تفسير إنجيل لوقا ١٧ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح السابع عشر
الآيات (1-6): راجع كتاب إنجيل متى (مت6:18،7)
راجع كتاب إنجيل متى (مت15:18،21،22)
آيات (1،2): “وقال لتلاميذه لا يمكن إلا أن تأتي العثرات ولكن ويل للذي تأتي بواسطته. خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار.”
العالم الذي نحيا فيه هو عالم شرير، وقد وضع في الشرير. ولابد سيأتي ضيق على المؤمنين وهرطقات، وكتب وأفلام وصور خليعة معثرة وأصدقاء أردياء ومسكرات ومخدرات، وخصومات ومنازعات (2تي1:3-5). بل هناك عثرات من الخدام والكهنة، فأخطاء هؤلاء معثرة جداً. والله ليس هو سبب هذه الضيقات والعثرات، ولكنه هو يعلم أنه لابد وستأتي. وللناس الحرية أن يقبلوها أو يرفضوها. وقول السيد هنا ويلٌ= هو إنذار لكل من تسول له نفسه أن يفعل هذا. هؤلاء الصغار= يقصد الرسل والتلاميذ، والمؤمنين البسطاء المتضعين، أو قليلي المعرفة. يطوق عنقه بحجر رحي= هي عقوبة يونانية رومانية. والمسيح لا يدعو للإنتحار قطعاً، بل يدعو للتوبة، ولكن معنى الآية، أن عذاب الغرق لثواني أما عذاب الجحيم فأبدي.
آية (3): “احترزوا لأنفسكم وأن أخطأ إليك أخوك فوبخه وأن تاب فأغفر له.”
إحترزوا لأنفسكم= من أن [1] تتعثروا [2] من أن تعثروا أحداً. وأشهر عثرة هي عدم الغفران لذلك يقول= إن أخطأ إليك أخوك فوبخه= وفي (مت23:5،24) يقول للمخطئ لا تقدم قربانك على المذبح قبل أن تذهب وتصطلح مع أخيك، وبجمع الآيتين نجد السيد يوجه الخصمين للصلح.
آية (4): “وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فأغفر له.”
التلمود كان يعلم بالغفران 3 مرات، وهنا يطلب السيد 7مرات، وفي (مت21:18-22) يطلب الغفران 70×7 ورقم 7 هو رقم كامل وبذلك يكون المعنى الغفران الكامل الدائم.
وإن كان السيد يطالبنا بأن نفعل هذا فهو بالتأكيد سيغفر لنا بنفس الشروط. هذا يفتح باب الرجاء للتائبين.
آيات (5،6): “فقال الرسل للرب زد إيماننا. فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وإنغرسي في البحر فتطيعكم.”
أدرك الرسل أن ما يطلبه السيد هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية فقالوا= زد إيماننا= أي طلبوا معونة إلهية للتنفيذ، أو طلبوا قلباً جديداً وطبيعة جديدة قادرة على الغفران، والطبيعة الجديدة تأتي أولاً بالإيمان ثم بعمل النعمة. والله هو الذي يزيد الإيمان. وبولس الرسول يمدح أهل تسالونيكي إذ أن إيمانهم ينمو (2تس3:1). والله له وسائله الخاصة ليزيد إيماننا، فتارة يعطينا من نعمه وبركاته الكثير، وتارة يسمح ببعض التجارب والتأديبات، وعلينا أن نشكر الله على عطاياه فلا ننشغل بالعطية عن العاطي، وعلينا أن نشكر في الضيقات ولا نتذمر. (كو7:2) فنحن نتفاضل في الإيمان بالشكر وكلما شكرنا ولم نتذمر تنفتح عيوننا الداخلية ونرى يد الله فيزداد إيماننا فالله يعطي أولاً الإيمان، فهو عطية من الله، ويكون أولاً صغيراً مثل حبة خردل، ومع الشكر وعدم التذمر تنقلع شجرة الجميز= أي الشك الجاثم على قلوبنا أو الخطية المتعمقة في القلب. فالإيمان هو خبرة معاشة مع الله فيها نتلامس معه يومياً فينمو إيماننا. وقيل أن شجرة الجميز ترمز للشيطان الذي يلقي بذار الشك في قلوبنا، فكلما يزداد إيماننا نأمره بأن يبتعد ويُرمي في البحر، كما حدث مع قطيع الخنازير. حبة الخردل= بذرة صغيرة تستخدم كتوابل، وحينما تنمو تكون شجرة بطول 3.5متر. وجذورها ثابتة وقوية. واليهود يقولون حبة خردل للإشارة للأشياء الصغيرة جداً.
الآيات (7-10): “ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول له إذا دخل من الحقل تقدم سريعاً واتكئ. بل ألا يقول له اعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى أكل واشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أمر به لا أظن. كذلك انتم أيضاً متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا أننا عبيد بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا.”
السيد المسيح علمنا أن نصلي لله قائلين يا أبانا الذي.. وهو يكلم التلاميذ قائلاً لهم يا أولادي (يو33:13). ويقول لا أعود أسميكم عبيداً.. لكني قد سميتكم أحباء (يو15:15). ويقول الكتاب “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله (يو12:1). فلماذا يعود السيد المسيح هنا ويطالبنا أن نكون عبيداً؟ أولاً: نحن عبيد فهو قد إشترانا بدمه لكن طبيعة الإنسان تشتهي المجد الباطل وتميل إليه، ألم يسقط آدم وحواء إذ أرادا أن يصيروا مثل الله. والتلاميذ بعد هذه الفترة الطويلة مع المسيح إشتهوا أن يكون أحدهما عن يمينه وعن يساره (مت21:20). وتشاجر التلاميذ من منهم أعظم (مت1:18 + مر34:9) بل حتى الليلة التي أسْلِمَ السيد فيها تشاجروا على من هو أعظم (لو24:22). ولو تصرف كل إنسان على أنه إبن الله وبهذا ينتفخ سنسقط في الكبرياء ونضيع ونبحث عن الكرامات التي نستحقها كأبناء لله..!! ولكن السيد في هذا الدرس كان يريد منّا أن لا نبحث عن أي أمجاد أو كرامات في هذا الزمان الذي نتعرض فيه لخطورة السقوط في الكبرياء، فليسمينا الله أحباء وبنين، ولكن علينا أن نصنع كل واجباتنا، ونقوم بخدمتنا بأمانة، ونعبد الله بأمانة، ولكن نقول، نحن عبيد قمنا بواجبنا، ولا نطلب أمجاد في المقابل ولا كرامات ولا عطايا في مقابل خدمتنا، ولا مكافآت زمنية سواء ماديات أو مواهب روحية، علينا أن نعيش بهذه الروح، روح الإتضاع والإنسحاق والشعور بأننا لا نستحق شئ، لنردد مع بطرس “أخرج يا رب من سفينتي فأنا رجل خاطئ” (لو8:5) (ليس المقصود أن يخرج الرب فعلاً، لكن هي عبارة تشير لعدم إستحقاق بطرس لوجود الرب في سفينته، وذلك لأنه أدرك أنه خاطئ) فهل نحن بلا خطية؟ حاشا.. إذاً فنحن خطاة لا نستحق شئ. وربما أتت هذه الآيات بعد حديث الرب عن المغفرة والإيمان. فهل لو رأينا إيماننا قد إزداد، أو أصبحنا بنعمته قادرين على الغفران فهل تأخذنا نشوة التفاخر والتعظم؟! هنا نفهم نصيحة المسيح، أنه “يجب علينا أن نكون كعبد رجع من عمله، فعليه ألاّ ينتظر الراحة بل يكمل خدمة سيده” ونحن علينا ألاّ نكف عن الخدمة، وألاّ نطلب الراحة واللذة في هذا الزمان الحاضر. بل لا نطلب شكراً من أحد بل لا ننسب لأنفسنا فعل الخير، فكل خير فعلناه، الله هو الذي أعطانا أن نفعله، فلماذا ننسب لأنفسنا ما صنعته نعمة الله (يع16:1،17+ 1كو7:4+ 1كو10:15) بل كوننا أبناء فهذا أصلاً من نعمته وليس فضلاً منا. ونحن خارج نعمته ما نحن سوى عبيد بطالون= أي لم نوفه حقه، ولن نوفه مهما عملنا. فنحن مدينون له بحياتنا أولاً ثم بكل ما بين أيدينا، ثم بفدائه، وبحصولنا على البنوة.
- وإن كان من يفعل كل ما أُمِرَ به هو عبد بطال فماذا نكون نحن المقصرين فيما طُلِبَ منّا؟!
- هذا هو السبب الذي جعل بولس الرسول يعتبر نفسه مديون للكل (رو14:1)
تمنطق وإخدمني= إشارة للجهاد طوال العمر. بعد ذلك تأكل وتشرب= إشارة للحياة الأبدية والشبع في الملكوت. دخل من الحقل= العمل في العالم. أعدد ما أتعشى به= بعد العودة للمنزل علينا أن نفرح الله بعبادتنا.
الآيات (11-19): (شفاء العشرة برص)
الآيات (11-19): “وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص فوقفوا من بعيد. ورفعوا صوتاً قائلين يا يسوع يا معلم ارحمنا. فنظر وقال لهم اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة ففيما هم منطلقون طهروا. فواحد منهم لما رأى انه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكراً له وكان سامرياً. فأجاب يسوع وقال أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس. ثم قال له قم وامض إيمانك خلصك.”
نرى هنا الرب يسوع هو الذي يطهر نفوسنا من برص الخطية، وأنه بينما هو يشفي ويخلص يفرح بمن يعود له شاكراً. ولكن هل يحتاج المسيح لأن نشكره؟! المسيح لا يحتاج منى أي شئ. العطاء والمحبة من طبعه. ولكن أن أشكر الله فهذا يعطي لي فرصة أن أستمتع بمحبة الله، القلب الشاكر يُمَكِّنْ الله من أن يتعامل معه ويعزيه ويفرحه، وهذا عكس القلب المتذمر الذي يغلق الباب أمام الله، فلا يستطيع الله أن يتعامل معه. لذلك تعلمنا الكنيسة المقدسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، حتى في الأحزان، فالله صانع خيرات، وحتى ما نعتبره ضيقة أو تجربة أو شدة فهو للخير (رو28:8 + 1كو22:3) لذلك علينا أن نشكر دائماً وفي كل حال. فمن يشكر في الضيقة، كما قلنا ثقة منه في الله، وإيمان بأن الله لا يستطيع أن يصنع سوى الخير حتى لو لم نفهم الآن ما يصنعه ولكننا سنفهم فيما بعد (يو7:13)، مثل هذا القلب يستطيع أن يتعامل الله معه ويملأه تعزية وسط الضيقة. لذلك يطلب المسيح أن نتعلم الشكر في العطايا الحلوة والصحة، وإذا تعلمنا هذا سنستطيع أن نشكره في الضيقات وبهذا تكون صلتنا مستمرة معه. الجحود تجاه الله، وتجاه الناس ناشئ عن خطايانا التي تسببت في قسوة قلوبنا. فهناك من يشتكي حاله بمرارة إستدراراً لعطف الناس ولكنه لا يشكر أبداً. وهناك من هو غير راضٍ عن نصيبه في الحياة، ويقارن بين حاله وحال غيره ويتذمر إذ يرى نفسه أقل من ناحية الخيرات المادية فيتذمر ولا يشكر أبداً.
لذلك علمتنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر وهذا يجعل القلب أداة طيعة في يد الله يسهل على الله التعامل معها.
تشبيه= يشبه القلب بقطعة من الشمع، إذا تعرضت للحرارة تسيل وتلين ويسهل تشكيلها، ولو بردت تتكسر لو حاولت أن تعيد تشكيلها. وهكذا قلب الإنسان. فالقلب الشاكر الذي تعود على الشكر يلين في يد الله، ويستطيع الله أن يعطيه الكثير من نعمته، مثل هذا الأبرص الذي عاد شاكراً، فهو قد حصل بالإضافة إلى شفائه الجسدي، على الخلاص= إيمانك خلصك أما الجاحد والمتذمر فهذا يحزن الله، لا لأن الله كان يحتاج لشكره بل لأنه كان يود لو أعطاه المزيد من نعمته. فالعبادة الحقة هي أن نشكر الله دائماً. وسؤال السيد فأين التسعة= هو إبداء الأسف والحزن على الجحود، وكما قلنا فالسيد كان يود أن يعطيهم كلهم المزيد، وهم قد حرموا أنفسهم (كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة) (مارإسحق).
نقطة أخرى خطيرة: فالله يعطينا كثيراً من الخيرات الزمنية (أموال/ صحة..) وكثيراً ما ننشغل بالعطية ونترك العاطي، وهذا يحرمنا من الحصول على البركات الروحية. ولكن من ينشغل قلبه بشكر وتسبيح الله على الخيرات الزمنية التي يعطيها له، يحصل على المزيد من الخيرات الروحية، والخلاص والحياة الأبدية. فوقفوا من بعيد= حسب الشريعة فهم لا يخالطوا الناس، فالبرص نجاسة ومن يتلامس معهم يتنجس. فكانوا يعزلونهم، إشارة لضرورة عزل الخطية، فمن يتلامس معها يتنجس (البرص رمز للخطية).
يا معلم إرحمنا= صراخهم يدل على إيمانهم بالمسيح. بل أن إيمانهم إتضح أيضاً في أن المعلم أمرهم بالذهاب للكهنة وهم مازالوا بُرصاً ولقد طهروا في الطريق. فهم آمنوا بقوته ولم يعترضوا على الذهاب للكهنة قبل أن يشفوا. هذا دليل ثقتهم في كلمة السيد. ولكن عاب التسعة عدم الشكر فحرموا من المزيد.
ولقد طلب منهم السيد الذهاب للكهنة: [1] فالسيد ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله [2] هو يعطي للكهنة دليلاً مادياً على قدرته على الإبراء والتطهير، الأمر الذي يعجز عنه الناموس لعلهم يؤمنون به [3] في هذا التصرف يعطي للسيد الدرس للأجيال أن تخضع للكنيسة [4] كانوا يعلمون أن البرص شفاءه من عند الله فقط، فكون أن المسيح قد شفاهم فهذا إعلان عن لاهوته.
- الذي عاد للمسيح هو [1] أبرص + [2] سامري (محتقر). وهذا تطبيق للمثل الذي قاله السيد “من يسامحه بالأكثر يحبه أكثر”
الآيات (20-37): (متى يأتي ملكوت الله)
الآيات (20،21): “ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم.”
علامات المجيء الثاني راجع كتاب الآلام والقيامة (مت17:24،18،23،27،28،37-41)
ولما سأله الفريسيون: متى يأتي ملكوت الله= الفريسيون ظنوا أن الملكوت هو ملكوت أرضي وليس سماوي. وربما كان سؤالهم بسخرية بمعنى “أين هذا الملكوت الذي تحدثنا عنه، فهم كانوا ينتظرون حكم العالم بفارغ الصبر ولكنهم ها هم يراقبون الموقف ولم يجدوا المسيح يعبئ جيوشاً ولا توجد مظاهر أبهة ومواكب ملوكية، هم لا يرون أي علامات خارجية لعيونهم. لا يأتي ملكوت الله بمراقبة= هو لا يأتي مقترناً بعلامات خارجية، بل في هدوء وبغير جلبة، ولا يُرى سوى نتائجه، ولا يراه سوى من كان مستعداً لمجيئه كسمعان الشيخ. علامته غير ظاهرة للعيان فلا يستطيع أحد أن يقول هوذا هنا أو هوذا هناك= أي هنا في السامرة أو هناك في أورشليم فهو ملكوت روحي يقوم في قلوب الناس= ها ملكوت الله داخلكم= يملك فيه الله على القلب، ويسيطر على الفكر والميول والمقاصد والعواطف. وهذا الملكوت لا يأتي بمراقبة بل يكون ظهوره فجأة. ومن علامته داخل القلب الفرح وحب الله بشدة ونسيان الدنيا وما فيها. إذاً هو يظهر في الداخل وليس في الخارج. ولكن قول السيد للفريسيين في داخلكم لا يعني أنهم وصلوا لهذه الدرجات ولكنه يعني لا تفتشوا عن الملكوت في الخارج، ولكن إبحثوا عن هذه العلامات في الداخل، وهذا لا يأتي إلاّ لو قبلتم هذا الملكوت. ولكنه لا يأتي إلاّ [1] بالإيمان بي أولاً [2] التوبة عن أعمالكم الشريرة [3] المعمودية حتى تولدوا من فوق. إذاً معنى كلام السيد لهم “إن ملكوت الله في متناول أيديكم لكنكم لغباوتكم وعنادكم لا ترونه” وسؤال الفريسيين هنا للأسف، مازال هو السؤال الذي يشغل بال كثير من الطوائف والكثير من الناس وهو.. متى يأتي المسيح.. والمسيح يقول لا تنشغلوا بهذا بل إنشغلوا بأن تبحثوا هل ملكوت الله بدأ في داخلكم.
آية (22): “وقال لتلاميذه ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يوماً واحداً من أيام ابن الإنسان ولا ترون.”
هذه نبوة عن الضيقات التي ستواجه التلاميذ، والتي ستكون الضيقات التي يرونها الآن من الفريسيين بجانبها هي كلا شئ. السيد هنا لا يريد أن يرعبهم بل يهيئهم لإحتمال نفقات الإيمان، ويظهر لهم أنه عالم بكل شئ فيزداد إيمانهم به إذا حدثت هذه الآلام فعلاً (يو29:14). وهذا موجه لنا ولكل جيل ألاّ نضطرب إذ نعلم أن هناك ضيقات ستسبق مجيئه. تشتهون أن تروا يوماً= تشتهون وجودي معكم لأعزيكم وأشددكم.
آيات (23،24): “ويقولون لكم هوذا ههنا أو هوذا هناك لا تذهبوا ولا تتبعوا. لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون أيضاً ابن الإنسان في يومه.”
علامة أخرى ظهور مضلين وخداعات كثيرة، والتضليل أكثر خطورة من الإضطهادات، ولكن السيد يحذر من أن نستجيب لأي بدعة يصاحبها معجزات شفاء أو غيره، فضد المسيح سيصنع آيات عجيبة (رؤ14:13،15). ولكن مجيء المسيح سيكون بغتة وكالبرق، وليس عن إنتظار ويراه كل العالم، وليس كمجيئه الأول لا يُرى سوى في مكان واحد، وسيكون في عظمة ونور كنور البرق، وليس في مظهر متواضع وسيعرفه الجميع، ولن يكون هناك حاجة لمن يبشر به. ولكن لاحظ أنه يقول كبرق بينما أن يوحنا الرائي شاهده مثل الشمس التي تضئ في قوتها، وسيكون هو نور وشمس أورشليم السمائية (رؤ16:1+ رؤ5:22). فلماذا يقول هنا برق؟ لأن مجده سيظهر للقديسين بصورة دائمة، ولكنه يظهر فجأة وبطريقة مرعبة للأشرار، لا يرون بعدها مجده بل ظلمة (مت30:25).
آية (25): “ولكن ينبغي أولاً أن يتألم كثيراً ويرفض من هذا الجيل.”
قبل أن نتكلم عن المجد وهذا لن يكون في أيامكم دعنا نتكلم عما سوف ترونه بعد أيام قليلة أي آلام وصلب إبن الإنسان، فصليب إبن الإنسان هو الطريق لمجده. وهكذا عليكم أنتم أن تقبلوا الصليب حتى يكون لكم مجداً معي.
الآيات (26-30): “وكما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضاً في أيام ابن الإنسان. كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان واهلك الجميع. كذلك أيضاً كما كان في أيام لوط كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون. ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم أمطر ناراً وكبريتاً من السماء فأهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان.”
هذه تشير لأن يوم الدينونة يأتي فجأة، فلا ينبغي أن نهمل العلامات كما أهمل قوم نوح علامة بناء الفلك، الذي كان نوح يبنيه. ولا نتعلق بشرور وملذات العالم، كما تعلقت امرأة لوط فهلكت. ولنلاحظ أن الأكل والشرب والزواج ليس خطية، لكن الإنغماس في ملذات العالم هو الذي يؤدي للهلاك. إنشغال الشخص حتى بعمله عن خلاصه هو الذي يؤدي للهلاك.
آيات (31،32): “في ذلك اليوم من كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء. اذكروا امرأة لوط.”
المعنى:
- من إرتفع وسما روحياً= السطح لا ينزل باحثاً عن ملذات الدنيا، بل يبقى مرتفعاً منتظراً العريس في مجيئه الثاني.
- من إنطلق إلى حقل الخدمة ليعمل لحساب مملكة الله لا يرتد تاركاً خدمته باحثاً عن الزمنيات.
- من يخرج من سدوم لا ينظر إلى الوراء كامرأة لوط، التي رجع قلبها للوراء فصارت عمود ملح. أي لا تستخفوا بإنذاراتي هذه. أي في أيام النهاية علينا أن لا ننشغل بمقتنيات هذا العالم فالكل مصيره الفناء، بل نوجه أنظارنا للسماء من حيث يأتي المسيح.
آية (33): “من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها يحييها.”
من طلب أن يخلص نفسه= سيزداد الضيق في الأيام الأخيرة وستأتي عصور إستشهاد، فمن ينكر المسيح ليخلص نفسه فهو سيهلكها ومن أهلكها= قبل الموت رافضاً أن يترك إيمانه يحييها وهذه الآية تفهم أيضاً بأن من يحيا منغمساً في ملذات العالم ورفاهيته ويظن بذلك أنه يخلص نفسه فهو يهلكها. ومن أهلكها= بأن يقدم جسده ذبيحة حية (رو1:12) وصلب أهواءه مع شهواته (غل20:2 + غل24:5) فمثل هذا يحييها+ (كو5:3).
الآيات (34-36): “أقول لكم أنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويترك الآخر. تكون اثنتان تطحنان معا فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى. يكون اثنان في الحقل فيؤخذ الواحد ويترك الآخر.”
يؤخذ.. في تلك الليلة
يسمى السيد يوم مجيئه أنه ليلة، فهي مظلمة علامة إنتشار الخطية والفساد، وإنتشار مملكة ضد المسيح وإنجذاب كثيرين وراءه في ضلال وتسمى ليلة لكثرة الضيق الذي سيعاني منه أولاد الله (مت21:24،29،12). وفي الآية الأخيرة نسمع عن كثرة الإثم. ويأتي هذا اليوم فجأة ويؤخذ البعض للمجد ويُترك الآخرين في الليل والظلام الذي إختاروه لأنفسهم.
هو يوم ينفصل الزوج عن زوجته= على فراش واحد= يؤخذ أحدهما للمجد ويترك الآخر في الظلمة الخارجية= الليل. ألم يظهر المسيح مثل البرق. فهناك يختطف البعض ليتمتعوا بنوره للأبد ولا يكون لهم ليل ثانية (رؤ5:22) وهناك من يبقي في الظلمة للأبد.
وهو يوم يتصل فيه القديس المختطف مع القديسين السماويين، حيث يفرحون ويسبحون للأبد. فهو يوم إنفصال= يؤخذ الواحد ويترك الآخر. وهو يوم إتصال، كما حملت الملائكة نفس لعازر إلى حضن إبراهيم.
على فراش واحد، أو على حجر رحي أو الحقل.
عِشْرة العُمر عشرة العمل عشرة الخدمة
فعشرة القديسين في زواج أو عمل أو خدمة ليست كافية لكي نختطف معهم إلى المجد. إن لم يبدأ الملكوت في داخلنا الآن. فالدينونة شخصية، كلٌ على حدة. والإختطاف للمجد (1تس17:4) يعتمد على علاقة كل مؤمن بالله على حدة. فهي علاقة سرية لا علاقة لها بحياتنا اليومية. والذين يذهبون للمجد أو الدينونة، لا علاقة لدينونتهم وأين يذهبون بحياتهم على الأرض. فالفراش يشير للذين في رفاهية (فبعضهم يذهب للمجد وبعضهم يهلك) والذين على حجر رحى يشيرون لمن هم في عبودية أو فقر أو يعملون أعمال شاقة، فبعضهم يذهب للمجد وبعضهم يهلك. والذين في الحقل أي يخدمون الله، فخدمتهم لله ليست شرطاً ليذهبوا للمجد فالله وحده هو الذي يعلم حقيقة القلب.
آية (37): “فأجابوا وقالوا له أين يا رب فقال لهم حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور.”
إجتماع النسور حول الجثة= حين يصبح اليهود بسبب خطاياهم أمواتاً (فالخطية= موت).. “إبني هذا كان ميتاً فعاش” ويكونون بلا أمل في توبة أو إصلاح= يكونون كجثة. حينئذ يهجم عليهم الرومان (ورمز الرومان النسر على أعلامهم)، فالرومان هنا هم منفذو الدينونة، وهذا حدث سنة 70م بيد تيطس وجنوده.
وهو سيتكرر ثانية في النهاية حين يأتي ضد المسيح ويجتمع حوله الأشرار، ويكونون كجثة بسبب خطاياهم سيأتي عليهم منفذو الدينونة وقتها ويهجمون عليهم كالنسور.
الخلاصة: الله لا يسمح بهذا الخراب وهذه الضربات الرهيبة إلاّ إذا وصلت الحالة لموت كامل بلا أمل في توبة= جثة.
ومعنى هذه الآية أن السيد المسيح يعطي علامة النهاية بأنه تجتمع جيوش حول أورشليم الخاطئة. وهذه الآية تنطبق مرتين.
1) سنة 70م حين إجتمعت الجيوش الرومانية حول أورشليم ودمرتها.
2) في نهاية الأزمة حين تجتمع جيوش حول أورشليم الموجود بها ضد المسيح.
إنجيل القديس لوقا: 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16– 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24
تفسير إنجيل القديس لوقا: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15– 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24