مبادئ في التعامل مع شباب مرحلة ثانوي

 

شباب المرحلة الثانوية هم فى فترة تكوين الشخصية والإحساس بالذات. لذلك تهدف خدمتنا لهم إلى مساعدتهم فى اقتناء الشخصية المتكاملة، التى وضعنا لها ملامح محددة هى:

1- الشبع الروحى : بالرب يسوع وبالإنجيل المقدس والحياة الكنسية.
2- الإستنارة الذهنية : بقراءة الكتاب المقدس، والكتب الروحية، والثقافة العامة، تحت إرشاد أب الإعتراف.
3- السلام النفسى : الذى يتأتى من نفس تائبة، وروح مجاهدة، وشركة حية مع الله، والنشاط الكنسى والإجتماعات الروحية، وفرص التسلية المقدسة: كالرحلات والحفلات والمعارض..
4- السلامة البدنية : كنتيجة طبيعية للحياة المقدسة، التى تحافظ على وزنة الجسد، فى طهارة وضبط وصحة، وتبتعد عن كل ما يدمر هذا الهيكل المقدس: كالتدخين والخمور والمخدرات وأمراض النجاسة.
5- النجاح الإجتماعى : كسمة أساسية للأصحاء نفسياً وروحياً، إذ ينتشرون بين الناس فى حب وبذل، وفى روح الخدمة والأمانة، كشهادة حية للمسيح الساكن فينا.

وعلى هذا يكون التعامل مع هذه المرحلة، التى تتسم بالنضج الجسدى، والتذبذب النفسى، والصداقة داخل “شلة” معينة، والمثالية فى النظر للأمور، وروح النقد والتمرد على السلطة: الوالدية والمدرسية والدينية، ويكون التعامل مع هؤلاء الشباب المملوئين عاطفة وحيوية وإحتياجًا، على أساسات معينة، ومبادئ هامة، وخدمات جوهرية، يجب أن نقدمها لهم، سواء فى محيط الأسرة أو الكنيسة… وهذه بعضها:

1- روح المحبة الشخصية

فشباب هذه المرحلة يتسم بالعاطفة الشديدة، يعطيها بغزارة، ويمنعها بسهولة، ولذلك ينبغى على الوالدين والخدام، وبخاصة على أب الإعتراف، أن يعطوا لمسة “المحبة الشخصية” (Personal Touch) لهذا الشاب. ويتضح هذا من خلال:
– محبة حقيقية روحانية لكل نفس على حدة.
– معرفة باسمها وعنوانها.   
– زيارات منزلية للبيت.
– تفاعل مع ظروف حياتهم فى المرض والألم والفشل، كما فى الفرح والنجاح…

إن مفتاح عقول هؤلاء الشباب المباركين، هو فى قلوبهم، فإذا ما شعروا من الأب الكاهن والخادم والوالد والوالدة بلمسات الحب الشخصى، والإهتمام به كإنسان وليس كرقم فى الفصل أو فى الأسرة…  إذا ما فتحنا لهم القلب والفكر والأذن لنستمع إلى أنينهم وآلامهم وآمالهم وأفراحهم، سوف يفتحون هم أيضًا الذهن، ليستوعبوا كلمة الحياة ونور الإنجيل، وأهمية الكنيسة والصداقة والخدمة، ثم يأتى دور الإرادة، فتخضع لعمل الروح، وتطيع ارشادات الكاهن، وتعليمات الوالدين، وتنبيهات الخادم المحبوب.

وكثيرًا ما يحسّ شباب هذه المرحلة بالتفرقة فى المعاملة، بين شاب وآخر فى الفصل، أو فى الإعتراف، وبين أخ وأخيه أو أخته فى المنزل.. وكثيراً ما يكون هذا نوعاً من التوهم، وربما الحقيقة، ولكن المحبة الخالصة الروحية، ورفع الشباب إلى السيد المسيح، ليدخلوا معه فى عشرة حب واستنارة وجهاد روحى، ويخرجوا من أسر الذات إلى عطاء الخدمة وقبول الآخر… هذه كلها أمور هامة من أجل روح شبعانة بالله، ونفس هادئة فى السيد المسيح.

ونحذر هنا الخدام من أمور ثلاثة:

أ- إياك واقتحام النفس: إذ تحاول الوصول لما فى أعماق الشباب من متاعب أو مشاكل أو أسرار أو خطايا… فهذا الإقتحام له رد فعل خطير إذ سيتهرب الشباب من الإجابة، ويغلقون القلب والعقل عنك.

ب- إياك والطغيان عليه: بمعنى محاولة أن يكون الشباب نسخة منك، فى شخصيتك وملامحك ومنهجك، فإذا ما أحببت شيئاً يجب أن يحبوه… وإذا ما كرهت شيئاً يجب أن يكرهوه… فهذا ينسحب أيضاً على علاقتهم بغيرك من الآباء والخدام، إذ يتحولون إلى نسخ ممسوخة ومشوهة منك، وشخصيات تابعة لك، وهو منهج خطير فى التربية، يسمونه منهج “غسل المخ” (Brain – wash) أو “التحكم العقلى” (Mind Control)… هكذا يسلك القائد الطاغى على شخصية مخدوميه، فيمسح شخصيتهم، ويلغى هويتهم، ويحبط طاقاتهم ومواهبهم، ويقودوهم ربما إلى التهلكة.

ج- إياك والتعلق العاطفى: فمع إصرارنا على أن يحبك كل من تخدمهم، إلا أن التعلق العاطفى بك يخلق منك ومن الشباب وحدة طاردة للمسيح، وهذا السن سريعاً ما يتعلق بخادمه أو بخادمتها أو حتى بأب الإعتراف والوالدين… وهذا كله غير سليم روحياً وتربويًا – والمطلوب هو أن يكون المربى متصلاً ومرتبطًا بالسيد المسيح، ومرتفعًا فى إتجاه تكريس القلب لله، فلا يفرح بهذا التعلق، لكن يأخذ الشباب معه رويداً رويدًا نحو الله، والآباء، والقديسين، وبقية الخدام، وهكذا تهدأ نبرة العاطفة عندهم، وتصير محبتهم محبة روحانية بناءة، ويكونون مفطومين عن خدامهم ووالديهم، يحبونهم فى نضج، ولا يتعلقون بهم بطريقة خاطئة ومرضية.

2- روح التفهم والحوار

من المهم أن نتبع مع شباب هذه المرحلة روح التفهم والحوار…

– التفهم: أى إدراك ظروفهم، سواء الذاتية أو المدرسية أو المجتمعية… حتى نتعامل معهم ونحن ندرك الوسط المحيط بهم، وكل ما فيه من ضغوط وإغراءات وإحباطات وعادات وتيارات..

– الحوار: أى المناقشة الهادئة الموضوعية لكل أمر، سواء فى حياتهم الخاصة أو الروحية أو العائلية أو المدرسية.. بشرط أن يكون الحوار فى روح المحبة والتفاهم، وبهدوء دون انفعال، وبصبر حتى نصل إلى الفكر السديد والرأى السليم.

إن شباب هذه المرحلة لا يحب الأوامر والنواهى، ولا يطيق النصائح والتنبيهات… ويمل من تكرارها، ويتصدى لها علناً أو سراً… بينما هو يقدر الحوار الهادئ البناء، فى صبر وروحانية، نقِّلب وجهات النظر معهم، إلى أن يصلوا إلى الرأى السديد.

وهناك ثلاثة مناهج فى الحوار:

1- منهج القمع: أى إصدار الأوامر ولابد من الطاعة… دون حوار ومناقشة… وهذا سبيله إلى تكوين سراديب خفية، وسخط نفسى، وتنفيذ دون اقتناع، وشخصية محبطة.

2- منهج الاقناع: أى محاولة اقناع الشباب بما هو فى ذهنى من أفكار وقرارات.. وهذا أيضًا غير بناء.. فسوف يقدمون لى موافقة شكلية ظاهرية، دون اقتناع حقيقى، وتنفيذ أمين.

3- منهج الاقتناع: الذى فيه يصل الشباب إلى اقتناع فعلى، بعد أن درس أبعاد الموضوع، واقتنع بما هو صواب.. وهذا بالطبع أفضل منهج، حيث يصل بنا إلى شخصية هادئة متفاعلة قوية، تنفذ ما اقتنعت به، دون تظاهر أو افتعال أو سخط داخلى.

ومع أن الحوار البناء يستغرق وقتاً، ويتطلب جهداً وصبراً، إلا أنه أفضل الأمور فى تربية الشباب، نتعب فيه فى البداية، ونستريح به – فيما بعد – كل الطريق.

الحوار هو لغة السيد المسيح مع تلاميذه، ولغة الحكماء والفلاسفة مع مريديهم، ولغة العصر الحاضر. لذلك ينبغى أن تكون هناك حوارات عديدة مع شبابنا، سواء فى الاجتماع الأسبوعى، أو الأنشطة، أو الخدمة الفردية، أو الإعتراف. فالحوار هو أنجح السبل فى تعاملنا مع شباب هذه المرحلة.

3- روح الصداقة والتقدير

فنحن أمام مرحلة “تكوين الذات” و”تكوين الشخصية المتكاملة“، لذلك ينبغى أن نلتزم بروح الاحترام لهذا السن، فلا نتعامل معه كأنه طفل أو فتى صغير، بل ننمى فيه روح الرجولة (فى الشبان) وروح النضج (فى الشابات)، لكى ينشأوا جميعاً النشأة السليمة، ويدخلوا معنا فى حوارات بناءة وأنشطة إيجابية، وصداقات مقدسة، تحميهم من أصدقاء السوء، وما يمكن أن يجروه عليهم من ويلات.

والمثل المصرى الجميل يقول: “أن كبر ابنك خاويه“، أى إذا بلغ ابنك حّد الكبر، تعامل معه كأخ… فهو لا يحب معاملة الأطفال أو الخاضعين والتابعين، ويتطلع إلى معاملة الكبار الناضجين.

لذلك فمن الخطورة بمكان أن تعامل هذا الشاب بأسلوب يسئ إلى شخصيته وكرامته وسط أصدقائه، فهذا جرح عميق، يبقى إلى سنين طويلة، والقائد الذى يتسبب فى إحداث هذا الجرح، قائد مرفوض من الشباب، ولن يستفيدوا منه، مهما كانت مواهبه وخدماته ومجهوداته.

4- روح الحزم عند اللزوم

فالمحبة وحدها قد تحدث نوعاً من التسيب فى الحياة وفى تكوين الشخصية، لذلك لابد من الحزم المحب، والمحبة الحازمة، فعندما يفشل الحوار بسبب الإصرار والعناد على مسلك خاطئ، يتدخل الحزم فى اللحظة المناسبة، ليحسم الأمور، حتى مع بعض التذمر وعدم التقبل من الشباب. المهم بعد ذلك أن نشرح للشباب سبب هذا الحزم، بموضوعية ومحبة وهدوء، حتى يتقبلوا القرار، وبالقطع، سوف يدركون خطأهم فيما بعد، ويرون فى هذا القرار الحازم الحاسم نجاتهم ونجاحهم.

إن إدراك شباب هذه المرحلة للأمور، محدود بحدود خبراتهم القليلة، كما أن نضجهم الجسدى والذاتى، يدفعهم إلى الجدال والتمرد والرفض، حتى دون منطق عقلانى. لذلك وجب علينا الحزم والحسم فى أحيان كثيرة، حتى لا يقع الشباب فريسة أشياء ضارة مثل: التدخين والمخدرات وصديق السوء… وفى المستقبل سيدرك الشباب لماذا كان حزمنا هذا، وكيف كان لخيرهم وبنيانهم.

غير أن المطلوب فى هذا الحزم، يجب ألا يصل إلى جرعات زائدة تضايق الشباب وتغيظهم حتى إلى درجة الفشل، وذلك ما يسميه علماء التربية “الرعاية الزائدة” (Over – protection)، فمع رفضنا الشديد للرعاية الناقصة (Under – protection)، نرجو ألا نسقط فى نقيضها: أى الرعاية الزائدة، التى تضايق الشباب وتشعرهم بالقيود (وليس الضوابط) وبالسجن (وليس الالتزام).

وقديماً علمنا الكتاب: “لاَ تُغِيظُوا اوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا” (كو 21:3)… الاتزان مهم… فالقسوة مدمّرة، وكذلك التدليل… ولابد ألا يتناقض أسلوب الوالد مع الوالدة، فالأب يقسو والأم تدلل… بل المطلوب هو الإتفاق على سياسة تكاملية: الأب يحزم والأم تشرح…

5- روح المرح والنشاط

فشباب هذه المرحلة مهموم بالعملية التعليمية، ومجموع الثانوية العامة، وكلية المستقبل، والدروس الخصوصية، وقلة الوقت المتاح للمذاكرة أو النشاط أو الرياضة أو الحياة الدينية.. لذلك يجب أن يقدم له المربون روح المرح، وفرص النشاط.. فالشباب يحب المرح، وعلى الآباء والخدام أن يعاملوه بفرح ومرح وبهجة، حتى يخفضوا من أثر التوترات النفسية التى يعيشها. لذلك فالإجتماع يجب أن يكون مبهجاً، والخادم أنموذجاً للنفس السليمة الفرحة بالرب، وكذلك الأب الكاهن والوالدون، روح الحوار، وتنوع الأنشطة، والمعسكرات الصيفية، وفرق الكشافة، والمسرحيات، والمعارض، ينبغى أن تتكامل مع فرحة الإجتماع الروحى، وحلاوة التسبيح، وسعادة الوجود فى بيت الله، وممارسة الأسرار المقدسة.

6- روح الصبر وعدم التعجل

فمن أخطر الأمور فى هذه المرحلة أن يتعجل الخادم الثمر فى حياة مخدوميه، وينسى أن البذرة الحية يجب أن تأخذ وقتها، وتغذيتها، وحمايتها من الآفات، وتعريض النبات للشمس، كذلك المخدوم، يجب أن يأخذ وقته، مهما تأخر فى التوبة، أو وسائط النعمة أو الدخول إلى الخدمة… يجب أن نصبر عليه، فلكل نفس زمان توبتها، وفرص تجديد الحياة، ووسائل النمو الخاصة بها… ولذلك يجب أن لا نتعامل مع النفوس بطريقة ميكانيكية متعجلة، فنيأس من شاب لأنه انحرف، أو من شابة لأنها ابتعدت… علينا بالتالى:

– الصبر… وإعطاء المدى الزمنى المطلوب فى الخدمة..
– الصلاة… والصراخ إلى الله ليعمل فى هذه النفوس..
– الكلمة الحية… دون ضغط ممل أو إهمال مرفوض..
– النموذج الحىّ… للخادم المسيحى حقاً والكنسى فعلاً..
– الافتقاد… بالزيارة والتليفون وأنواع الميديا..
– الاكتشاف المبكر للإنحراف… إذا دخل فى علاقة سلبية أو عاطفة مدمرة..
– التغذية المستمرة… بالوسائط الروحية المتنوعة..
– التوعية والوقاية… ضد أساليب الانحراف المختلفة..
– فرش جسر الرجعة… حتى إذا ما ابتعد، يجد هناك خط رجعة، من محبة الأب الكاهن والخادم والوالدين..

7- روح الإيمان والثقة فى الله

لأن كل ما تحدثنا عنه قبلاً، بدون الإيمان بالله، والثقة فى محبته، وعمل نعمته معنا، يتحول إلى سراب وعدم… ألم يقل لنا الرب: “بِدُونِى لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً
(يو 5:15)، ألم يقل لنا بولس الرسول: “فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِىِّ فِى ضَعَفَاتِى، لِكَىْ تَحِلَّ عَلَىَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ” (2كو 9:12).

أليس هذا هو اختباره النهائى: “وَلَكِنَّنَا فِى هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا، بِالَّذِى أَحَبَّنَا
(رو 37:8)، “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى” (فى 13:4)، “إِذاً لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئاً وَلاَ السَّاقِى بَلِ اللهُ الَّذِى يُنْمِى” (1كو 7:3).

إن خادم القلب المصلى، والركبة المنحنية، والقلب المفتوح، هو الخادم المثمر فى خدمة هذه المرحلة الهامة، والشريحة العريضة، فى الأسرة والكنيسة والمجتمع. ولاشك أن السماء تبارك جهادنا جميعاً فى خدمة ورعاية هؤلاء الشباب، المملوئين حباً وحيوية ومرحاً، إنهم شباب طيب ومبارك، يجاهد ويجتهد فى ميادين عديدة، جهاد الروح والدراسة والعلاقات، فى صبر ومثابرة وتعب،وفى ظروف معاكسة شديدة… أفلا يستحقون منا كل حب واهتمام؟

نعم يستحقون، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل.

أعاننا الله فى خدمة اسمه القدوس وأولاده الأحباء، ونعمة الرب فلتشملنا..


لنيافة الأنبا موسى أسقف الشباب

 

زر الذهاب إلى الأعلى