تمسك بمبادئك

 

أولا : ما هو المبدأ ؟

تتردد على مسامعنا دوما عبارة : ” هذا إنسان صاحب مبدأ ، أو هذا الإنسان ليس لديه مبدأ ” .
من وجهة نظرك ماذا تعني هذه العبارة ؟ وما هو المبدأ ؟
– المبدأ ليس كلمة عابرة ، وانما إلتزام وفعل مقرون بعمل ، والمبدأ جزء من تركيبة الإنسان وطبيعة شخصيته ، وبدونها يصبح الشخص كالورقة تتقاذفها الريح .
– فالمبادئ هي الأسس التي تقوم عليها شخصية الإنسان أو الجماعة ، ويمكن وصفها بالصخرة التي نبني فوقها ، والمحور الذي تدور حوله الأفكار والسلوك ، والمرجع الذي تقاس عليه المواقف وردود الأفعال ، وهو الخارطة وهو الرؤيا ، وهو الصدق مع النفس وهو الهوية .
– المبدأ موقف ، رؤيا ، قناعة ، إعتقاد ، وهو في الجوهر لا يتجزأ ، فهو إما يكون أو لا يكون .
– والمبدأ هو أن تتخذ أمراً أو طريقاً أو طريقة أو إسلوبا أو فكراً أو فكرة أو منهجا تنطلق منها في العمل أو الكلام أو التفكير أو السلوك في الحياة . وأن تكون ذا مبدأ أو صاحب مبدأ يعني أنك تتخذ أسلوبا يميزك في تعاملاتك تعرف به ، أو يعرف بك – أو صاحب طريقة – أي مبدأ .
– المبدأ .. هو بعد التفكير الداخلي الذي يسبق التصرف تجاه أمر ما ، أو تكوين رأي تجاه أحداث ما ، وهو المتحكم في شخصية الإنسان .
– المبدأ هو الاعتقاد الراسخ الذي يحرك سلوك الإنسان ، وفقا لمعتقداته وثقافته ، بحيث لا يحيد عنه قيد أنملة نتيجة اعتقاده الراسخ بما يؤمن به .
– المبدأ هو المنهج الأخلاقي الذي يرسمه الإنسان لنفسه ، ويسير وفقه في حياته ، فلا يحيد عنه مهما كلفه ذلك من مشقة .‏
– المبدأ هو الذي يؤثر على قرار المحامي مثلاً ، على قبول قضية للدفاع عنها ، وعدم قبوله لأخرى لأن مبدأه لا يسمح بذلك .. والمبدأ إحساس بواجب يفرضه الشخص على نفسه ، وهو الذي يجعل الإنسان في بعض الأحيان أن يؤثر إحساسه بالحزن والألم ، عن التخلي عن مبادئه ، ليقول وهو مبتسم : مسألة مبدأ .. وقد أرضيت مبادئي . إن أعظم من أنجبتهم البشرية كانوا أصحاب مبادئ . عاشوا عليها ، وماتوا من أجلها .
عزیزی / عزيزتي .. هل لديك مبادئ تسير عليها ؟ وإلى أي حد أنت متمسك بمبادئك ؟

ثانيا : العوامل التي يقوم عليها المبدأ ؟ وكيف تتكون المبادئ ؟

هل الظروف هي التي تخلق المبادئ لدى الشخص ؟
– وهل فعلاً لابد لكل إنسان من مبدأ يسير عليه ؟ وكيف تتكون المبادئ ؟
إن العوامل والمقومات التي يقوم عليها المبدأ هي ما تربى عليه الإنسان ، وتسلمه في بكور حياته ، من الأسرة والكنيسة ، وما عضد ذلك من قراءات وخبرات ، وكذلك من التربية والثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه . إن المبادئ السليمة نتعلمها من التربية السليمة ، نتعلمها من تجارب الحياة ، ومن دراسة وتحليل كل شئ نمر به أو يمر بنا .
والمبادئ يكتسبها الإنسان من تجارب وخبرات سابقة ، خاضها صاحب هذا المبدأ ، فاقتنع بها فتبلورت في شخصيته وتمسك بها . وبدون مبادئ يكون الشخص كالماء لا لون ولا طعم ولا شكل بمعنی .. إذا الريح مالت مال حيث تميل .‏
والمبادئ الصحيحة هي ما يحث على الفضيلة ويشهد للحق . وبالتالي لا يمكن أن يدافع الإنسان عن مبدأ خاطئ فيضيع جهده ويخسر قضيته .

ثالثا : كيف يكون الإنسان صاحب مبدأ ؟ وكيف يتمسك به ؟

قد تكون إنساناً طموحاً ومجتهداً ، وهدفك أن تصل إلى أعلى الرتب الوظيفية ، وقد تضحي بأشياء كثيرة في سبيل هذا الهدف ، ويكون زميلك يحمل نفس الكم من النشاط والإجتهاد والطموح ، وبلا شك يحمل نفس الهدف ، فكلاكما يرغب بالوصول إلى أعلى القمة في الهرم الوظيفي ، ولكن تكون أنت ذا مبدأ وهو أنك في طريقك إلى هدفك ، لن تدوس على الآخرين ولن تتسبب في ضرر زميل أو إنسان آخر ، من أجل الوصول سريعاً إلى هدفك ، بينما زميلك صاحب الهدف المشترك يفتقد لهذا المبدأ ، فتجده يضحي بالكثيرين : القريب والبعيد ، ويدوس على رؤوس الجميع بلا رحمة ولا هوادة ، في سبيل الوصول إلى هدفه المنشود ، وقد تكون أنت ممن سوف يضحي بهم لكي يزيحك من طريقه ، ويبقى هو منفرداً في الساحة بدون منافس .

رابعا : مفهوم المرونة في تطبيق المبدأ

هل هناك ملامح لمفهوم المرونة ، حتى لا يصبح معنى المرونة هو الميوعة في تطبيق المبادئ في حياتنا ، نحتاج أن نعرف ملامح المرونة القوية .
إن الإخلاص للمبدأ أمر هام وضروری ، ولكن هذا الإصرار أو الإخلاص يجب أن يكون على أساس سليم ، ليس “مجرد العناد ” ، أو تعود بدون تفكير ، والفيصل بين الاثنين هو الوعي ، ولذلك فإن المرونة في المبادئ ، تكون بدافع البذل وحب الآخر ( مثلما فعل الأنبا موسى الأسود عندما كسر قانون الصوم حين جاءه زائرين من مكان بعيد ) ، ومع ذلك فقد يقوم صراع أحيائا داخل‏ الإنسان بين مبادئه من جهة ، ورغباته الشريرة من جهة أخرى ، لتفوز الخطية وينكسر المبدأ .
كما أن الإيمان بالمبدأ والقناعة به ، يعينان الإنسان على احتمال الآلام من أجله ، بعكس شخص يمكن أن يتلون ويتنازل عن مبادئه تحت أى ضغط ، ولذلك يمكن القول بأن التنازل السريع عن المبادئ قد يعني علم الاقتناع بالمبدأ من الأساس . والأروع أن يتمسك الإنسان بمبادئه حتى وإن لم يره أحد ، إنها مسألة صدق مع النفس وأمانة أمام الله الذي “يدين الله سرائر الناس ” ( رو 2 : 16 ) ، لقد هتف يوسف الصديق : “فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله ؟ ” ( تك 9:39 ) قال ذلك رغم إدراكه بأن إمرأة سيدة قادرة على حمايته ، غير أنها بلا شك ستحتقره فيما بينها وبين نفسها ، كما أنه كان سيفقد مستقبله الأبدي .
وهكذا يجب ألا تتغير المبادئ بسبب المال ، أو الخوف ، أو المصالح ، البعض ليست له مبادئ ولكنه مستعد للتمسك بالورقة الرابحة ، فهو رجل كل العصور ، وهو قادر بالتالي على التلون وإرضاء جميع الأذواق ، وقد لا يكون الشخص مرائي ، ولكنه مع ذلك بلا مبدأ ، وقد يكون صاحب مبدأ ولكنه يجبن عن الدفاع عن مبدئه ، والمجاهرة به ، ويدخل في هذا الأمر التظاهر بالمبادئ جهراً ومخالفتها سراً ، فهناك أشخاص يتحدثون عن أمور ومبادئ عالية جدا ومبهرة ، حتى لتظن أنك تتعامل مع أمير أو قديس ، ولكنه غير صادق ومستعد لبيع القضية ، والتنازل عن مبادئه عند أول محك . هكذا قال الرب لملاك كنيسة سميرنا : “كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة ” ( رؤ 10 : 2 ) .. كما وصف أنتيباس بشهیده الأمين ( رو 13:2 ) .

مبادئ تحتاج إلى تغيير

  • الناس كلها كده .. 
  • الدنيا والناس اتغيرت ( لازم يكون في مرونة ) .. 
  • شوية كده وشوية كدة ..‏
  • مفيش صح وغلط , الصح هو ما يناسبني ويريحنى وقد لا يناسب غیری , أنا اللى أقدر أحدد الصح إيه ، دون الالتفات إلى أي معايير لا من الناس ولا المجتمع .
  • إلى أي مدى ممكن الشخص فينا يوافق على أن يضع له آخرین مبادئه أو خريطة لسلوكه ؟ وهل هذا يحدث معك أحيانا ؟ متى ؟

روشتة في 3 خطوات لتكون صاحب مبدأ

1- تعرف على ما عندك : هذه المعرفة لن تأتي من فراغ .. بل بعلاقة قوية ومستمرة مع الله ، وأيضا برضى وتصالح مع النفس وقبولها ومعرفتها جيداً ، معرفة كيفية توظيف مواهبك وإمكانياتك .
كن على دراية بما لديك من تراث وعقيدة وتاريخ الكنيسة وآبائها ، وتعرف على طقس كنيستك وقديسيها وشهدائها . بمفردات الإيمان وطريق الجهاد القانونی ، کن أيضا على معرفة بنفسك وثقة بما أعطاك الله من مواهب ووزنات ، لكي تعرف كيف تستغلها لمجد اسم المسيح .
إذا عرفت ما عندك يمكنك أو أن تستغله وتستخدمه لمجد المسيح والكنيسة ، كما يمكنك أن تحافظ عليه ، والا فكيف يمكنك أن تحافظ على ما لست على معرفة أو دراية به .

2- تمسك بما عندك : كن أمينا في طاعة وصايا الله في حياتك ، وهي سوف تساعدك في تكوين مبادئ لحياتك ، تمسك بالوصية وتمسك بما تسلمته من تعاليم ، وتمسك بوصايا المسيح ، فعندما تتمسك به يتمسك هو بك أكثر مما تتخيل ، ويجعلك تقف على أرض صلبة وقوية ، لتكون صاحب مبدأ هام في الحياة ، وهو التمسك بما تسلمته من الكنيسة والآباء والكتاب ، فإن كان لديك طاعة لوصايا الله سيكون عندك مبادئ في حياتك .
تذكر معي الفتية الثلاثة ودانيال النبي ، وأثناسيوس الرسولي والبابا ديسقوروس وغيرهم .. وكيف ثبتوا على ما تسلموه . بإختصار .. الأمانة في تنفيذ وصايا الله والتعايش بها تجعلك صاحب مبادئ قوية وثابتة .

3- حافظ على ما عندك :

“كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة “( رو 10 : 2 ) . عندما تعرف ما عندك وتقدر مدى أهميته لحياتك ولأبديتك ، يمكنك وقتها أن تتمسك به ، وهذا التمسك يقودك إلى الحفاظ عليه ، كمن يحافظ على حياته . وسوف نجد في التاريخ الكنسي من سير القديسين أنهم لم يثنيهم أي عذاب مهما كان ، عن التمسك بإيمانهم ويمسيحهم ومبادئهم .
نعلم من سيرة القديس يعقوب المقطع .. أن العذاب الأليم المستمر لم يثنه عن التمسك بمسيحه ، كذلك القديس ديسقوروس کابد مشقات كثيرة لأجل الإيمان ، كما اختارت عفيفات كثيرات الموت عوضاً عن التفريط في بتوليتهن ، ومارس الرهبان المجاهدين في الصحارى إماتات كثيرة وصبروا على الحروب والجوع والعطش والغربة من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح . كذلك الفتية الثلاثة رفضوا السجود للصنم حتى لو ألقوهم في النار ، ودانيال النبي أيضا أبي أن يتنجس بأطعمة الملك حتى وإن ألقي في جب الأسود وقد ألقي والأسود لم تضره بأذى . نحن أيضا علينا الالتزام بمبادئنا فتتمسك بالصوم مهما كان الإغراء أو الضغوط ، ونرفض الخمر في الحفلات والأعياد والمناسبات الخاصة ، مهما اتهمنا ومهما سخروا منا .. مثلما يتساءل البعض :‏هل من مانع من التردد على الكنائس الأخرى أو تجربة كل جديد مثل ارتياد بعض الأماكن أو تعاطي بعض الممنوعات ، ويأتي الرد دائما : بضرورة التمسك بالمبادئ وأن تكون هناك هوية وإنتماء ، وعدم التعريج بين الفرقتين . لأن الإنسان المتعرج بين أكثر من مبدأ ، هو إنسان بلا هوية ، ويربط مبادئه حسب المصالح والمكاسب ، فهو إنسان لا يعرف أن يحافظ على ما عنده ، لأن له أولويات أخرى هي التي تحكم مبادئه.

أخيرا … كل شئ خاضع للتطوير والتحديث ، ولكن السؤال الآن : هل المبادئ أيضا تتطور !!
هل تملك الجرأة والحكمة في التوفيق بين مبادئك بحيث لا يطغى أحدها على الآخر ، هل ممكن تحت ظرف معين أو تیار جديد أن تتخلى عن مبادئك من أجل مبدأ آخر أقوى أو أحدث ؟؟ ! تذكر أن صاحب المبدأ يعرف معنى السعادة الحقيقية المفقودة لدى الكثيرين الذين لا مبدأ لهم .. في النهاية .. جميل أن يتفرد الإنسان عن غيره … جميل أن يكون ثابتا على مبادئه ، ولا يتخلى عنها مهما كان السيب أو النتيجة … جميل أن لا ينجرف في تيارات المجاملات والنفاق والمصالح المؤقتة التي تحوله الى كائن متلون ، يعيش تحت الظروف وليس فوقها ، فكن صاحب مبدأ ! حتى يمكنك أو تتمكن من اتخاذ قرارك بنفسك وتذكر الوعد الإلهی : “كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة ( رؤ 10:2 ) .
ربما يتساءل البعض : من أين للإنسان أن يستمد هذه القوة للثبات على مبادئه ؟ ! .. والجواب بسيط للغاية : فإن هذه القوة لا يمكن استعدادها إلا من صاحبها وهو رب المجد يسوع المسيح .‏
إن التطور المطلوب هو أن تتقوى داخلية ، وتؤمن بإلهك وبكنيستك ، وبعطايا الله لك ، ولا يهتز إيمانك أبدا ، بل مع كل تجربة وضيقة تضيف قوة جديدة ، وتقوی بنیان نفسك ومبادئك . أخيرا تمسك بما يلي : 

مبدأ : “كل الأشياء تحل لى لكن ليس كل الأشياء توافق ” ( 1 كو 12:6 ) . ن مبدأ : ” كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط على شيء ” ( 1 كو 12:6 ) 

زر الذهاب إلى الأعلى