تفسير سفر أعمال الرسل ٢٣ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الثالث والعشرون
القديس بولس أمام مجلس السنهدرين
هذا هو الدفاع الثاني للقديس بولس، ولعله الآن إذ يقف أمام مجمع السنهدرين كان يأمل أن يكشف لهم الحق الإنجيلي، فهم على دراية بالناموس والأنبياء، لكن آذانهم كانت صماء وعيونهم قد أصابها العمي الروحي، لم يكن ممكنًا لهم أن يقبلوا الحق.
- ضربه على فمه 1-5.
- منازعة في المجمع 6-9.
- ظهور الرب له 10-11.
- مؤامرة لقتله 12-15.
- اكتشاف المؤامرة 16-21.
- إرساله إلى قيصرية 22-25.
- رسالة إلى فيلكس 26-30.
- بلوغه قيصرية 31-35.
- ضربه على فمه
“فتفرس بولس في المجمع وقال:
أيها الرجال الإخوة،
أني بكل ضمير صالح قد عشت للَّه إلى هذا اليوم”. [1]
احتج القديس بولس أمام المجمع مدافعًا عن استقامة قلبه وسلوكه، مؤكدًا تكريس حياته لحساب الله منذ نشأته حتى تلك اللحظات. لم يذكر القديس لوقا لماذا بدأ الرسول بهذا الدفاع، هل سبقه سؤال أو اتهام وُجه ضده من رئيس الكهنة أو غيره من المسئولين أم لا.
في شجاعة عجيبة وجه القديس بولس حديثه إلى أعضاء مجمع السنهدرين، دون إشارة إلى الأمير ورجاله الحاضرين. وكأنه يقف ليُحاكم أمام المجمع, وكان غايته من ذلك تأكيد وجوده في المجمع أكثر من وجوده في حضرة الرؤساء المدنيين, وأنه محب لهم يود أن يقدم لهم الحق باستقامة ضميره .لعل هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها الرسول أمام مجمع السنهدرين بعد تحوله إلى الإيمان المسيحي. يقف الآن أمام ذات المجمع الذي كان في صباه يكرمه المجمع ويهبه رسائل وسلطة لاضطهاد كنيسة الله.يتحدث الرسول بكل شجاعة، وكما وعد الله حزقيال النبي: “قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوان، فلا تخفهم، ولا ترتعب من وجوههم، لأنهم بيت متمرد” (حز 3: 9).
يعلن لهم أن قد عاش بضميرٍ صالحٍ، ليس فقط في الأمور التي يشتكون عليه فيها، وإنما في كل أمور حياته. لقد كرس قلبه وحياته لله، فلم يطلب كرامة ولا غنى، بل ما يرضي الله. بحسب الناموس الموسوي، فهو بار بلا لوم. وحين اضطهد كنيسة الله، كان يظن أنه يقدم خدمة لله، فكان يعمل حسبما يمليه عليه ضميره. وحين ظهرت له الرؤيا في الطريق إلى دمشق ترك ارتباطه بمجمع السنهدرين خدمة لله. وكما يقول: “لأننا نثق أن لنا ضميرًا صالحًا، راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء” (عب 13: 18). ما كان يشغله شيء سوي إرضاء الله دون أية اعتبارات بشرية، وقد ثابر على ذلك منذ صباه إلى آخر نسمة من نسمات حياته.
كأن الرسول يقول إنني شاول الطرسوسي الذي تعرفونه تمام المعرفة كإنسانٍ أمينٍ ومخلصٍ من كل القلب للَّه ولشعبه, لم يتغير حتى تلك اللحظات, إنما ما تغير فيه هو اكتشافه للحق الإلهي. فبذات الضمير الحي الذي كان يعمل كفريسي لحساب المجمع لا يزال يعمل, ولكن في طريق الحق, وليس خلال الجهل الذي كان يسيطر عليه بسبب تمسكه بالحرف.
“فأمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه”. [2]
كان حنانيا رئيس كهنة من سنة 48 إلى سنة 58 م، وقد اشتهر بالجشع والغطرسة والاستبداد.
وقف بولس الرسول أمام نفس رئيس الكهنة الذي وقف أمامه سيده، وربما الذى ضرب الرب على وجهه (يو 18: 22) هو نفسه الذي ضرب بولس على فمه. كان رئيس الكهنة يرى في كليهما مجدفين على الله. كان يطلب صلب السيد المسيح لأنه قال الحق أنه ابن الله، وها هو يطلب قتل بولس لأنه يفتح باب الإيمان أمام الأمم. لم يحتمل رئيس الكهنة أن يعلن السيد المسيح عن نفسه بنوته لله الآب ومساواته له، وها هو لا يحتمل بولس وهو يمتدح نفسه كفريسي بحسب الناموس، فإنه لا يجوز أن يمتدح أحد نفسه في حضرة رئيس الكهنة.
لقد سبق أن ضرب صدقيا بن كنعنة ميخا على فكه لأنه نطق بكلمة الرب (1 مل 22: 24)، ولذات السبب ضرب فشحور بن أمير الكاهن إرميا النبي (إر 20: 2). وقد قيل عن السيد المسيح أنه يقدم قبلات فمه (نش 1: 2 ) للذين قبلوا لطمات على أفواههم بسببه.
يطالبنا سليمان الحكيم أن نقًبل الشفاه التي تجاوب بكلام مستقيم (أم 24: 26)، لكن الأشرار يلطمون الشفاه الناطقة بالاستقامة. فالضرب على الفم يشير إلى رغبة الضارب ومن معه في أن يبكم فم الشخص الذي يضربه، لأنه ينطق بكلمات غير لائقة. هذا الأسلوب كان مستخدمًا في الشرق إلى وقت قريب, وهو يحمل إهانة شديدة، كأن الشخص غير أهل أن ينطق في حضرة الموجودين، ويلتزم بالصمت بسبب جهالته أو وقاحته أو تجديفه على الحق.
ولعل ضربه على فمه يشير إلى أن يكذب في حضرة رئيس الكهنة ويخدع الحاضرين، إذ يدعي أنه يحمل ضميرًا صالحًا، بينما يؤمن بيسوع أنه المسيح، وينشر تعاليمه.
“حينئذ قال له بولس:
سيضربك اللَّه أيها الحائط المبيضّ،
أفأنت جالس تحكم علي حسب الناموس
وأنت تأمر بضربي مخالفًا للناموس”. [3]
يذكر آدم كلارك أن Krebs يؤكد أن رئيس الكهنة حنانيا هو نفسه الذي روى عنه يوسيفوس بأن كوادراتس Quadratus حاكم سوريا أرسله أسيرًا إلى روما، لأنه سبب منازعات بين اليهود والسامريين, وإذ أثبت براءته عاد إلى أورشليم واستعاد منصبه كرئيس كهنة.
نزلت كلمات الرسول كالصاعقة على رئيس الكهنة وكل المجتمعين, فإنهم لم يسمعوا قط يهوديًا ينطق بمثل هذه الكلمات عن رئيس الكهنة. إنها إهانة خطيرة لم تحدث في كل تاريخ إسرائيل.
يرى البعض أن الرسول بولس لم ينطق بهذا بدافع الغضب والانتقام، لكن أخذته الغيرة المقدسة أن رئيس الكهنة يفسد سلطته، ويهين العمل الكهنوتي بتصرفاته هذه. لقد حكم حنانيا بخلاف الناموس الذي أوصي ألا يُضرب أحد ما لم يُفحص ويُحكم عليه أنه مستحق للضرب ( تث 25: 2؛ راجع لا 19: 35). لذا ما نطق به الرسول كان بدافع النبوة. يرى Grotius بأن نبوة القديس بولس هذه قد تحققت. جاء في يوسيفوس أن حنانيا وأخاه حزقيا قد ذُبحا أثناء الهياج الذي حدث في أورشليم عندما استولي عليها السالبون Sicarii بزعامة مناهيم Manahem؛ فقد حاول أن يختفي لكنهم سحبوه وقتلوه.
كما دعا السيد المسيح الفريسيين المرائيين قبورا مبيضة تحمل في داخلها نتانة (مت 23: 27)، هكذا يقول الرسول أن رئيس الكهنة بريائه حائط مبيض يحمل من الخارج صورة جميلة تخفي تحتها قذارة. ربما يقصد بالحائط المبيض الحائط الذي بدأ يتساقط فعوض وضع أساس سليم له وإعادة بنائه يقومون بوضع طبقة ملس بيضاء حوله تخفي ما تشقق منه فيبدو سليمًا، ويكون خطرًا على من يتكئ عليه أو يجلس بجواره.
يرى القديس جيروم أن ما نطق به القديس بولس هو ضعف بشري، فاختياره رسولاً لا ينفي عنه بعض الضعفات بسبب تهاونه ولو في امورٍ صغيرة، مثله مثل كافة الآباء والرسل والأنبياء.
في الرد على أتباع بيلاجيوس الذين يركزون على حرية الإرادة وحدها، ظانين أنه في استطاعة الإنسان بكامل حرية إرادته أن يسلك في الفضيلة في كمالها يقدم القديس جيروم أمثلة حية لقديسين عظماء مدحهم الله نفسه إلا أنهم عانوا من الضعف.
v عوض كونه متهمًا وكأنه يقول: “أنت الذي تستحق الضربات بلا عدد. انظروا كيف صُدموا بقوة بشجاعته، وذلك لأن النقطة التي كانوا يلقون كل الأمور عليها صارت مديحًا له.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v على سبيل المثال لنأخذ مثلاً واحدًا: “وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبي، يعمل كل مشيئتي”. بلا شك كان داود قديسًا، ومع أنه قد اختير لكي يتمم كل مشيئة الله، لكنه وُجد ملومًا في تصرفات معينة. حتمًا كان ممكنًا له وقد اُختير بقصد تتميم مشيئة الله أن لا يفعل هذا. لا يُلام الله الذي سبق فتحدث عن صنعه كل مشيئة الله كما يؤمر، وإنما يلتصق اللوم بذاك الذي لم يتمم ما سبق أن أُخبر به. فإن الله لم يقل أنه وجده إنسانًا يتمم أوامره بلا فشل ويتمم مشيئته، وإنما إنسان يود أن يتمم كل مشيئة الله. ونحن أيضًا نقول أن الإنسان يمكنه أن يتجنب أن يخطئ إن اختار ذلك حسب ظروفه المحلية المؤقتة وضعفه الجسدي، مادام فكره منصبًا على البرّ والوتر مهيئًا حسنًا في القيثارة. ولكن إن كان الإنسان يمارس تهاونًا بسيطًا. فإنه في قدرته كقائد المركب أن ينسحب في اتجاه مقاوم للتيار، هذا الذي متى توانى ولو إلى لحظة فإن المركب ترجع، وتحمله المياه المتدفقة حيث لا يريد. هذا هو حال الإنسان، فإن صار فينا إهمال طفيف ندرك ضعفنا ونجد أن قوتنا محدودة.
هل تظن أن الرسول بولس عندما كتب: “العباءة التي تركتها في ترواس أحضرها عندما تجيء والرقوق” (2 تي 4: 13)، كان يفكر في الأسرار الإلهية وليس في الأشياء التي تستلزمها الحياة اليومية، وتشبع احتياجاتنا الجسدية؟ أرني إنسانًا لم يجُع قط ولا عطش ولا عانى من برد، ولا عرف ألمًا أو حمى أو عذاب الغربة وأنا أقدم لك إنسانًا يمكن ألا يفكر في شيء سوى الفضيلة.
عندما لطم العبد الرسول سلم نفسه هكذا أن ينطق ضد رئيس الكهنة الذي أمر أن يلطمه: “سيضربك الله أيها الحائط المبيض“. ينقصنا صبر المخلص الذي اُقتيد كحملٍ للذبح ولم يفتح فاه، بل قال برحمة لضاربيه: “إن كنت قد تكلمت بالشر فأشهد على الشر، وإن كان حسنًا فلماذا تلطمني؟ ” (يو 17: 23). إننا لسنا نحط من قدر الرسول، بل نعلن مجد الله الذي احتمل في الجسد، وغلب الضرر الساقط على الجسد وضعف الجسد. لا نقول شيئا عما قاله الرسول في موضع آخر: “الكسندر الحداد صنع بي شرورًا كثيرة، ليجازه الرب الديان العادل في ذلك اليوم” (2 تي 4: 14).
القديس جيروم
“فقال الواقفون: أتشتم رئيس كهنة اللَّه؟” [4]
“فقال بولس:
لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة،
لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءً”. [5]
كيف لم يعرف القديس بولس أنه رئيس الكهنة الذي يرأس مجمع السنهدرين، وقد كان بولس على علاقة بالمجمع في صباه، ويعرف الكثير عن المجمع؟
- يري البعض أن هذه الجلسة لم تكن رسمية، ولم يكن رئيس الكهنة يرتدي ثيابه الرسمية، لهذا لم يتعرف عليه.
- يرى آخرون أن بولس الرسول لم يرَ من الذي أصدر الأمر بضربه على فمه.
- يرى فريق ثالث بأن الرسول نطق بهذا في صيغة تهكم، بمعنى أن من يفعل هذا لا يليق به أن يكون رئيس كهنة، أو ما حدث جعلني لا أحسب أن المتكلم رئيس كهنة، وإلا لكنت قدمت له الاحترام اللائق به. هذا الرأي يقبله كثير من الدارسين لأنه واضح من العبارة السابقة أنه كان يعرف أنه رئيس الكهنة، إذ قال له: “أفأنت جالس تحكم علي حسب الناموس، وأنت تأمر بضربي مخالفا للناموس؟” [3]
- يرى البعض أن القديس بولس لم يقدم اعتذارًا عما قاله لكنه يقدم تبريرًا، وكأنه يقول: “حقا لا يجوز أن نقول سوء في رئيس الكهنة، لكنني لست أحتسب حنانيا رئيس كهنة، بل هو مغتصب للمركز، جاء إلى هذا الموضع بالرشوة خلال الفساد، هذا وقد أوصى الكتاب المقدس ألا ننطق بسوءٍ عن الرئيس الديني أو المدني. جاء في سفر أيوب: “أيُقال للملك يا لئيم، وللندباء يا أشرار؟! (أي 34:18) وفي الجامعة: “لا تسب الملك ولا في فكرك” (جا 10: 20).
- يري آخرون أن بولس الرسول أدرك أنه قد تسرع في الرد على غير عادته فقدم اعتذارًا.
v عندما ضُرب بأمر رئيس الكهنة رد عليه بمحبة، رغم ما يبدو من إجابته أنه كان غاضبًا، إذ قال: “سيضربك اللَّه أيها الحائط المبيض”. فرده هذا يبدو شتيمة، أما حقيقة أمره فهو نبوة. فالحائط المبيض هو الرياء أو التظاهر في مظهر الكهنوت، كما لو كانت هناك قذارة مخبأة في غلاف أبيض. فاحتفظ الرسول بالتواضع بصورة عجيبة. فعندما قيل له: “أتشتم رئيس كهنة اللَّه؟” أجاب: “لم أكن أعرف أيها الاخوة أنه رئيس كهنةٍ، لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تَقُل فيه سوءً” (أع 5:23)، فإجابته هذه تظهر مدى الهدوء الذي كان يتحدث به. فيما حسب أنه يتكلم بغضب فقد أجاب بسرعة ولطف، الأمر الذي لا يحدث من شخصٍ غاضبٍ أو معتذرٍ (بسبب الشتيمة)… كأنه قال: إنني أعرف رئيس كهنة آخر، المسيح، الذي أحتمل أنا من أجله أتعابًا.
القديس أغسطينوس
- منازعة في المجمع
“ولمًا علم بولس أن قسمًا منهم صدوقيون والآخر فريسيّون،
صرخ في المجمع:
أيها الرجال الإخوة،
أنا فريسي ابن فريسي،
على رجاء قيامة الأموات أنا أُحاكم”. [6]
صرخ الرسول بصوتٍ عالٍ ليسمعه الكل، معلنًا أنه فريسي ابن فريسي، تربى على رجاء القيامة من الأموات.
في أيام خدمة السيد المسيح على الأرض كان الفريسيون أكثر الفئات عداوة للسيد المسيح، متطلعين إليه أنه كاسر لحرفية الناموس، ومقاوم لريائهم. أما بعد صعوده، فإذ صار التلاميذ يشهدون لقيامة السيد المسيح صار الصدوقيون أكثر الفئات عداوة لهم، لأنهم ينكرون قيامة الأجساد، بينما تعاطف أحيانا معهم الفريسيون ضد الصدوقيين، لا للإيمان بالسيد المسيح، وإنما لتأكيد القيامة من الأموات.
“ولمّا قال هذا حدثت منازعة بين الفريسيين والصدوقيين،
وانشقت الجماعة”. [7]
حدث حوار عنيف بين الفريقين، وكما توقع القديس بولس صار الفريسيون في صفه، مدافعين عنه، ضد الصدوقيين المقاومين له. غالبًا ما أخذ رئيس الكهنة صف الصدوقيين مما أثار الفريسيين بالأكثر.
ما إن بدأ الرسول خطابه حتى تغير الموقف تمامًا, فعوض الصرخات المشتركة تطالب بقتل الرسول, إذا بضجيج وخلافات وانشقاقات. ووقف الأمير ورجاله مع العسكر لا يدرون ما قد حدث, وصاروا يتساءلون فيما بينهم لعلهم يجدون تفسيرًا لتغير الموقف تمامًا! أما بولس الرسول فوحده كان يتطلع إلى تلك العاصفة التي أثارها وهو في هدوءٍ تام.
“لأن الصدوقيين يقولون:
أن ليس قيامة ولا ملاك ولا روح،
وأمّا الفريسيّون فيقرّون بكل ذلك”. [8]
أنكر الصدوقيون القيامة من الأموات، كما أنكروا الملائكة الصالحين والأشرار، واعتقدوا أن النفوس تموت مع الأجساد، وبالتالي ليس من مكافأة ولا عقوبة فيما بعد.
مع وجود الفريقين للعمل معًا في مجمعٍ واحدٍ يهتم بالقضايا العظمى لشئون اليهود الدينية، كان لكل فريق فكره الخاص.
* كان الفريسيون متدينون متعصبين غيورين على الطقوس الناموسية، وفي نفس الوقت كانوا مستقيمين في إيمانهم وعقائدهم بخصوص عالم الأرواح والحياة الأبدية وقيامة الأموات.
* كان الصدوقيون غير مخلصين للكتاب المقدس ولا للإعلانات الإلهية. يرون في أسفار موسى أنها تاريخ رائع, وناموس صالح، لكنها ليست على مستوى بقية الأسفار. ينكرون الحياة الأبدية وبالتالي قيامة الأجساد. أما عن ظهورات الملائكة ففي رأيهم هي ضغوط من خيالات لا واقع لها. واللَّه نفسه مادي أو جسدي.
* يتطلع الفريسيون إلى الصدوقيين أنهم متحررون في الفكر وفاسدون في العقيدة.
* كان الأعضاء من الصدوقيين يمثلون الغالبية العظمى في مجمع السنهدرين, لكن الفريسيين مع قلة عددهم كان لهم تأثيرهم على قرارات المجمع، لأن الشعب يكرمهم جدًا كأصحاب فكر وكأبرار غيورين على الناموس والعبادة في الهيكل.
“فحدث صياح عظيم ونهض كتبة قسم الفريسيين،
وطفقوا يخاصمون قائلين:
لسنا نجد شيئًا رديًا في هذا الإنسان،
وإن كان روح أو ملاك قد كلّمه،
فلا نحاربن اللَّه”. [9]
كان بعض الكتبة الدارسين للناموس يتبعون الفريسيين، والقسم الآخر يتبعون الصدوقيين، وهم فئة متعلمة. إذ رأى الكتبة التابعون للناموس ما حدث من صخبٍ شديدٍ نهضوا يدافعون عن الرسول بولس بأنه لا يوجد فيه شر، وأنه ليس مقاومًا للناموس. وأن كرازته بين الأمم هي بأمر سماوي (أع 22: 17-18)، خلال ظهور ملاك له في الهيكل، فمن يقاومه يقاوم الله.
لعل هؤلاء الكتبة تذكروا ما قاله معلم الناموس غمالائيل الفريسي في المجمع: “احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا… تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم, لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض, وإن كان من اللَّه فلا تقدرون أن تنقضوه, لئلا توجدوا محاربين للَّه أيضًا” (أع 5: 35-37).
لم يمل بعض كتبة الفريسيين إلى تبرئة القديس بولس فحسب, وإنما ينسبون إليه تمتعه بالوحي وسمو عقائده. أظهروا استعدادهم لا للعفو عنه فحسب، وإنما إلى مناصرته وحمايته.
- ظهور الرب له
“حدثت منازعة كثيرة،
اختشى الأمير أن يفسخوا بولس،
أمر العسكر أن ينزلوا ويختطفوه من وسطهم،
ويأتوا به إلى المعسكر”. [10]
احتد الموقف جدًا فصار الرسول معرضًا إلى تمزيقه أربًا بواسطة الصدوقيين، فكان لا بد من الأمير أن يتدخل لإنقاذ حيان السجين.
فمع تحول الصرخات من هجوم الجميع على القديس بولس إلى صرخات لهجوم داخلي بين أعضاء المجمع، وأيضًا بين الجمع المحتشد، لكن ربما لكثرة عدد الصدوقيين ظهر خطورة الموقف على حياة الرسول, لذلك أمر ليسياس العسكر أن يختطفوا بولس ويأتوا به إلى المعسكر.
“وفي الليلة التالية وقف به الرب، وقال:
ثق يا بولس، لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم،
هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا”. [11]
كلما اشتد الضيق وحلت التجارب قدم الله تعزيات سماوية، فإذ كاد الصدوقيون أن يمزقوا بولس، ظهر له الرب نفسه في المعسكر يطمئنه بأن له رسالة أن يشهد له في روما؛ وأنه لن يُقتل في أورشليم. لم يرسل له ملاكًا ولا رئيس ملائكة ولا شاروبًا بل ظهر له الرب نفسه, لأن بولس الرسول كان في موقف يبدو خطيرًا للغاية, وكأن رسالته ستنتهي في لحظات. ظهر له ليعلن له أنه لم يكمل رسالته بعد. لم يكن وعد السيد له ألا تلحق به تجارب، ولا أن يمد في أيامه على الأرض، إنما الوعد المفرح أنه يقدم شهادة له في روما، وهذه كانت شهوة قلب الرسول بولس، وقد تحققت، فدخلها كسجين منتصر وكارز (أع 28: 30-31).
دخل بولس الرسول إلى قلعة أنطونيا في الحبس، ليس من رفيقٍ أو زميلٍ معه، ولم يضع في ذهنه خطة عمل. دخل الحبس في حراسة ملائكة اللَّه, ولم يكن وحيدًا, بل كان في حضرة الرب الذي كان دائمًا يتراءى له يسنده ويوجهه كما حدث معه في بيت أكيلا وبريسكلا في كورنثوس (أع 18: 9-10). لقد ظهر له أيضا في القلعة، ولم يعده بسقوط السلستين من يديه، فإن هذا لا يشغل ذهن الرسول، ولا كانت تستطيع أن تقيد الكلمة في فمه، بل على العكس فتحت له مجالات جديدة للشهادة. ما كان يشغل الرسول بولس أن يشهد للسيد المسيح في القصر الإمبراطوري (أع 27: 24).
تحولت محاكمات الرسول إلى كرازة وشهادة للسيد المسيح، فبعد أن شهد أمام الأمير والجند واليهود بعلمائهم وكهنتهم والقادمين من كل أنحاء العالم، فتح الرب له طريقًا للشهادة أمام قيصر روما وعظماء وأشراف روما وكل العالم الأممي.
- مؤامرة لقتله
“ولمّا صار النهار صنع بعض اليهود اتفاقًا،
وحرّموا أنفسهم قائلين،
أنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس”. [12]
“وكان الذين صنعوا هذا التحالف أكثر من أربعين”. [13]
“حرموا أنفسهم” أي أقسموا معا قسمًا مقدسًا في نظرهم أنهم يكرسون أنفسهم وكل طاقتهم لتحقيق المؤامرة. لم يخطر على بالهم كيف يبرئون أنفسهم من القسم إذا لم يتحقق الأمر. ربما تخيلوا أنه لن يوجد أي احتمال للفشل. هذا وفي مثل هذه الحالات إن حدث فشل بسبب طارئ ما أسهل أن ينالون حلاً من قَسَمِهم من القيادات الدينية.
إذ فشلت خطة هياج الشعب وإثارتهم كما فشلت خطة اليهود، لجأت جماعة إلى خطة لاغتياله بطريقة بربرية. لقد قدست جماعة من اليهود صومًا وصنعوا قسمًا كمن يشركون الله في خطتهم لقتل بولس الرسول، فيقدمونه ذبيحة لله. وكما سبق فأعلن السيد المسيح نفسه: “سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله” (يو 16: 1-2). اتفقت هذه الجماعة التى بلغت أكثر من أربعين شخصًا مع رؤساء الكهنة والشيوخ للتحالف معًا لتحقيق المؤامرة (أع 33: 14-15).
العجيب أنه بالليل ظهر له الرب يؤكد له أنه لن يُقتل في أورشليم، وفي نفس الليلة وربما في ذات وقت ظهور السيد له كان الشيطان يعد أكثر من أربعين شخصُا لاغتياله. فالسيد المسيح ساهر على كنيسته، وعدو الخير لن يكف عن مقاومتها. والعجيب أن الشر سرعان ما يتحالف معًا، إذ كيف يوجد أربعون شخصًا يتحالفون هكذا على اغتيال شخصٍ بروح واحدة، في مدينة أورشليم التي يدعونها “مدينة الله”. هذه التي كان يجب أن تأوي البرّ صارت مأوى للشر والقتل.
لقد سلكوا بروح أبيهم، الشيطان، القتال للناس منذ البدء، وقد أظهروا غيرة عجيبة لتنفيذ خطة أبيهم:
- انهم لم يقفوا عند التفكير والتخطيط، بل وتحركوا سريعًا للعمل.
- خططوا معًا بروح الوحدة والعمل المشترك.
- استهانوا بعناية الله، فصمموا ألا يأكلوا ولا يشربوا حتى يحققوا خطتهم على وجه السرعة، دون وضع أي حساب لعنصر تدخل الله.
- استهانوا بنفوسهم وأجسادهم، لتحقيق خطتهم مهما تكن تكلفتها حتى ولو كانت حياتهم نفسها.
- أعطوا صبغة دينية تبدو كأنها مقدسة، إذ التقوا برؤساء الكهنة والشيوخ ليخبرهم بخطتهم، لا لينالوا بركتهم أو ليصلوا من أجلهم، وإنما وقد تأكدوا من إمكانية تحقيقها يتدخلوا لدى السلطات حتى لا يُقبض عليهم ويُحاكموا.
- طلبوا من رؤساء الكهنة والشيوخ أن يشتركوا معهم في شرهم، فيكذبوا ويخدعوا الأمير لكي ينزله إليهم فيتمموا الخطة.
“فتقدّموا إلى رؤساء الكهنة والشيوخ وقالوا:
قد حرمنا أنفسنا حرمًا أن لا نذوق شيئًا حتى نقتل بولس”. [14]
لعلهم أرسلوا مندوبين عنهم خفية حتى لا تتجه الأنظار إليهم وتنكشف خطتهم.
v تطلعوا إلي الصوم كوالد للقتل العمد. وذلك كما فرض هيرودس على نفسه قسمًا هكذا فعل هؤلاء. فهذه هي طرق إبليس، فتحت ستار الظهور بالتقوى ينصب فخاخه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“والآن اعلموا الأمير أنتم مع المجمع لكي ينزله إليكم غدًا،
كأنكم مزمعون أن تفحصوا بأكثر تدقيق عمّا له،
ونحن قبل أن يقترب مستعدون لقتله”. [15]
طلبوا سرعة إبلاغ الأمير حتى يسمح بإنزال بولس في اليوم التالي مباشرة. أما القتل فيتم في الطريق قبل بلوغه المجمع حتى لا يشك أحد في أن المؤامرة بتخطيط من المجمع.
- اكتشاف المؤامرة
“ولكن ابن أخت بولس سمع بالكمين،
فجاء ودخل المعسكر وأخبر بولس”. [16]
كيف عرف ابن أخت بولس بالكمين؟ هذا ما لا نعلمه، لكن ما نعرفه أن الله يستخدم كل وسيلة لإبادة خطط إبليس وجنوده. يقول الحكيم: “لأن طير السماء ينقل الصوت، وذو الجناح يخبر بالأمر” (جا 10: 20). يرى البعض أن أحد الفريسيين, وهو عضو في مجمع السنهدرين, إذ كان متعاطفًا مع الرسول بولس لأنه يهدم أفكار الصدوقيين أخبر ابن أخت الرسول سرًا. ويرى آخرون أن هذا الشاب جاء إلى أورشليم للدراسة. ولعل أحد أصدقائه في الدراسة, ربما كان ابنا أو قريبًا لأحد أعضاء هذه الجماعة التي صممت على قتله أو لأحد الفريسيين الأعضاء في المجمع قد تحدث مع ابن أخت الرسول, لا لإنقاذ خاله, وإنما كحديث بين شابين صديقين يتحدثان معًا في صراحة عن ما يدور في أورشليم.
لا نعرف أحدا من أسرة القديس سوى ابن أخته هذا، ونحن لا نعرف اسمه، وهل كانت والدته مقيمة في أورشليم أم لا.
في دراستنا لرسائل بولس الرسول خاصة الاصحاح الأخير من رسالته إلى أهل رومية نشعر بأن عائلة بولس الرسول هى الكنيسة كلها، وعلى وجه الخصوص خدام الكلمة. فقد صارت الكنيسة هي أسرته، وهو عضو فيها ملتصق بالجميع.
“فاستدعى بولس واحدًا من قواد المئات، وقال:
اذهب بهذا الشاب إلى الأمير،
لأن عنده شيئًا يخبره به”. [17]
كان بولس موضع حب وثقة الكثير من القادة، فلا نعجب إن استدعى قائد مائة وطلب منه إن يُدخل بالشاب إلى قائد المعسكر. فان قائد المائة تحت سلطانه مائة جندي يستدعيهم ولا يستدعى، أما أن يستدعيه أسير في الحبس فهذه نعمة من عند الله.
لم يستدعِ جنديًا عاديًا بل قائد مائة.
“فأخذه وأحضره إلى الأمير، وقال:
استدعاني الأسير بولس،
وطلب أن أحضر هذا الشاب إليك،
وهو عنده شيء ليقوله لك”. [18]
لم يستنكف قائد المائة من أن يذهب بنفسه ويخبر قائد المعسكر بأن الأسير بولس قد استدعاه، متحدثًا عن بولس بوقارٍ.
“فأخذ الأمير بيده، وتنحّى به منفردًا،
واستخبره ما هو الذي عندك لتخبرني به”. [19]
نقف بحق في دهشة أمام تواضع قائد المائة وحبه لخدمة المساجين بروح تقوي، وأيضًا أمام لطف قائد المعسكر الذي لم يستهن بالشاب، بل أخذه بيده كصديق له أو كأب مع ابنه، وتنحى به منفردًا يسأله عما عنده ليخبره به.
هذا ولا يمكننا تجاهل شخصية هذا الشاب, فحتمًا حمل على وجهه علامات السلام الداخلي وملامح جذابة, مع فيض عناية اللَّه الفائقة, إذ استطاع أن يدخل المعسكر ويختلي بخاله ليروي له الأمر في سرية, وأن يقتاده قائد المئة, ويمسك الأمير بيده ليتحدث معه على إنفراد، هذه الأمور يصعب حدوثها في مثل هذه الظروف.
“فقال أن اليهود:
تعاهدوا أن يطلبوا منك أن تنزل بولس غدًا إلى المجمع،
كأنهم مزمعون أن يستخبروا عنه بأكثر تدقيق”. [20]
ربما كان تلميذا لدى أحد المعلمين اليهود، وقد سمع همسات عن الأمر فتحقق منه.
“فلا تنقاد إليهم، لأن أكثر من أربعين رجلاً منهم كامنون له،
قد حَرّموا أنفسهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا حتى يقتلوه،
وهم الآن مستعدّون منتظرون الوعد منك”. [21]
ليسياس يرسل بولس لفيلكس
- إرساله إلى قيصرية
“فأطلق الأمير الشاب،
موصيًا إيّاه أن لا تقل لأحد أنك أعلمتني بهذا”. [22]
“ثم دعا اثنين من قُوّاد المئات وقال:
أعّدا مائتي عسكري ليذهبوا إلى قيصرية،
وسبعين فارسًا،
ومائتي رامح من الساعة الثالثة من الليل”. [23]
إذ عرف القائد بالمؤامرة قرر إرسال القديس بولس تحت حراسةٍ مشددةٍ إلى العاصمة ليسلموه للوالي هناك يعيدًا عن القيادات اليهودية في أورشليم. وقد قام الموكب الضخم في الساعة الثالثة من الليل، أي حوالي الساعة 9م. بهذا ينقذ حياة الرسول لأنه روماني الجنسية.
خرج القائدان كل منهما معه جنوده الخاضعين له، أي مائة جندي مع كل قائد؛ ولعل هؤلاء الجنود ساروا في الموكب لحماية بولس حتى يخرج من أورشليم وبقي السبعون فارسًا يسيرون مع بولس في الطريق حتى يسلموا بولس للوالي. كما ذهب معه مائتا رامح، وقد جاءت الكلمة اليونانيةdexiolabous تعني الموكب عند خروجه من أورشليم حوالى 500 شخصًا، وهو ليس بالرقم الكبير في ذلك الحين بالنسبة لعادات الرومان، خاصة وأن الذين نذروا قتله كانوا أربعين شخصًا فدائيين. لذا كان يجب أن يكون الموكب مرعبًا حتى لا يكون لديهم أي أمل للبلوغ إلى بولس الأسير مهما كانت غيرتهم.
“وأن يقدّما دواب ليركبا بولس،
ويوصّلاه سالمًا إلى فيلكس الوالي”. [24]
كلمة دواب kteenee تشير إلى الدواب بصفة عامة، سواء كانت فرس أو جمالاً أو حميرًا، والأخيرة كانت أكثر استخدامًا في اليهودية.
واضح أن الأمير عامل القديس بولس بكل تقديرٍ, فلم يطلب أن يُوضع في مركبة خاصة بالمساجين, ولا أن يقودوه جريًا على قدميه, وإنما أن يعدوا له دوابًا لأجل وصوله إلى قيصرية في سلام وراحة.
المسافة ما بين أورشليم وقيصرية حوالي 60 ميلاً.
فيلكس الوالي: كان اسمه أنطونيوس فيلكس، كان عبدًا أعتقته من العبودية انتونيا Antoniaوالدة الإمبراطور كلوديوس Claudius، كان يعتز به كلوديوس جدًا، فأقامه واليًا على اليهودية. دعاه يوسابيوس كلوديوس فيلكس. تزوج ثلاثة نساء بالتوالي من العائلات الملكية، إحداهن دروسولا التي سيشار إليها فيما بعد في أع 24: 24. قال عنه تاكيتوس Tacitus أنه كان يحكم بسلطان ملك، ودناءة مع غطرسة عبد. وقال عنه كلارك، أنه كان واليًا ظالمًا، إنسانًا شريرًا دنيئا وجشعًا.
بلا شك كان الأمير يعلم الكثير عن شخصية فيلكس الوالي وخسته, لكنه أدرك أن السقوط في يد فيلكس أهون بكثير من السقوط في يد رئيس الكهنة ومجمع السنهدرين. ولعل الأمير خشي من قتل بولس فيُتهم بالإهمال أو أخذ رشوة لقتل رجلٍ روماني الجنسية.
“وكتب رسالة حاوية هذه الصورة”. [25]
- رسالة إلى فيلكس
“كلوديوس ليسياس
يهدي سلامًا إلى العزيز فيلكس الوالي”. [26]
“هذا الرجل لمّا أمسكه اليهود، وكانوا مزمعين أن يقتلوه،
أقبلت مع العسكر وأنقذته إذ أُخبرت أنه روماني”. [27]
“وكنت أريد أن أعلم العلة التي لأجلها كانوا يشتكون عليه،
فأنزلته إلى مجمعهم”. [28]
حسب القانون الروماني ليس عليه علة أو جريمة ارتكبها ضد الرومان أو الدولة.
“فوجدته مشكوًا عليه من جهة مسائل ناموسهم،
ولكن شكوى تستحق الموت أو القيود لم تكن عليه”. [29]
“ثم لمّا أُعلمت بمكيدة عتيدة أن تصير على الرجل من اليهود،
أرسلته للوقت إليك أمرًا المشتكين أيضًا،
أن يقولوا لديك ما عليه.
كن معافي”. [30]
- بلوغه قيصرية
“فالعسكر أخذوا بولس كما أمروا،
وذهبوا به ليلاً إلى أنتيباتريس”. [31]
أنتيباتريس: مدينة تبعد ما بين 35 و40 ميلاً من أورشليم. يقول يوسيفوس أنها تبعد حوالي 17 ميلاً من يافا. وكانت تسمى قديمًا كفر سابا تبعد حوالي 26 ميلاً من قيصرية، غير هيرودس الكبير اسمها إلى أنتيباتريس تكريما لوالده أنتيباتر Antpater. وهى تقع في أرض خصبة بها ينابيع كثيرة.
v كان مثل ملك يرافقه حراسه، هكذا نقل هؤلاء بولس بعدد كبير هكذا ليلاً خشية غضب الشعب.
v هؤلاء العسكر جعلوا بولس مشهورا في قيصرية، إذ جاء ومعه قوة عسكرية ضخمة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“وفي الغد تركوا الفرسان يذهبون معه،
ورجعوا إلى المعسكر”. [32]
إذ لم يعد هناك خطر من المتآمرين ضد القديس بولس عاد العسكر وربما معهم الرامحين، وسار الفرسان بالقديس بولس إلى قيصرية.
“وأولئك لمّا دخلوا قيصرية،
ودفعوا الرسالة إلى الوالي،
أحضروا بولس أيضًا إليه”. [33]
“فلما قرأ الوالي الرسالة، وسأل من أيّة ولاية هو،
ووجد أنه من كيليكية”. [34]
لما كانت كيليكية ولاية رومانية كان يلزم على الوالي الروماني أن يقوم بفحص القضية دون تشاور مع الأمير الوطني. عندما ظهر يسوع أمام بيلاطس بنطس أرسله إلى هيرودس أنتيباس الذي كان يحكم الجليل حيث كان يسوع جليليًا، أما في قضية بولس فلا حاجة إلى تشاور مع والٍ خارج قيصرية.
“قال: سأسمعك متى حضر المشتكون عليك أيضًا،
وأمر أن يُحرس في قصر هيرودس”. [35]
أودعه فيلكس في الحبس الذي في قصر هيرودس حيث توجد قاعة العدالة. أنشأها هيرودس الكبير في قصره ليمارس فيها القضاء، وكان ملحقا بها أماكن للحبس.
من وحي أع 23
ضربات على الفم أم قبلات مقدسة!
v إذ نطق رسولك بالحق,
استحق قبلات فمك الإلهي,
وتلقف ضربات الأشرار!
قبلات فمك اليومية تمتص كل كياني.
فلا أبالي بضربات الأشرار!
v في جرأة انتهر رسولك رئيس الكهنة المرائي,
فحسبه حائطًا مملوء فسادًا!
لم يخجل أن يعتبره ليس برئيس كهنةٍ,
لأنه فاسد، ومفسد للحق.
v ليهج العالم علينا,
وتبقى رعايتك تلازمنا.
فأنت المعزي والمدافع عن خدامك!
v ليصمم العالم على الخلاص منا,
وأنت بنعمتك تحول شرهم لبنياننا.
أنت تبدد مشورة الأشرار!
أنت تكشف أسرارهم الخفية.
ليخططوا كيفما شاءوا,
فحياتنا في يديك لا في أيديهم.
إننا محمولين على الأذرع الأبدية!
حتما تحقق رسالتك بنا يا مخلص العالم!
سفر أعمال الرسل : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 –27 – 28
تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7– 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 –15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 –25 – 26 –27 – 28