تفسير رسالة تيموثاوس الاولى أصحاح 5 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الموعظة الثالثة عشرة ج2 (1تي5: 1-7)

“لاتزجر شيخا” (5: 1) هل يقصد هنا الكاهن ؟ لا أعتقد ذلك : هو يقصد كل من هو متقدم في السن. كيف ذلك ! هل إذا كان محتاجا للتقويم ؟ إسلكوا تجاهه طبقا لتوجيه بولس، كما تجاه أب أرتكب خطأ كلموه بنفس الطريقة والعجائز كأمهات والأحداث كأخوة، والحدثات كأخوات بكل طهارة الزجر في طبيعته قاس، وأقول إنه لا يتخذ إلا للضرورة؛ وإذا وجه من شاب إلى شيخ يكون الخطاً مضاعفا لكن يمكن أخذ الأمور دون تجريح إذا روعى الحذر في التطبيق باستخدام اللطف.

“الأحداث كإخوة” ماسبب هذا التوجيه الذي يوجهه بولس لتيموثيؤس؟ لأنه يريد أن يفهمنا أن الشباب متكبر ومعتد، ويلزم إذن هنا تلطيف الزجر بأسلوب معتدل. والحدثات كأخوات ويضيف “بكل طهارة لا تتجنبوا فقط العلاقات الآثمة، بل كل ما يثير الشكوك، وحيث أن العلاقات مع الحدثات تثير دائما الشكوك، ومع هذا لايقدر الأسقف أن يتجنب التعامل معهن، لذا قال الرسول بكل طهارة ولكن يابولس لماذا توجه هذه التعليمات لتيموثيؤس؟ يجيب الرسول إنني أفعل ذلك لأن بمخاطبتي معه إنما أخاطب العالم كله. فإذا كان يتكلم هكذا مع تيموثيئوس، فلكي يفهم كل منا ما يجب أن يكون عليه، رافضين كل ما يثير الشك غير معطين ظلاً من العذر للذين يريدون الافتراء علينا.

“أكرم الأرامل اللواتى من بالحقيقة أرامل” لماذا لم يتكلم هنا عن البتولية، لم يقل حتى أكرم العذارى ؟ على ما يظهر أن البتولية لم تكن قائمة وقتئذ، أو أنهن قد سقطن. إذ يقول : إبليس جذب الكثيرين إلى حاشيته “أكرم الأرامل اللواتي هن بالحقيقة “أرامل” لأنها ممكن أن تكون بلا زوج وليست أرملة، كما أن بتولية البتول ليست في عدم زواجها، بل يجب أن تكون بلا لوم مجتهدة فى تطبيق واجباتها، هكذا أيضا بالنسبة للترمل: فإن ما يجعل المرأة أرملة ليس هو فقد الزوج، بل حياة العفة وضبط النفس عن الشهوة والصبر والعزلة. أولئك من الأرامل اللواتي يطالب الرسول بتبجيلهن بحق فى الواقع أنه يجب إكرام هؤلاء السيدات بما أنهن وحيدات ليس لهن رجل يحميهن، وفى المجتمع حالتهن معرضة للوم، ويظهرن سيئات الحظ. ولهذا يريد الرسول أن يكن مكرمات جدا من الكاهن ليس فقط لأجل الأسباب التي ذكرت، بل لأنهن جديرات بالوقار.

“ولكن إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة فليتعلموا أولا أن يوقروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة”. تأملوا حذر بولس في توجيهاته وكيف أنه في نصائحه يدعوا دائما إلى العلاقات الإنسانية. هو لم يأت هنا بفكرة كبيرة وسامية ولكن شيئا في متناول الجميع : “يوفوا لوالديهم المكافأة كيف ذلك ؟ أنت تربيت وكبرت وتمتعت بالكرامه التي تركوها لك. وهم فارقوا هذا العالم، وأنت لم تتمكنى بدورك من السداد، لأنك لم تعطيهم لا الحياة ولا الغذاء اء، ردى لهم هذا المعروف فى خلفائهم سددى دينك هذا في أولادك. فليتعلموا أولا أن يوقروا أهل بيتهم الرسول يوضح كل الواجبات في عبارة واحدة، إذ يقول: “لأن هذا صالح ومقبول لدى الله”. وعندما قال : اللواتي هن بالحقيقة أرامل يوضح ماهي الأرملة الحقيقية في قوله : التى هى بالحقيقة أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاعها على الله وهى تواظب الطلبات والصلوات ليلا ونهارا أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية كذلك يقول لنا الرسول : التى لم تختار الحياة الدنيوية والتي تعيش في الوحدة، هذه هي الأرملة الحقيقية وهى التى ألقت رجاعها على الله كما يجب، وانهمكت بالطلبات والصلوات ليلا ونهاراً؛ هذه هي الأرملة؛ وهذا لا يعني أن التى لها أولاد لا تكون بالحقيقة أرملة، لأن الرسول يعجب أيضا بالتي تربى أولادها. كما يجب عليها ، إنما هو يتكلم هنا عن التي ليس لها أولاد، الوحيدة، فهو بعد ذلك يواسيها لحرمانها من الأولاد، يقول لها إنها بالحقيقة أرملة، لأنها ليس حرمت فقط من السلوى التي كان يعطيها لها زوجها ، ولكن أيضا من التى كان يعطيها لها أولادها، ولها الله الذي يعوضها عن الجميع لأن المحرومة من الأولاد ليست أقل من الأخرى، بل يملأ الرسول بتعزياته الفراغ الذي تعانيه من جراء هذا الحرمان. يقول لها: لا تحزني، عند سماعك هذه العبارة الخاصة بتربية الأولاد، وأنت ليس لك أولاد، مما يجعلك تعتبرين نفسك أقل استحقاقا ؛ لأنك بالحقيقة أرملة.

2- واجبات الأرملة :-

“أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية” فى الواقع أن هناك كثيرات عندهن أولاد ويفضلن حياة الترمل، لا لكى يحر من أنفسهن من متع الحياة، بل بالأحرى لكى يعشن أكثر استقلالاً ويعطين لأنفسهن فرصة أكبر للتعلق بالعالم، لذلك يقول لهن بحق أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية ماذا هل يجب ألا تعيش الأرملة فى التنعم ؟ نعم بالتأكيد وكلام الرسول هنا يؤكد ذلك. لنرى ماذا يفعل الأحياء وماهي حالة الأموات، وفي أي الرتب يجب أن نضعها . الأحياء هم الذين يعملون للحياة العتيدة، أى الحياة الحقيقية. وماهى الحياة العتيدة التى يجب أن نشغل بها أنفسنا دون توقف ؟ إسمعوا قول السيد المسيح : تعالوا إلى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأنى جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني (مت 25: 34، 35) هل الأحياء لايتميزون عن الأموات إلا برؤية الشمس والسموات، أقول لا ليس هذا هو الفرق، بل هو ممارسة الخير، فإن لم يمارسوه فهم ليسوا أفضل من الأموات.

3- ضد الإفراط :-

ولتعليمكم إسمعوا كيف يمكن أن نعيش ونحن أموات. يقول الإنجيل: “ليس الله إله أموات بل إله أحياء” (مت 22: 33) قد يقال هذا لغز آخر. حسنا ! فلنوضحهما هما الإثنين. هذا الذى يعيش في التنعم هو ميت مع أنه حي. وكيف؟ لأنه لا يعيش إلا ببطنه وليس بحواسه الأخرى، فلا ينظر ما يجب أن ينظره، ولا يسمع ما يجب أن يسمعه، ولا ينطق بما يجب أن يتكلم به، وما يجب أن يراه ويسمعه ويتكلم به الأحياء، مثل رجل ممدد على سريره، مغلقا عينيه لايرى شيئا مما يمر به هذه هي حالة الإنسان الذي يعيش في التنعم، أو أنه فى حالة أسوأ بكثير. لأن الأول تتساوى عدم حساسيته في الخير والشر، أما الآخر فلا يحس سوى بالشر، أما إحساسه بالخير فهو لايزيد عما تحس به الجثه. لا يشغل نفسه بشيء عن الحياة العتيده، إذن بهذا فهو ميت إن شهوته تحضنه بين ذراعيها وتقوده إلى مأوى مظلم، في وكر دنس، وتجعله يبقى فى الظلمات، كالأموات في قبورهم.

في الواقع عندما يمض كل وقته على المائدة أو في السكر أليس هو في الظلمات ؟ أليس هو ميتا ؟ وحتى فى الصباح الذي يبدو فيه صائما، فصراحة ليس هو بصائم، لأن الخمر التى شربها في المساء لازالت باقيه معه، هو فريسة لرغبة عنيفة في الفساد الذي سيزاوله، إذ يمضى السهرة ونصف اليوم في الولائم، يقضى طول الليل وأجمل أوقات النهار في نوم ثقيل. قولوا لى هل يحسب هذا الإنسان في عداد الأحياء ؟ وماذا يقال عن عواصف النفس الناتجة عن الشهوة، والتي تنتشر حتى تصل إلى الجسد ؟ مثل كتلة من السحاب لاتسمح بشعاع الشمس أن يمر، هكذا الأبخرة الناتجة عن اللذة والخمر تشغل المخ، وتتكثف به كسحابه عميقة، لا تسمح للعقل أن يظهر ويظل الذى في هذه الحالة في ليل عميق يا لها من عاصفة تعصف بصاحبها من الداخل.

وبالمثل كما يحدث فى الفيضانات عندما تجتاز المياه أعتاب المنازل وتجتاحها، نشاهد السكان يسرعون مرعوبين يمسكون الأطباق والجرار والإسفنج، وأشياء أخرى حتى يمنعوا المياه من هدم أساساتها، ويضعوا خارجا كل الأشياء غير المستعملة التي يحتويها المنزل؛ هكذا الشهوة عندما تنزلق من كل ناحية في النفس تربك القدرات العقلية، وتعجزها من التخلص مما غزاها ، لأن الغزو مستمر، والعاصفة مرعبة. لا تنظروا للوجه الضاحك والمضئ، بل إبحثوا الداخل وسوف ترون إنسانا محطماً بالحزن الذي يملأه ولو كان فى الإمكان إخراج النفس من الجسد وعرضها أمام أعيننا، لكنتم رأيتم نفس الشهواني كم هى كئيبة حزينة، مجهده، وبقدر ما يسمن ويغلظ الجسد، تضعف النفس وتجهد.

كما أن قرنية العين إذا غلظت، لا تتمكن الأشعة البصرية من النفاذ منها وغالباً ما يحدث العمى. بالمثل عندما يسمن الجسد فإنه يسد الطريق إلى النفس. وكما أن أجساد الأموات تفسد وتتعفن والدم الفاسد يخرج منها ، هكذا نرى في الأشخاص المستسلمين للحياة الشهوانية إنهم يصابون بالزكام والإلتهاب، والبلغم، والقى والتكرع، وسأترك الباقي الذي أخجل من ذكره هنا نتيجة تحكم الشهوات التي تسبب لهم ما لا نجسر عن التعبير عنه يفوح من أجسادهم أيضا الفساد من كل جانب ـ لكنهم يأكلون ويشربون ؟ هل هذه هى الحياة الإنسانية ؟ أليست البهائم أيضا تأكل وتشرب ؟ فمتى ماتت النفس فما هى الحاجة للطعام والشراب ؟ عندما يصبح الجسد جثة فالملابس المعطرة التي تغطيه لا تنفعه بشيء وبالأكثر إذا ماتت النفس فإنها لاتستفيد البتة من عطر الجسد. إذا كان فكره لا ينشغل سوى بالطباخين ورؤساء الخدم وبالخبازين، إذا كان لا ينطق بعبارة فيها تقوى أليس هو ميت ؟ ما هو واقع الإنسان ؟

الفلاسفة الوثنيون يقولون لنا إنه حيوان عاقل، فان قابل للمعرفة والعلم، ولكن الأمر ليس بشهادتهم هم، بل الكتاب المقدس هو الذي يحدد طبيعته. كيف يحددها ؟ يقول : وكان هذا الرجل كاملا ومستقيما يتقى الله ويحيد عن الشر (اى 1: 1) ولكن الذين ليسوا كذلك حتى ولو كانوا موهوبين بالذكاء وصالحين للعلم ألف مرة فإن الكتاب المقدس لا يعترف بهم كبشر بل كلاب، أفاعي حيات وثعالب فإذا كان الكتاب المقدس قد حدد طبيعة الإنسان الكامل، إذن فالشهواني ليس إنسانا . كيف يكون إنسانا وهو لا يهتم بأى من هذه الصفات ؟ لا يمكن لإنسان أن يكون شهوانيا ومعتدلاً. فالصفة الأولى تستبعد الثانية والوثنيون أنفسهم يقولون ذلك.

لا وجود للنفس الرقيقة إطلاقا مع البطن الغليظ

والكتاب بين جيدا الأشخاص المجردين من النفس بهذه الكلمات “لأنه بشر” (تك 6: 3) مع أنهم كانت لهم نفس إلا أنها كانت ميتة. مثلما نقول عن الناس الفضلاء، إنهم عبارة عن نفس، عبارة عن روح رغم أن لهم جسد فهذا أفضل من أن يقال عنهم إنهم عبارة عن جسد. وهكذا قال بولس الرسول وأما أنتم فلستم فى الجسد” (رو 8: 9) لأنهم لم يكملوا أعمال الجسد. وبالمثل الشهوانيون هم ليسوا في الروح ولا في النفس.

تصوير مخيف :-

“أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية” إسمعوا يا من تقضون كل أوقاتكم في الولائم والسكر، ولا توجهون أنظاركم قط للفقراء الذين يعيشون في الوهن ويموتون جوعا ، وأنتم تعيشون دائما في التنعم. وبإفراطكم تسببون موتا مضاعفا، موت هؤلاء البؤساء وموتكم أنتم ولو أضفتم فائضكم إلى بؤسهم لأوجدتم حياة مضاعفة. لماذا تتخمون معدتكم بإفراطكم وتتسببون فى سقم ووهن الفقير من فرط حزنه ؟ أنتم تفسدون معدتكم بتجاوز المعيار، وبتجاوزه أيضا تعملون على جفاف معدة الفقير. فكروا فيما هي الأطعمة وكيف تتحول وماذا تصبح أه هل كلامي هذا يجرح شعوركم ؟ لماذا كل هذا الإسراع أثناء إبتلاع الغذاء، هل للحصول على أكبر قدر منه؟ الطبيعة لها حدودها ، ومن يتجاوزها لا ينتفع من زيادة الغذاء، بل أن زيادته مؤذية وغير نافعة. غنوا جسدكم ولا تقتلوه. الغذاء ليس معناه القتل، بل ما يكفى للتغذيه وأعتقد أن الجهاز الهضمى معد هكذا، حتى لا نكون أصدقاء للإفراط. نحن شديد الشره أمام لذات المائدة، وكثيرا ما تنفق فى وليمة تركة بأكملها . نحن نفسد أنفسنا باستسلامنا لهذا الإفراط حيث يصبح جسدنا شبيها بقربة يتصاعد منها الخمر شيء محزن أننا نهتم بوقاية المجارى من الإنسداد حتى لا تطفح ونهتم كثيرا بتنظيفها بمخالب وفئوس، أما بالنسبة لأوعية المعدة فبدلا من أن نتركها خالية فإننا نزحمها ونسدها : القاذورات تصعد إلى مقر الملك أقصد المخ، ونحن لا نبالي. نحن نتصرف كما لو كان لا يوجد هنا ملك . اللياقة، بل يوجد كلب نجس. إن الخالق عزل هذه الأعضاء بعيداً حتى لا تضايقه، ولكننا نربك وظيفتها ونفسد كل شيء بإفراطنا . ماذا يقال عن يحب الأضرار الناتجة عن ذلك ؟ إردموا قنوات البالوعات، وسوف ترون بعد فترة بسيطة تولد الطاعون.

. أليس الذي يحجزه الجسد في الداخل ولا مخرج له ينتج عنه آلاف الشرور للنفس والجسد ؟ الشيء المخيف هو أن الكثيرين يتذمرون ضد الله من الضرورات الخاضع لها جسدنا ، وهم أنفسهم ينمونها . الله أعطانا هذه الشرائع حتى نحيد عن الإفراط، وأنتم ليس فقط لا تتحولون عن الإفراط، بل تغوصون فيه حتى السحر لطول فترة الوجبه ألا تنتهى حاسة التذوق بمجرد تجاوز الأطعمة اللسان والحلق ؟ إن الإحساس يختفى حينئذ ولكن التوعك يستمر لأن المعدة لا تعمل أو تعمل بمشقه.

إذن الرسول قال بحق أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية لأن النفس التي تعيش هكذا لا يمكن أن تسمع ولا تقدر أن تسمع، هي نفس مرتخيه عديمة السخاء والشجاعة والحرية، خجولة قليلة الحياء، ساقطة متملقة، جاهلة، غضوبة، شرسة، ومليئة بكل الشرور ، ومجردة من كل الحسنات.

“وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية” فأوص بهذا لكي يكن بلا لوم (1تي 5: 6، 7) إذن هذه شريعة فلايتركهن لإختيارهن بل يقول له أوصيهن أن لا يعشن فى التنعم ، لأنه شر بالتأكيد، ولا يجوز للمتنعمات أن يشتركن في الأسرار الإلهية؛ ترون إذن أنه يضع هذا السلوك في عداد الخطايا.

فطاعة للرسول، نحن أيضا ننذركم بأن الأرامل اللائى يعشن في التنعم لا يحسبن في عداد الأرامل لأنه إذا كان الجندي الذي يعطى كل وقته للحمامات والمسارح، والأعمال الخاصة به، ينظر إليه كهارب من الجندية، فكم بالحرى يجب أن يقال هذا عن الأرامل ؟ ليتنا لا نبحث عن راحتنا هنا حتى نجدها في الحياة الأخرى، ليتنا لا نعيش هنا في التنعم، حتى ننعم في الحياة الأخرى بمتع حقيقية، مسرات حقيقية لا ينتج عنها أى شر، بل تمكننا من الحصول على الكثير من الخيرات التي أتمناها لكم جميعا في المسيح يسوع ربنا الذي له مع الآب والروح القدس المجد والقوة والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

 

الموعظة الرابعة عشرة (1تي5: 8-10)

“وإن كان أحد لا يعتني بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن. لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة إمرأة رجل واحد.” (5: 8-10)

التحليل

1- الاهتمام بخلاص الأقرباء واجب دقيق.

2- عن الأرامل.

3، 4، 5 – عن ممارسة الصدقة – حياة المتوحدين العجيبة.

6- يوجد أيضا قديسون فى الحياة العامة المشتركة.

1- الاهتمام بخلاص الأقرباء :-

كثيرون يعتقدون أن فضائلهم الشخصية تكفى لخلاصهم وإنهم، إذا نظموا جيدا حياتهم لا ينقصهم شيء لإصلاحهم. هؤلاء هم مخطئون. ومثلهم مثل الإنسان الذى طمر وزنته الوحيدة وقدمها لسيده دون نقص أو زيادة. وهذا أيضا ما يرينا إياه الطوباوي بولس بقوله : إذا كان أحد لا يعتنى بخاصته”. هو يقصد بهذا النص كل أنواع العناية، العناية بالروح بقدر العناية بالجسد بخاصته ولاسيما أهل بيته أى أسرته وهو شر من غير المؤمن” وهذا ما يقوله أشعياء النبى أكبر الأنبياء لاتتغاضى عن لحمك (إش 58: 7) لأن الذي يهمل احتياجات أقربائه بالميلاد، المتحدين بصلة القرابة الدموية، كيف يكون حنونا تجاه الآخرين؟ أليس الذي يوجه إهتمامه للآخرين وهو مهمل وعديم الشفقة تجاه خاصته يعتبر عمله من أعمال الزهو وماذا يظن في الذى يعلم الإيمان للغرباء، ويترك نويه في الخطأ وخاصة إذا كان تعليمهم أكثر سهولة بالنسبة له، ومتى كان هذا العمل الصالح تقتضيه بالأكثر مطالب العدالة ؟ فهل هذا إنسان خير بالحقيقة ؟ قد يقال كلاً بالتأكيد، إن المسيحيين الذين يتركون ذويهم دون عناية ليسوا خيرين. يقول الرسول: “هو شر من غير المؤمن” لماذا ؟ لأن غير المؤمن إذا أهمل الآخرين فهو لا يهمل أقاربه. وهكذا فالذي لا يوفي بهذا الواجب، يخالف الشريعة الإلهية والشريعة التي للطبيعة. فإذا كان الذي لا يعتنى بخاصته قد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن، فكم بالحرى الذي أرتكب أخطاء ضدهم ؟ وفى أى درجة سيكون ؟ هو أنكر الإيمان، وكيف ؟ لأنه طبقا لقول الرسول : يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه” (تى 1: 16) وبماذا أوصى الله من جهة إيمانهم ؟ أوصاهم بعدم إهمال ذويهم.

لنفهم نحن الذين كثيرا ما نهمل احتياجات أقاربنا حتى نوفر ثرواتنا أن الله أسس الروابط العائلية حتى يكون لدينا بواعث مضاعفة لفعل الخير لبعضنا البعض. فإذا كنتم لا تطبقون فضيلة يطبقها غير المؤمن ألستم تنكرون الإيمان ؟ لأن الإيمان ليس أقوالاً تخرج من الفم، بل أن تعمل أعمالاً جديرة به لأن الإيمان وعدم الإيمان يطبقان على كل شيء. فالرسول بعد أن تكلم عن حياة الرخاوة، وعن الأرملة التي تعيش في التنعم، يقول لنا إنها لاتهلك فقط بسبب شهواتها، بل أن شهواتها هذه تجبرها على إهمال أسرتها . وهذه حقيقة، لأنها تعيش لبطنها، وبذلك تهلك ما دامت تنكر إيمانها. وهو شر من غير المؤمن” لأن الخطأ في إهمال احتياجات القريب والصديق لايتساوى مع خطأ إهمال إحتياجات الغريب وغير الصديق، إذ أنه مع الأقارب والأصدقاء يستوجب لوما أكثر.

” لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة إمرأة رجل واحد مشهود لها في أعمال صالحة” كما سبق أن قال الرسول: “ولكن إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة فليتعلموا أولاً أن يوقروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة (1تى 5: 4) كما قال أيضا : “أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية” (1تى 5: 6) وأيضا أن الذى لا يعتنى بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن ( 1تى 5: 8) لقد أوضح الرسول الأخطاء التي تجعل المرأة غير جديرة بأن تكتتب بين الأرامل، والآن يوضح الشروط الواجب عليها . ولكن ماذا ؟ هل نختارها حسب سنها ؟ وما هي الحكمة في ذلك ؟ وهل الأمر يتطلب أن يكون سنها ستين سنة ؟ كلاً فليس الأمر مرهونا فقط بسنها، فحتى إذا بلغت هذه السن وهي لا تملك الفضائل التي يتطلبها الرسول، لاتكتتب مع الأرامل. ولكنه سيقول لنا لماذا يطلب سنا معينا والباعث لذلك الأرامل أنفسهن.

إسمعوا ما سيأتي فيما بعد مشهودا لها في أعمال صالحة أية أعمال ؟ أن تكون قد ربت الأولاد” وهذا العمل قيمته ليست قليله، لأنه لا يتعلق فقط بتغذيتهم، بل بتهذيبهم كما سبق أن قال الرسول : إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل (1تى 2: 15) تلاحظون كيف أن الرسول في كل مجال يقدم عمل الخير لأقاربها قبل الآخرين لأنه قال أولا: أن تكون قد ربت الأولاد” ثم “أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين، ساعدت المتضايقين اتبعت كل عمل صالح وكيف يمكنها ذلك إذا كانت فقيرة ؟ هذا لا يمنعها عن تربية أولادها وضيافة الغرباء ومساعدة المتضايقين. هل هي أكثر احتياجا من تلك التي ألقت الفلسين (لو 21) وحتى لو كانت فقيره فلديها مسكن؛ فهي لا تسكن في الهواء الطلق. غسلت أرجل القديسين” فهذا لا يستوجب نفقات كثيرة. “أتبعت كل عمل صالح” بماذا يتعلق هذا الأمر؟ إنه يتعلق بالقيام بخدمات بدنية، لأن النساء على وجه الخصوص نظيفات ويجدن تنظيم الأسره وتقديم ما يكفل الراحة.

2- عن الأرامل :-

آه ! إن الرسول يطالب الأرملة بالمواظبة على واجباتها تقريبا بقدر ما يطالب الملتزم بالأسقفية. لأن هذه العبارة أتبعت كل عمل صالح” تعنى أنها حتى لو كانت لم تستطع بمفردها إتمام هذا العمل، فهي قد ساعدت فيه بهذا يبعد عنها الرخاوة، فهو يريد أن تكون متيقظه، صالحة مقتصده، مداومة على الصلاة. هكذا كانت حنة. تأملوا مدى الكمال الذي يطالب به الرسول الأرامل، إنه أكثر مما يتطلبه من العذارى أنفسهن اللائي يطلب منهن كمالاً سامياً.

لأنه عندما يقول : “كمن رحمه الرب أن يكون أمينا” (1كو 7: 25) عبارة تتلخص فيها الفضيلة كلها. تلاحظون أن عدم عقد الزواج الثاني لا يكفي لتكتتب ضمن الأرامل، بل هناك شروطا أخرى. ولماذا لا يتزوجن ثانية ؟ هل الرسول يدين هذا الفعل؟ كلاً : بل هذا القول يعتبر هرطقة لكن الذي يريده الرسول أن تتفرغ للأعمال الروحية، وتكرس نفسها كلية للفضيلة. فالزواج ليس دنسا، إلا أنه يحول دون الاستخدام الحر للوقت لذلك يقول الرسول: لكى تتفرغ (للصلاة ) وليس لكي : تتطهر لأن الزواج في الحقيقة يسبب مشغوليات متواصلة. فإذا رفضت الزواج، لكى تعطى وقتك لمخافة الله، ولم تنفذى ذلك، فلن تستفيدى شيئاً، بإعطاء عنايتك للغرباء والقديسين. وحينئذ بإهمالك هذه الأعمال التي هي ثمرة مخافة الله تظهرين أنك بالأحرى قد ابتعدت عن الزواج لأنك تدينينه. وهكذا فإن البتول التي لم تصلب فعلا، إنما امتنعت عن الزواج، لاعتقادها أنه أثم وغير طاهر.

تلاحظون أن الرسول يتكلم عن إضافة الغرباء وليس مجرد حسن الإستقبال البسيط، بل عن المحبة المندفعة بحماس الناتجة عن إرادة بشوشة، متممة عملها كما لو كانت تستقبل المسيح نفسه. والسيد المسيح لا يريد أن هذه العناية تسند للخدم، بل تتم بواسطتهن لأنهن قد تدرين على الضيافة : “فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض (يو 13: 14).

فمهما كانت المرأة ثريه، ومهما كان لها من اعتبار تنعم به عندما تتباهى بنبالة أسلافها ، فمع كل ذلك لا تصل إلى الفارق الذي بين السيد المسيح وتلاميذه فإذا استقبلتن ضيفا كما لو كنتن تستقبلن السيد المسيح نفسه، فلا تخجلن، بل لتكن بالحرى فخورات بالعناية التي تعطينها له، وإذا لم تستقبلنه كالمسيح؛ فلا يعد هذا استقبالا من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني” (مت 10: 40) فإذا لم تستقبلن هكذا ضيفكن لن تحصلن على المكافأة إبراهيم إعتقد أنه يستقبل مسافرين في الطريق ومع ذلك لم يترك كل شيء لخدمه، بل أمر زوجته أن تعجن الدقيق، وهو الذي كان عنده ثلاثمائة وثمانية عشر خادما وبالتأكيد كان بينهم خادمات لكنه أراد أن يحصل بنفسه هو وزوجته على المكافأة، ليس فقط عن النفقات بل أيضا عن الخدمات.

هكذا يجب أن تكون الضيافة، أن نعمل كل شيء بأنفسنا، حتى نكون مكرسين وتكون أيادينا مباركة. إذا أعطيتم الفقراء لا تهملوا أن تعطوا بأنفسكم لأنكم لا تعطونهم هم بل المسيح . وليس هناك من هو أسوأ حالا ممن لا يمد يده ليعطى المسيح. هذه هي الضيافة هنا العمل الحقيقي لله. وإذا أردت أن تكرم ضيفك بالجلوس في الصف الأول فلتحرص أن يكون ذلك بلطف وليس بأمر لتراع كيف تقلل بقدر إمكانك من حرجه وخجله، لأن خجل الضيف من حسن استقباله هو أمر طبيعي، ولكي تقلل من خجله من كرم استقبالك له فلتشعره أنك أنت الذي سعدت وأخذت أكثر مما أعطيت. أما الذى يعتقد أنه تكبد خسارة أو أنه محسن، فقد فقد كل شيء، والذي ينظر في نفسه أنه سعيد بما قدمه قد أخذ أكثر مما أعطى. المعطى المسرور يحبه الله ” (2كو 9: 7) أنتم ملتزمون قبل الفقراء بالإعتراف بالجميل أكثر من التزامهم قبلكم لولا الفقراء لما تمكنتم من محو كثرة خطاياكم، هم أطباء جراحاتكم، وأياديهم الممتدة هي الدواء الذي يعطونه لكم . اليد التي يمدها الطبيب للمريض، والأدوية التي يقدمها له لا تكون سببا فى شفائه وإزالة آلامه أكثر من يد الفقير الممتدة لك لأخذ صدقتك مثل الكهنة يأكلون خطية شعبي” (هو 4: 8) وهكذا أنتم تأخذون أكثر مما تعطون، الفقير هو بالأحرى المحسن وفاعل الخير. أنتم تقرضون الله وليس الإنسان بفائدة مضاعفة أنتم تنمون ثروتكم بدلا من أن تخفضونها، سوف تنقصونها إذا لم تأخذوا منها شيئا للعطاء.

3- ممارسة الصدقة :-

يقول الرسول: “أضافت الغرباء غسلت أرجل القديسين” أي قديسين؟ الذين يعانون من محنة وليسوا مجرد قديسين، لأنه يمكن للقديس أن يحظى بإكرام عالمى لاتكن صلتكم بالذين في رخاء، بل بالذين هم في محنة مجهولين أو معروفين من قلة. يقول السيد المسيح : ما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم لا تكلف الذين على رأس الكنيسة أن يوزعوا صدقتك، بل إخدم بنفسك الفقراء حتى تأخذ المكافأة ليس فقط عن تقدماتك، بل أيضا عن خدماتك، إعط بيديك، أبذر بنفسك، فالأمر لا يحتاج هنا إلى محراث وتعليق البقر في العربة، وانتظار الفصول، وشق الأرض، ومقاومة الجليد كل هذه العناية المضنية لاتحتاج البذور إليها . لأنك تبذر فى السماء حيث لا يوجد جليد، ولاشتاء، ولا أى شيء مشابه، أنت تبذر في النفوس حيث لا يوجد من يغتصب الحبة فهى محفوظة بالتأكيد أبذر ، لماذا تحرم ذاتك من المكافأة ؟ وهي كبيرة، حتى لو تمت بتنظيم ما أعطى بواسطة الآخرين . فالمكافأة ليست فقط بإعطاء ما يخصنا ، بل أيضا بتدبير صدقات الآخرين. لماذا لا نحصل على الجزاء ؟ نعم هذه الخدمة لها جزاء. إسمعوا : الرسل كما يعلمنا الكتاب أقاموا استفانوس لخدمة الأرامل. كونوا مدبرى أنفسكم. إن الإنسانية ومخافة الله تؤهلكم لذلك. هذا العمل لا يلحقه المجد الزائل، يعطى راحة للنفس، يقدس الأيادى، يهدم الكبرياء، يعلم المحبة والحكمة، ينمى الحماس ويؤهل للحصول على البركات إنك ستترك الأرامل ورأسك محملة ببركاتهم. كن أكثر حماسا في الصلاة، انشغل بالقديسين أقصد القديسين الحقيقيين الذين يعيشون في البراري ولا يستطيعون أن يطلبوا شيئا، معتمدين على الله، لا تبخل فى أن نسير طريقا طويلا وأن تعطى بيديك، لأنك بهذا العطاء تحصل على الكثير. إذا رأيت خيمة أو خلوة للضيافة، برية أو ديراً ؛ فعند ذهابك إعط دائما صدقات، إعط هناك نفسك كلها ، أنت أصبحت أسير غريب فى العالم. إن زيارة الفقراء لشيء عظيم. يقول الكتاب: الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الضحك (جا 7: 2) لأنه فى بيت الضحك تنتفخ النفس فإذا استطعت مجاملتهم بالضحك ستصل إلى الرخاوة؛ وإذا لم تستطع ستسبب لهم ألماً. لا يوجد شيء من ذلك فى مسكن النوح، فإذا كنت ممن لا يتهافتون على إرتياد أماكن المسرات سوف لا تُصدّم ، وإذا كنت على عكس ذلك، فلتعمل على قمع رغبتك.

4- الحياة العجيبة للمتوحدين :-

البيت الحقيقي للنوح هو الدير، حيث يوجد الجوال والرماد، وهناك توجد الوحدة، حيث لا يوجد الضحك إطلاقا ولا ضجة الأعمال العالمية، بل الصوم، وفراش من العشب الممتد على الأرض، هناك كل شيء نقى من دخان اللحم ودم الحيوانات، كل شيء خال من الإضطرابات والقلق والهياج. إنه ميناء دائم الهدوء، والذين يسكنونه كالمنارات المرتفعه في الأعالى، يسطعون عن بعد أمام عيون الوافدين ويجذبون الجميع إلى مياهه الهادئة لينجيهم من الغرق ويبدد لهم الظلمات.

إذهب إلى سكانه وأكرمهم ، تقدم إلى القديسين وأسجد أمام أرجلهم لأن لمس أرجلهم أكرم من لمس رؤوس الآخرين. قل لي إذا كان البعض يقبل أرجل التماثيل لمجرد أنها تمثل صورة الإمبراطور وأنت الذي تجد في هؤلاء الناس شخص المسيح، ألا تمسك بأرجلهم لتخلص ؟ أقدامهم مقدسة، وإن كانت تظهر عادية أمام الآخرين، بل الرأس نفسها غير موقرة في نظر الدنيويين أقدام القديسين لها قوة كبيرة، لأنها تجلب المجازاة بالعقوية عندما ينفضوا عنها التراب. فعندما يوجد بيننا قديس فلا نخجل أن نفعل معه هكذا كل هؤلاء هم قديسون يظهر في حياتهم الإيمان الأرثوذكسي، حتى لو لم يعملوا معجزات، أو يخرجوا شياطين. إذهبوا حيث خيام القديسين القديس الذي لجأ إلى الدير كمن يفر من الأرض إلى السماء هناك لا تشاهدون ما ترونه فى مساكنكم، هذا المكان طاهر من كل دنس، هناك يسود السكون والهدوء، لا تسمع فيه عبارة “هذا يخصني وذاك يخصك وإذا أقمت فيه يوما أو أكثر سوف تشعر بسعادة أكبر. النهار يقبل أو بالأحرى قبل ذلك صياح الديك. إنه ليس مظهر منزل، حيث الخدم لا زالوا يغطون في النوم، حيث الأبوات مغلقة وكل السكان نائمون يشبهون الموتى وحيث سائق البغال يحرك أجراسه. هنا لا يوجد ما يشبه ذلك. بل الكل فى خشوع دون تأخير يقطعون نعاسهم ويقومون عندما يوقظهم رئيسهم، وحينئذ يقفون مشكلين خورس مقدس باسطين أيديهم مرتلين بالتسابيح المقدسة لا يلزمهم مثلنا ساعات كاملة يطردون فيها النعاس وثقل الرأس. فإننا لا نكاد نقوم من فراشنا حتى نسقط ثانية، لكى نبسط ذراعينا طويلا وبعد فترة نغسل وجوهنا وأيدينا ثم نأخذ أحذيتنا وملابسنا ، وبكل ذلك يمر وقت طويل.

هناك لا شيء من ذلك، لا يوجد خدم تنادى عليهم، كل واحد مكتف بذاته، لا حاجة للملابس الكثيرة، ولا لزمن لطرد النعاس، بل بمجرد ما تنفتح عيون سكان الدير الزاهدين، ينهضون كما لو كانوا استيقظوا من وقت طويل، لأنه عندما يكون القلب غير مثقل وغير مائل إلى الأرض بالأطعمة التي تملأ المعدة، فلا يلزم الراهب سوى زمن بسيط لكي يجمع أفكاره. كل شيء يتم بسرعة مع الإعتدال، الأيادي نظيفة، النوم بنظام تام، لا يسمع أثناءه غط ولا نهج. لم يقع أحد من سريره كما لم يكشف أحد عن غطائه أثناء النوم . ولكنهم كلهم يبدون فى وضع أكثر حشمة من بعض ناس يقظين. وكل هذا بفضل النظام الدقيق الذي يسود في نفوسهم. هم حقا قديسون وملائكة بين البشر. خوفهم الكبير من الله لا يسمح لهم أن يغطوا فى النوم ويدفنوا ذكائهم. أحلامهم ليست من صنع الخيال المشوش أو الغريب.

ولكن كما قلت، الديك صاح وقد استيقظ الرئيس وتمشى ليلمس بكل بساطة رجل كل راهب نائم، وأيقظ الجميع وحالما يستيقظون يقفون مرتلين أناشيد الأنبياء فى توافق تام وتلحين موزون، لا قيثارة ولا مزمار ولا أية آلة موسيقية يمكن أن تنتج تلك الأصوات التي نسمعها عندما يرنم هؤلاء في وحدتهم فى هدوء عميق، ترانيم شافية ينبعث منها حب الله. يقول الكتاب: “في بيت الرب بالليالى إرفعوا أيديكم نحو القدس وباركوا الرب” (مز 134) وفى موضع آخر : “فى الليل أيضا بروحي في داخلي إليك أبكر لأنه حينما تكون أحكامك على الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل ( إش 26: 9) مزامير داود تنتج ينابيع من الدموع عندما نرتلها . تعبت في تنهدى أعوم في كل ليلة سريرى بدموعي أنوب فراشي (مز 6: 6) إني قد أكلت الرماد مثل الخبز” (مز 102: 9) فمن هو الإنسان حتى تذكره ؟ (مز 8: 4) الإنسان أشبه نفخة أيامه مثل ظل عابر (مز 144: 4) لاتخش إذا استغنى إنسان إذا زاد مجد بيته (مز 49: 16) سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك” (مز 119: 164) في منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك” (مز 119: 62) إنما الله يفدى نفسي من يد الهاوية (مز 49: 15) – أيضا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معى (مز 23: 4) لا تخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار ولا من وباء يسلك في الدجى ولا من هلاك يفسد في الظهيرة (مز 91: 5، 6) قد حسبنا مثل غنم للذبح (مز 44: 22) وعندما يرنمون مع الملائكة، لأن الملائكة أيضا ترنم معهم سبحوا الرب سبحوه في الأعالى” (مز 148: 1) وهذا في وقت نحن نتثاءب فيه، أو نغط في النوم، أو ممتدون على فراشنا حيث ندبر آلاف الخدع، وماذا عن هؤلاء الناس الذين يقضون لياليهم في قداسة كاملة؟

عندما يبدأ النهار فى الظهور يستريحون قليلا، وفي الساعة التي نبدأ نحن فيها أعمالنا هى وقت الراحة بالنسبة لهم فمتى بدأ النهار وكل واحد منا ينادى الآخر، يحسب النقود الموزعة، يجرى إلى الميدان، يبحث عن قاض، يرتبك ويخاف من تقديم الحسابات واحد يذهب إلى المسرح، والآخر إلى أعماله، أما بالنسبة للرهبان فبعدما ينتهون من صلواتهم الصباحية وأناشيدهم، يعكفون على قراءة الكتب، ومنهم أيضا من تعلم نسخ الكتب. ينسحب كل واحد إلى حجرته المحددة له ويمكث فيها في هدوء دون أن يثرثر ولا حتى يتكلم . يصلون الثالثة والسادسة والتاسعة وصلوات المساء، يقسمون اليوم إلى أربعة أقسام، وفى نهاية كل قسم، يسبحون الله بأناشيدهم. فبينما الآخرون من البشر يناولون العشاء، يضحكون يلعبون، ويبتلعون الأطعمة، نجد أنهم يجتهدون في تلحين المدائح لا يوجد وقت مطلقا للذات المائدة والحواس. بعد وجبة الطعام يستسلمون لنفس الأعمال بعد أن يستريحوا قليلا. فبدلا من أن أهل العالم ينامون في النهار هم يسهرون الليل. حقا هم أولاد النور أهل العالم بعد ضياع وقت طويل في النوم، يمشون مثقلين أما هم فدائما متزنون، يمكثون وقتا طويلا دون غذاء، منهمكين فى تلحين الأناشيد . عندما يأتي المساء، يذهب الآخرون للإستجمام والراحة؛ بينما هم بعد الإنتهاء من أعمالهم، يقتربون من المائدة دون تشغيل قطيعا من العبيد دون ضجة بالمنزل، وبنظام تام ولا يحملون موائدهم بالأطباق الفاخرة التي تفوح منها رائحة اللحوم بل يكتفى البعض بالخبز والملح، والبعض يضيف زيتا، والبعض الآخر الأكثر ضعفا يستعملون الأعشاب والخضروات. ثم بعد أن يمضوا وقتا قليلا جالسين يتممون يومهم بالأناشيد كل واحد يذهب إلى فراش من الورق أعد للراحة وليس للترف.

5-  هناك لا خوف من القضاء، ولا وجود لكبرياء أحمق من السادة لا رعب للعبيد، ولا هياج للنساء، ولا ضجيج للأولاد، ولا مجموعة من الخزائن ولا ملابس احتياطية دون استعمال، لا ذهب ولافضة، لاحارس ولا احتياطات، لا منصب ولا أى شىء مشابه ذلك؛ الكل تفوح منه رائحة الصلاة والأناشيد والرائحة الروحية الجميلة، لا يوجد ما يثير الشهوة. هم لا يخشون اللصوص، حيث لا يوجد ما يخشى عليه، لاثراء، فهم لا يملكون سوى أرواحهم وأجسادهم. وإذا أنتهت حياتهم فلا يجدون في ذلك خسارة بل بالحرى ربحا . “لأن لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح (في 1: 21) حينئذ سيتخلصون من رباطاتهم. حقا، “صوت ترنم وخلاص في حياة الصديقين” (مز 118: 15) لا تسمع شكوى ولا نحيب، سقفهم بعيد عن هذه المشقات والصيحات. يموتون ولهم نفس الشعور، لأن أجسادهم لیست خالدة، والموت في نظرهم ليس موتا يرافقون الموتى بالأناشيد ويسمون هذه الشعائر توصيلا وليس جنازات.

إذا علموا بموت هذا أو ذاك يفرحون، ولا يجسرون حتى على القول: بأنه مات بل بالأحرى أنهى مسيرة حياته ثم يطوبونه بابتهاج، ويصلي كل منهم إلى الله لكي تكون نهايته مشابهه، فيخرج كذلك من المعركة، ليرى المسيح بعد نهاية معاركه وكفاحه. وإذا كان أحدهم مريضا، فليس المجال مجال الدموع والنحيب بل الصلوات، وغالبا ليس هي عناية الأطباء، بل بالإيمان وحده يشفى المريض. وإذا احتاج الأمر للأطباء، توجد هناك فلسفة وثبات عظيمان فلا يرى بجانب المريض سيدة تشد شعرها، ولا أولاد يبكون مسبقا لأنهم سيتيتمون، ولا خدم يتوسلون للمحتضر لكي يوصى بهم لسيد صالح الروح متحرره من كل هذه المناظر، ولاتفكر سوى في اللحظة الأخيرة وكيف تظهر أمام الله فى حالة مرضية. أما عن المرض فلا يكون سببه الشراهة ولا ثقل الرأس، ولكن أصل المرض جدير بالثناء وليس بالعار. فهو يرجع إلى الإفراط فى السهر، أو الصوم أو أى شيء مشابه، فلذلك هو سهل الشفاء، وعلاجه الراحة فهي الكفيلة بأن تخلص المريض من متاعبه.

6- يوجد أيضا قديسون فى الحياة العامة المشتركة :-

قد تسألون أين القديسون أمثال هؤلاء لكى نغسل لهم أرجلهم ؟ يوجد منهم في الكنيسة أخشى أن يكون وصفنا لحياة المتوحدين يجعلكم تستصغرون القديسين الذين فى الكنائس. كثيرون من القديسين أمثال هؤلاء يعيشون بين المؤمنين، لكنهم متوارون، فلا نستصغرهم لأنهم يسكنون البيوت ويظهرون فى الأماكن العامة ويزاولون بعض الأعباء الله نفسه هو الذي أمرهم أقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة (إش 1: 17)

الفضيلة لها دروبها العديدة وصورها المتنوعة، مثل اللآلئ التي تختلف الواحدة عن الأخرى، ومع ذلك فكلها لآلى واحدة مضيئة ومستديرة تماما، والأخرى ليس لها نفس الجمال، بل جمال من نوع آخر. كيف ذلك؟ كالإبداع الذي نراه في شعب المرجان الطويلة بزواياها المنسقة تنسيقا يكسبها لونا أخضر جميلاً أبهى بكثير من اللون الأبيض؛ وكما أن هناك حجر كريم من الأحمر الدموى الساطع، والآخر أزرق وأكثر زهوا من أحجار البحر، وثالث يفوق الأرجوان فى بهائه. وكما أن في الأزهار وألوان الشمس يمكن أن نجد ألوانا كثيرة مختلفة، فهكذا أيضا بالنسبة للقديسين، البعض يسلك طريق النسك والبعض الآخر يشيد الكنائس.

إذا كانت غسلت أرجل القديسين ساعدت المتضايقين فلنسرع ونعمل ذلك حتى نستطيع أن نبارك في السماء لأننا غسلنا أرجل القديسين. وإذا كان يجب غسل أرجلهم، فيجب أيضا وعلى الأخص أن تمتد لهم يدنا بالصدقة يقول الإنجيل: “لا تعرف شمالك ما تفعل يمينك (مت 6: 3) لماذا كل هذه الشهود ؟ لو كان في إمكانك فلا تعرف زوجتك ولا خادمك. وغالبا زوجتك مع أنها لم تكن يوما عقبة أمام صدقتك، ولكنها قد تكشف عنها وتفشيها رغبة فى المباهاة والزهو، أو لأجل أسباب أخرى.

إبراهيم الذي كان له إمرأة ممتازة، أخفى عنها أنه سيقدم أبنه ذبيحة لأنه كان يجهل ما سيحدث وكان يعتقد أن الذبيحة ستتم فعلا أى رجل فى مكانه نو عواطف غير سامية ماذا كان سيقول ؟ سيقول: لم يحدث أن أحدا عمل مثل هذا العمل، يا للقسوة ! يا للبربرية ! هذا الرجل الصالح لم يفكر قط في مثل هذه الأمور، وحبه لأبنه لم يدفعه إلى هذا الفكر ودون أن يسمح للأم أن تنظر لأبنها النظرة الأخيرة وتسمع آخر كلماته، وتلتقط آخر خفقاته، أخذ إبنه كأسير لم يكن أمامه سوى شيء واحد هو تنفيذ الأمر الإلهى لا زوجته ولا أبنه كانا في ذهنه الإبن يجهل ما سيحدث له، وإبراهيم بذل كل جهده ليقدم ذبيحة طاهرة، غير ملوثة بالتذمر والتمتمة قال له إسحق : هوذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة يا أبي ؟ (تك 22: 7) وبماذا أجاب الأب ؟ الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابنى (تك 22: 8) إنه كلام نبوى لأن الله في تدبيره مزمع أن يقدم أبنه محرقة وفدية، وذهب إبراهيم في طريقه.

– قل لي يا إبراهيم لماذا تخفى عن إبنك أمر تقديمه ذبيحة ؟ لأني أخشى أن يضعف ويظهر بأنه غير جدير بها. تلاحظون أن ابراهيم نفذ بدقه هذا النص لاتعرف شمالك ما تفعل يمينك أى أننا : لاتحاول دون ضرورة أن تعرف نوينا؛ إذ أن النتائج سوف تكون سيئة. فنجد أنفسنا منساقين نحو الزهو والغرور وكثيرا ما نقابل عقبات فلنخف قدر استطاعتنا كل شيء داخل ذواتنا حتى نحصل على الوعود الخيرة في المسيح يسوع ربنا ، الذى له مع الآب والروح القدس، المجد والقوه، والعزه الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين.

الموعظة الخامسة عشرة 1تي5: 11-21

“أما الأرامل الحدثات فارفضهن لأنهن متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن ولهن دينونة لأنهن رفضن الإيمان الأول. ومع ذلك أيضا يتعلمن أن يكن بطالات يطفن فى البيوت ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضا وفضوليات يتكلمن بما لا يجب. فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم. فإن بعضهن قد إنحرفن وراء الشيطان.” (5: 11 – 15 حتى 21)

التحليل

1- الحذر من الأرامل الحدثات الفراغ يعلم كل الرذائل.

2- كل عامل يستحق أجراً، عامل التبشير ليس أقل من الآخرين.

3، 4 -عدم ثبات وفناء الأشياء البشرية.

2- الحذر من الأرامل الحدثات :-

يعطى بولس أهتمام كبيرا للأرامل، وقد حدد عمرهن بقوله: “إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة وعرف الصفات التي يجب أن يحملنها بقوله: “أن تكون قد ربت الأولاد، أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين والآن يقول أيضا : “أما الأرامل الحدثات فأرفضهن”.

من حيث العذارى على الرغم من أن وضعهن أكثر صعوبة، فإنه لم يتعرض لهن. لماذا ؟ لأنهن جندن أنفسهن لجيش أرفع، لينفذن فكرا أسمى هذه الكلمات أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين” وما يتبع ذلك، قد تضمنه النص أتبعت كل عمل صالح وأيضا النص الآتي: “غير المتزوجة تهتم في ما للرب” ( 1كو 7: 34) وقد قلت في مكان آخر إن فكرا ساميا هو الذي دفعهن لاختيار البتولية. زيادة على ذلك كانت قد حدثت سقطات لبعضهن، ويظهر هذا جليا في النصين الآتيين: “لأنهن متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن وأيضا فإن بعضهن قد انحرفن وراء الشيطان”.

“أما الأرامل الحدثات فارفضهن” لماذا هذه الكلمات؟ “لأنهن متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن” وماذا تعنى لأنهن بطرن ؟ عندما تكن أنيقات مستسلمات للذات، تشبهن من تترك زوجها لتصير لرجل آخر. ويوضح الرسول هنا إنها أعتنقت الترمل بدون قرار مدروس. إن الأرملة الحقيقية هى التى تصبح زوجة للمسيح فى ترملها. والكتاب يقول: “هو أبو اليتامى وقاضى الأرامل” (مز 68: 5، 6) يريد الرسول أن يظهر أنهن حقيقة لم يخترن حياة الترمل، بل استسلمن للرخاوة. ولكن في مكان آخر يقول للكورنثيين “لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح (2كو 11: 2) وبعد أن أكتتبن في قوائم الأرامل يردن أن يتزوجن ولهن دينونة لأنهن رفضن الإيمان الأول” “الإيمان” يقصد به العهد، لقد كذبن تركن المسيح، نكصن بتعهدهن.

الفراع يعلم الرزائل :-

“يتعلمن أن يكن بطالات” لأن العمل ليس للرجال فقط بل للنساء أيضا، لأن البطاله تعلم كل الرزائل. وهن لسن مسئولات عن أخطائهن فقط بل عن أخطاء الآخرين. وإذا كان لا يليق بإمرأه متزوجه أن تتنزه من منزل لآخر، فكم بالحرى الأرمله ! ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضا وفضوليات يتكلمن بما لا يجب” “أريد إذن أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت”. ماذا يحدث لو أن إمرأه لا تهتم قط بزوجها ولا يملأها الفكر الإلهى ؟ طبيعى ستصبح في بطالة مهذارة وفضولية. لأن الذي لا ينشغل بما نعنيه، ينشغل دائما بأمور تخص الآخرين، كما أن الذي يفكر فيما يعنيه، لايهتم ولا يكون فضوليا بما يخص الآخرين.

يتكلمن بما لا يجب” لا يوجد ما هو أكثر مخالفة للأدب من المباحثات التي تجريها المرأة بفضول لا طائل منه، وليس المرأة فقط بل الرجل أيضا، لأن فى ذلك برهانا كبيرا على الوقاحة وعدم الحياء “أريد إذن ما دمن يردن ذلك، أريد أنا أيضا. أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت” ويتمسكن بها هذا أفضل بكثير من سلوكهن هذا . كان يجب عليهن الإنشغال بخدمة الله، فى حياة أمينة له، ولكن طالما الأمر ليس كذلك، فمن الأفضل أن يتزوجن؛ إذ أن الترمل بهذه الكيفية لا يثمر ثمرا حسناً، بل على العكس الزواج فى هذه الحالة له ثمار أفضل إذ أنه يشغلهن عن الثرثرة والكسل. ولماذا بعد علمه بسقوط الكثيرات، لم يطالب بتوفير عناية أكبر لهن حتى لا يسقطن في سقطة بائسة كهذه، وإنما ينصحهن بالزواج؟ لأن الزواج غير محرم. ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم فإن بعضهن قد انحرفن وراء الشيطان يعترض الرسول إذن على هذه الصورة من الترمل، فهو لا يريد أرامل حدثات، يتعرضن للزنى ولا بطالات يتكلمن بما لا يجب، ولا فضوليات يعطين فرصة للشيطان، فلو لم تكن هذه الظواهر حادثة، ما كان الرسول قد اعترض على بقاء هؤلاء الأرامل دون زواج.

إن كان لمؤمن أو مؤمنة أرامل فليساعدهن ولا يثقل على الكنيسة لكي تساعد هى اللواتي هن بالحقيقة أرامل يعود الرسول ويسمى اللائي يعشن فى الوحدة وليس لهن من يواسيهن أنهن بالحقيقة أرامل النصيحة التي يقدمها الرسول هنا ممتازة، إذ أنها تؤدى إلى نتيجتين كبيرتين تتيح للبعض الفرصة لأن يقدموا خيراً بإعالة الأرامل كما أن الكنيسة لا تثقل بهذه المسئولية. ويضيف الرسول إن كان المؤمن أو مؤمنة لأنه لا يليق أن يقوم غير المؤمنين بإعالة الأرامل المؤمنات. ويلاحظ أن الرسول لم يكن متشددا في طلبه، بل قال فقط: “فليساعدهن ولا يثقل على الكنيسة لكي تساعد اللواتي هن بالحقيقة أرامل وصانع الخير سيكون له أجر مضاعف؛ لأنه بمساعدة الواحدة يساعد الأخريات أيضا، وذلك بتوفير فرصة أكبر للكنيسة لتساعدهن بأكثر سعة. أريد أن الأرامل الحدثات وماذا تريد ؟ هل يعشن في الرخاوة وفى اللذات ؟ كلاً بل يتزوجن يلدن الأولاد يدبرن البيوت كيف يدبرونها ؟ فحتى لا يظن أنه يدعوهن إلى حياة رخوة يضيف: “ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم (أي القدح والذم) كان يجب عليهن أن يكن فوق مستوى التفكير الدينوي، ولكن ما دمن قد نزلن عن هذا المستوى فليعرفن على الأقل أنه ينبغي أن يسلكن بحرص وتدقيق.

2- كل عامل يستحق أجراً :-

أما القسوس المدبرون حسنا فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ولاسيما الذين يتعبون فى الكلمة والتعليم. لأن الكتاب يقول: “لاتكم ثوراً دارسا والفاعل مستحق أجرته ومن كلمة كرامة تفهم العناية والإهتمام اللازمين لإمدادهم بما يسد احتياجاتهم، مثلما رأينا في النصوص السابقه التي توصى بإكرام الأرامل، عندما قال: “أكرموا الأرامل ويتكلم أيضا عما يلزمهن لقوتهن، إذ يقول: ولا يثقل على الكنيسة لكي تساعد هي اللواتي هن بالحقيقة أرامل أى اللائى يعشن في فقر لأنهن أكثر ترملا. ويذكر كلمات من الشريعة ومن السيد المسيح وكلها كلمات تتفق مع بعضها البعض، لأن الشريعة تقول: “لاتكم الثور في دراسة” (تث 25: 4) وبهذا التشبيه أراد الرسول أن يوضح مقدار المشقة التي يعانيها القائمون بالتعليم. هذا هو قول الناموس، أما السيد المسيح فقد قال:

لأن الفاعل مستحق أجرته (لو 10: 7). فسبيلنا أن لا ننظر إلي الأجرة فقط ونتراضي والسيد المسيح وضح ذلك بقوله: “لأن الفاعل مستحق طعامة (مت 10: 10) أى أن الذى لا يعمل بل يعيش في الرخاوة والكسل لا يكون مستحقا.

فإذا كان الثور الذي لا يشتغل فى الدراسة، ولا يسحب النير الثقيل في جو خانق عبر الأشواك، ولا يثابر حتى يتمم عمله ويدخل الغلة إلى الأجران لايستفيد من الطعام الذى أعد له. فبالتأكيد أن الذين يقومون بالتعليم يجب أن تتوافر لهم إحتياجات الحياة حتى لا يسقطوا من التعب وحتى لا يكون انشغالهم بالأشياء الصغيرة، يصرفهم عن قيامهم بالأمور الكبيرة، وينبغي أن يكرسوا أنفسهم لرسالتهم الروحية، دون التفكير في إحتياجات هذه الحياة.

هكذا كان اللاوييون لم يفكروا فى وسيلة الحياة، فالشعب كان هو الملتزم بهم والشريعة تأمر بدفع العشور من الدخل، وتقدمات عن الأشياء الذهبية، والبكور والنذور، وأشياء أخرى كثيرة. وهذه الميزات كانت مكفولة بأحكام الشريعة يوفرها لهم أناس آخرون يعملون وينتجون كافة ما تتطلبه هذه الحياة من احتياجات ؛ ولكننى لا أطلب للذين يدبرون شئون الكنيسة أكثر مما يكفل لهم القوت والكسوة، حتى لا يستغرقوا بأفكارهم في مباهج هذه الحياة. وما هى الكرامة المضاعفة ؟ مضاعفة عن التي للأرامل والشمامسة، أى كرامة كبيرة لانقف عند عبارة كرامة مضاعفة، بل إلى ما أضافه إليها الرسول: المدبرون حسنا، ومن هم هؤلاء ؟ لنسمع قول السيد المسيح: “أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (يو 10: 11) المدبر حسنا هو الذي لا يضن بشئ في سبيل العناية بقطيعه. ولاسيما الذين يتعبون في الوعظ والتعليم. – وأين هم الذين يقولون بعدم الحاجة إلى كلام ولا تعليم ؟ أعطى الرسول هذه التوجيهات لتيموثيئوس قائلا: “أهتم بهذا كن فيه”.

وفي موضع آخر: “لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً (1تي 4: 15) هؤلاء هم الذين يريد الرسول أن يكرمهم أكثر من الآخرين، ويذكر الباعث الحقيقي لذلك هو أنهم يحتملون متاعب كبيرة. فكيف يتساوى الذي لا يسهر ولا يدرس بل يركن إلى الراحة والهدوء دون خوف، ولا هم، مع الذي يضني نفسه في الخدمة ألا يجب أن يكرم هذا كرامة كبيرة أكثر من الكل، لأنه يحمل نفسه الكثير من المشقات ؟ هو تعرض لعدة ألسنة الواحد تصدى له باللوم، والآخر مدحه، والثالث سخر منه، والرابع هاجم أسلوبه أو منهجه فهو يلزمه الكثير من القوة حتى يحتمل كل ذلك إن إجادة التعليم هي أمر هام جدا لبناء الكنيسة وإدارتها ، حتى لا تتعرض للهدم. لذلك مع ا الأخرى التي ذكرها الضيافة والاعتدال، ومطالبة الأسقف أن يكون بلا لوم، يضيف الرسول أن يكون صالحا للتعليم معلم الحكمة يجب أن يطبقها أولا في حياته فهذا أفضل الطرق للتعليم، وفي الوقت نفسه يعلمها بمناقشاته . لهذا يقول الرسول: ولاسيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم لأنه متى تعلق الموضوع بشرح العقائد أية حياة تغنى عن الكلمات : أية كلمات ؟ ليست الكلمات ذات الجاه والمكسوه بالزخرفة العالمية، بل الكلمات المملوءة بالقوة، والنور والحذر الذي يلزم ليس فن الأسلوب واللغة، بل يلزم التفكير فى الطرق التي توضح بها، ليس فن الإنشاء بل فن الحكمة الصفات فقط.

لا تقبل شكاية على شيخ إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود هل يجب إذن قبول الشكاية ضد شاب حديث السن أو أى شخص آخر دون شهادة؟

هل يجب ألا يقام لهذه الشكايات وزن ؟ وماذا إذن يقصد الرسول ؟ إنه لا يجب قبول مثل هذه الإتهامات ضد أى شخص، وعلى الأخص ضد أحد الشيوخ وهو لا يتكلم هنا عن الوقار الكهنوتي، ولكن عن السن، لأن الشباب أكثر سهولة فى الوقوع فى الخطأ عن الشيوخ – الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف” أي لا ترفضهم بسرعة، بل أفحص كل شئ بدقة كبيرة، وبعد أن تتأكد بوضوح من القضية حاسب بكل حماس، حتى يصبح الآخرون أكثر تحفظاً، لأنه إذا كان من الضرر أن تدين دون سبب، فلا تقف دون تصرف ضد الأخطاء الواضحة، لأن هذا يفتح الطريق أمام الآخرين، فيتجاسرون ويعملون نفس الشئ. لا يقول فقط وبخهم، بل لتعمل ذلك بقسوة حتى يشعر الباقين بالخوف. لماذا إذن قال السيد المسيح : إن أخطأ إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه “مت 18: 15) . بينما بولس سمح باتهامه أمام الكنيسة ؟ ألا يكون هنا فضيحة أكبر ؟ لماذا ؟ قد تكون الفضيحة أكبر إذا عرف الخطأ دون أن توقع العقوبة. وإذا ظلت الأخطاء دون عقاب، فسوف يتضاعف المجرمون كما أن الردع يصلح الكثيرين. وهذا هو ما فعله الله عندما عاقب فرعون ونبوخذ نصر وآخرين، أمام أعين الجميع، ونحن نرى مدنا وأفراداً قد تحملوا قصاص جرائمهم.

يريد الرسول إذن أن الجميع يهابون الأسقف وأن تكون له السلطة فوق الجميع. ويقول أن الاتهامات غالبا ما تنشأ نتيجة الضغينة، لذلك يجب أن يكون هناك شهود، أناس يدلون بمعلوماتهم عن المشكو ضده طبقا للشريعة القديمة. على فم شاهدين أو على فم ثلاثة شهود يقوم الأمر (تث 19: 15) لا تقبل شكاية على شيخ لم يقل: لا تحاكم : بل وحتى لو هى شكاية، لا تحولها إلى محاكمة دون سماع شهود . وإذا كان الشاهدان يكذبان ؟ هذا يندر، والمحاكمة كفيلة بالكشف وإلقاء الضوء على الحقيقة.

ويجب أن نكون سعداء بوجود شاهدين، لأن الأخطاء ترتكب سرا وفي الخفاء، بحيث أننا نجد أن الموضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة. وماذا لو عرفت الأخطاء ولا يوجد شهود والرأى العام سيئ ؟ سبق أن قال الرسول : يجب أيضا أن تكون للأسقف شهادة حسنة من الذين هم من خارج”.

ليكن لدينا المحبة ومخافة الله. لا توجد شريعة للإنسان الصالح، ولكن الأغلبية يتبعون الفضيلة جبرا وليست اختياراً، ويجنون من خوفهم ثمارا كثيرة. وغالبا ما يقمعون رغباتهم السيئة. ولهذا السبب فلنسمع التهديدات التي توجه إلينا من جهنم لكى نجنى الثمار الثمينة لهذا الخوف. وإذا كان الله الذي سوف يلقى بالخطاة فيها، لم يكن قد هددنا بها مقدما لسقط فيها الكثيرون. ومع أننا الآن تهتز نفوسنا خوفا منها، إلا أنه يوجد كثيرون يخطئون بكل سهولة، كما لو كانت جهنم ليس لها وجود، و د، وأية جرائم كنا سنرتكبها لو لم يكن لدينا الوحى والوعيد؛ ولذلك أقول ما أقوله دائما إن جهنم بتهديدها ووعيدها إنما تبرز عناية الله بنا ومحبته لنا بصورة لا تقل عما تبرزه مواعيد ملكوت السموات لنا . والمحصلة النهائية هي أن جهنم بوعيدها وتهديدها، والملكوت بوعوده ومواعيده يعملان معا على نجاتنا من الهلاك.

لا تعتقدوا أن هذا عمل كائن قاس وعديم الشفقة، بل بالأحرى هو عمل الرحمة والصلاح الفائق، هو الحماس الذي يريد به أن يجذبنا إليه. لو لم تهدد نينوى وتنذر بالهلاك بواسطة يونان لهلكت بالفعل لو لم نكن قد هددنا بجهنم لسقطنا جميعا فيها، لولا الوعيد بالنار لما نجا أحد.

إن الله يهدد بغير ما يريد حتى يتمم ما يريد : فهو لا يريد موت الخاطئ، ويتكلم عن موت الخاطئ، حتى لا يلقى بنفسه في الموت. هذا الكلام ليس بسيطاً . هو يظهر لنا الحقيقة حتى نتحاشاها.

3- عدم الثبات والتغير في الأمور البشرية :-

وحتى لا يظن أحد أن هذا الوعيد لا فائدة منه لمعرفة الحقيقة، فإن ما حدث في هذا العالم يجعله واضحاً. الطوفان الذي أهلك البشرية أليس هو صورة لجهنم النار ؟ يقول الإنجيل : كما كانت أيام نوح .. يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون … كذلك يكون أيضا” (مت 24: 37) قد تنبأ نوح بهذه الحادثة قبل وقوعها بزمن طويل، ولم يكترث أحد بتهديداته الكل ينظر لها وكأنها قصة خرافية، وموضوع للسخرية، لم يخف أحد ولم يبك خطاياه، لم يقرع أحد على صدره. إن نهر النار يغلي، واللهيب ترتفع ونحن نضحك ونعيش فى الملذات، ونخطئ بلا خوف. لا يفكر أحد في هذا اليوم الأخير، ولا في الحياة الحاضرة التى سوف تمضى، وأن كل ما نراه له وقت محدد، وها هي الأحداث كل يوم تنذرنا وتسمعنا صوتها . الذين يموتون قبل الأوان، التغيرات التى تحدث فى حياتنا؛ كل هذه لا تعلمنا، ولا حتى ما يصيبنا من أمراض مختلفة . وليس فى أجسادنا فقط بل في العناصر الطبيعية أيضا يمكن أن نرى التغيرات التي تحدث كل شئ يعطينا فرصة للتأمل حتى فى شبابنا، في كل مكان وفي كل شئ التغيير يعطى علاماته.

هل يتبقى شئ مما نرى ؟ كلاً، لا شئ سوى أنفسنا، ونحن نهملها، نحن نهتم كثيرا بما يتغير، ولكن ما يبقى إلى الأبد لا نكترث به ـ فلان قوى – نعم، إلى حين، ثم سوف يهلك كأمثاله الذين كانوا أقوى منه ثم أختفوا الحياة مسرح حلم مثلها مثل الممثلين، عندما يزال المسرح تختفي الأدوار المتنوعة، وكالأحلام التي تنقشع عندما تظهر أشعة الصباح، هكذا نحن عندما ينتهى دورنا في الحياة العامة أو الخاصة الكل ينقشع ويختفى الشجرة التي زرعتها، المنزل الذي شيدته سيبقى بعدك المهندس المعمارى والفلاح وغيره زالوا وماتوا . ومع أننا نحن شهود لكل ذلك، إلا أننا لا نتغير قط، نحن نعد كل شئ كما لو كنا خالدين، ونعيش في الترف والرخاوة.

4- إسمعوا ما يقوله سليمان

الذى اختبر بنفسه أمور الحياة الحاضرة “فعظمت عملی بنيت لنفسي بيوتا غرست لنفسي كروما عملت لنفسى جنات وفراديس جمعت لنفسى فضة وذهبا اتخذت لنفسى مغنيين ومغنيات … (جا 2: 4-8) لم يتمتع أحد بهذا القدر من الملذات، لم يصل أحد إلى هذا الحد من الشهرة والحكمة، لم يبلغ سيد هذه السلطة. ولكن ماذا ؟ ألم يرضيه كل ذلك ؟ وماذا قال بعد أن تمتع بكل هذا ؟ “باطل الأباطيل الكل باطل (جا 1: 2) ليس باطل فقط، ولكن أفصح عن رأيه بحماس كبير. أتوسل إليكم أن تصدقوه، إنه إنسان مختبر لنسمعه، ولنتمسك بما هو غير باطل، حيث تكمن الحقيقة، حيث كل شي ثابت ومستقر، حيث كل شئ مؤسس على الصخر، لا يشيخ شيئاً ولا يزول كل شي مزدهر وشباب، لا تأثير للزمن غليه ولن يختفي. أتوسل إليكم لتكن رغبتنا خالصة في الله، ليس خوفا من جهنم، ولكن رغبة في الملكوت الأبدى.

قل لي: هل توجد سعادة تشبه تلك التي نحظى بها عند رؤيتنا للمسيح؟ بالتأكيد لا توجد سعادة تضارعها. هل يوجد ما يشبه المتعة بالخيرات السماوية ؟ بالتأكيد لا شئ مالم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو 2: 9).

فلنجتهد للحصول على الخيرات السماويه، ولنحتقر المباهج الأرضية. ألا نشكو كثيرا من أن حياة الإنسان لا تساوي شيئا ؟ لماذا إذن هذا التهافت من أجل لا شئ ؟ لماذا نرهن أنفسنا لأجل شئ لا قيمة له ؟ أنتم تتأملون المساكن الفاخرة فهل هذه النظرة هي التي تخدعكم ؟ إرفعوا أعينكم نحو السماء، قارنوا جمالها بهذه الأحجار والأعمدة، وسترون أن الأخيرة ليست سوى عمل يصنعه النمل والبعوض. إعكفوا على التأمل إرتفعوا إلى الأشياء السمائية، ومنها تعرفوا قيمة المباني الفاخرة، وسوف ترون أنها ليست سوى لعب أطفال صغار ألا تعرفون أن الهواء بقدر ما يرتفع يصبح أكثر رقة وخفة، أكثر نقاء وشفافية ؟ هكذا الذين يعملون أعمال الرحمة لهم مساكنهم وهياكلهم كل مسكن أرضى سوف ينهدم في يوم القيامة، بل وقبل القيامة، إذ أن الزمن في مساره يهدمه، يذيبه ويجعله يختفى وغالبا قبل فعل الزمن، وهو فى بريق حداثته، هذه أرضية تهدمه حريق يلتهمه، لأنه تحدث وفيات مبكرة للمبانى كما يحدث بالنسبة للبشر. كثيرا ما يحدث زلزال للأرض نجد أن المبانى البالية بالزمن تبقى في توازن، والمبانى المتينة والمشيدة حديثا، تهتز وتنقلب.

الله وضع هذا النظام بلاشك حتى لا يدخلنا الغرور والكبرياء بسبب مبانينا . هل تريدون أن لا تثبط عزيمتكم ؟ إذهبوا إلى المباني العامة حيث تستمتعون بها مثل الآخرين، لأنها ليست مسكنا قط، والمسكن مهما بلغت فخامته، لا يمكنه أن يتساوى مع هذه الأبنية العامة؛ أمكثوا فيها بقدر ما يعجبكم، فهى لكم مثل ما هى للآخرين هى عامة وليست خاصة. قد تقولون إن هذا لا يرضيكم؛ إنكم تقولون هذا بفعل شهوة الإقتناء والطمع إذ أن الطمع هو الذي يعطي اللذة بالشئ وليس جماله الخاص، اللذة في الطمع وتملك ما للآخرين.

آه ! إلى متى سنظل مقيدين وملتصقين بالأرض ؟ إلى متى سنستمر في الوحل مثل الديدان ؟ الله صنع لنا جسدا من التراب حتى نسمو به إلى السماء، وليس لنخفض به أنفسنا إلى الأرض؛ حقا أن جسدى هو أرضى من التراب، ولكن إذا أردت، يمكن أن أصيره سماويا . أنظروا أية كرامة أعطانا الله إذ استأمنا على عمل عظيم كهذا.

يقول الرب أنا الذي صنعت السماء والأرض وها أنا أجعلك شريكا في الخلقة. إجعل من الأرض سماء، فأنت قادر على ذلك. قيل عن الله إنه يصنع ويغير كل شئ. (عا 5: 8) وقد أعطى هذه القوة للبشر كاب مملوء بالحنان ويجيد الرسم، فيريد أن يعلم أبنه أيضا هذا الفن. ويقول لنا : قد أعطيتك جسدا جميلا، وأوكلت لك تكملة عمل أكبر؛ أن تصنع نفسا جميلة. قد قلت: لتنبت الأرض عشبا .. وشجرا ذا ثمر (تك 1: 11) قل أنت أيضا لتنبت الأرض ثمرها وكل ما تريد أن تعمل سوف يثمر. أنا أصنع الحرارة والضباب، أنا صانع الرعد وخالق الهواء، أنا كونت الوحش أى الشيطان لكى أسخر منه إسخر أنت منه أيضا إذا كنت تريد ذلك، لأنك تقدر على ربطه كعصفور صغير، ولن أحسدك قط على هذه السلطة.

أشرقت شمسى على الأبرار والأشرار قلدني إعط جزءا من خيراتك للأبرار والأشرار. أنا صبور على احتمال الإهانة، وأردها خيرا لمن يوجهها إلى تمثل بي فأنت قادر على ذلك. أنا أعمل الخير ليس بقصد أن يرد لى قلدني أوقدت مصابيح للسماء : أو قد أنت مصابيح أكثر لمعانا منها لأنك قادر على ذلك. أنر للذين في الخطأ؛ العمل الحسن الذي تعمله لتقود الناس إلى نور معرفتي ورؤيتي لهو أبهى بالحق من رؤية الشمس ذاتها . أنت لا تستطيع أن تخلق إنسانا ولكنك تقدر أن تغيره ليصبح صالحاً ومرضياً لله، أنا خلقت جوهره، فاعمل أنت على تجميل إرادته؛ أنظر كم أنا أحبك، وكم أعطيتك من قدرات تتناسب مع الأمور الكبيرة التي أسندتها إليك، أنا أملك على الملائكة، وكذلك أنت تملك معي منذ أن أخذت طبيعتك وصرت أنت شريكا لطبيعتي فقمت معى وأصعدت باكورتك معى وأجلستها عن يمين الآب في السماويات حيث جلست أنا : “وأقامامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”

الشاروبيم والسيرافيم، وكل صفوف الملائكة، الأمراء والقوات العروش السلاطين ينحنون كلهم أمامك لأنك صرت في مكرما وممجدا لا تدين جسدك الذي يتمتع بمثل هذا الشرف والذي تبجله القوات الروحانية. ولكن ماذا أقول ؟ ليس بهذا فقط ولكن أيضا بالامي. لقد بصق على وجهي من أجلك، دبرت محبتى أن تربحك ، صفعت على خدى، تركت مجدى، وإني بنزولى من إقامة أبي أتيت نحوك ، أنت الذى أبغضتني وتحولت عنى بعيدا غير راغب حتى أن تسمع اسمى؛ ركضت وراءك لأمسك بك، وربطتك بی قائلا : كل جسدی واشرب دمى إنى أرفعك إلى السماء وأجى لك على الأرض لأقبلك. لم أكتف بهذا بل اخترقت كيانك إذ أنت أكلتني وصرت فتاتا صغيراً، ليكون امتزاجى بك أكثر، واتحادى بك أكمل وأبلغ، حتى لا يكون أنفصال فيما بعد، بعد أن صرنا أنا وأنت واحداً.

بمعرفتنا ذلك، وبإدراكنا كم كان حنان الله عظيما نحونا ، فلنعمل جاهدين حتى نكون مستحقين للحصول على هذه الهبات العظيمة في شخص المسيح يسوع ربنا الذى له مع الآب والروح القدس المجد، والقوة والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

الموعظة السادسة عشرة 1تي5: 21-23

“أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين أن تحفظ هذا بدون غرض ولا تعمل شيئاً بمحاباة، لا تضع يدا على أحد بعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين إحفظ نفسك طاهراً لا تكن فيما بعد شراب ماء بل إستعمل خمراً قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة “. (21:5 – 23 حتى 6: 1)

التحليل

1-  عن السيامات، يجب أن لا تتم بعجلة ودون فحص دقيق.

2- واجبات الخدام – التشجيع الأدبي لخدمة الله.

1- السيامات :-

بعد أن تكلم الرسول عن الأساقفة والشمامسة، والرجال والنساء والأرامل والشيوخ وعن الكل؛ وبعد أن أبرز سلطات الأسقف بصفته حاكما ، يضيف الرسول: “أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين أن تحفظ هذا بدون غرض ولا تعمل شيئا بمحاباة يواصل الرسول أوامره بلهجة صارمة، وإن كان تيموثيؤس هو ابنه الحبيب، إلا أنه لا يتردد لهذا السبب.

فالذي لم يخش أن يقول عن نفسه: أخشى بعد ما كرزت للآخرين أصير أنا نفسى مرفوضاً (1كو9: 27) لم يتردد في إسداء النصح لتلميذه تيموثيؤس. وإذا كان يناشده أمام الآب والابن، فلماذا يضيف الملائكة ؟ موسى قال نفس المعنى: أشهد عليكم اليوم السماء والأرض” (تث 4: 26) حتى لا ينطق إسم الرب؛ وجاء أيضا : إسمعي أيتها الجبال ويا أسس الأرض” (مي 6: 2) بولس أتخذ الآب والابن شهودا على كلامه مبرراً نفسه أمامهم لليوم الآتى، فإذا نتجت بعض المخالفات في الواجبات فكل مسئول عن نفسه. – أن تحفظ هذا بدون غرض ولا تعمل شيئا بمحاباة أى تضع نفسك في مرتبة الذين حاكمتهم أنت، حتى لا يدركك أحد ويسبقك في أن يكون سيدا على حكمك، ولماذا يقول : “الملائكة المختارين” لأنه يوجد غير مختارين يعقوب أيضا استشهد بالرب والتل وهكذا نحن أيضا كثيرا ما نستشهد بأشخاص بارزين وآخرين أقل منهم. حتى تكون الشهادة أكثر قوة. كما لو كان يقول: فإني أستشهد بالله وبإبنه وخدامه عن المبادئ التي أعطيتها لك، لأني أعطيتها لك في حضورهم، وبذلك يوحى بالخوف لتيموثيئوس.

ثم يواصل الرسول حديثه متناولا موضوعاً أكثر ملاءمة لسلام الكنيسة وهو السيامة (الرسامة) لا تضع يدك على أحد بالعجلة ولا تشترك فى خطايا الآخرين” ماذا يعنى بالعجلة يعنى أنه لا يكفى الاختبار الأول ولا الثانى ولا الثالث؛ بل يلزم دراسة متكررة وإمتحان عميق، لأنه عمل فيه خطورة. لأنك سوف تكون مسئولا عن أخطاء الكهنة الذين أقمتهم ورسمتهم سواء عن تلك التي اقترفوها قبل رسامتهم أو التي تلت رسامتهم. لأنك كنت قد تساهلت معهم بالنسبة لاخطائهم السابقة لرسامتهم، والتى لم تكن لهم معك فرصة لكي يندموا ويتوبوا عنها، أما اللاحقة فستكون مسئولا عنها ، لأنك أنت في الواقع هو المسبب لها لأنك أقمتهم رعاة لأنه كما أنك لك نصيب فى الفوائد الروحية التي يجنيها تلاميذك، فأنت تشاركهم أيضا المحاسبة عن أخطائهم.

“احفظ نفسك طاهراً” يتكلم هنا عن العفة. لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة وإذا كان الرسول يصف لتيموثيئوس الإعتدال وهو رجل مولع بالصيام، وكان يستعمل المياه ،بإفراط، مما سبب له أسقاما كثيرة، فالرسول هنا يأمره بالإعتدال.

وإذا كان تيموثيئوس لا يرفض ذلك فكم بالحرى يجب علينا ألا نمتعض إذا وجهت إلينا بعض التوجيهات. قد يقال لماذا لم يشف معدة تلميذه، وهو الذى كانت ملابسه تقيم الموتى وواضح أنه كان يستطيع ذلك؟ لماذا إذن لم يفعله ؟ حتى إذا رأينا اليوم أناسا عظماء وفضلاء يصابون بالأمراض، لا نعثر لأن ذلك حدث لأجل فائدتهم. فإذا كان أحد ملائكة الشيطان لطم بولس لئلا يرتفع من فرط الإعلانات، (2کو 12: 7). فالخوف الأكثر على تيموثينوس إذ هو أيضا كان يجرى معجزات قد تقوده إلى الإرتفاع والكبرياء فتركه يخضع لقوانين الطب حتى تتضع أفكاره ولا يعثر الآخرون، بل يتعلمون أن بولس وتيموثيئوس كانا من نفس طبيعتنا ، وهما اللذان أحرزا هذا التقدم فى الفضيله، لأنه يبدو أن تيموثيئوس كان سقيما، وهذا ما يفهم من قول بولس من أجل أسقامك الكثيرة إذ أنه كان يعانى من سقم معدته وأسقاماً أخرى بجسمه؛ إلا أنه لم يسمح له أن يشرب من الخمر دون اعتدال فقد سمح له بالقليل فقط من أجل صحته، وليس من أجل الرخاوة.

خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء وأما البعض فتتبعهم الرسول عندما تكلم عن وضع الأيدى (الرسامات) قال: لا تشترك في خطايا الآخرين قد يقال وإذا كنت أجهلها ؟ خطايا البعض معروفه لأنها مقدمة للمحاكمة، والبعض الآخر من الخطايا غير معروفة لأنها خلفية يريد الرسول أن يقول: أن بين الأعمال الرديئة، توجد المكشوفة والمستترة، ولكن يوما المحاكمة، لا يختفى شيئاً صالحا كان أم رديئا.

حر جميع الذين تحت نير فليحسبوا سادتهم مستحقين كل إكرام، لئلا يفترى على اسم الله وتعليمة (5: 1) فليحسبوهم مستحقين كل إكرام لا تفتكر نفسك . لأنك مؤمن، إذ أن الحرية الحقيقية هي أن تحب الخدمة لأن غير المؤمن إذا رأى عبيده المؤمنين يسلكون بوقاحة، سوف ينطق بتجاديف، قائلا أن الإيمان المسيحى يسمح بالتمرد على السلطة؛ أما إذا رأهم مطيعين سوف يتحول بسهولة ويعد ذاته لكلام الله. وقد يقال وماذا إذا كان السادة مؤمنين ؟ حينئذ تجب الطاعة أيضا لأجل إسم الله. والذين لهم سادة مؤمنون لا يستهينون بهم لأنهم أخوة بل ليخدموهم أكثر، لأن الذين يشتركون فى الفائدة هم مؤمنون ومحبوبون”.

2- واجب الخدام –

إذا كان لكم شرف الخدمة عند سادة مؤمنين فهذا يلزمكم بأن تكونوا أكثر خضوعا لهم. سابقة للقضاء يريد الرسول أن يقول : أن بين الأعمال الرديئة، توجد المكشوفة والمستترة ، ولكن يوم المحاكمة، لا يختفى شي صالحا كان أم رديئا . ولماذا يقول الرسول ذلك ؟ لأن بعض هذه الخطايا قد يتمكن أصحابها من إخفائها هنا في هذه الدنيا ولكنهم لن يمكنهم ذلك في يوم الدينونة العظيم حيث كل شئ سيكون عرياناً ومكشوفاً؛ كذلك أيضا الأعمال الصالحة واضحة ولا يمكن أن تخفي؛ هنا يوجد تشجيع كبير للصالحين وبين الأوامر السابقة مثل : ولا تعمل شيئاً بمحاباة … إلخ وأيضا : جميع الذين هم عبيد تحت نير، فبين الإثنين تتابع طبیعی وضرورى والأخيرة تشرح الأولى. وهل الأخيرة تخص الأسقف ؟ نعم بلا شك وذلك أنه يجب عليه إصدار تعليماته للخدام.

ونلاحظ أن الرسول في كل مرة يوجه أوامره للعبيد أكثر من السادة مبينا لهم طرق الخضوع معطيا إياهم إهتماما كبيرا . والسادة يقول: تاركين التهديد (أف 6: 9) لماذا هذه التوجيهات ؟ غير المؤمنين كانوا في حاجة لها، ولكنه لم يستطع سوى مخاطبة الذين اقتنوا الإيمان وماهى حاجة السادة المؤمنين إلى ذلك ؟ لأن السادة يعطون العبيد أكثر مما يعطى العبيد لسادتهم. السادة ملتزمون برعاية عبيدهم، وتدبير كل احتياجاتهم، من ملبس وماكل وغيره؛ بمعنى أن السادة هم بالأحرى الذين يخدمون عبيدهم، وهذا ما يريد أن يوضحه الرسول بقوله: “إن الذين يتشاركون فى الفائدة هم مؤمنون ومحبوبون” هم يتعبون ويتحملون المشقات من أجل راحتهم؛ ألا يجب أن يكونوا مكرمين من خدمهم ؟

وإذا كان الرسول قد أمر العبيد أن يكونوا هكذا مطيعين فكروا في كيف يجب أن نسلك نحن تجاه سيدنا الذى خلقنا من العدم، الذي يعطينا الغذاء والملبس. لنخدمه على الأقل كما يخدمنا خدمنا . أليسوا هم يبذلون حياتهم إلى النهاية لتحقيق ما يريح سادتهم ؟ اهتماماتهم وحياتهم مكرسة لتحقيق منافع سادتهم أليسوا هم ينشغلون طوال اليوم غير مبقين لراحتهم سوى جزءا بسيطا من الليل ؟ نحن على العكس ننشغل بصفة مستمرة بمصالحنا، ولا نعطى سيدنا حتى جزءاً قليلا من النهار، ومع ذلك هو لا يطالبنا بما هو علينا، كما يطالب السادة عبيدهم، رغم أن الذي نقدمه له ترجع فوائده ومكاسبه إلينا السادة فى العالم يستفيدون من أعمال عبيدهم، أما في مجال الخدمة وعبادة الله فالمستفيد هو الخادم نفسه، أما الرب فلا ينتفع شيئاً. يقول المرتل: “أنت لست محتاجا لصلاحي” قل لى أية فائدة تعود على الله من كونى صالحا ؟ وماذا يخسر الله لو كنت غير صالح ؟ أليس جوهره ثابتاً لا يتأثر ولا يتغير ؟ أليس جوهره فوق كل ألم. إن العبيد لا يملكون شيئاً، كل شي ملك لسيدهم مهما أصبحوا أثرياء، أما نحن فلنا أشياء كثيرة خاصة بنا، وليست هذه هي الكرامة الوحيدة التي نحصل عليها من ملك الكون. أي سيد أعطى أبنه الوحيد لأجل خادمه ؟ لا أحد، بل بالأحرى الكل يعطون خدمهم لأجل أولادهم. هنا العكس تماما . الله لم يضن بابنه الوحيد، بل أسلمه من أجلنا كلنا من أجل أعدائه من أجل الذين يبغضونه. العبيد حينما نعطى لهم تعليمات قاسية لا يغضبون، بل يظهرون معترفين بالجميل، ونحن نعترض متعللين بألف سبب السيد لا يعد خدامه بالمكافآت التي وعدنا بها الله. بماذا يعد السيد عبيده ؟ بالحرية وهى غالبا ما تكون أصعب في تحملها من العبودية. وكثيرا تحت تأثير الجوع نجدها أكثر مرارة عليهم من العبودية؛ إذ ستتركهم يهلكون جوعا ، فلن تكون بالنسبة لهم هبة أو منحة بأي حال. أما في مجال الله فليس هناك شئ زائل ولا قابل للفساد. فبماذا وعدنا ؟ “لا أعود أسميكم عبيدا بل سميتكم أحباء (يو 15: 15).

لنخجل ونخشى يا أحبائي، نحن ملزمون بخدمة سيدنا على الأقل مثلما يخدمنا خدمنا؛ ولكن في معظم الوقت لا نقدم له خدماتنا . هؤلاء هم فلاسفة رغما عنهم ، لأنهم لا يملكون سوى الملبس والغذاء، بينما نحن نهين الله برخاوتنا . إذا كنا لم نتعلم بعد الحكمة عن طريق آخر فلنتعلمها منهم الكتاب المقدس يوجه الناس ليتعلموا ليس من العبيد فقط بل من كائنات غير عاقلة، مثلما يأمرنا بتقلييد النحل والنمل. أما أنا فأحتكم على تقليد خدمكم. نعمل على الأقل بخوف من الله كل ما يعملونه هم بخوف من سادتهم، لأننى ألاحظ أنكم لا تعملون ذلك هم دائما بسبب الخوف يستسلمون للإهانة فى هدوء أكثر من أى فيلسوف، يشتمون بالحق وبالباطل دون تذمر بل يطلبون العفو، وغالبا دون أن يكونوا قد اقترفوا ذنبا . لا يحصلون إلا على الضرورى وغالبا على أقل منه ويصبرون وينامون على حصيرة من القش، وغذاؤهم قاصر على الخبز، كل معيشتهم في فقر، ولا يطالبون بشئ ولا يغضبون لأنهم يخشوننا . متى أودعناهم نقودا يردونها لنا بالكامل: “لا تكلموننى عن الفاسدين بل عن الذين لم يتمادوا في الشر فهم يخضعون عند أول تهديد أليست هذه فلسفة ؟ لا تقولوا إنهم يفعلون ذلك بحكم الضرورة لأنكم أنتم أيضا لديكم ضرورة وهي تجنب جهنم، ومع ذلك غير حذرين ولا تقدمون لله كرامة بقدر ما هم يقدمون لكم. كل واحد منهم له مسكنه المحدد، ولا يعتدى على ما يخص زميله حتى لو طمع فيه زميله فهذا لا يدفعه للوقوع في الخطأ. خوفهم من سيدهم يربطهم بالواجب نادراً ما يحدث أن يسئ خادم منهم إلى الآخر ويسبب له خسارة.

ولكن بين الأحرار يحدث العكس، نحن نتقاتل، نفترس بعضنا البعض، لا نخاف سيدنا ، نسلب ما يخص خدماً مثلنا ، نسرق، نضرب كل هذا تحت نظر الله لا يوجد عبد يفعل ذلك، إذا ضرب فبعيدا عن أعين سيده، وإذا شتم فبعيدا عن سمعه، ونحن نجسر على كل ذلك، مع أن الله يرانا ويسمعنا . إن مهابة السيد دائمة حاضرة في أذهانهم، أما نحن أبدا. ولذلك نرى فى كل مكان الإنقلاب والفوضى والفساد، ولا نفكر في خطايانا، وإذا أرتكب خدمنا أخطاء ولو صغيرة جدا نحاسبهم بشدة. لا أقول ذلك لكى أعلم العبيد الكسل، بل لنطرح عنا كسلنا، لنوقظ عدم اکتراثنا، حتى نكون بالنسبة لله على الأقل مثل العبيد بالنسبة لنا، هم من نفس طبيعتنا ولم يحصلوا منا على خيرات تقارن بما قدمه الله لنا – هم أيضا أحرار بالطبيعة النص الوارد في سفر التكوين : يتسلطون على سمك البحر .. إلخ (تك 1: 26) قيل لأجلهم أيضا العبودية لا تأتى من الطبيعة؛ بل من العقوبة والظروف السيئة، ومع ذلك هم يقدمون لنا احتراما كبيرا. هم ينفذون بدقة كل ما يختص بخدمتنا، أما نحن فنختلس معظم الوقت الذى يخص الله، والذى ترجع فائدته كلها علينا . لأنه بقدر ما نكون متحمسين لهذه الخدمة بقدر ما يكون لنا سعادة وربح. ليتنا لا نحرم أنفسنا من هذه الفائدة، لأن الله مكتف بذاته، وليس في حاجة إلى أى شئ. المكافأة والمكسب سيعودان علينا . وفي الواقع إننا لا نخدم الله، بل نخدم أنفسنا، لنطيعه بخوف ورعدة، حتى نحصل على الخيرات الموعودة بواسطة المسيح يسوع ربنا ، الذي له مع الآب والروح القدس، المجد، والقوة، والكرامة، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 4 رسالة تيموثاوس الأولى 5 تفسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفسير العهد الجديد تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 6
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير 1 تيموثاوس 5 تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى