تفسير إنجيل مرقس أصحاح 13 – كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ 
علامات خراب أورشليم ونهاية العالم | وجوب السهر الروحي

 

مقدمة للأصحاح:

يتقابل هذا الأصحاح تمامًا مع (مت 24)، وتمت أحداثه في ثلاثاء البصخة. وقد اشتمل على نبوات تتعلق بخراب أورشليم سنة 70 م. على يد تيطس القائد الروماني (كما سَيَرِد تفصيلًا في (ع14)، وأخرى تتعلق بنهاية الزمان والمجىء الثاني للمسيح، وعلينا التفريق بينهما، وتداخل هذه العلامات يرجع إلى سببين:

(1) كان هناك اعتقاد شديد عند اليهود أن الهيكل لن يخرُب ويُهدم إلا عند نهاية العالم وزواله، وبالتالي، ارتبط الحدثين (خراب الهيكل ونهاية العالم) كحدث واحد في ذهن التلاميذ.

(2) سواء كان خراب أورشليم وموت آلاف اليهود، أو نهاية العالم، فالأمر المستفاد منهما واحد، وهو الاستعداد بالتوبة، ولهذا كان الحديث الختامى للمسيح في هذا الأصحاح عن الاستعداد (ع32-37).

 

(1) مقدمة لحديث المسيح (ع 1-6)

(2) علامات ما قبل نهاية العالم (ع 7-8)

(3) ضيقات تقابل التلاميذ والمؤمنين قبل خراب أورشليم (ع 9-13)

(4) أحداث خراب أورشليم ونصائح الهروب (ع 14-20)

(5) علامات نهاية العالم وأحداثها (ع 21-31)

(6) السهر الدائم (ع 32-37)

(1) مقدمة لحديث المسيح (ع 1-6):

1 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا مُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: 4 «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟» 5 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.

 

ع1-2: قام هيرودس الكبير بتجديد بناء الهيكل بأورشليم، وجعله بناء رائعا، وذلك في عام 15 ق.م. وتم إنهاؤه في عام 64 م، وظل قائما خمسة قرون تقريبا منذ عهد عَزْرَا. ولم يبنه هيرودس إكراما لله، بل إرضاء لليهود. وقد تحققت نبوة المسيح عنه في عام 70 م. عند خراب أورشليم وتهدم الهيكل.

وعند خروج المسيح مع تلاميذه من الهيكل، تحدث أحد التلاميذ – بافتخار – عن عظمة بناء الهيكل، وحجم أحجاره الكبيرة. فاستغل المسيح هذه الملاحظة في بدء توجيه حديثه عن خراب أورشليم وهدم الهيكل وزواله، وفي هذا أكثر من معنى ورمز:

(1) هدم الهيكل: معناه نهاية عهد الذبائح الحيوانية، وبداية عصر الكنيسة التي ذبيحتها المسيح نفسه، وليس دم التيوس.

(2) هدم الهيكل: معناه أيضًا موت إنساننا العتيق بالمعمودية، وقيامة إنساننا الروحي الجديد.

(3) هدم الهيكل: يعلمنا عدم الانبهار بأمجاد العالم مهما بدت عظيمة، لأن كل ما على الأرض له نهاية، أما ما في السماء فهو باقٍ وأبدى.

 

ع3-6: يقع جبل الزيتون شرق أورشليم، ولارتفاعه، يمكن رؤية المدينة كلها، وكذلك الهيكل بوضوح. وعند جلوس المسيح والتلاميذ، تقدم له أربعة منهم، سائلين عن علامات حدوث ما تكلم به – هدم الهيكل. ويضيف القديس متى في (مت 24: 3) أنهم سألوه أيضًا عن مجيئه الثاني وانقضاء الدهر، لأنهم اعتبروا أنه حدث واحد، كما سبقت الإشارة في مقدمة هذا الأصحاح.

أما السيد المسيح، فقد بدأ حديثه الهام للتلاميذ بتحذيرهم من ظهور أناس كاذبين يدّعون إنهم المسيح، أو رسلا منه، ويكونوا سبب ضلال وهلاك كثيرين؛ فعلى الكنيسة في كل عصورها الحذر منهم.

يلاحظ أن السيد المسيح، في حديثه عن العلامات، لم يحدد أزمنة. وتعلمنا أيضًا الكنيسة نفس التعليم في ألا ننشغل بالأزمنة بل بالتوبة والاستعداد.

(2) علامات ما قبل نهاية العالم (ع 7-8):

7 فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ.

بدأ الرب يسوع يحدد بعض علامات ما قبل “المنتهى”، وهى: “حروب وأخبار حروب”، بمعنى انتشار الحروب بين الممالك في أكثر من بقعة على الأرض، فإما أن نرى بعضها أو نسمع عن البعض الآخر. وبالطبع، يتبع هذه الحروب انقسام الممالك والأمم بعضها على بعض… فمن الطبيعي أن يزداد هياج الشيطان، مع قرب نهاية سلطانه، فيزرع هذه الحروب.

“زلازل… مجاعات”: علامات أخرى، وسوف تنتشر في أماكن متفرقة. ولعل الزلازل يسمح بها الله حتى يخاف الناس فيتوبوا… والمجاعات في معظم الأحوال هي نتيجة للحروب الهائلة والمستمرة، والتي تقضى على خيرات الشعوب.

“هذه مبتدأ الأوجاع”: أي أنها مجرد بدايات يعقبها أمور أعظم!!

† أخي الحبيب… لا ترتاع ولا تخف من هذه العلامات، أو ما هو قادم منها، فأبناء الله دائما محفوظين في يد أبيهم السمائى… ومهما كانت الضيقة، فهناك دائما التعزية والمعونة في هذه الحياة، والأكاليل والمجد في الحياة القادمة.

(3) ضيقات تقابل التلاميذ والمؤمنين قبل خراب أورشليم (ع 9-13):

9 فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10 وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلًا بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. 11 فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. 12 وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ.

 

ع9: يخبر السيد المسيح هنا التلاميذ ببعض الأمور الصعبة التي سوف تقابلهم هم والمؤمنون في الفترة ما بين صعوده وخراب أورشليم، وهي فترة مليئة بالحروب والوشايات ضدهم، فسيكونون عرضة للمحاكمات أمام مجالس ومجامع اليهود، وبسببه سوف يُجلدون. ولكن، كل هذا سيكون بمثابة الفرصة للتلاميذ بأن يشهدوا بإيمانهم أمام من يحاكمونهم… ولاحظ أن هذا ما حدث بالفعل في رجم استفانوس (أع 7: 59)، وقتل يعقوب وسجن بطرس (أع 12: 2 و4)، وغيرهم.

 

ع10: وقبل خراب أورشليم أيضا، ستنتقل أخبار الكرازة والبشارة في جميع الأمم المحيطة، وذلك إما بسبب بدء التلاميذ عملية الكرازة خارج اليهودية، أو بسبب اليهود الذين يأتون إلى أورشليم في أيام الفصح، ويرجعون لبلادهم بأخبار الكرازة كما حدث مع الخَصِىِّ الحَبَشِىِّ (أع 8: 27-39).

هذا من جهة خراب أورشليم، أما من جهة علامات نهاية العالم، فسينتشر الإيمان المسيحي في العالم، ويؤمن كثيرون قبل المجيء الثاني.

 

ع11: يُطمئن السيد المسيح هنا تلاميذه لئلا يخافوا مما هو آتٍ عليهم، فيؤكد لهم أن الروح القدس لن يفارقهم أبدا فيما سوف يتعرضون له، فلا يهتموا أمام المحاكمات والمساءلات ولا يرتبكوا، لأن الروح القدس نفسه سوف يعطيهم الحكمة والجرأة، فعليهم الطاعة والنطق بما يمليه عليهم الروح.

 

ع12: وبسبب الإيمان الجديد، سينقسم البيت الواحد على نفسه، فيمكن أن يقتل الأولاد غير المؤمنين آباءهم الذين آمنوا والعكس، وكذلك الأخ مع أخيه.

 

ع13: ينتظر المؤمنون في كل جيل ما أنبأ المسيح تلاميذه به هنا، فمن يريد أن يحيا في جهاد ليرضى الله ويكرز باسم المسيح، عادة ما سيقيم الشيطان حوله أعداء كثيرين…

† ولكن، انظر يا أخي برجاء إلى وعد المسيح الصادق، فكل من يحتمل هذه الضيقات بصبر، فله خلاصا أبديا، بل تعويضا عن كل ما قاساه (رؤ 21: 4). فتشجع يا صديقى أمام ما يقابلك، فأنت في عهد مع من وعد.

(4) أحداث خراب أورشليم ونصائح الهروب (ع 14-20):

14 فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي. – لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ – فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 15 وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 16 وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 18 وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. 19 لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20 وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ.

 

ع14: “رِجْسَةَ الخراب”: تنبأ دانيآل في (دا 9: 23-27) أنه بعد ارتفاع المسيح، يأتي رئيس يخرب أورشليم والهيكل، ويبطل الذبائح والتقدمة. وكلمة “رِجْسَةَ” معناها “نجاسة” تصاحب هذا الخراب، أي أن ما تنبأ به دنيآل وأكده المسيح.

فمنذ عام 66 م، تعرضت أورشليم لثلاث حصارات رومانية، انتهت باقتحامها سنة 70 م. على يد تيطس، الذي هدم أجزاء كثيرة من الهيكل، ودخله بأوثانه وأصنامه، فتنجس بها، وبالفعل أُبطل تقديم الذبائح منذ ذلك الزمان بالهيكل.

“ليفهم القارئ”: عبارة أضافها المسيح لكلامه لأنه يعلم أن الإنجيل سيُكتب وسيُكرز به بين الأمم. ويحذر السيد المسيح من شدة وأهوال الأحداث في ذلك الوقت، فيقدم نصيحة أنه على كل من كان موجودا في أورشليم والمناطق المحيطة في هذه الأثناء، أن يهرب إلى رؤوس الجبال للنجاة من الحصار الروماني.

 

ع15-18: تصور هذه الأعداد شدة وويلات هذا الخراب، ونصائح لمن يريد أن ينجو بحياته من هذا الدمار. فمن كان على السطح، فليهرب سريعا ولا يفكر في أمتعته التي في البيت، فلن يكون هناك وقت ليعود ويأخذها. ومن يعمل في الحقل، فلا يهتم حتى يأخذ ثيابه التي خلعها أثناء عمله. وتكون الأمور شاقة جدًا على الحبالى والمرضعات اللاتي يحملن الأطفال أثناء الهرب. ويدعوهم المسيح للصلاة أن تكون ظروف الهرب سهلة، لأنه ما أصعب الهرب في الشتاء والبرد القارس.

† أخي الحبيب… إن الهرب الروحي من الشر والنجاسة هو هدف كل أولاد الله، ويقدم لك المسيح هنا أماكن يمكن الاحتماء بها، فالجبال تشير إلى الارتفاع والسمو على شهوات العالم. وعدم أخذ شيء من البيت معناه عدم الاهتمام بالاكتناز المادي. وعدم الرجوع للوراء معناه الثبات في التوبة وترك الخطايا القديمة. والصلاة هي السلاح الدائم والمرافق حتى يكمل هروبنا ونستقر مع الله في ملكوته… آمين.

 

ع19: بالفعل، كانت ضيقة خراب أورشليم عظيمة جدا، إذ أهلك تيطس أكثر من مليون وربع مليون يهوديا (في تقدير يوسيفوس المؤرخ اليهودي مليون وثلاثمائة ألف وخمسون يهوديا) من أورشليم وضواحيها. وبالطبع، هذا الحجم من الدمار لم يكن معروفا قبلا في هذه المنطقة.

 

ع20: من حنان الله أنه جعل أيام الحصار لا تزيد عن خمسة أشهر، حتى يعطى فرصة للمختارين، أي المسيحيين، للنجاة بحياتهم.

ملاحظة: ينطبق أيضًا شرح عدديّ (19 و20) على آخر الأيام، إذ يكون اضطهاد الزمن الأخير شديدا. ولكن محبة الله تُقصّر هذه الأيام من أجل نجاة كل من يتمسك بإيمانه.

(5) علامات نهاية العالم وأحداثها (ع 21-31):

21 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23 فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. 24 «وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25 وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27 فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ. 28 فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 30 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 31 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.

 

ع21-23: يحذرنا السيد المسيح من ظهور أدعياء كذبة، يدعون أنهم المسيح، وسوف يعضدهم الشيطان، فيأتون بمعجزات وعجائب شيطانية، حتى يبلبلوا المؤمنين من أجل ترك الإيمان وتبعية هؤلاء المضلين، وكلام المسيح واضح “لا تصدقوا” هؤلاء الكذبة.

† ولهذا، علينا عدم الاندفاع وراء أي تيار خارج عن الكنيسة وروح الكتاب المقدس، مهما كانت معجزات هؤلاء، بل لتصاحبنا دائما كلمات السيد المسيح“ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء”، وعلينا بالصلاة والاتضاع والتروى وطاعة الكنيسة، فهم خير ضمان للنجاة من حِيَلِ المضل.

 

ع24-25: “وأما في تلك الأيام”: أي قبل المجيء الثاني للمسيح، وليس خراب أورشليم.

“الشمس.. القمر”: ظلام الشمس والقمر له أكثر من معنى:

الأول: وهو المعنى المباشر، إشارة إلى نهاية العالم المادي بنظامه الذي وضعه الله، ويعتمد على الشمس وحركة الكواكب حولها.

الثاني: أنه بسبب ظهور المسيح بنوره القوى، تظهر الشمس مظلمة مقارنة به.

الثالث: وهو المعنى الرمزي، أي أنه بعد انتشار الإيمان بالمسيح، يشوّه الهراطقة مفاهيم الإيمان ويشتتوا البسطاء، فتظلم عقولهم (الشمس) وقلوبهم (القمر).

“نجوم السماء تتساقط”:

علميا: بدأت هذه الظاهرة في الحدوث، إذ اختفت من الكون بعض النجوم العظيمة.

روحيا: تساقط الكثيرين من المسيحيين المؤمنين والمشهورين كالنجوم في الضلالة والبدع والهرطقات.

“قوات السماوات تتزعزع”: لعل المقصود هنا هي عناصر الطبيعة في السماء المرئية، والتي ذكرها القديس بطرس في رسالته الثانية (2 بط 3: 10) “وتنحل العناصر محترقة”.

 

ع26-27: يصف السيد المسيح منظر مجيئه الثاني، فكما صعد وأخذته سحابة، سيأتي أيضًا في سحاب بقوة كثيرة ومجد، أي بعظمة وقوة وسلطانه الإلهي، وبمجده الذي لا يُدنَى منه، والسحاب يرمز عادة للحضرة الإلهية كما حدث أيام موسى (خر 13: 21-22)، وسليمان (1 مل 18: 10-11)، وفي التجلي أيضًا (مت 17:5؛ مر 9: 7؛ لو 9: 34). ويرسل الله ملائكته ويجمع مختاريه، أي المؤمنين باسمه والناجين من الضيقة الشديدة، من الأربع الرياح، من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء، أي أقطار الأرض كلها.

 

ع28-29: يقدم هنا المسيح مثلا، معناه: كما أنكم تستطيعون تمييز بعض الأمور من علاماتها، مثل ازدهار شجرة التين بأوراقها فتعلمون قرب قدوم الصيف، هكذا أيضًا متى رأيتم كل ما أخبرتكم به فاعلموا أن خراب أورشليم ونهاية العالم صار قريبا جدًا.

 

ع30-31: هذا ما تم بالفعل بالنسبة لخراب أورشليم سنة 70 م، إذ أن معظم التلاميذ والمؤمنين كانوا أحياء وشاهدوا ما حدث.

ويختم السيد المسيح بتأكيد يبعد كل شك عن كلامه، حينما قال أن زوال السماء والأرض أقرب إلى التصديق عن أن تزول كلمة واحدة من كلامه.

† إلهي الحبيب… إن علامات مجيئك الثاني، هى علامات مرعبة ومخيفة. ومع هذا، لا زلتُ مستمرا في بعدى عنك، تشغلنى أمور هذا العالم الفانى!!

اجعلنى يا إلهي أتذكر دائما مجيئك في مجد عظيم، وضمّنى، مع من يجمعونهم ملائكتك، إلى حضنك… توّبنى يا رب فأتوب.

(6) السهر الدائم (ع 32-37):

32 «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. 33 اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. 34 كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. 36 لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! 37 وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا».

 

ع32-33: أما زمن وساعة المجيء الثاني للمسيح ونهاية العالم، فليس لأحد أن يعرفه أو أن يجتهد في معرفته، إذ أن هذه الساعة جعلها الله في سلطانه وحده، ولم يعلنها حتى للملائكة؛ وحتى المسيح لم يعلنها لأحد من البشر أثناء تجسده.

ويوضح المسيح الحكمة من إخفاء هذا الميعاد عن البشر، وهي دوام الاستعداد والسهر واليقظة الروحية، فالناس لو علمت أن الوقت لم يزل بعيدا، لفترت قلوبهم وتركوا حياة التوبة والاستعداد (انظر التعليق والشرح في نهاية الأصحاح: هل كان الابن لا يعرف الوقت والساعة؟)

 

ع34: يقدم السيد المسيح هنا مثلا يؤكد به وجوب السهر الروحي والاهتمام بخلاص النفس، فالمسيح نفسه هو الله السيد صاحب البيت، سافر، أي صعد إلى السماء بعد الفداء، وترك بيته، أي كنيسته لعبيده المؤمنين باسمه، وأعطاهم المواهب والسلطان، بجانب وصاياه، وحدد لكل واحد عمله، ليخدموا في بيته بحسب المواهب الموزعة عليهم، وأوصى البواب، أي الرعاة والكهنة بالسهر والمراقبة الروحية على عبيده.

 

ع35-37: يقدم السيد المسيح في نهاية المثل وصية، وهي: “اسهروا”، ويحذرنا بأننا “لا تعلمون” زمن مجيئه.

“أمساء.. نصف الليل.. صياح الديك.. صباحا”: طبفا للتوقيت الروماني، قسّم الرومان الليل إلى أربعة أقسام، بدءا من الغروب حتى الشروق، أي اثنتى عشر ساعة، وكل قسم ثلاث ساعات. وسُمّيت هذه الأقسام في مواضع أخرى بالهزيع الأول والثاني والثالث والرابع، وكلمة هزيع معناها قسم أو جزء. وكل الخوف أن يأتي ابن الله فيجد الناس نياما في خطاياها، منصرفة عن اهتمامها بخلاص نفسها، فلا تكون النجاة لأحد. ويختم المسيح كلامه بأن هذا التحذير والإنذار بوجوب السهر، ليس لتلاميذه فقط، بل لكل عبيده المؤمنين باسمه في العالم كله.

تعليق هام على (ع32): هل يعلم الابن ساعة مجيئه أم لا يعلمها؟! ولماذا قال: “ولا الابن، إلا الآب؟!”

تعلّمنا الكنيسة مبدءا هاما، وهو أن أَيَّةُ آيَةٍ صعبة في الكتاب المقدس لا تؤخذ منفردة، بل تُفسَّر في ضوء باقي نصوص الكتاب، كما سنتّبع في شرحنا لهذه الآية… فالمسيح، كابن الله المساوى، بالطبع يعرف الساعة، والآيات التالية تثبت ذلك:

(1) “كل ما للآب هو لى” (يو 16: 15): فإذا كان الآب يملك كل المعرفة، فالابن يملكها أيضًا.

(2) “أنا والآب واحد” (يو 10: 30)، “أنى أنا في الآب والآب فىَّ… أنى في الآب والآب فىَّ” (يو 14: 10 و11)، آيات تعطى نفس المعنى. (لاحظ التأكيد في تكرار العددين الأخيرين).

(3) كيف يكون الخالق ولا يعرف متى تنتهي خليقته؟! “كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 3)

(4) كيف تكون له الدينونة كلها، ولا يعلم متى يدين؟! “لأن الآب لا يدين أحدا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن” (يو 5: 22)، وأيضا: “وإن كنت أنا أدين، فدينونتى حق، لأنى لست وحدى، بل أنا والآب الذي أرسلنى” (يو 8: 16).

(5) إذا أخذنا بحرفية الآية، فإن الابن يحجب المعرفة أيضًا عن الروح القدس، وهذا مستحيل، “لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله… هكذا أيضًا أمور الله، لا يعرفها أحد ألا روح الله” (1 كو 2: 10-11).

إذن، فالمقصود بهذه الآية، هو: أن المسيح، كابن للإنسان، وكإنسان يمثل كل البشر، ينهى عن البشر جميعا معرفة هذه الساعة والاهتمام ببحثها، ويوجهنا إلى الاهتمام بالتوبة وقبول فدائه.

ويمكننا القول أيضًا: أن المسيح يعرف الساعة والزمان، وجاء النفى هنا يفيد عدم الإعلان.

مثال: كأن يسأل التلاميذ المدرس عن أسئلة الامتحان، فيجيب بعدم معرفته، وعدم المعرفة هنا مقصود بها عدم التصريح، إذ هو نفسه واضع الامتحان.

تفسير مرقس 12 إنجيل مرقس – 13  تفسير إنجيل مرقس تفسير العهد الجديد تفسير مرقس 14
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير مرقس – 13 تفاسير إنجيل مرقس تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى