تفسير المزمور 13 للقديس أغسطينوس

عظة في المزمور الثاني عشر (بحسب السبعينية)
تأوّهات الصديق

الذين تلوّعُهم رؤية الجور يتضرّعون إلى المخلّص الذي يهرع إلى مساعدتنا في حربنا الظافرة ضد عدوّ الخلاص.

للغاية، مزمور لداود 

۱ – «المسيح غاية الشريعة لكي يُبرّر الذين يؤمنون» (رو 10: 4). «إلى متى يارب تستمر على نسياني؟» (13: 1)، أي لم تتأخّر لكي تعرفني، روحيا بالمسيح، حكمة الله وغاية كل نفس مسيحية. وحتى متى تواري وجهَك عنّي؟ (13: 1) في الحقيقة، إن الله لا ينسانا البتة، ولا يواري وجهَه عنّا، لكنّ الكتاب يُكلمنا على طريقتنا . فالقول بأن الله يواري وجهَه عنّا يعني أنّه لا يُعرف ذاته إلى النفس التي في صفاء عينها بعض غشاوة.

2 – «إلى متى آخذ مشوراتي من نفسي؟» (13: 2). في الشدائد أحتاج إلى المشورة، فإلى متى أستمد المشورة من نفسي؟ أي إلى متى أستمر في الشدّة؟ وقد يكون هذا الكلام جوابا بمعنى: إلى أن أكفّ عن اتخاذ القرار بنفسي، تستمر، يا ربُّ على نسياني، وتواري وجهك عني. فإذا لم يُصمّم الإنسان في نفسه على فعل الرحمة الكلية، لا يقوده الرب إلى غايته، ولا يُعرّفه بنفسه معرفة تامة، أي وجها لوجه.

«حسرة في قلبي النهار كلّه أي أجعلُ في قلبي حسرة. «النهار كله» أي أن الحسرة مستمرة إلى ما لا نهاية والنهار هنا هو الزمن. وكلّ من يبتغي التخلص من الزمن يشعرُ بحسرة في قلبه، ويسأل أن ينتقل إلى الأبدية ليتخلّص من النهار الأرضي.

3- «وحتى متى يقوم عدوّي عليّ؟» (13: 2). العدو هو الشيطان أو الطبيعة الجسدية .

4 – «أنظر إلي يا ربّ واستجب لي يا إلهي» (13: 3). أنظر إليّ بسبب شكواي : «حتى متى تواري وجهك عني؟» واستجب لي، فلا تستمر على نسياني في آخرتي. أنر عيني لئلا أنام نومة الموت» (13: 3). العينان هما عينا القلب، التي يمكن أن تلقي عليهما السبات حلاوة الخطيئة المميتة.

5 -« وليخز العدوّ فلا يقول : قد غلبتُه» (13: 4). ولنخش هزء إبليس . ويبتهج مُضايقيَّ إذا زللت (13: 4). ذاك العدو هو إبليس وملائكته الذين يبدو أنهم لم يبتهجوا لنتيجة المحن التي ابتلوا بها أيوب البار، ذلك الرجل الصديق الذي «لم يخطأ ولم يقل في الله جهلا» (أيوب ۱ : ۲۲)، وبقي ثابتا على الإيمان.

٦ – «وأنا على رحمتك توكلت» (13: 5). إذا بقي الإنسان ثابتا في الرب ولم يتزعزع، فما عليه أن يعزو الثبات لذاته، لئلا تُزعزعه الكبرياء، إذا ما تفاخر بصلابته. «وابتهج قلبي بخلاصك» (13: 5)، أي بيسوع المسيح، حكمة الله. «أشيد للربّ الذي طمرني بخيراته» (13: 5) أي بخيراته الروحية التي ليست من هذه الدنيا . «وأرنّم على القيثارة باسم العليّ» (13: 5) أي أنني في غمرة بهجتي، أرنّم الشكر للرب وأسلك في جسدي بحسب أحكامه. تلك هي النغمات الروحية التي ترنّمها النفس. إذا رغبنا في المقارنة، نقول هنا إنّ جملة «أشيد للربّ تُعبّر عن نغمات القلب، وجملة «أرنّم على القيثارة» تُعبّر عن نغمات الأعمال الصالحة، التي لا يعرفها إلا الله وحده. و«اسم الربّ» هوالعلم الذي يُخبرنا به عن ذاته، وهو علمٌ يُفيدُنا دونه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى