تفسير مزمور 12 للقمص متى المسكين
دراسة:
صلاة للمعونة في زمن يظهر فيه الكبرياء عامة، رياء، نفاق، عدم صدق. والعنوان يقول إنه لداود الذي ربما يكون قد كتبه بينما كان في حكومة شاول أو ربما في حياته التي كانت خارج القانون، فرجل مثل دواغ الأدومي الذي كان في مركز السلطة وأعداء سفلة المبادئ كانوا يسممون فكر شاول من جهة داود، انظر: (اصم ١٩:٢٦):
+ «فالآن فليسمع سيدي كلام عبده، فإن كان الرب قد أهاجك ضدي فليشتمّ تقدمة. وإن كان بنو الناس فليكونوا ملعونين أمام الرب لأنهم قد طردوني اليوم من الانضمام إلى نصيب الرب قائلين اذهب اعبد آلهة أخرى».
ومواطنون في قعيلة كانوا مستعدين أن يخونوا الذي خلصهم من يد الفلسطينيين، انظر: (اصم۱۱:۲۳)
+ «فهل يسلمني أهل قعيلة ليده. هل ينزل شاول كما سمع عبدك، يا رب إله إسرائيل أخبر عبدك. فقال الرب يتزل. فقال داود هل يسلمني أهل قعيلة مع رجالي ليد شاول فقال الرب يسلمون».
والزيفيون مجاناً تفكروا في الخيانة، انظر (۱صم ۱۹:۲۳و۲۰):
+ «فصعد الزيفيون إلى شاول إلى جبعة قائلين أليس داود مختبأ عندنا في حصون في الغاب في تل حخيلة التي إلى يمين القفر. فالآن حسب كل شهوة نفسك أيها الملك في التزول انزل وعلينا أن نسلمه ليد الملك».
وهكذا كان موقف صاحب المزمور مشابهاً تماماً للمذكور في مزمور (5:5و6و9و10) وهو لداود: مز 5: 5: «لا يقف المفتخرون قدام عينك. أبغضت كل فاعلي الإثم.
6 : تهلك المتكلمين بالكذب. رجل الدماء والغش يكرهه الرب.
9: لأنه ليس في أفواههم صدق. جوفهم هوة. حلقهم قبر مفتوح. ألسنتهم صقلوها. ۱۰: دنهم يا الله! ليسقطوا من مؤامراتهم. بكثرة ذنوبهم طوح بهم. لأنهم تمردوا عليك».
والعدد (5) في مزمور (12) يمكن مقارنته بما جاء في مزمور (۱۸:۹):
+ «لأنه لا ينسى المسكين إلى الأبد. رجاء البائسين لا يخيب إلى الدهر».
وأيضاً: (مز 5:10):
+ «تثبت سبله في كل حين. عالية أحكامك فوقه. كل أعدائه ينفث فيهم».
وعبارة: “الآن أقوم يقول الرب“ هي استجابة لصلاة جاءت في مزمور (۷:۳)، (مز 6:7)، (۱۹:۹)، (۱۲:۱۰) وهم كالآتي بالترتيب:
+ «قم يا رب، خلصني يا إلهي، لأنك ضربت كل أعدائي على الفك، هشمت أسنان الأشرار».
+ «قم يا رب، بغضبك ارتفع على سخط مضايقي وانتبه لي. بالحق أوصيت».
+ «قم يا رب، لا يعتز الإنسان، لتحاكم الأمم قدامك».
+ «قم يا رب، يا الله ارفع يدك لا تنسى المساكين».
ولكن هنا في مزمور (۱۲) نجد أن اللغة عامة والمزمور قد يكون تابعاً لأي زمن.
ويوجد شكاوي مشابهة في هوشع وإشعياء وميخا وإرميا. وفي كل عصور الكنيسة كان يوجد رجال صالحون اعتزلوا من أصحابهم واضطهدوا من أعدائهم ليقولوا مع إيليا النبي «فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي.» (امل 14:19)
في هذا المزمور تلتحم النبوة مع المزمور، وصاحب المزمور يتكلم إلى الله والله يجيب من خلال صاحب المزمور كالعدد (5)، وهو نفسه يسمع الله متكلماً ويخرج كلمته كأمر ورسالة، انظر مزمور (٢: ٦و٧):
+ «أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي. إني أخبر من جهة قضاء الرب: قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك».
وأيضاً: ( (مز 50: 1-3):
+ «إله الآلهة الرب تكلم ودعا الأرض من مشرق الشمس إلى مغربها. من صهيون كمال الجمال الله أشرق. يأتي إلهنا ولا يصمت».
وأيضاً: (مز 60: 6و8):
+ «الله قد تكلم بقدسه. أبتهج أقسم شكيم وأقيس وادي سكوت. لي جلعاد ولي منسى وإفرايم خوذة رأسي. يهوذا صولجاني. موآب مرحضتي. على أدوم أطرح نعلي. يا فلسطين اهتفي علي» .
وأيضاً: (مز 81: 6-8):
+ «أبعدت من الحمل كتفه في الضيق دعوت فنجيتك استجبتك في ستر الرعد… اسمع يا شعبي فأحذرك …».
وأيضاً: (مز ٨٢: ٢-٦):
+ «حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار، سلاه. اقضوا للذليل ولليتيم. أنصفوا المسكين والبائس. نجوا المسكين. من يد الأشرار أنقذوا. .. أنا قلت إنكم آلهة وبني العلي كلكم».
وأيضاً: (مز91: 14-16):
+ «لأنه تعلق بي أنجيه، أرفعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي».
وهذا المزمور يقع في قسمين متساويين كل واحد يتكون من وقفتين:
الأول: صلاة من أجل المعونة وسط عدم إيمان (1و2)، السفهاء (3و4).
الثاني: وعد يهوه بالمعونة. صفاء كلمة الله ونقاؤها وغناها (5و6)، رجاء صاحب المزمور في حفظ الله وعنايته وسط أشرار لا ينضبطون (7و8).
شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة
1-خَلِّصْ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ قَدِ انْقَرَضَ التَّقِيُّ، لأَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الأُمَنَاءُ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.
«خلص»:
أي اجعل الأمر أماناً مثل (مز7:3):
+ «قم يا رب. خلصني يا إلهي. لأنك ضربت كل أعدائي …»
وأيضاً: (مز4:6):
+ «عد يا رب نج نفسي. خلصني من أجل رحمتك» .
وأيضاً: (مز1:7):
+ «يا رب إلهي عليك توكلت. خلصني من كل الذين يطردونني ونجني».
«لأنه قد انقرض التقي»:
أو الناس الطيبون لم يعد لهم وجود، لقد سقط الأمناء بين أبناء الشر. الرحمة والحق والإحسان والصداقة صارت نادرة. انطفأوا، ومثل هذه التوجعات موجودة عند الأنبياء بكثرة، انظر: (هو4: 1):
+ «اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل. إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض».
وأيضاً: (مي7: 2):
+ «قد باد التقي من الأرض وليس مستقيم بين الناس. جميعهم يكمنون للدماء يصطادون بعضهم بعضاً بشبكة» .
وأيضاً: (إش1:57):
+ «باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه ورجال الإحسان يضمون وليس من يفطن بأنه من وجه الشر يضم الصديق».
وأيضاً: (إش59: 14و15):
+ «وقد ارتد الحق إلى الوراء والعدل يقف بعيداً. لأن الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول، وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر يُسلب. فرأى الرب وساء في عينيه أنه ليس عدل!» .
وأيضاً: (إر1:5):
+ «طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون إنساناً أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها!»
وأيضاً: (إر7: 28):
+ «فتقول لهم هذه هي الأمة التي لم تسمع لصوت الرب إلهها و لم تقبل تأديباً، باد الحق وقطع عن أفواههم» .
وأيضاً: (إر9: 2و3):
+ «يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين فأترك شعبي وأنطلق من عندهم لأنهم جميعاً زناة جماعة خائنين، يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب. لا للحق قووا في الأرض. لأنهم خرجوا من شر إلى شر وإياي لم يعرفوا يقول الرب».
«التقي» :
Godly وهي تعني هنا إنساناً يمارس الإحسان نحو زملائه كواجب ديني.
2- يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ صَاحِبِهِ، بِشِفَاهٍ مَلِقَةٍ، بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ.
النفاق والازدواجية عامة وكلام الناس هراء باطل. فالصوت غير حقيقي وتملقاتهم جاءت من ازدواجية القلب والتي عبر عنها “بقلب فقلب‘‘: قلب معك وقلب ضدك. وهو في قلبه شيء ويتكلم بشيء آخر، ومعناه ليس في استقامة، كذلك له ليس كلام واحد إذ يتكلم اليوم بشيء وباكر بغيره وينفي أنه وعد، انظر: (أم٢٦: ۲۳-۲۷):
+ «فضة زغل (مغشوشة) تغشي شقفة (يعني شقفة فخار قذرة مطلية فضة مصرية) هكذا الشفتان المتوقدتان والقلب الشرير. بشفتيه يتنكر المبغض وفي جوفه يضع غشاً. إذا حسن صوته فلا تأتمنه لأن في قلبه سبع رجاسات. من يغطي بغضة بمكر يكشف خبثه بين الجماعة، من يحفر حفرة يسقط فيها». –
3- يَقْطَعُ الرَّبُّ جَمِيعَ الشِّفَاهِ الْمَلِقَةِ وَاللِّسَانَ الْمُتَكَلِّمَ بِالْعَظَائِمِ،
4- الَّذِينَ قَالُوا: «بِأَلْسِنَتِنَا نَتَجَبَّرُ. شِفَاهُنَا مَعَنَا. مَنْ هُوَ سَيِّدٌ عَلَيْنَا؟ ».
انتهت الصلاة من أجل المعونة، وهنا ابتدأت الصلاة من أجل النقمة من هذه السفاهة والرياء الكاذب، انظر: (مز ۳۱: ۱۷و۱۸):
+ «يا رب لا تدعني أخزى لأني دعوتك. ليخز الأشرار. ليسكتوا في الهاوية. لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق بوقاحة بكبرياء واستهانة».
وفي الآية (4) يقصد بها أصحاب الشفاه الملقة وفم التعاظم وبشفاهنا نكون أقوياء ومن هو الله علينا؟ لا يستطيع أحد أن يتحكم في أقوالنا. يقصد الندماء السفلة المبادئ والجلساء المستهزئين الذين يستولون على كل شيء بطرقهم السافلة بواسطة التملق والخيانة والشهادة الزور.
5«مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ».
6كَلاَمُ الرَّبِّ كَلاَمٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ فِي بُوطَةٍ فِي الأَرْضِ، مَمْحُوصَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
هنا يتسمع صاحب المزمور قول الرب كاستجابة ويثبت حقيقة صدقه.
ففي الآية (5) ’’البائسين هنا تعني المحتاجين والذين ليس لهم، انظر: (خر2: 23و24):
+ «وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا. فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية. فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب».
وهكذا الفريسة المحتقرة توضع بعيداً عن يد المعذبين في المكان الآمن، بعيداً عن متابعة أسنانهم كالوحوش، انظر: (مز 56: 1و2):
+ «ارحمني يا الله لأن الإنسان يتهممني (يضغط علي. يدوسني) واليوم كله محارباً يضايقني. تهممني أعدائي اليوم كله لأن كثيرين يقاومونني بكبرياء».
«كلام الرب كلام نقي، كفضة مصفاة في بوطة في الأرض، ممحوصة سبع مرات»:
في مقابل كلام الأعداء، هذا كلام الحق الصافي المصفى النقي. كلام الله بلا عيب. حيث الفضة هي رمز طبيعي للنقاوة والقيمة العالية، انظر: (مز ۳۰:۱۸):
+ «الله طريقه كامل. قول الرب نقي، ترس هو لجميع المحتمين به» .
وأيضاً: (مز 140:119):
+ «كلمتك ممحصة جدا وعبدك أحبها».
«في الأرض»:
الفضة تنقى في بوتقة تحمى على الأرض لتخرج تلمع ببريق ويعاد صهرها سبع مرات لتصبح نقية 100%
«سبع مرات»:
انظر: (مز ۱۲:۷۹):
+ «ورد على جيراننا سبعة أضعاف في أحضانهم العار الذي عيروك به يا رب».
7- أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُهُمْ. تَحْرُسُهُمْ مِنْ هذَا الْجِيلِ إِلَى الدَّهْرِ.
8- الأَشْرَارُ يَتَمَشَّوْنَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الأَرْذَالِ بَيْنَ النَّاسِ.
تجمع اصطلاحات الثقة في الله وحماية يهوه التي تظل الحاجة إليها شديدة للغاية حينما يسود الأشرار في كل مكان ولا أحد يردهم:
+ «احفظني يا رب لأني عليك توكلت.» (مز16: 1)
وهو يشير هنا في الآية (7) إلى الفقراء والمحتاجين المذكورين في الآية (5) حيث كل واحد من هؤلاء الفرائس له عناية خاصة من الله.
«هذا الجيل»:
هم رجال كل جيل الذين لهم أخلاق خاصة، انظر: (مز14: 5و6):
+ «هناك خافوا خوفاً لأن الله في الجيل البار. رأي المسكين ناقضتم لأن الرب ملجأه».
وأيضاً: (مت ۱۷: ۱۷و۱۸):
+ «فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي إلى متى أكون معكم. إلى متى أحتملكم قدموه إلي ههنا. فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشفي الغلام من تلك الساعة» .
في الآية (8) يهوه سيحفظ البار حتى ولو كان الشر مرتفعاً بين الناس وتعالى هلافيت الناس إلى درجة الرئاسة وعصى الأشرار لا يضبطها ضابط، انظر: (مز ۱۱: ۱-۳):
+ «على الرب توكلت، كيف تقولون لنفسي اهربوا إلى جبالكم كالعصفور؟ لأنه هوذا الأشراريمدون القوس، فوقوا السهم في الوتر ليرموا في الدجى مستقيمي القلوب. إذا انقلبت الأعمدة فالصديق ماذا يفعل».
فصاحب المزمور يرجع إلى الشر الذي ساد الذي بدأ به الكلام.
تفسير مزمور 11 | مزمور 12 | تفسير سفر المزامير | تفسير العهد القديم | تفسير مزمور 13 |
القمص متى المسكين | ||||
تفاسير مزمور 12 | تفاسير سفر المزامير | تفاسير العهد القديم |