تفسير سفر أيوب أصحاح 34 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الرابع والثلاثون
تابع حديث أليهو
الله الذي خلق الكل، لا يمكن أن يكون ظالماً
وفي موضع آخر يعاود النص القول[1]: “هل تظن أن الرب سيعمل ما هو غير لائق أو أن القدير سيعوج القضاء؟ إنه قد صنع الأرض، هو الذى خلق البسيطة وكل ما تحتويه، لأنه إن أراد أن ي ويحتفظ بروحه في نفسه، سیموت کل جسد بدون استثناء، ويرجع كل مائت إلى الأرض التي جُبل منها” (12:34- 15).
2- قال أليهو : أنت تزعم أن الله يعوّج القضاء بلا ترو وللإضرار. فيجيب بولس: «فكيف يدين الله العالم إذ ذاك؟» (رو 3: 6).
3- لاحظ كيف أن أليهو أقام عدل الله بطريقة أخرى فقال: إنه قد صنع الأرض والسماء وكل الخلائق الأخرى. فهل هو يجهل صنعة يديه حتى يكون ظالماً من نحونا؟ إنه يشفق على كل ما يخصه والكتاب يقول: «أنت تشفق على كل الخلائق، إذ كلها تنتمى إليك أيها السيد رفيق الحياة (حكمه 11: 27)، ليس فقط لأنها صنعته، بل أيضاً لأنه هو سيدها، وعلى ذلك، فهذا ما يحدث حتى عند الرجال الأشرار، فحتى لو أن مرؤوسيهم يقبلون منهم الأذية، فهم – كأشرار – لن يحتملوا أن يضروهم، لأن كل العالم اعتاد أن يشفق على أفراده وممتلكاته، لكن عندما يختص هذا بمن هو شخصياً الخالق والسيد فكيف يعوّج القضاء فى الكون كله وهو ينشر مثل هذه العظمة؟ وحتى أنت يا أيوب لن تستطيع القول إنه عن ضعف لا يقترف الظلم، بينما في الواقع سهل عليه أن يلاشى كل البشر، ويكفيه فقط أن يريد هذا، ولا يوجد شيء يمنعه عن هذا ، لكن لم يُرَ شيء مثل هذا أبداً في الماضي.
4- “لكن إن لم تقتنع فاسمع هذا يا أيوب، وأصغ إلى صوت كلماتي. لننظر (في الأمر) ألا تعتقد أن من يكره المظالم ويهلك الأشرار هو الذى أبدى وعادل؟” (34: 16- 17).
هل رأيت ؟ إن أليهو لم يتجاسر على انتزاع الاستنتاج بأنه عادل، وبإفراز عظيم تحاشى تأكيد هذا. وهذا ليس فقط بدءاً من الكون أو الخليقة، ولا حتى ينبغي لقوته أن تخمن هذا العدل[2]، بل أيضاً من طبيعته نفسها ومن ذات أعماله. إنه يكره الأشرار ويحب (الصالحين من البشر. إنه ليس مثلنا، نحن الذين نبتعد عن الشر ليس كرهاً للرذيلة، بل عن خوف من العقوبة الآتية من أين أتى هذا الخوف؟ فأجاب أليهو من كونه يكره المظالم ويهلك الأشرار – وأضاف قوله: «هو الذي أبدى وعادل».
إن أليهو كان محقاً في ذكر الأبدية حتى لا نطالب الله بالحساب عن كل يوم ولأجل كل عمل مما حدث في الماضي فمراراً يقدم الله أمراً ينبغى أن يمتد تحقيقه على فترة زمنية طويلة. فلا تنتظر ( تتوقع هذا التحقيق للأمر الآن ولا تسعى أيضاً قبل أن يكون كل شيء قد تم تماماً، حتى تفهم حكم الله، لأنك لن تستخلص شيئاً من سعيك على هذا النحو. لهذا قال أليهو : إنه أبدى وعادل وعلى ذلك فكل الماضى يشهد له. فهل سيتغير (هو) هذا اليوم (عن عدله)؟
الله يستطيع كل شيء
لا أحد يلوم الملك على تعديه للقانون
5 – قال اليهو: ” أثيم هو من يقول للملك: أنت تتعدى القانون» (18:34).
إذ أنه سيُعاقب لوقاحته بالتأكيد عندما يختص هذا بملك، فإنه لن يكون بلا عواقب. ويبدو لي أنه يريد أن يلمح أيضاً لشيء آخر، وهو أن الملك لا يخضع للقوانين، بل هو فوقها إذ أنه في الواقع هو الذي سنّها، لذلك من الطبيعى أن نلوم من يقول للمشرع: أنت تتعدى القانون. فهذا يكون كمن يقول للخزاف والصانع: أنت أسأت العمل (انظر إش 29: 16؛ 45: 9)، فللملك قانونه.
6- “مثل هذا كما لو كن يوقر وجه إنسان مكرم ، ولا يعرف كيف يعطى الإكرام (اللائق) للعظيم لكى تحترم أشخاصهم” (34: 19).
لأنه أيضاً إن كنت لا تعرف (أن توقر الله) فعلى الأقل ينبغي لك أن تخضع نفسك له ولمجده، دون أن تسعى لتفهم شيئاً. لأن الذى يحشر نفسه في أمور الله لا يوقره (ويكرمه). واسمع أيضاً ما قاله بولس: «أعط (إبراهيم) مجداً الله وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضاً» (4: 20-21). قل لي : لماذا تيقن ؟ هذا لإصراره فى رفض الإقرار بمستحيلات الطبيعة.
7- قال اليهو: “فهم عبثاً يصعدون توسلات وصرخات للإنسان (الملك) لأنهم قد استغلوا بطريقة ظالمة مع المنفيين والمساكين” (تابع 34: 19).
لذلك فحتى توسلك هو الذى يتهمك لأن الذى يقول للملك أنت تتعدى القانون، فحتى لو توسلت إليه (فيما بعد) فعبثاً أنت تتوسل
الله يعرف كل شيء: يعرف الأبرار والظالمين
8- ثم فيما يختص بمعرفة الله، قال أليهو أنه يعرف كل شيء: “إنه هو الذى يرى كل البشر ولن يفلت منه شيء مما يصنعونه والذى لا توجد منطقة يمكن أن يختفى فيها من يقترفون الإثم، لأن الله يرى الكل من فوق وهو يدرك أشياء لا تستقصى، أشياء مجيدة وفائقة لا عدد لها. يكتشف أعمالهم ويقلبهم أثناء الليل فيصيروا أذلاء” (21:34- 25).
لكن لاحظ أنت (أيها القارئ) معى كيف أن أليهو لم يسعَ في أي موضع لأن يلحق الإساءة بأيوب، كما فعل الثلاثة الآخرون، لكنه أكد أن الله عادل دون أن يقول له: أنت جردت الأيتام والأرامل. لاحظ كيف أنه يستطيع توجيه اللوم دون اتهامه له (بأى شيء).
ينبغى الخضوع لله
9- بعد ذلك عاود النص إلى القول: “يا أيوب أنت لم تتكلم بفهم وكلماتك لم تكن موسومة بالحكمة” (34: 35).
إن هذا على التقريب أمر يختص بالرحمة أما الثلاثة الآخرون فإنهم على العكس قالوا: إلى متى تتكلم هكذا ؟ ونَفَس فمك ينتشر في كلمات؟» (8: 2).
10- “مع هذا علم يا أيوب نفسك وتوقف عن الإجابة كالجهال، لكى لا تضيف (خطية) إلى خطايانا، فالإثم سيُحسب علينا إن تكلمنا مطولاً أمام الرب” (34: 36- 37).
إنه لم يقل نتكلم بطريقة ظالمة وأثيمة» بل قال نتكلم بطريقة مطولة» مظهراً أنه لا ينبغي أيضاً أن نرد مطولاً على الله. إن كان فيما يختص بملك لا يجرؤ أحد على الإجابة مطولاً، فكم يكون هذا بالأولى عندما يختص بالله.
- ملحوظة : أغفل ذهبي الفم تماماً الأعداد 1-11 لم يعلق عليها أو يذكرها.
- يبدو لى أنه يقصد هنا أنه قوته المطلقة ينبغي أن توحى لنا بعدله لأنه لا يوجد من يقاومه حتى يضطر الله اضطراراً لعدم الحكم بعدل.
تفسير أيوب 33 | سفر أيوب 34 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم | تفسير أيوب 35 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 34 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |