البابا غبريال السابع

البطريرك رقم 95

نشأته

 في بداية الاحتلال العثماني لمصر اختير الأنبا غبريال السابع سنة 1516م  ليجلس على السدة المرقسية . 

لقد ولد هذا البابا في قرية أبو عايشة بالقرب من الدير المحرق ، ودعاه والده باسم جده روفائيل ، ولكنه عاش في مصر لان اباه جرجس ميخائيل كان راعي بيعة الشهيد العظيم مرقوريوس ( ابي السيفين) بمصر العتيقة . فلما بلغ روفائيل أشده اشتاقت نفسه إلى الحياة الرهبانية ، فأطاع هذا الشوق ووجد من أبيه التشجيع على تنفيذه فترك مصر وانضم إلى دير السيدة العذراء المعروف بالسرياني محتفظاً في رهبنته باسمه العلماني روفائيل . فلما نال كرامة البابوية المرقسية استبدل اسم الملاك مطيَّب القلوب باسم الملاك حامل البشارة.

درس من السماء

 وكان صاحب الحكم إذ ذاك السلطان سليمان الذي خلف أباه سليم الفاتح على العرش . وكان هذا السلطان شديد الايمان بالتنجيم ، وله منجم يهودی يستشيره في كل أموره . فسأله عما يمكن أن يعمله لتوطيد دعائم ملكه . أجابه هذا اليهودي بأن المسيحيين في مصر وفي غيرها من بلاد الشرق الأوسط يشكلون خطراً على مملكته لأنهم قد يثورون عليه إرتكانا على ملك الروم الذي سيجد الفرصة مواتية لمحاربة الدولة العثمانية. فصدق السلطان هذه التكهنات لساعته واراد أن يصدر الأمر بقتل المسيحيين في مختلف هذه البلاد. ولكن الآب السماوی الساهر دوماً على أولاده أنطق الوزير بيروز باشا الذي قال للسلطان :” إن الملك من الله ولمن اراد الله أن يعطيه إياه . فإن فعلت هذا خربت مملكتك” فأعادت هذه الكلمات الصواب إلى السلطان وأوقفته عن الايقاع بالقبط و بإخوتهم من مسيحي الشرق. 

ويبدو أن الله تعالى اراد ان يلقن السلطان سليمان درساً بالغاً إذ قد اندلعت الثورة في مصر فعلاً ولكن بزعامة أحمد باشا الوالى الذي عينه السلطان بنفسه ! وكان هذا الوالى المتمرد عاتياً ظالماً لم يهمه استمالة الشعب ليؤازره ضد سلطانه بل استعان بالرشوة و بالسخرة و باستنفاذ قوى الشعب ما أمكنه , فكانت النتيجة آن سقط بسرعة و فجائية ايضاً.

خطة تعمير

على ان البابا غبريال السابع سار على خطة اسلافه : خطة المحافظة على الإيمان و السعي إلى المحافظة على المؤمنين ، ومن أعماله الهادفة إعادة بناء ديری الأنبا بولا والانبا انطوني اللذين كانا قد خربهما عربان الصعيد. ولما أتم بناءهما طلب إلى رهبان دير السيدة العذراء ( السريان ) الذين هم إخوته في الرهبنة أن يعيدوا الحياة الرهبانية إليهما . فذهب البعض منهم إلى دير الأنبا بولا وبعضهم إلى دير الأنبا أنطوني، وحملوا معهم عددا من الكتب القدسة لتكون نواة لمكتبتي الديرين . ولا تزال كثير من اوانى البيعة المقدسة وآلات الديرين للخدمة اليومية تحمل اسم دير السريان . ولقد ساه عدو الخير ان يعمر الديران وان ترتفع الصلوات والتسابيح منها فاستثار عربان بني عطية ( قرب بني سويف ) الذين لم يفلحوا هذه المرة إلا في تخریب دير الأنبا بولا والقضاء على الرهبان الذين فيه ، ولكن شاءت المراحم الإلهية أن تمنح الانبا غبريال تفه نعمة ترميم بعض أجزائه. كذلك منحته أن يعمر دير الأنبا أنطوني بالجيزة – وهو المعروف بدير الميمون. ومن الواضح ان الانبا غبريال كان من البناة الكادحين إذ قد امتدت رغبته في التعمير إلى الدير المحرق بجبل قسقام. 

تصالح الأم وأبنتها

 ووسط الضنك الذي أصاب الشعب القبطي في بداية الحكم العثماني بدت مراحم الله – مراحمه التي تسطع دائماً خلف الغيوم الكثيفة – فتجلت إذ ذاك في عودة الصلة بين الكنيسة القبطية والبلاد الحبشية. لان هذه الصلة كانت قد انقطعت بسبب تنابذ الماليك فيما بينهم واضطهادهم للقبط ، ثم غضبهم لان أخبار هذا التنابذ وهذا الاضطهاد قد بلغت إلى مسامع امبراطور الحبشة . فدفعهم غضبهم إلى عدم السماح للأحباش بالدخول إلى مصر ، تم بالتشديد على البابا المرقسي بعدم التعامل معهم إطلاقاً حتى حين يكونون في حاجة علوية إلى مطران . فأدى هذا كله إلى رسامة مطران برتغالى كاثوليكي أطلق بابا رومية عليه لقب بطريرك الاسكندرية ، على أن هذا التحدي الروماني المزدوج انتهى حين اعتلى جلاديوس عرش الحبشة . لأن هذا الملك أعلن المطران البرتغالى بأنه موقوف . فإن شاء أن يعيش في البلاد الحبشية عليه أن يعتبر نفسه مجرد ضيف نزيل عليها . وبعد ذلك بعث الملك برسله إلى الأنبا غبريال السابع يرجو منه رسامة مطران لبلاده ومن نعمة الله أن هؤلاء الرسل استطاعوا أن يدخلوا مصر وأن يقابلوا البابا المرقسي ويبسطوا له طلبهم ، وبالطبع فرح خليفة مار مرقس بعودة اولاده إليه وسارع إلى اختيار راهب ممتاز رسمه باسم يوساب الثالث . و بعد الرسامة بأيام غادر المطران وطنه الأصلي ليذهب إلى وطنه الجديد و برعي الشعب الذي شاء الله أن يأتمنه عليه . وقد سافر مع الوفد الذي كان قد جاء خصيصاً لطلبه . ولما وصل تلقاه الملك والشعب بكل ترحاب.

ظلم مرير

 وحدث أن السلطان فرض الف دينار على غير المسلمين ، ووقع الجزء الأكبر من هذا المبلغ المفروض على عاتق القبط . فاضطر الأنبا غبريال إلى الهرب إلى دير القديس أنبا أنطوني تجنباً لما قد يصيبه من أذى وذل . لان الترك لم تكن لهم وسيلة غير الكرباج دون مراعاة لكرامة أي إنسان. وبينما كان في الدير ضرع بحرارة ليتدارك الله شعبه طغى عليه الحزن والتوجع إلى حد أنه فارق هذه الحياة الدنيا وانتقل إلى بيعة الا بکار. 

عرفان بالجميل

وقد سجل الآباء الرهبان ذكراه اعترافاً بفضله فكتبوا على حائط الكنيسة تحت أيقونة الأنبا أنطوني والانبا بولا ما يلى : ولما كان بتاريخ يوم الثلاثاء المبارك تاسع عشرین بابه المبارك سنة ألف ومائتين وخمسة وثمانين الشهداء الأطهار رزقنا الرب ببرکاتهم ، تنيح السيد الأب البطريرك العظيم في البطاركة أنبا غبريال الخامس والتسعون في عدد الآباء البطاركة في كرسي مار مرقس . وكانت نياحته في احضان رهبان هذا الدير المقدس التحتاني على شاطىء البحر لقوة عزيمته الطاهرة . و نقل جسده الطاهر إلى مصر المحروسة في ۲۰ هاتور سنة تاريخه أعلاه .

وجنزناه في بيعة الشهيد العظيم مرقوريوس بمصر ، ودفن بها، في مقبرة جديدة تحت جسد مرقوريوس”.

فاصل

البابا يوحنا الثالث عشر  القرن السادس عشر العصور الوسطى البابا يوحنا الرابع عشر 
تاريخ البطاركة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى