الأنبا ثيؤدوروس أسقف القيروان

هو أسقف القيروان – مسقط رأس القديس مرقس كاروز الديار المصرية – وكان ثيودورس هذا قديسا كما كان فناناً عظيماً. وكان يقضى فترات راحته – بعد تأدية أعماله الراعوية – في زخرفة المخطوطات. ولقد برع فى هذا الفن إلى حد أن الناس أصحاب الذوق المرهف في أنحاء العالم كانوا يسارعون إلى اقتناء رسوماته. وكان فنه ممتلئاً روحانية فجذب بواسطته عدداً عديداً إلى السيد المسيح. ولاحظ دجنيانوس والى القيروان أن الفن هو رسول الأسقف لدى الناس يستميلهم بواسطته عن الوثنية إلى المسيحية. فاغتاظ كل الغيظ، وقرر أن يعطل الأنبا ثيودورس عن عمله – وبخاصة أن الامبراطور ديوقلديانوس اصدر منشوراته ضد المسيحيين. فقبض ديجنيانوس على الأسقف وعلى عدد من النساء الشريفات وبعض زعماء المسيحيين.

ولما استمع القاضي إلى شكوى ديجنيانوس عن الآيات الفنية التي يبتكرها الأنبا ثيودورس ليستميل بها القلوب إلى المسيحية، أمره بتسليمها إليه. ولكن رجل الله رفض الاذعان للأمر. وبازاء هذا الرفض حكم القاضي بجلده بسياط تنتهى بقطع من الحديد. فانهال عليه بالسياط حتى سالت دماؤه غزيرة. وحالما تركوه تريث إلى أن استعاد أنفاسه وجر نفسه على الأرض إلى أن وصل تجاه المذبح الذي أقيم في دار المحاكمة لاستهواء المسيحيين إلى التبخير عليه. والتفت إليه الجميع في اهتمام بالغ زاعمين أن السياط أثرت فيه فأنسته إيمانه. ولكنه ما كاد يلمس المذبح حتى دفعه بكل مابقى فيه من قوة فانقلب على الأرض. وثارت ثائرة القاضى والوالي فأصدروا الأمر بسلخ جلده جزء جزء، وصب الخل على كل جزء حالما يسلخونه. وبدأ الجند عملهم ، فكان الأنبا ثيودورس يهتف أثناء سلخه : إن مخلصنا السيد المسيح هو وحده سيدنا وربنا. فأمر القاضي بقطع لسانه ورميه فى السجن قبل أن يكون ثباته سببا في اجتذاب جمهور المتفرجين إلى ايمانه المسيحى. وبينما هو في السجن شفاه الفادى الحبيب من جراحاته كما أعاد إليه لسانه فآمن به لوسیوس حارس السجن.

وبعد أيام دهش ديجنيانوس الوالي إذ وجد الأنبا ثيودورس معافي فأطلق سبيله. أما النساء الشريفات وبقية المؤمنين الذين كانوا في السجن معه فقد صدر الأمر باعدامهم جميعاً .

والعجيب فى هذا الشأن أن لوسيوس حارس السجن الذي نال الصبغة المقدسة على يدى الأنبا ثيودورس رأى من واجبه أن يحاول اجتذاب ديجنيانوس الوالى ومعه القاضي إلى المسيحية، فنجح مع الأول وفشل مع الثاني. واتفق لوسيوس مع ديجنيانوس على مغادرة البلاد معاً، فذهبا إلى قبرص. وبعد أيام عرف الأهالى سيرتهما فوشى البعض بهما إلى الوالى. وأحس لوسيوس بما حدث فأراد أن يحفظ حياة ديجنيانوس ويقيه مما قد يصيبه من عذاب فسلم نفسه خلسة إلى الوالى. ولما كان لوسيوس رومانيا أمر والى الجزيرة بقطع رأسه بحد السيف. وحين سمع ديجنيانوس بما حدث، أخذ الجسد ودفنه باكرام عظيم. ثم قضى بقية حياته في عزلة وهدوء مداوماً على الصوم والصلاة إلى يوم مماته

أما الأسقف ثيئودورس فعاد إلى شعبه وعاود جهاده الفني: ولكن العذاب الذي ذاقه أضني جسمه فلم يعش سوى سنين قليلة انتقل بعدها إلى بيعة الأبكار فى هدوء وسلام.

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى