تفسير رسالة تيموثاوس الثانية ٣ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثالث
آية 1 :- و لكن إعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستاتي أزمنة صعبة.
يطلق علي أيام العهد الجديد الأيام الأخيرة. ومع ظهور عمل المسيح الفدائي هاج الشيطان ضد الكنيسة الوليدة في حروب خارجية وداخلية وفي نهاية الزمان وقبل المجئ الثاني تسمي أيضاً هذه الأيام الأيام الأخيرة وكلما تتقدم الأيام يزداد الشر الذي نراه موجوداً الآن، وكلما زاد اقترابنا من النهاية سيزداد الشر، بل وفي النهاية ينطلق ضد المسيح. وهنا تشجيع من المعلم لتلميذه حتى لا ييأس من المقاومات والضيقات من أعداء الإيمان، وهؤلاء نجدهم فى خارج الكنيسة وفى داخل الكنيسة. وهذا التشجيع هو لنا نحن أيضاً. فالشيطان دائماً يقاوم الحق ولكن ما يطمئننا أن الكنيسة لن تقوى عليها أبواب الجحيم، فالله يعلن محبته فى كل عصر وأيضاً الشيطان يثير أتباعه في هجوم يائس في كل عصر إذاً علينا أن لا نضطرب إذا رأينا أزمنة صعبة أو هرطقات كثيرة تنتشر فالله سبق وأخبرنا بهذه الحروب الشيطانية وأنها لا بد وستحدث.
آيات 2 – 5 :- لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله.لهم صورة التقوى و لكنهم منكرون قوتها فإعرض عن هؤلاء.
نجد هنا صورة سيئة لما ينجح الشيطان أن يسقط فيه آنية الخشب والخزف. ولاحظ أن كل خطية تقود للخطية التي تليها.
محبة النفس = يقول أغسطينوس أن هناك مدينتان تبنيان، مدينة لله تبتدئ بمحبة الله وتقوم وتعلو حتي تنتهي إلى بغضة النفس، وهناك مدينة للشيطان بدايتها محبة النفس ونهايتها بغض الله مروراً ببغض القريب الذى هو على صورة الله ثم بغض الله نفسه خالق الكل إذاً جذر الشر (أول خطية مذكورة في هذه السلسلة) هي محبة الإنسان لذاته فيتقوقع حولها ويقيمها الهاً، يود لو الكل يخدمها، عوضاً أن يخدم هو الآخرين، فيضر نفسه وهو لا يدري. محبة الذات أو الأنا أو الكبرياء هي أساس لكل هرطقة ولكل شر، وصاحبها قلبه منغلق لا يستطيع أن يري الله بل يرى نفسه فقط، أما من يحب الله فسيحب الناس ويخدمهم، سيكون متشبها بالمسيح الذي جاء ليخدم لا ليخدم، من يتشبه بالمسيح يعرف المسيح ويراه وهذه هي الحياة (يو 17 : 3).
محبة المال = المحب لذاته يطلب كل شئ لحسابها، مال أو كرامة وعلي حساب أخوته
متعظمين = المحب للمال يطلب الكرامة لنفسه والمجد الزمني.
مجدفين = هذه النفس المتكبرة تحتقر إلهها إذ هي غير قادرة أن تعرف محبته.
غير طائعين لوالديهم = الذي يجدف علي الله يجدف ويحتقر والديه، ويعصي ويتحدي.
غير شاكرين = فهم بكل ما عندهم نجدهم ليسوا في حالة شبع، هم في حالة يكرهون فيها كل البشر ولا يشعرون بجميل أحد. أما أولاد الله يحيون في شبع وشكر، أما محب المال فهو لا يشبع أبداً. وبالتالي لا يشكر.
دنسين = الفراغ الذي يحيون فيه يلهبهم نحو الأمور الدنسة لعلها تشبعهم.
بلا حنو= الحنو الذي يظهره هو لإشباع ملذاته الخاصة كما طردت وسجنت إمراة فوطيفار يوسف، الأنا جعلتها تكرهه فجأة، فما كان ليس حباً بل شهوة.
بلا رضي = الكلمة اليونانية تشير لمن ينقض عهده مع الآخرين.
ثالبين = إتهام الآخرين زوراً.
عديمي النزاهة = عدم قدرة الإنسان علي ضبط نفسه ولسانه وشهواته.
شرسين = الخطية تفقد الإنسان إنسانيته ليحيا شرساً.
مقتحمين = يتدخلون بالشر فيما لا يعنيهم.
لهم صورة التقوي ولكنهم منكرون قوتها = يحملون منظر خارجي براق مخادع أما الداخل فمملوء فساداً، وهؤلاء يرون أنهم أفضل من الآخرين فيرفضون أن يتعلموا أو يقبلوا نصحاً إذ يعيشون في رياء. ولا حظ أن التقوي لها قوة، فمن يريد أن يعيش فى تقوى سيجد قوة تسانده ولكن هؤلاء مهتمين بالمظاهر وليس بحياة التقوي الحقيقية.
آية 6 – 9 :- فإنه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت و يسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة.يتعلمن في كل حين و لا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا. و كما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء أيضا يقاومون الحق أناس فاسدة أذهانهم و من جهة الإيمان مرفوضون. لكنهم لا يتقدمون أكثر لأن حمقهم سيكون واضحا للجميع كما كان حمق ذينك ايضا.
بعض الهراطقة من الغنوسيين الذين يمنعون الزواج ويبيحون الزنا بدعوي أن الجسد شر، هؤلاء تظاهروا بأنهم يمارسون العمل الرسولي والكرازي، ودخلوا البيوت بدعوي الكرازة، لكنهم كانوا يجرون وراء شهواتهم، وللأسف تقابلوا مع نسيات = هي تصغير نساء إشارة وتعبير عن احتقار الرسول لهن وذلك لأنهن سلمن أجسادهن لهؤلاء الرسل الكذبة. وهؤلاء النسوة يتظاهرون بأنهم يريدون التعليم = يتعلمن كل حين ولكن الحقيقة أنهن منساقات بشهوات مختلفة = ولأنهن هكذا فهن لا يستطعن أن يقبلن إلي معرفة الحق أبداً، فهن نساء منحرفات فاسدات وهنا لا يلوم الرسول الهراطقة فقط بل يلوم من استسلم لهم. نسيات مترجمة في الإنجليزية نساء سهل خداعهن وذلك بسبب شهواتهن. ويقول الرسول: لا تتعجب يا تيموثاوس من وجود هؤلاء المقاومين، ففي كل زمان يوجد مقاومين للعمل الإلهي. وفي أيام موسى وُجد ينيس ويمبريس وهذه الأسماء حصل عليها بولس الرسول من التقليد اليهودي. وهما ساحران خدعا الشعب بحيلهما، إذ حولا العصى إلى ثعابين والماء إلى دم، أي أعمال تبدو مشابهة لما عمله موسى، لكنهما في الحقيقة أناس فاسدين، وفي كل عصر وجد أنبياء صالحين وأنبياء كذابين، فمقاومة إبليس وتزييفه للحق هما في كل مكان.ولكن دائماً أبداً يظهر صدق رجال الله وأمانة الله، والأن يا تيموثاوس لا تخف من هؤلاء الغشاشين فهم سيفتضح أمرهم.
لا يتقدمون = سبق الرسول وقال أنهم يتقدمون إلي أكثر فجور (2 تي 2 : 16). والمعني أنهم سيتقدمون أكثر في خطاياهم، ولكن الله سوف يكشفهم حتي لا يخدعوا أحدا أكثر. ولن يستميلوا أكثر من أولاد الله، لأن الله سيكشف حمقهم فلا يستطيعوا خداع أحداً بعد ذلك = حمقهم سيكون واضحاً.
آيات 10، 11 :- و اما أنت فقد تبعت تعليمي و سيرتي و قصدي و إيماني و أناتي و محبتي و صبري. و إضطهاداتي و الآمي مثل ما اصابني في انطاكية و أيقونية و لسترة اية إضطهادات إحتملت و من الجميع أنقذني الرب.
تبعت تعليمي = إشارة للمبادئ الإيمانية وسيرتي = يسير إلي سلوكه. وقصدي = غيرته وثباته. بولس يشير لنفسه كقدوة لتيموثاوس أصابني في إنطاكية = وهي أمثلة من آلام الرسول يعرفها تيموثاوس والمعني أن قبول الآلام والصليب هو جزءاً لا يتجزأ من التسليم الرسولي ولكن بجانب الآلام هناك تعزيات وسلام الله الذي يفوق كل عقل. (في 4 : 4، 7) + (2كو 1 : 5) والآلام تنقي (يو 15 : 2). ومن الجميع أنقذني الرب = أنقذه بالتعزيات، وأنقذ حياته إلي أن يتم عمله، وبعد أن يتمم عمله يسمح الله له وبسلطان من الله أن يستشهد (يو 19 : 11). إذاً إن كانت الآلام وحتي الموت بسماح من الله فلنحتملها بثبات، وإن كان بولس إحتمل فلتحتمل يا تيموثاوس ولنحتمل جميعاً. هنا نري أن التسليم الرسولى ليس فقط عقائد إيمانية بل سيرة وحب وإحتمال ألم بثبات. الرسول يذكر إنطاكية وايقونية ولسترة بالذات لأنها وطن تيموثاوس.
آية 12 :- و جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون.
ليس بولس ولا تيموثاوس فقط هم الذين يتعرضون للآلام بل كل مسيحي مؤمن تقي “فليس عبد أفضل من سيده” (مت 10 : 24)، وإبليس لا يحتمل من يحيا في تقوي ويهاجمه ولكن الله في محبته يستخدم هذه الآلام لتنقية عبيده. عموماً لا يمكن لإنسان يسلك في حياة الفضيلة أن لا تقابله أحزان وآلام وضيقات (يو 16 : 33) لكن لنقابلها بثبات.
آية 13 :- و لكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردا مضلين و مضلين.
الأشرار عوضاً عن إحتمال الألم مثل رجال الله الأتقياء نجدهم يتقدمون لأكثر فجور. هؤلاء الأشرار بدلاً من أن يرجعوا عن غيهم ويتوبوا يتمادون سوءاً وشراً ويمسون أكثر تعنتاً وإثما وفجوراً ويزدادون ضلالاً، فمن يضل الآخرين لا بد وسيضل هو أيضاً. ولاحظ أنهم يحيون بلا تعزيات، وإن فرحوا فإلي حين فالعالم لا يقدر أن يشبع أحد، هم يظنون الملذات الوقتية شبعاً فيزدادون رداءة.
آيات 14 – 17 :- و أما أنت فاثبت على ما تعلمت و ايقنت عارفا ممن تعلمت. و أنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله و نافع للتعليم و التوبيخ للتقويم و التأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح
الرسول يعلن أن سر قوة الإنسان الروحي هو التحصن بكلمة الله، فالكتاب سند وبالأخص للراعي، وسط المشقات ومعين ضد هجمات المخادعين. الرسول يوضح لتلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس عنده قادر أن يجعله كاملاً حتي في غياب معلمه بولس. تحكّمك = تجعلك حكيماً والسبب أن الكتاب هو موحي به من الله = لم يكتبه إنسان بل كتبه روح الله وأوحي به (مز 118: 98 – 104) + (2 بط 1 : 21). وكما أوحي به لمن كتب هو قادر أن يهب فهماً لمن يدرسه. وبولس كان يقصد العهد القديم ونفهم نحن الآن الآية أنها تشمل العهدين، وإن كان العهد القديم نافع هكذا فكم وكم يكون نافعاً الآن بعد أن اتضحت نبواته بإضافة العهد الجديد. الكتاب المقدس قادر أن يدخل بنا من خبرة إلي خبرة لنتعلم. والكتاب كنز لا ينتهي، ولا يصح أن يقول راعي أنا درست الكتاب وفهمته ويتوقف عن الدراسة، فنحن كل يوم نستخرج منه لآلي جديدة. لا يمكن أن يتأثر إنسان حتي ولا من كلمات القديسين كما يتأثر من الكتاب المقدس. فالكتاب كلمة نارية تلين قساوة النفس وتهيئها لكل عمل صالح، ينقي، ينزع الشهوات الطاغية، يعمق الفضلية، يتسامي بالعقل، يحمي من ضربات الشياطين، ينقلنا إلي السماء، يوبخ ويقوم ويهذب ويعلم في البر = تجعلك مقدسا.