لأنه من غير الممكن أن يُمنع المرء من الكلام الكثير. ماذا إذا؟ فهل هذا هو ما جعلهم ينصرفوا عنه ؟ مطلقا، لكنه لا يُريد أن يُظهر لهم، وأن يقول لهم ، أنتم تتسمون بصغر النفس، لأن سمة هؤلاء الناس، هو عدم قبولهم للكلام الكثير. اعلموا أنه قد أُطلق الأخ تيموثاؤس الذي معه سوف أراكم أي سوف أراكم معه إن آتي سريعاً”. وهذا كاف ليجعلهم أكثر إحتمالاً، مادام هو مستعد أن يأتي مع التلميذ (تيموثاؤس). ثم يقول “سلموا علي جميع مرشديكم وجميع القديسين”. أنظر كيف كرمهم، طالما أنه كتب إليهم، ليس فقط إلي مرشديهم. يسلم عليكم الذين من إيطاليا النعمة مع جميعكم آمين. وما قاله في الختام هذا كان شيئًا حسنًا ويخص الجميع، لكن كيف ستكون النعمة معنا؟ تكون معنا عندما لا نهين من يُحسنون إلينا، وعندما لا نكون غير مبالين أمام العطية. 

 وما هي النعمة؟ هي غفران الخطايا هي النقاوة، لأن هذه هي معنا من الذي يمكنه أن يحتفظ بها، ولا يفقدها في الوقت الذي يُهينها؟ فإن كان الله قد سمح بأن تسقط في الخطايا فكيف ستكون النعمة معك، أي المسرة في الفضيلة، ومعونة الروح القدس، إن لم تجذبك (النعمة) ؟ لأن سبب كل الخيرات، أن تكون نعمة الروح القدس معنا علي الدوام، خاصة وأن النعمة تقودنا في كل شيء، كما أنه إذا ما تركتنا ، فإننا سنتعرى وسنهلك.

3. إذا ينبغي ألا نبتعد عن النعمة، لأنه أن تبقي النعمة أو أن تبتعد عنا، فهذا يعتمد علينا نحن إن الأمر الأول يحدث عندما يكون تفكيرنا متجها نحو السماويات، بينما الثاني يحدث عندما يكون نظرنا متجه نحو الأرضيات يقول رب المجد ” روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . يدعو الشرير والحياة الفاحشة “بالعالم”. أرأيت كيف أنه من غير الممكن أن تنال النفس الدنيوية، نعمة الروح القدس؟ إذا يحتاج الأمر أن نبذل محاولة كبيرة لكي نحتفظ بالنعمة، ولكي توجهنا في كل شيء، وأن نكون في أمان، وننعم بسلام داخلي وفير. لأنه كما أن القارب الذي يتوجه برياح مواتية، لا يمكن أن يلاقي عائقاً ما، ولا أن يغرق، طالما أن الرياح مواتيه ومستمرة علي هذا الحال، بل وبعد العودة، يقدم للبحارة والمسافرين تكريمًا كبيرًا ، إذ يقدم الراحة للبحارة، لأنه يعفيهم من تعب التجديف، بينما فيما يخص المسافرين يقيهم من كل خوف، ويقدم لهم طوال الرحلة مشاهد مفرحة جدا، هكذا النفس أيضًا التي هي محصنه بالروح الإلهية، علي كل الأحوال تتجاوز نوات الحياة وتخترق الطريق المؤدي إلي السماء بأكثر سهولة وراحة من ذلك القارب (الذي يخترق المياه)، مادامت لا تصل بالرياح، بل تصل بالروح القدس المعزي ذاته، لأن كل القوارب الشراعية التي له هي معدة ونظيفة، أما كل شيء خامل وفاسد يُبعده المعزي من تفكيرنا.

لأنه حقا كما أن الرياح لا تعمل إن هبت علي قارب شراعي متراخي، هكذا ولا الروح القدس يحتمل أن يبقي في نفس متوانية متكاسلة، بل يريد نفسا متحركة ومملوءة نشاط وبناء علي ذلك، يجب أن يكون تفكيرنا متقداً، وأعمالنا في كل موضع تحركنا ( نحو الأفضل)، وتقوينا، علي سبيل المثال عندما تصلي، فلنفعل هذا بقوة كبيرة، ونسمو بأنفسنا نحو السماء، ليس بحبال، بل برغبة وبنيه صادقة. عندما نحتاج إلي قوة، لأن الإهتمام بالبيت، ورعاية الأطفال والعناية بالزوجة والخوف من الفقر، قد يتغلغل إلي داخل النفس، ويجعل قارب (الحياة) يتراخي أما عندما تُشدّ النفس جيدا من كل ناحية، برجاء نوال خيرات الدهر الآتي، فإنها تستقبل طاقة الروح القدس بشكل جيد جدا، ولا شيء من هذه الأمور الزائلة والمحزنة ستأتي إلي النفس بل حتى وإن أتت، لا تؤذيها، بل وتُصَد سريعا بسبب هدوئها وأمانها الشديد، وهي حين تُقاوم تبتعد هذه الأمور (الزائلة).

‏ لأجل هذا فنحن نحتاج إلي يقظة كبيرة، لأننا نبحر في بحر كبير ومتسع، مملوء بوحوش وصخور كثيرة ويثير ضدنا نوات كثيرة، مسبباً لنا بهذه النوات دوارًا عنيفًا. إذا إن أردنا أن نبحر بإرتياح ودون أخطار، فيجب أن نشيد قواربنا أي رغبتنا أو إرادتنا، وهذا يكفينا، لأن إبراهيم أيضًا عندما وجه رغبته نحو الله وقدم إرادته بالكامل، فهل كان له إحتياجاً لشخص آخر؟ بالطبع لا، بل آمن بالرب فحسبه له برًا”. الإيمان هو نتيجة للرغبة الحقيقية. لقد قدم إبراهيم إبنه، ورغم أنه لم يذبحه، فقد تمت مكافأته، كما لو كان قد ذبحه، وعلي الرغم من أن العمل لم يتم، إلا أن الأجر قد أُعطي.

إذا فلتكن قواربنا (أي نفوسنا ) نقية وجديدة، وليس كتلك التي بلا نفع، لأن “ما عتق وشاخ فهو قريب من الإضمحلال” ينبغي ألا تكون مثقوبة، لكي تحتفظ بطاقة الروح القدس، لأنه يقول “الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله”. بالحقيقة كما أن خيوط العنكبوت لا تحتمل إندفاع أو قوة الرياح هكذا أيضا ولا النفس الدنيوية، ولا الإنسان غير الروحاني سيمكنه أبدا أن يستقبل نعمة الروح القدس. لأن أفكارنا لا تختلف في شيء عن خيوط العنكبوت. تبدو وكأنها منسجمة، بينما هي خالية من كل قوة. أما أمور حياتنا فليست هكذا، إن كنا حذرين، بل مهما يحدث فإن الإنسان الروحي يحتمل كل شيء، ويتجاوز كل شيء، ويظهر أقوي من كل القوات.

بمعني أنه إذا كان هناك إنسانًا ،روحيًا، وأتت عليه شرور لا حصر لها، فلن يأسره شيء من هذه الشرور. ماذا أقول؟ أقول فليأت الفقر والمرض، ولتأتي الإهانات، والشتائم والسخرية والجروح، وكل أنواع العذبات، وكل أنواع الإستهزاء واللوم سيظل هذا الإنسان الروحي كما لو كان خارج العالم كله، ومتحررا من الشهوات الجسدية، هكذا سيسخر من كل هذه الأمور. ومن حيث أنه ليس هناك مبالغة في كلامي، فأنا أعرف أن هناك كثيرين يحيون بالروح مثل أولئك الذين يعيشون في البرية. لكن هذا ليس موضع إعجاب بل أقول لكم إن في المدن أيضا يوجد مثل هؤلاء الناس الذين لا يمكن لأحد أن يشك فيهم. بل إن أردت أن أذكر لك بعضا من هؤلاء الذين عاشوا قديمًا (بالروح)، سأذكر لك الرسول بولس فأي شيء لم يصيبه وأي شيء لم يعانيه؟ لكنه تحمل كل شيء بشجاعة إذا فلنتمثل نحن أيضًا به لأنه هكذا سنستطيع أن نكون مرضيين أمام الله، وأن نتوافق مع المواني الهادئة، ذو الكنوز الكثيرة. فلنسموا بأفكارنا نحو السماء، ولتكن لدينا هذه الأمنية فقط، ولتسلح أنفسنا بالنار الروحية، ولننقذ أنفسنا من نار الجحيم لا أحد يخاف ممن يقابلهم، عندما يندفع نحوهم بهذا اللهيب (النار الروحية) حتى وإن كان من يلاقيه هو وحشا أو إنسانًا وحتى ولو نُصبت له فخاخا لا حصر لها ، فبقدر ما يكون مسلحا بهذه النار الروحية، فإن كل شيء (شرير) سيتراجع ، وسيبتعد. أن هذا اللهيب لا يُحتمل، وهذه النار لا تُطاق ، إنها تأكل كل شيء. فلنملئ أنفسنا بهذه الحرارة الروحية، ولنمجد ربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين.

تفسير رسالة العبرانيين 12 رسالة العبرانيين 13 تفسير رسالة العبرانيين تفسير العهد الجديد فهرس
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير عبرانيين 13 تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى