تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 2 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الموعظة السادسة (1تي 2: 1-4)
“فأطلب أول كل شئ أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس لأجل الملوك وجميع الذين في منصب لكي نقضى حياة مطمئنة هادئة فى كل تقوى ووقار لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (2: 1-4)
التحليل
1 – واجب الكاهن الصلاة لأجل الأرض كلها – الإنسان المسيحي يجب أن يكون ذا روح عالية بحيث لا يمكن لأي شئ أرضى أن يبلغه ويجرحه.
2- ألا يلعن أعداءه ولا يرفع صلوات ضدهم.
3- ألا يكتفى بسماع الوعظ بل أيضا يطبقه.
١ – واجب الكاهن الصلاة لأجل الكل :-
الكاهن على الأرض هو أب عام. لذا يجب عليه أن يهتم بالجميع إقتداء بالله الكاهن الأعظم. لأجل ذلك يقول الرسول: “أطلب أول كل شئ أن تقام طلبات وصلوات” لأنه ينتج عنها منفعتين: تلاشي العداوة التي تضمرها للغرباء عن إيماننا، لأنه فى الواقع لا يستطيع أحد أن يكن كراهية نحو الذي يصلي من أجله؛ وهم أنفسهم سيصبحون أفضل بفعل الصلوات التى تقام من أجلهم، ويكفون عن غضبهم منا، فليس هناك شئ يجذب البشر أكثر من المحبة المتبادلة. فكروا فيما كان يجب أن يشعر به أناس كانوا يتأمرون ضدنا وكانوا يسلموننا للسخرية، للنفي، للموت، عند علمهم أن الذين قاسوا هذه المعاملة الوحشية منهم كانوا يقدمون صلوات مستمرة من أجل مضطهديهم . ترون كيف أن الرسول يريد أن يرتفع الإنسان المسيحى فوق مستوى الكل. كما أن طفلا صغيرا دون وعي يلطم أباه الذي يحمله، وحنان الأب لايتاثر تجاه أبنه، هكذا لو ضربنا من الوثنيين يجب أن لا نفقد شيئا من حسن معاملتنا لهم.
“أطلب أول كل شئ” :-
وماذا تعنى هذه الكلمات أول كل شي إنها تعنى أن الذين يمارسون العبادة اليومية التى توجه إلى الله، يعرفون كيف ترفع هذه الصلاة يوميا مساء وصباحا، كيف ترفع ابتهالاتنا عن العالم أجمع لأجل الملوك وكل الذين ارتقوا في الرفعة والوقار. وربما يقال أنه بهذه الكلمات لأجل جميع الناس أن الرسول لا يعنى الجنس البشرى كله إنما المؤمنون فقط. وكيف يقول إذا من أجل الملوك مع أنه كان لا يوجد ملوك مسيحيون، بل كانوا على زمن طويل ملحدين على التوالى. وحتى يتجرد كلامه من المداهنه قال أولا : لأجل جميع الناس” ثم بعد ذلك لأجل الملوك” لأنه إذا تكلم عن الملوك فقط كان يمكن أن يؤدى ذلك إلى هذا الشك. ثم أنه لما كان من المحتمل أن تصدم نفس الإنسان المسيحى، ولا تتقبل نصيحة الصلاة من أجل وثنى أثناء الإحتفال بالأسرار، انظروا إلى مايضيفه الرسول، والمزايا التي يشير إليها حتى تقبل نصيحته. يقول: لكي نقضى حياة مطمئنة هادئة أى أن سلام هؤلاء هو أمان لنا . أيضا في رسالته إلى رومية، يحثهم على طاعة الحكام والدافع إليها ليس للضرورة فقط بل بدافع الضمير أيضا” (رو 13: 5) لأن الله أوجد السلطات للفائدة العامة. إنهم يمضون إلى الحروب، ويقيمون جيوشا ، لكي نعيش نحن في أمن، فكيف لا نقدم الصلوات من أجلهم، وهم يعرضون أنفسهم للمخاطر وأتعاب الحروب ؟ هذا ليس تملقا على الإطلاق ولكنه حق. لأنهم إن لم يكونوا محفوظين من المخاطر، ومنتصرين فى الحروب، سنكون تحت وطأة القلق والتهديد، وإذا قتلوا بواسطة العدو، سنضطر إلى أن نسير نحن بأنفسنا في المعركة، أو نهرب ونتشتت هم بالنسبة لنا مثل الأسوار التي تحفظ سكان المدينة في سلام” أن تقام صلوات وابتهالات وتشكرات يلزمنا أن نشكر الله حتى من أجل خيرات الآخرين، لأن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. ألا ترون أنه ليس فقط بالصلاة يجمعنا كما لو كنا فى جسد واحد، بل أيضا بالتشكرات ؟ لأن الذى يلتزم بأن يشكر الله من أجل سعادة الغير ملزم أيضا بمحبة هذا الغير والعمل على ارضاءه. وإذا كنا ملتزمين بالشكر لله لأجل خير الآخرين فكم بالحرى بالنسبة للخير الذى يقدمه لنا ، حتى على ما يظهر بالنسبة لنا أنه مكدر؛ لأن الله يعد كل شئ لخيرنا .
2- لا يلعن اعداءه ولا يرفع صلوات ضدهم :-
لتكن صلاتنا صلاة للشكر . وإذا كنا أمرنا بأن نصلى لأجل الآخرين فلايكون ذلك للمؤمنين فقط بل لغير المؤمنين أيضا، تذكروا أنه من الإجرام أن تنطق بلعنات ضد أخوتنا . بماذا ستيجبون؟ هل ستقولون إن الرسول أمركم أن تصلوا من أجل أعدائكم وتلعنوا أخاكم، كلاً لم يقل هو ذلك، بل أنتم الذين تلعنون ولذلك تثيرون الله بهذه الألفاظ البعيدة عن روح التقوى مثل: اجعله يارب يشعر بهذا، إفعل معه ذاك، إضربه، انتقم منه يارب لأجلى هذه الألفاظ سهلة وحلوة للبعيدين عن تلاميذ المسيح، وبعيدة عن الفم المستحق للأسرار هذا الفم الذى أصبح جديرا بحمل الجسد الإلهى لا يخرج لفظا مراً أو قاسيا، بل يُحفظ ظاهراً بعيدا عن اللعنات. لأنه إذا كان النمامون لايرثون ملكوت السموات، فكم بالحرى الذين يلعنون الذي يلعن هو بالضرورة مجرم لأنه أهان غيره. صلوا الواحد من أجل الآخر دون أن تلعنوا اللعنة والصلاة أمران متضادان، وبينهما هوة عميقة. كيف تطلبون الرحمة من الله وتلعنون الآخرين؛ إن لم تغفروا فلا يغفر لكم، وأنتم لا تكتفون بعدم الغفران بل تطلبون من الله أن لا يغفر لهم.
هل تفهمون معنى هذا الإفراط في الحقد ؟ إذا كان لا يغفر للذي لا يغفر فكيف يكون الأمر بالنسبة للذى يتوسل إلى رب الكل ألا يؤجل الدين؟ أنتم بذلك لاتضرون عدوكم، بل تضرون أنفسكم لأنه حتى لو كان مزمعا أن يقبل طلباتكم من أجل ،نواتكم فسيرفضها لأنكم تطلبون بفم غاش، غير طاهر، ملئ بالنتن والنجاسة يلزمكم أن ترتعدوا من خطاياكم وتبذلوا الجهود لنوال العفو، بدلا من أن تأتوا إلى الله لتثيروه ضد أخيكم. ألا تخافون؟ ألا تقلقون على أنفسكم؟ ألا ترون إلى أى نهاية تصلون؟ كيف تتوسل إلى الله، وتطلب منه أن يعامل أخاك بشدة، بهذا أنت تسئ إلى حالتك، ولا تسمح لله أن يغفر لك خطاياك، ويقول : كيف تطلب منى أن أحاسب الذين أخطأوا ضدك حسابا قاسياً ، ثم تطلب منى بعد ذلك أن أغفر لك إهانتك لى؟ ليتنا ندرب أنفسنا على أن نكون مسيحيين بالحق فإذا كنا لا نعرف كيف نصلي وهذا شيء حلو وسهل جدا، فكيف نعرف الباقى ، لنتعلم كيف نصلى كمسيحيين هذه الصلوات لا تتفق مع المسيحية بل مع اليهودية. لأن صلوات المسيحيين على العكس تماما، فهي تتضمن طلب الصفح، والرحمة لمن أساءوا إلينا. نحن نشتم فنبارك تضطهد فنحتمل، يُفترى علينا فنعظ (1كو 4: 12، 13).
إسمعوا ما يقوله استفانوس “يارب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع 7: 6) فهو لم يكتف بعدم قذف جلاديه باللعنات، بل صلى من أجلهم، وأنتم لا تكتفون بعدم الصلاة من أجل أعدائكم، بل تلعنوهم – بقدر ما كان استفانوس جديراً بالإعجاب بنفس القدر أنت بائس. قولوا لي بمن تعجب؟ هل بالذين صلى استفانوس من أجلهم أم بأستفانوس نفسه؟ لاشك أننا نعجب به هو. فإذا كان هذا هو تفكيرنا فكم يكون بالنسبة لله. أتريد أن يعاقب عدوك صل” من أجله، ولكن ليس بهذا الفكر، ولا لكي تبلغ هذا الغرض. هذا الغرض سيتم ولكن أنت لا تصلى بهذا الهدف. مع أن هذا القديس قد قاس الاضطهاد ظلما فقد كان يصلى من أجل جلاديه ولم يلعنهم بينما نحن كثيرا ما نعانى من قبل أعدائنا الاما نحن نستحقها ومع ذلك ليس فقط لا تصلى من أجلهم ؛ بل على العكس فإننا نلعنهم، أية عقوبة لانستحقها ؟ قد يظهر لكم أنكم تجرحون عدوكم، وفي الحقيقة أنتم تصوبون السلاح ضد أنفسكم؛ إذ أنكم لا تعطون فرصة للقاضي أن يكون رحيما قبل خطاياكم وذلك بإثارته ضد خطايا الآخرين: “لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذى به تكيلون يكال لكم (مت 7: 2) لنكن رحماء حتى ننال الرحمة من عند الرب.
3- لا يكتفى بسماع الوعظ فقط بل بتطبيقه :-
أرجو ألا تكتفوا بسماع الوعظ بل تكونوا أمناء في تطبيقه هذا الكلام سوف لا يترك لديكم سوى تذكار فقط، وقريبا هو نفسه ينمحي، فعدنما تنصرفون إذا قابلكم أحد من الذين لم يحضروا معنا ويسألكم فيما ذكرناه، فإن البعض لن يعرف ماذا يقول، والبعض الآخر سيعرفون فقط موضع العظه، ويقولون أن الواعظ قال : إنه لايجب أن نشعر بالضغينة؛ بل على العكس يجب أن تصلى من أجل أعدائنا، ويضيفون أنهم لن يحاولوا التكملة لأنهم لا يجيدون التذكر، وآخرون يتذكرون بعض الأجزاء الصغيرة جدا. لذلك أدعوكم إذا لم تلتقطوا أية فائدة من حديثي هذا ، لاتربطوا أنفسكم بى لتسمعوني. لأنه ماذا سيعود عليكم سوى حكم أكثر صرامة، وعقوبة أشد قسوة، إذا مازلتم فى نفس الحالة بعد كل هذه التنبيهات؟ الله أعطانا صيغة للصلاة حتى لانطلب شيئاً أرضياً وبشرياً. أنتم مؤمنون وتعرفون ما تتضمنه الصلاة العامة المشتركة. قد تقولون هذه الصلاة لم تلزمنا بالصلاة لغير المؤمنين ذلك لأنكم لا تعرفون قوة هذه الصلاة وعمقها والكنز الذي تحتويه، فإذا عشنا فيها سنكتشف كل ذلك. عندما نقول: لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض هنا نجد المعنى مختفيا في هذه العبارة وكيف يكون ذلك” لأنه في السماء لا يوجد سوى المؤمنون فقط فليس هناك مراوغ أو غير مؤمن فإذا كان الأمر يقتصر على المؤمنين فقط، لتجرد هذا النص من كل معنى، لأنه إذا كان يجب على المؤمنين فقط تنفيذ مشيئة الله وأن يخالفها غير المؤمنين، فإنها لن تنفذ كما في السماء. وماذا أيضا؟ فى السماء لا يوجد فاسدون، فليت لا يكون على الأرض فاسدين أيضا، إجذبهم كلهم يا إلهي لمخافتك، وأجعل أن يكون جميع البشر ملائكة حتى لو كانوا أعدائنا وأعداء المملكة.
ألا تلاحظون كم يجدف على الله يوميا؟ كم يهان من غير المؤمنين ومن المسيحيين بالكلام والأفعال؟ فهل بسبب ذلك أطفأ نور الشمس حجب القمر، حطم السماء، قلب الأرض، جفف البحر محى ينابيع المياه أربك الأهوية ؟ كلاً، بل على العكس أشرق الشمس، أسقط المطر، أنتج الفاكهة، يطعم سنويا المجدفين والحمقى والمجرمين والمضطهدين، ليس فقط لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، ولكن مدى الحياة إقتدوا به بقدر ما تتيح لكم الطاقة البشرية . أنتم لا تقدرون أن تشرقوا الشمس؟ فلا تقولوا شيئاً رديئاً على أعدائكم أنتم لا تقدرون أن تعطوهم مطراً ؟ فلا تسيئوا إليهم. أنتم لا تقدرون على مدهم بالغذاء ؟ لا تسبوهم في حالة السكر. من جانبكم هذه الحسنات كافية، أقول لكم: إذا كان الله يظهر إحساناته للأعداء بالأعمال، إظهروها ، أنتم على الأقل بالأقوال : صل من أجل عدوك، وبذلك تشبه أباك الذي في السموات تكلمنا في هذا الموضوع ألف مرة، ولم نتوقف عنه، ليحقق بعضا من التقدم .فقط. نحن لانتكاسل ولانكل عن الكلام، ولن نيأس قط، كل ما نرجوه ألا تنفروا منا، إذا أن نفوركم يظهر عندما لاتتجاوبون مع حديثنا ، لأن الذي ينسجم منه يشتاق لسماعه مرة أخرى، لايجد فى أى موضوع مضايقة، بل يثني عليه النفور يأتي ممن لا يريدون تطبيق ما يسمعونه، وهكذا يصبح الواعظ مسئولا.
قولوا لي، إذا سمع رجل محسن موعظة عن الصدقة، فإنه ليس فقط لا يتردد عن الحضور، بل يعجب بما سمع كما لو كان الواعظ يتحدث عن أعماله الصالحه. هكذا نحن أيضا بما أننا لا نحمل فضيلة الصبر ولا نطبقها على الإطلاق، ننفر نفورا شديدا من الحديث عنها؛ فلو كانت أعمالنا مطابقة لها لكنا نعجب بها . فإذا كنتم لا تريدون أن نكون في موضع المسئولية ومبغضين تجاوبوا مع رأينا أظهروه في أعمالكم، لأننا لم نكف عن الكلام فى هذا الموضوع حتى تهتدون. نعم نحن نعمل هذا من أجلكم بحماس وشفقة وأيضا نعمله خشية الضياع الذي يهددنا . البوق لابد أن يبوق، فإذا ما بوق ولم يتصد أحد للعدو، فهنا يكون البوق قد أكمل واجبه نعمل هذا ليس لكى نثقل العقوبة عليكم، بل لكي نخلي مسئوليتنا . ثم إن محبتنا لكم تنشطنا، أحشاؤنا تمزقت، لما لهذه الخطايا من أثر فينا . إن ما نلتمسه منكم ليس طلباً، ولا مـصـروفـاً، ولا طريقاً طويلاً ولا تضحية بالثراء، لا يلزم سوى الرغبة، سوى كلمة واحدة، عمل إرادى.
لنحفظ فمنا لنضع باباً ومزلاجاً عليه، حتى لا ننطق بما لايرضى الله. إنه ربح لنا وليس ربحاً للذين نصلي من أجلهم. لنتذكر أن الذي يبارك عدوه يبارك نفسه، والذي يلعنه يلعن نفسه بهذا نستطيع التقدم والحصول على الوعود الحسنة التى أتمناها للجميع بنعمة وصلاح ربنا يسوع المسيح له مع الآب والروح القدس، المجد والكرامة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة السابعة 2: 2-4
لكي نقضى حياة مطمئنة هادئة فى كل تقوى ووقار. لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (2: 2 – 4: 7)
التحليل
1- يوجد ثلاثة أنواع من الحروب، تلك التي يشنها علينا الأجانب، والتي تنشأ بين المواطنين الواحد ضد الآخر، وتلك التي نشنها على أنفسنا . وهذه هي أسوأ الأنواع الثلاثة.
2- لا يوجد سوى إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس هو يسوع المسيح.
3- الحث على الصدقة – عدم الثراء.
1- ثلاثة أنواع من الحروب:-
إذا كان الرسول يريد أن حرب الشعوب، والمعارك والاضطرابات تهدأ، وإذا كان لهذا الباعث يحث الكاهن على إقامة الصلوات من أجل الملوك والأمراء، فمن باب أولى يجب أن يقوم بهذه الصلاة المؤمنون البسطاء. في الواقع قد توجد ثلاثة أنواع من الحروب الوحشية المؤلمة؛ الأولى عندما يحارب جنودنا جيوش البربر المعتدين الثانية قتالنا ضد بعضنا البعض في أوقات السلام، الثالثة والأخيره عندما يحارب كل منا ذاته، وهذه أكثر الحروب قسوة وحزنا.
حرب البرابرة لاتضيرنا كثيرا؛ ماذا يحدثون بكم؟ يذبحون يقتلون ولكن لا يضرون النفس ، والثانية مثلها ، لن تضرنا قط؛ هذا إذا أردنا ، فمتى ها جمنا الآخرون، يمكننا أن نتقبل هجومهم في سلام إسمعوا ما يقوله النبي: “بدل محبتي يخاصمونني أما أنا فصلاة” (مز 109: 4). وأيضا يقول : “أنا سلام وحينما أتكلم فهم للحرب” (مز 120: 7).
أما بالنسبة للثالثة فلا يمكن الهروب منها فى الخطر لأنه عندما يكون الجسد في نضال مع النفس، وينجح في إيقاظ الشهوات، وتسليح اللذات وإثارة الميل للغضب أو الحسد، يصبح الأمر وقتئذ من الاستحالة الحصول معه على الوعود الحسنة بل أن الذى لا يعمل على إيقاف هذا الاضطراب، لابد أن يسقط وتصيبه الجروح، وهذه الحرب تولد موت جهنم يلزمنا إذا أن نعيش يوميا في اهتمام ويقظة، حتى لا تولد هذه الحرب فينا، أو إذا ولدت لاتتمادى، بل تهدأ وتخمد. لأنه أية فائدة ستحققونها وتحصلون عليها إذا ما تمتعت المسكونة بسلام عميق وأنتم في حرب مع أنفسكم ؟ إن السلام مع أنفسنا هو الذي يهمنا الحصول عليه؛ فاذا امتلكناه لاشئ من الخارج يستطيع أن يؤذينا . أما سلام الدولة فإنه من الأمور التي تساعدنا على حصولنا على سلامنا الخاص. لهذا يقول النص: لكي نقضى حياة مطمئنة هادئة.
“في كل تقوى” :-
ويقول : “في كل تقوى” لكى لايظن أنه يقصد الإيمان فقط، بل السلوك أيضا، الذي تكمن فيه التقوى. ماذا يربح الذين هم أتقياء في الإيمان، ولكنهم عديمو التقوى في سلوكهم. وحتى لا يكون هناك شك في إمكانية توافر عدم التقوى مع الإيمان إسمعوا ما يقوله الطوباوي يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونة (تي 1: 6). وأيضا “فقد انكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن” (1تي 5: 8) وفي مكان آخر إن كان أحد مدعو أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن” (1كو 5: 11) فهذا وثن لا يكرم الله.
الكتاب المقدس يقول أيضا : ” من يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة ( 1يو 2: 9) أترون كم يوجد من أنواع عدم التقوى. لهذا يقول الرسول: “بكل تقوى ووقار” لأنه ليس الوقح فقط هو الذي ينقصه الوقار؛ بل الإنسان الشره والإنسان الذى بلا زمام يستحقان نفس اللوم، يوجد هنا ولع لايقل عن الشهوة. والذي لا يقمعه هو إنسان بلا زمام هكذا يسمى الذى لا يلجم رغباته. سأعطى أيضا هذا اللقب للرجل الغضوب للحسود للبخيل، للخائن، لكل الذين يعيشون فى الخطية، جميعهم بلا وقار ولا اعتدال.
الصلاة من أجل جميع الناس :-
فهذا هو الحلو المفضل فى نظر الله مخلصنا ماهو؟ هو أن نصلى من أجل الجميع، هذا ما يقبله الله ،ويريده، لأنه “يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون”.
اقتدوا بالله : فبما أنه يريد أن الجميع يخلصون، يلزمكم أن تصلوا من أجل الجميع، فإذا كان الله يتمنى أن الجميع يخلصون، لتكن لكم أنتم أيضا نفس الأمنية، إعتبروها من الموضوعات التي تتطلب صلواتكم. ألا تلاحظون كيف أن الرسول يحاول بكل وسيلة أن يحثنا على الصلاة حتى من أجل الوثنيين ؟ ويرينا الفوائد العظيمة التي نحصل عليها منها بقوله: لكي نقضى حياة مطمئنة هادئة ويرينا أيضا أن الباعث الرئيسي لها، وهو أن الله . يسر بذلك، ويريد أن نتشبه به، بأن تكون لنا نفس الرغبة التي له. وهذا يكفى أن يُخجل حتى الحيوان المفترس.
لا تخشوا أن تصلوا للوثنيين، الله نفسه يريد ذلك، أما الذي لايريده ويجب أن تخشوه، هو أن تلعنوهم. وإذا كانت الصلاة لازمة من أجل الوثنيين، فبديهي أنه يجب الصلاة أيضا من أجل الهراطقة، إذ يجب أن نصلي من أجل كل البشر، ولا نضطهدهم. أجل، إنه أمر جميل أن نصلى من أجلهم. أليسوا هم من طبيعتنا ؟ الله يمدح ويبجل العطف والمحبة المتبادلتين بيننا . وقد يقال، إذا كان الله له هذه الإرادة فما هي حاجته لصلواتنا ؟ إنه من المفيد جدا للوثنيين والهراطقة أن نصلي من أجلهم إذا بالصلاة نجذبهم لمحبتنا ، وتمنعكم أنتم من حدة الطبع؛ كل هذا ملائم لجذبهم للإيمان لأن كثيرين ابتعدوا عن الله بسبب بغضهم للبشر. وهذا هو السلام الذى يتكلم عنه الرسول، عندما يقول: الله يريد أن الجميع يخلصون” هنا السلام الحقيقي، والباقى كله لاشئ ولا يحمل سوى إسم السلام. وإلى معرفة الحق يقبلون” الحق هو الإيمان به وفي الواقع فإن الرسول فى البداية قد نبه تيموثيئوس أن يحث الناس على ألا يعلموا تعليما آخر، حتى لا يتواجد بينهم أعداء، ولا يدعوا الأمر إلى مصارعات ضدهم.
2- لا يوجد سوى إله واحد ووسيط واحد : -:
ويضيف “يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس” وقال: وإلى معرفة الحق يقبلون” مشيرا بذلك إلى أن المسكونة لم تقنن الحق. ثم يوجد إله واحد” وليس عدة آلهة كما يعتقد الوثنيون. ولكي يظهر أن الله يريد أن الجميع يخلصون، يضيف أنه أرسل أبنه كوسيط. كيف ذلك أليس الابن هو الله؟ نعم بالتأكيد : لماذا إذا يقول الرسول: “يوجد إله واحد ؟ لأنه كان يقصد في معرض حديثه التمييز بين المسيحية وعبادة الأوثان التي تقول بتعدد الآلهة، إذا كان يتكلم هنا عن الحق والضلال. ولكن الوسيط يلزمه أن يكون مشاركا للذين يقوم بالوساطة بينهما.
فإذا التصق بأحدهما وانفصل عن الآخر لا يصح أن يكون وسيطا . فإذا لم يشارك في طبيعة الآب لايكون وسيطا بل منفصلاً. كما أنه يشترك في الطبيعة البشرية لأنه جاء بين البشر. فبما أنه وسيط بين طبيعتين، لا يمكن أن يكون معزولا عن أي منهما . وكما أن الوسيط بين طرفين يكون جاراً للإثنين، هذا يجب أن يكون بالنسبة للذي له صلة بين طبيعتين. وكونه صار إنسانا فلم يصبح أقل من الله. ولو كان إنساناً فقط ما كان يصح أن يكون وسيطا، لأنه لابد أن يتعامل مع الله نفسه ولو كان إلها فقط ما كان يمكنه ذلك أيضا لأن الذين كان يعمل وسيطا لهم ما كانوا يقبلونه.
ولذلك يقول الرسول في موضع آخر “ولكن لنا إله واحد الآب… ورب واحد يسوع المسيح” (1كو8: 6) وهكذا في هذه الفقرة يقول : إله واحد ووسيط واحد . فهو لا يقول “اثنين” لأنه فى هذا الجزء كان يتكلم عن تعدد الآلهة ولم يرد أن ينخدع أحد بكملة “أثنين” لافتراض وجود الهين؛ وقال: واحد” ثم أيضا “واحد”. أترون دقة التعبير التي توجد في الكتاب المقدس! واحد وواحد هما اثنان، ولكننا لا نلفظ بهذه الكلمة رغم ان العقل يدعونا لذلك. هنا لا نقول واحد وواحد اثنين. أنت تقول ما لا يوعز به العقل لك. إن كان قد ولد فإنه تألم. ويقول: “لأنه لا يوجد سوى إله واحد، ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل الجميع (1تى 2: 5، 6) وماذا ؟ هل لأجل الوثنيين أيضا؟ هو المسيح وقد مات من أجلهم ومن أجلكم وأنتم ترفضون الصلاة من أجلهم! قد تقولون وكيف لم يؤمنوا إذا ؟ لأنهم رفضوه، ولكن ماكان عليه أن يعمله فقد عمله: والشهادة التى يتكلم عنها الرسول هي آلامه . لأنه جاء ليقدم الشهادة عن حقيقة الآب وذبح . بحيث أنه لم يشهد الآب له فقط بل هو أيضا قد شهد للآب. ويقول: “أنا أتيت بإسم أبى (يو 5: 43) وفى موضع آخر الله لم يره أحد قط الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر” (يو 4: 24) إذا قدم الشهادة حتى الموت في أوقاتها الخاصة أي في الوقت المناسب. التي جعلت أنا لها كارزا ورسولا الحق أقول في المسيح ولا أكذب معلما للأمم فى الإيمان والحق” فإذا كان المخلص تألم لأجل الأمم، وأنا خصصت لأكون معلما لهم فلماذا أنتم لا تصلون لأجل الوثنيين؟ أنتم ترون أن النعمة تمتد اليهود لم يقيموا صلوات لهدف كهذا؛ ولكن الآن النعمة قد امتدت معلما للأمم فى الإيمان والحق”. ـ “الذي بذل نفسه كفدية كيف سلم بمعرفة أبيه؟ لأن صلاحه أراد ذلك. وماهي هذه الفدية؟ كان لابد أن يعاقب هؤلاء الناس، كان لابد أن يهلكوا ، لكن نيابة عنهم أسلم أبنه الحبيب حتى ينتشر الصليب.
كان هذا كافيا لجذب البشرية بأكلمها ، لمعرفة محبة المسيح وحسناته غير المحدودة والتي لا يمكن التعبير عنها . فقد قدم نفسه ذبيحة لأجل اعدائه، لأجل الذين أبغضوه وابتعدوا عنه ما لا يعمله إنسان لأجل أصدقائه، وأولاده، وإخوته، عمله السيد لأجل عبيده، وهو سيد ليس من نوعهم؛ لكنه إله من أجل بشر ولأجل بشر مجرمين. ونحن موضوع هذه المحبة، نظهر كما لو أننا نرفضها ولا نحب المسيح هو قدم نفسه ذيبحة من أجلنا، ونحن ننظر إليه بعين مشتتة محرومة من الغذاء، هو مريض وينقصه ملابس ونحن لانبالى به أى غضب أية عقوبة، أية جهنم لا يستحقها سلوك كهذا ؟
لقد تنازل وخص نفسه بالام البشر، وقال: أنا جوعان أنا عطشان ألم يكن هذا كافيا لجذبنا كلنا؟ ولكن طغيان الثراء أو بالأحرى استعبادنا الإرادي للضلال، يقلل من إمساكنا لزمام سلطتنا، نحن جبناء، منحلون أرضيون ،شهوانيون، وحمقى. لأنه ليس الثراء هو الذي يملك القوة. قولوا لى ما هى إمكانياته ؟ إنه أبكم وفاقد الحياة. إذا كان الشيطان بروحه الشريره لايستطيع عمل أى شئ معنا رغم كل دهائه، فأية قوة يملكها الثراء ؟ إذا شاهدتم النقود فلا تنسوا أنها من القصدير فكروا في حقيقتها إنها من الأرض وتشكل جزءا منها هل هذا التفكير لايؤثر فيكم؟ فكروا في أننا نحن أيضا سوف نموت، وأن كثيرين ممن امتلكوه لم يستفيدوا منه شيئا ؛ وعددا كبيرا من الذين تفاخروا به أصبحوا رماداً وترابا، ويقاسون اليوم أشد العقاب كم من الناس استراحوا على أسرة من العاج هم الآن أكثر بؤسا من الذين كانوا يستخدمون الأواني الفخارية والزجاجية، أكثر تجردا من الذين كانوا يعيشون في الوحل. ولكن هل هو يبهج النظر ؟ يوجد كثير من الأشياء التى تعطى بهجة أكثر منه الزهور، الهواء النقي السماء، الشمس، كل هذا يبهج أكثر جدا. الفضة تصدأ ويبدو عليها السواد الذي يظهر فى المنشفة التي تنظف بها. لا يظهر شي من هذا فى الشمس، فى السماء، وفى النجوم الزهور لها منظر أكثر متعة من لون الفضة. إذا فليس بريقها هو الذي يسحركم، إنما هو الطمع والظلم وهذا هو الذي يفتن النفس وليس الفضة نفسها .
3- الحث على الصدقه – عدم الثراء :-
اطردوا الطمع من نفوسكم وسوف ترون أن ما يبدو لكم أنه جدير بالتقدير أحقر من الوحل. أطردوا الشهوة : إن المرضى بالحمى عندما يشاهدون المياه ولو الموحلة يرغبون فى الإرتواء منها، كما لو كانت من المنبع؛ أما الأصحاء فلا يشربون سوى على فترات إبعدوا المرض وسوف يرون كل شئ على حقيقته. إطفئوا النار التي تحرقكم وسوف ترون أن كل هذا أقل قيمة من الزهور الذهب جميل أجل؛ في حالة إذا ما تصدقنا به في مواساة البؤساء، وليس فى الإستعمال الباطل، أو في دفنه في صندوق أو فى الأرض، أو لكى يعرض على الأيادي والأرجل والرأس.
وإذا كان قد اكتشف فليس لتقييد صورة الله، ولكن لتحرير الأسرى هذا هو الاستعمال الحق . أيتها النساء أنتن تفضلته على كل شئ لجذب الأنظار إليكن الأمر الذى يجب أن تخجل منه المرأة. وكبرهان على هذا الكلام، حملوها بالسلاسل الذهب وأبعثوها فى صحراء، حيث لا تجد شخصا واحداً ينظر إليها بعد قليل هذا الرباط سيكون بالنسبة لها ثقيلا وغير محتمل لنخشى يا أحبائى سماع هذه العبارات المخيفة: “إربطوا رجليه ويديه (مت 22: 13) لماذا تربطن أنفسكن هكذا بقيود هذا العالم؟ السجين غير مكبل اليدين والرجلين.
أما أنتن فلا تكتفين فقط بتقييد أياديكن وأرجلكن بهذه السلاسل بل تُعز من رؤوسكن أيضا بها، وكذلك رقابكن سأغفل الهموم التي تنتج : الخوف، الآلام الشجار مع أزواجكن حينما تطالبنهم بها ، وما يصيبكن منهم، إذا فقدتن واحدة من هذه السلاسل هل هنا السعادة ؟ هل لكي تنلن إعجاب عيون الآخرين تتحملن إراديا الأربطة، الهموم، المخاطر، الأحزان المشاحنات كل يوم. أليس هذا التصرف جديرا باللوم والإستهجان ؟ أناشدكن، لا تتعلقن بهذه الأمور، ولتتخلصن من كل رباط أثيم. لنكسر الخبز للجائع، لنكمل كل الأعمال التي تعطينا تأميناً أمام الله حتى نحصل على الخيرات الموعودة في المسيح يسوع ربنا، مع الآب والروح القدس، له المجد والقوة والكرامة الآن وكل آوان وإلى دهر الدهور آمین.
الموعظة الثامنة 2: 8-10
“فأريد أن يصلى الرجال فى كل مكان، رافعين أيادي طاهرة، بدون غضب ولا جدال، وكذلك النساء، يزين ذواتهن، بلباس الحشمة، مع ورع وتعقل، ولا بضفائر أو ذهب، أو لآلئ، أو ملابس كثيرة الثمن، بل كما يليق لنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة.” (2: 8-10)
التحليل
1- يمكن الصلاة في كل مكان طبقا لشريعة النعمة، بخلاف ما كان في عهد موسى – ضد ترف النساء.
2- ضد العذارى اللائى يلبسن بإتقان وتمعن تام.
1- يمكن الصلاة في كل مكان طبقا لشريعة النعمة :-
يقول السيد المسيح : “متى صليت فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفى زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم” وأما أنت فمتى صليت فأدخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلى إلى أبيك الذى في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” (مت 6: 5، 6) فلماذا اذا يقول بولس : أريد أن يصلى الرجال في كل مكان رافعين أيادى طاهرة بدون غضب ولا جدال”؟ ألا يوجد تعارض بين النصين؟ حاشا لله؛ بل بالأحرى هما متطابقان تماما . كيف؟ يجب أولا تفسير ما تعنيه هذه الكلمات: فادخل إلى مخدعك وبماذا يأمر الرسول، هل تجب الصلاة في كل مكان، أم لا يجب الصلاة فى الكنيسة، ولا فى أى مكان فى المنزل سوى هذا المخدع؟ ماذا يعنى هذا النص؟ المسيح يعلمنا هنا أن نتجنب حب الظهور، لا يحتم علينا أن نصلى فى مكان خفي، بل نؤدى صلواتنا دون تفاخر مثلما يقول: “لا تعرف شمالك ما تفعل يمينك” (مت 6: 3) هو لا يتكلم عن أيادينا بل يقصد قمة التواضع وبالمثل يعلمنا هنا نفس الشئ بلغة مجازية. فهو لم يحدد مكانا معينا للصلاة، ولكنه علمنا شيئاً واحداً: أن نتجنب التفاخر ويقول ذلك للتمييز بين صلاة المسيحيين واليهود. ويتضح ذلك في قوله: في كل مكان رافعين أيادى طاهرة الأمر الذى كان غير مسموح به لليهود. لأنه كان غير مسموح لهم أن يمثلوا أمام الله، ليقدموا ذبائح ويتمموا شعائر العبادة، سوى فى مكان واحد لا بديل له ، يهرع إليه الناس من كل جهات الأرض لتتميم الشرائع المقدسة في الهيكل.
بولس يعطينا نصيحة مخالفة تماما، ويحررنا من هذا الإلتزام. لأن شريعتنا ليست مثل شريعة اليهود. مثلما يأمرنا بأن نصلي من أجل الجميع، بما أن المسيح قد مات من أجل الجميع، والرسول يكرز للجميع ولذلك فإنه من المستحسن الصلاة في كل مكان. فمن الآن فصاعدا ليست العبرة بالمكان، ولكن فى الطريقة التى نصلى بها، فهو يقول صلوا في كل مكان، إرفعوا أيادى طاهرة، هذا هو المطلوب منكم.
ما هو المقصود بالأيادي الطاهرة ؟ أيادى نقية، وماهي الأيادي النقية؟ الأيادى النقية ليست هى المغسولة بالماء، بل النقية من البخل من السلب من القتل من العنف بدون غضب ولا جدال ماذا تعنى هذه العبارة؟ من يغضب أثناء الصلاة ؟ يريد الرسول أن يقول بدون حقد، أي أن تكون أفكار المصلى نقية خالية من كل شهوة، ألا يتقدم أحد أمام الله ويحمل في قلبه كراهية، بنفس حزينة ومجادلا مع نفسه.
ماذا تعنى هذه الكلمات الأخيرة؟ لنستمع إليه: يجب ألا نشك أنه سيستجيب لنا . كل ماتطلبونه في الصلاة مؤمنين” يقول الرب: “تنالونه” (مت 21: 22) وفى مكان آخر ومتى وقفتم تصلون فأغفروا إن كان لكم على أحد شئ لكي يغفر لكم أيضا (مز 11: 25) هذا هو معنى الصلاة بلا جدال. ستقولون كيف أستطيع أن أصدق أننى سوف أحصل على طلبي؟ أجل سوف تحصل عليه إذا كان لايتعارض مع إرادة الله، ولا يكون غير لائق بملكه، غير دنيوي، بل يقتصر على الأمور الروحية، وأن تتقدموا دون غضب، وبأيادى نقية طاهرة. الأيادى الطاهرة هي التي تمارس أعمال الرحمة. إذا تقدمتم هكذا أمام الله، فسوف تحصلون على طلباتكم، يقول الرب: “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون ان تعطوا أولادكم عطايا جيده فكم بالحرى أبوكم الذي في السموات (مت 7: 11) الجدال الذي يتكلم عنه الرسول هو الشك.
2- ضد المتبتلات اللائى يلبسن بإتقان وتمعن تام :-
2- يضيف الرسول قائلا: “كذلك النساء” هنا الرسول يوصى النساء بنفس ما أوصى به الرجال، أن يحفظن أياديهن طاهرة، ولا يخضعن لرغباتهن؛ كالجشع الذي يدفعهن إلى السلب. وماذا عن النساء اللائي لا يسلبن بأنفسهن، بل يدفعن أزواجهن إلى ذلك؟ لأجل هذا يضيف الرسول إلى الوصية العامة السابقة وصية أخرى خاصة بالنساء تحفظهن في حياة التقوى والوقار وتجنبهن وتجنب أزواجهن في نفس الوقت الخضوع للجشع واللجوء إلى السلب.
إذ أوصاهن قائلا: “يزين ذواتهن بلباس الحشمه مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة ماهي الزينة التي يقصدها الرسول؟ الزينة الوقورة المعتدلة بلا إفراط ، وبذلك يطبقن الوصية. ما هذا ! أتأتين للصلاة لله بالحلى والضفائر؟ هل أنت ذاهبة لترقصي؟ هل أنت ذاهبة إلى عرس أو عيد عالمى حيث مكان الحلى والضفائر والثياب الفاخرة، هنا ليس لها أى احتياج. أنت أتيت لتتوسلي، لتطلبى العفو عن خطاياك، الرحمة من أجل ذنوبك، لكى تستعطفى الرب بصلواتك، لماذا تتزينين ؟ ليس هذا هو المظهر الذي يليق بالتوسل كيف تتنهدين وتبكين وتثابرين على الصلاة وأنت محملة بالحلى؟ وإذا بكيث سوف تضحك دموعك الذين يشاهدونك، لأن التحلى بالذهب لا يتفق مع اللائى يبكين أليس هذا مظهراً مضحكا ومشهدا مسليا أن تصدر دموع من قلب يسكنه حب الترف والزهو؟ ضعى جانبا هذه الكوميديا لايمكن الاستهتار بالله. كل هذه الأمور لا تتناسب قط مع إمرأة محتشمة.
“مع ورع وتعقل” لا تقلدى الناس الضائعات فهن بهذه الزينة يغرين عشاقهن، هنا تتولد الشكوك الكثيرة ضد الكثيرات من السيدات ودون أية فائده، لأن هذه السمعة السيئة لا تسبب سوى الضرر للآخرين المرأة الزانية، حتى لو كانت سمعتها حسنة لن تفيدها هذه السمعة بشئ، إذ عندما تحاكم عما عملته في الخفاء سيكون ذلك في وضح النهار، وبالمثل أيضا المرأة الشريفة إذا اتهمت بالزنى بسبب العناية الزائدة التي تعطيها لمظهرها الخارجي فلا تستفيد من شرفها لأن شهرتها أضاعت بعض النفوس: سوف تقولين ماذا أستطيع أن أفعل إذا ماشك في أحد؟ أنت التي تعطينه هذه الفرصة بزينتك ومظهرك ونظراتك. لذلك يهتم الرسول بتوجيه النظر للزينة والورع . أما الأمور الباقية التي تدل على علامات الثراء والرفاهية، كالذهب اللآلئ الملابس الكثيرة الثمن، حيل الأناقة المساحيق، تلوين العيون السير اللين المعاطف ذات الشكل المدروس جيدا، الأحزمة المصنوعة بدقة، الأحذية المصنوعه بفن دقيق كل هذه استبعدها الرسول مكتفيا بقوله: “ملابس” بورع وتعقل” لأن كل هذه الزينات تدل على عدم الوقار وعدم الحشمة.
أرجو أن تحتملن هذا الحديث، لأن مهمة الواعظ توجيه اللوم دون تستر ودون إخفاء للحقائق، ليس لكى يجرح أو يؤلم، لكن لكي يبعد القطيع عن كل ما هو مضاد له. وإذا كان الرسول يحرم كل هذا على النساء المتزوجات، والثريات اللائى يعشن في الرفاهية، فكم بالحرى بالنسبة للائى كرسن حياتهن للبتولية. وقد يقال أية بتول تتزين بالحلى وتجعيد الشعر إنهن يعنين جدا بملبسهن البسيط بحيث تكون الزينة لاتساوى شيئا بجانبه. يمكن بملابس قليلة الثمن تكون العناية أكثر من إمرأة حاملة للحلى لنخشى يا أحبائى أن نسمع نحن أيضا ما يقوله النبي للنساء العبرانيات اللائى كن يضعن كل همهن في زينتهن الخارجية وعوض المنطقة حبل وعوض الجدائل قرعة (إش 3: 24) وهكذا هذه الزينة أكثر خطورة من الحلى، وزينات أخرى كثيرة تدرس جيدا لكي تعطى جاذبية وتسبي الناظرين. وهذا ليس خطأ بسيط ولكنه سلاح قادر على إغضاب الله وإفساد العذارى.
3- عريسك هو المسيح لماذا تريدين جذب عشاقا من بين الرجال؟ سوف يدينك المسيح كزانية. لماذا لا تتزينين بالزينة التي تناسبه والتي يحبها : الورع التعقل، الحشمة الملبس البسيط ؟ ملبسك هذا يليق بإمرأة متهتكة. قد وصل الأمر إلى عدم التمييز بين قليلات الحياء والمتبتلات؛ إنظروا إلى أى حد من المساوئ وصلن. المتبتلة يجب أن تكون مجردة من الأناقة ملابسها بسيطة بلا فن. وهذه تخترع مائة حيلة لتزيين مظهرها الخارجى. أيتها المرأة أتركي هذا الجنون، وأعطى عنايتك للزينة الداخلية لنفسك. لأن هذه الزينة الخارجية تتعارض مع الزينة الداخلية الذي يعتني بالخارج يهمل الداخل، كما أن الذى يهمل الخارج يصنع كل عنايته في تزيين نفسه لتخفن من اللوم الذي وجهه النبى لنساء إسرائيل ” من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق (إش 3: 16). أنتن في معركة كبيرة يلزم معها تمارين رياضية وليس العناية بالزينة، قوة الملاكم وليس حياة متأنثة ألا تشاهدين الملاكمين الرياضيين؟ هل يهتمون بطريقة مشيهم وزينتهم قطعا لا هم يهملون كل ذلك يغطون أنفسهم بملابس مشربة بالزيت، لا يحلمون إلا بشئ واحد : هو أن يضربوا ولا يهزموا الشيطان هنا يُصر على أسنانه باحثا بكل وسيلة كيف يغريكن، وأنتن لاتبالين لأنكن مشغولات بهذه الزينة الشيطانية، الأمر الذي يجعل أهل العالم يسخرون منكن.
لقد فُقد وقار البتولية. لم تعد البتولية تنال الكرامة الجديرة بها. قد عرضن أنفسهن للإحتقار أليس من المفروض أن ينظر إليهن في كنيسة الله بعين الإعجاب والتقدير ككائنات نازلة من السماء؟ وكان يجب أن يقلدن العذارى الحكيمات. كان يجب عليكن أن تصلين أنفسكن، عندما تراكن زوجة لها رجل وأولاد أكثر رغبة في الزينة منها ، كيف تهربن من سخريتها واحتقارها ؟ كم من عناية وكم همة تبذلين لكثرة العناية بملابسكن الرخيصة ظهرتن أكثر زينة من اللائي يحملن الحلي. أنتن لا تبحثن عما يناسبكن أنتن تتبعن بنشاط ما يبرزكن، حينما تكلفن بالقيام بأعمال حسنة لذلك أصبحت العذارى أقل كرامة من سيدات العالم، لأن أعمالهن أصبحت لا تتفق مع بتوليتهن. نحن لا نتكلم هكذا مع الجميع أو بالأحرى نخاطب الجميع اللائى يستحققن اللوم حتى يصبحن حكيمات والأخريات لكي يوصين إليهن بالحكمة. إعلمن أنه بعد اللوم لاتأتي العقوبة، فنحن لانتكلم بهدف إيلامكن، بل لاصلاحكن ولكي نتمجد أيضا بكن حاولن أن تعلمن كل ما يرضى الله ، ولتعشن بمجده، وبهذا تحصلن على الخيرات الموعودة، بنعمة، وصلاح ربنا يسوع المسيح، مع الآب والروح القدس له المجد والقوة، والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة التاسعة
“لتتعلم المرأة بسكوت فى كل خضوع. ولكن لست أذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون فى سكوت. لأن آدم جبل أولاً، ثم حواء وآدم لن يغو، لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدى، ولكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن فى الإيمان والمحبة والقداسة، مع التعقل” (2: 11-15)
التحليل
1 – إستنادا إلى نص الرسول الذي يُحرم على النساء أن يتكلمن في الكنيسة، الواعظ يلوم بشدة النساء اللواتي كن يستسلمن للحديث أثناء الخدمة الإلهية، وأثناء الموعظة في زمنه.
2 – أهمية تربية الأولاد تربية صالحه
1- مطالبة الرسول النساء بالورع وعدم الكلام في الكنيسة
الطوباوي بولس يطالب النساء بالورع والتحفظ، ليس فقط في المظهر والملبس ولكن حتى فى صوتهن. فيقول إن المرأة لاترفع صوتها في الكنيسة، وهذا ما أوضحه في رسالته الأولى إلى كورنثوس عندما قال: “لأنه قبيح بالنساء أن تتلكم فى كنيسة” (1كو 14: 35) وأيضا يقول بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئا فليسألن رجالهن في البيت (1كو 14: 35) اليوم على العكس تضج الكنيسة بمحادثات النساء لا يوجد ركن إلا ويسمع فيه ضوضاء، يتحدثن أكثر مما لو كن في مكان عام؛ كما لو كن أتين إلى الكنيسة لكي يلهين ويستسلمن لأحاديث لا جدوى منها ، لا يعلمن أنهن إذا لم يحافظن على الهدوء، لن يتعلمن ماهن فى حاجة إليه. وفعلا إذا حل موعد الموعظة وسط حديث قائم ولا يسمع أحد للواعظ فأى نفع ينتج منها. المرأة يجب أن تكون صامتة، كما يعلم النص، يجب ألا تتكلم فى الكنيسة، لا في الأشياء الدنيوية، ولاحتى فى الأمور الروحية. هذا هو مجدها وورعها، هذه هي زينتها، إذا ارتدتها تعطيها زينة أكثر من الملابس وتستطيع أن تؤدى صلواتها بلياقة تامة. يقول الرسول : “لا أسمح للمرأة أن تعلم ماهي نتائج هذه العبارة؟ بالطبع لها نتائج كبيرة الرسول كان يتكلم عن الهدوء عن التحفظ عن الورع، يقول أنه لا يريد ثرثرة النساء، وإمعانا في الوصول بهن إلى الصمت التام منعهن من التحدث حتى في أمور التعليم الروحى محددا لهن كيف يسلكن في سلك التلمذة إذا أردن أن يتعلمن شيئا كما ذكر انفاً. وهكذا بهدوئهن سيشهدن على خضوعهن طبيعتهن الثرثرة، لذلك هو يحاول ردعها بكل وسيلة.
يقول: “آدم جبل أولا، ثم حواء وإن أدم لم يُغو لكن المرأة أغويت ولكن هل هذا يختص بنساء اليوم؟ أجل الرجل يتمتع بكرامة أكبر؛ فقد جبل أولا، وفي مكان آخر أبرز الرسول هذا التفوق بقوله: “لأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل ( 1كو 11: 9) لماذا يقول ذلك؟ لأن الرجل يجب إن يكون فى المرتبة الأولى لهذا السبب أولا، ثم ما حدث في الماضى. إذ أن المرأة يوم أن علمت الرجل، قلبت كل الأمور، كانت سببا فى عصيانه، ولذلك عاقبها الله، لأنها اساعت إستعمال سلطتها، أو بالأحرى جعلت نفسها مساوية له في الرتبة. يقول الكتاب هو يسود عليك” (تك 3: 16) عبارات لم تذكر قبل الخطية. لكن هل يمكن القول إن آدم لم يغو أى أنه لم يخالف المرأة قالت الحية غرتني” (تك 3: 13) آدم لم يقل المرأة غرتني بل قال “أعطتني من الشجرة فأكلت” (تك 3: 12) الجريمة ليست متشابهة، لأن الإغراء وقع على آدم من كائن من نفس الطبيعة والجنس، أما حواء فقد أغويت من حيوان من عبد من كائن ذى طبيعة أقل منها، هنا الغواية الحقيقية. فالرسول إذا لما قال إن آدم لم يغو، قال هذا بمقارنته بالمرأة، لأنها تركت نفسها تخدع من عبد، من كائن ذي طبيعة أقل، إنما آدم فقد خُدع من كائن حر. وليس عن آدم كتب قرأت أن الشجرة جيدة للأكل بل المرأة هي التي أكلت وأعطت رجلها ” (تك 22: 6) أى أنه لم يتعد بسوء نية، بل مجاملة لزوجته، إن المرة الوحيدة التي علمت فيها المرأة قلبت كل شيء، لذلك يقول الرسول: “أن لا تعلم قط ولكن ماذا ستكون النتائج بالنسبة للنساء جميعهن ؟ النتيجة خطيرة لأن طبيعتهن ضعيفة وخفيفة. فالقضية هنا تخص طبيعة المرأة لأن النص لم يقل: حواء اغويت بل “المرأة” أي جنس المرأة بصفة عامة. ماذا إذا ! هل كل الطبيعة النسائية وقعت في التعدى من جراء تعديها هي ؟ قال الرسول: “لم يخطئوا على شبه تعدى آدم الذي هو مثال الآتي” (رو 5: 14) وهكذا يفهم من هذا النص أيضا أن الطبيعة النسائية هي التي حصل منها التعدى.
لكن ألا يوجد خلاص للمرأة ؟ بالتأكيد يوجد خلاص، كيف ؟ بواسطة نسلها، لأنه أليس عن حواء قيل: إن ثبتن فى الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل” أى ايمان ؟ أية محبة ؟ أية قداسة ؟ إنه كما لو كان قد قال: لا تحزنن أيتها النساء لتأنيبكن، الله أعطاكن فرصة للخلاص، بتربية أولادكن، بمعنى أن النساء فى إمكانهن أن يحصلن على الخلاص، ليس فقط بذواتهن، بل بواسطة الغير. وهنا قد يثار الكثير من الاسئلة المرأة خدعت فوقعت في التعدى أية إمرأة ؟ إنها حواء. فهل إذن هي وحدها التي ستخلص بالأمومة ؟ كلاً، بل واسطة الخلاص هذه تخص كل النساء. المرأة تعدت ؛ ولكن إذا كانت حواء قد أخطأت فكل جنسها سيخلص بالأمومة. قد يقال: لماذا ، ألا تخلص المرأة بفضيلتها الذاتية، لأن حواء لم تغلق الطريق أمام النساء الأخريات ؟ وما هو مصير المتبتلات ؟ المرأة العاقر الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن قبل أن يصبحن أمهات ؟ هل أولئك لم ينلن الخلاص ولا أمل لهن فيه ؟ مع أن المتبتلات لهن كرامة أكبر. ماذا يعنى الرسول بذلك ؟
2- أهمية تربية الأولاد تربية صالحة :-
إذا كان الرسول قد أمر كل جنس النساء بالخضوع إستنادا إلى الكيفية التي تمت بها خلقة المرأة الأولى، والتى يعبر عنها الكتاب قائلا: إن حواء جبلت الثانية، فمن الآن فصاعدا كل جنسها يجب أن يكون خاضعا فهل لسبب مشابه تماما إنه يُعلم أنه مادامت حواء قد تعدت، فبالتبعية كل جنسها وقع فى التعدى ؟ هذا غير معقول، لأن خضوع المرأة بالتبعية هو ببساطة هبة من الله، أما تحمل جنس المرأة بالتبعية للتعدى؛ فهو نتيجة خطأ المرأة. فكما يقول إن الجميع ماتوا بسبب خطية إنسان واحد، فهكذا نفس الوضع بالنسبة للمرأة. ولكن لا تحزن قط لأن الله أعطاها تعزية كبيرة بصيرورتها أما إلا أن خلاصها ليس بإنجابها الأولاد فقط، إذ أن هذا الأمر هو من فعل الطبيعة، وإنما بالتزامها بتربية أولادها الذين منحهم الله لها تربية حسنة. إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل” – “أى أنها بعد أن أعطتهم الحياة؛ تربيهم على هذه الفضائل، وسوف تحصل على مكافأة سخية، لأنها ربت أقوياء مجاهدين للمسيح. إن ثبتن فى الإيمان والمحبة إنها الحياة التي يجب أن يحيينها.
“صادقة هي الكلمة” هذه العبارة قالها الرسول ليؤكد بها ما جاء في ختام الأصحاح الثاني بشأن خلاص المرأة بإنجاب الأولاد وحسن تربيتهم ومكافأة الله لها نظير ذلك ولكن ماذا سيكون الأمر إذا كانت الأم فاسدة ومملوءة بالرزائل ؟ هل تستفيد من تربية أولادها ؟ أليس من المحتمل أنها تربيهم على شاكلتها ؟ الرسول يتكلم هنا عن المرأة الفاضلة عندما يقول إنها ستكافاً بسخاء عما فعلت لأجل أولادها.
إصغوا إذن أيها الآباء والأمهات إن تربية أولادكم لن تكون بالنسبة لكم عملا عقيما . يقول الرسول فيما بعد : “مشهودا لها في أعمال صالحة، إن تكن قد ربت الأولاد” ويضيف الرسول هذه الفضائل إلى الفضائل الأخرى. لأن تكريس الأولاد الذين تسلمناهم من الله لخدمته ليس بأمر بسيط. فإذا كان الوالدان يرسيان قاعدة وأساسا متينا، سوف يحصلان على مكافأة كبيرة، لأنهما لم يهملا في تأديب أولادها، لأن عالى الكاهن هلك بسب أولاده، إذا كان يجب عليه أن يبكتهم. هو فعل ذلك ولكن ليس بالقدر الواجب، لأنه كان لا يريد أن يؤلمهم، ففقدهم وفقد هو معهم. أيها الآباء إصغوا إذن علموا أولادكم حسبما تقتضيه أوامر وتحذيرات الرب، بعناية فائقة ويقظة. إنه من الصعب إخضاع الشباب، فهو في حاجة إلى عديد من المراقبين والمربين والمعلمين والحراس والحكام.
الشباب شبيه بفرس جامح؛ بحيوان متوحش. وإذا كنا أعطيناهم في وقت مبكر، في أوائل العمر، الموانع القوية، هذا لا يعفينا عن مواصلة الجهود المستمرة، لأن العادة المكتسبة ستصبح منذ ذلك الحين فصاعدا قانونا. فلا تسمح لهم بتصرف جاف أو مؤذ، لانخدعهم كالأطفال، لنلاحظ على الأخص أن يكون الحفاظ عليهم باعتدال، لأنه بالرزيلة المضادة يفسد معظم الشباب. هنا يلزمنا الكثير من النضال والسهر فنلزوجهم مبكرا ، حتي تستقبلهم زوجاتهم وهم أطهار أتقياء هنا تكون المحبة أكثر حيوية. المتحفظ قبل الزواج يكون أكثر تحفظاً . بعد الزواج، أما الذي كان يتردد على العاهرات قبل الزواج يستمر على هذه الحالة بعد الزواج. للرجل الفاسد كل غذاء جيد (سفر الحكمه 23: 24). المتزوجون يحملون تيجانا، رمز ،النصر، لكى يبرهنوا على أنهم يقتربون من فراش الزوجية دون أن يكونوا قد هزموا ، ولم يخضعوا للشهوة. ولكن الذي استسلم بجبن، لماذا يحمل التاج وهو مهزوم؟.
لنحث أولادنا، ونبكتهم، ونرهبهم، نحن ننشغل كثيرا فيما نريحه لأجلهم، ولا نفكر قط في أنفسهم. هل تدركون مدى هذا الهذيان، أسس أبنك، وكل ما تبقى سيعطى بفيض، بينما إذا كانت نفسه غير فاضلة فتراؤك لن ينفعه بشئ، ولكن على العكس إذا تحلت نفسه بالفضيلة فلن يضيره الفقر. هل تريد أن تتركه ثريا بعدك ؟ علمه كيف يكون نزيها بالنزاهة يمكنه أن يكون ثروته، وإذا لم يحقق الثراء، فلا يكون هناك موجب لحسد الأثرياء. ولكن إذا كان فاسد الخلق، وتركت له الملايين، فلن تترك رجلا جديرا بالأمانة، وسوف ينزل إلى الذين وصلوا إلى أقصى درجات التعاسة: الأولاد الذين بلا ضوابط تلجمهم، الفقر أفضل لهم من الثراء الفقر يحمى أخلاقهم ولو رغما عنهم. الثراء الذي يريدونه لن يقودهم إلى الحكمة، بل يجذبهم ويسقطهم، ويعجل بهم إلى هوة من الشرور.
أيتها الأمهات قدن بعناية كبيرة بناتكن، لاحظن اللائي تعاشرنهن علمنهن قبل كل شئ أن يكن حذرات وقورات، يحتقرن الثراء، لايملن للزينة، وأعددنهن للزواج . لهذا تكن لستن حاميات فقط لهن، بل لأزواجهن، وأولادهن، بل وخلفائهن. إذا كان الجذر سليما، فالغصون تنمو جيدا، ومن الخير الذى قدم بواسطتكن سوف تحصلن على المكافأة لنعمل دائما ليس لننقذ نفسا واحدة فقط بل نفوسا كثيرة بواسطة هذه النفس الواحدة. الفتاة عند خروجها من منزل والديها للزواج، يجب أن تكون كالرياضي المتخرج من مدرسة الألعاب الرياضية، مشكلة ومدربة وبفضيلتها تتمكن من تشكيل كل من يحيط بها، مثل الخميرة التي تخمر العجين كله وليكن أولادها جديرين بالإحترام بسلوكهم المستقيم والحكيم ليكونوا موضع مدح الله والناس. يتعلمون كيف يقمعون الطمع، ويكفون عن الترف، ويكونون مقتصدين، محبين، ويتعلمون الطاعة. وبهذا يستطيعون أن يحققوا مكافأة كبيرة لوالديهم، فيسير كل شئ لمجد الله وخلاص نفوسنا ، في المسيح يسوع ربنا له المجد إلى أبد الأبدين آمين.