تفسير المزمور 15 للقمص متى المسكين

 

دراسة:

 منْ ذا الذي يليق أن يكون مواطناً في صهيون الساكن في حضرة يهوه الآنية، ليتمتع بعنايته بركاته؟ (۱). هذا سؤال تأتي الآية الثانية إجابة له في معنى عام ليس إلا إنساناً أصيلاً عادلاً صادقاً (۲) – ثم الآية (٣-٥) أمثلة خاصة لتوضح الطريق للذي يكون سلوكه قد انضبط بهذه المبادئ. وينتهي المزمور بوعد البركة وإيفاء القريب حقه الواجب هو أول الشروط للشركة مع الله. بهذا الكمال والاستقامة يُختبر ويصير مشهوداً له، انظر: (مت ١٩: ١٦ و ١٧):
+ «وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية. فقال له لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله ولكن إن أردت أن تدخل الحياة
فاحفظ الوصايا …».

وأيضاً: (رو ۱۳: ۸-۱۰):
+ «لا تكونوا مديونين لأحد بشيء إلا بأن يحب بعضكم بعضاً. لأن من أحب غيره فقد أكمل الناموس. لأن: لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته، وإن كانت وصية أخرى هي تكميل مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك. المحبة لا تصنع شرا للقريب. فالمحبة هي تكميل
الناموس».

وأيضاً: (١يو ٤ : ٢٠ و ٢١):
+ إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن مَنْ لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه أن مَنْ يحب الله يحب  أخاه أيضاً». 

هذا المزمور شديد الصلة بمزمور (٢٤) الذي يُظن أنه كتب عند انتقال التابوت إلى الخيمة التي أعدها داود له في صهيون انظر: (٢صم ١٧:٦)
+ «فأدخلوا تابوت الرب وأوقفوه في مكانه في وسط الخيمة التي نصبها له داود. وأصعد داود محرقات أمام الرب وذبائح سلامة». 

فربما ينتسب المزمور إلى هذه المدة.

شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة

1 – يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟:

من ذا الذي يستحق أن يُستقبل كضيف يهوه ليسعد بحمايته وسخائه ويسكن في المكان الذي كرسه لحضرته، انظر: (مز ٤:٥):
+ «لأنك أنت لست إلهاً يُسرّ بالشر. لا يساكنك الشرير».

إنه ليس مجرد كلام هذا الذي يخاطب به المزمور يهوه، فهو بآن واحد يضع نفسه وقراءه في علاقة آنية بيهوه فالسؤال موجه ليهوه والجواب كأنه في حضرته.

«مسكنك»:

جبلك المقدس. هكذا يُنظر إلى الخيمة التي نصبها داود للتابوت على جبل صهيون، انظر: (مز ۲۷: ٥ و ٦)
+ «لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر. يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني. والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي فأذبح في خيمته ذبائح الهتاف. أغني وأُرنّم للرب».

وأيضاً: (مز ٤:٦١):
+ «لأسكنن في مسكنك إلى الدهور أحتمي بستر جناحيك. سلاه».

الفكر الأساسي هنا هو الحماية والعناية التي يلقاها التريل في المسكن. والكلام عن كل الساكنين في أورشليم الذين غالباً ما يميلون لاعتبار أن حضرة الله هي في وسطهم، وهي عربون أمانهم أكثر مما يعتبرون أن جوار الله يحتاج إلى قداسة من ناحيتهم انظر: (مي ۳: ۱۱و۱۲):

+ «رؤساؤها يقضون بالرشوة وكهنتها يعلمون بالأجرة وأنبياؤها يَعْرِفُونَ بالفضة وهم يتوكلون على الرب قائلين أليس الرب في وسطنا لا يأتي علينا شر!»

اسمع الباقي:

+ «لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً وجبل البيت شوامخ وعر».

تماماً كما حدث مع تيطس والرومان. 

أما الشرح الروحي فهو قائم على أساس الذي يقترب إلى الله بقلبه!

۲- السَّالِكُ بِالْكَمَالِ، وَالْعَامِلُ الْحَقَّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ.

الشروط المطلوبة للدخول والتقدم إلى الله:

«السالك بالكمال»:

 فطهارة اليدين أي النزاهة والاستقامة هي القاعدة والقانون الذي يتعامل فيه مع الله ومع الناس. والكلمة العبرية tamim تعني: ۱ – الكمال ۲ – بلا لوم التي تُطلب في تقديم الذبائح، بالإحساس الأخلاقي تمام التمام صادق. كما تحوي عبادة من كل القلب أمام الله، أما مع الآخرين فمطلوب نفس الصفات التي يحيا بها أمام الله من طهارة اليدين والتراهة والاستقامة Integrity، انظر: (تك 1:17)

+ ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب الأبرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن کاملاً tamim».

وأيضاً: (تث ۱۳:۱۸):

+ «تكون كاملاً – blameless – tamim لدى الرب إلهك».

وأيضاً: (مز ۲۳:۱۸):

+ « وأكون كاملاً tamim معه وأتحفظ من إثمي».

وأيضاً: (مز ١٠١: ٢ و ٦):

+ «أتعقل في طريق كامل tamim متى تأتي إلي أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي. السالك طريقاً كاملاً tamim هو يخدمني». 

وأيضاً: (مز ۱:۱۱۹):

+ «طوبي للكاملين طريقاً السالكين في شريعة الرب».

وأيضاً: (مز ٨:۷):

+ اقض يا رب كحقي ومثل كمالي الذي في …».

وأيضاً (مز ٢٦: ١و١١):
+ «اقض لي يا رب لأني بكمالي سلكت وعلى الرب توكلت بلا تقلقل … أما أنا فبكمالي
أسلك. افدني وارحمني».

وأيضاً: (مت ٤٨:٥):

+ «فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل». +

وبالإضافة لذلك، انظر: (أف ٤:١):

+ «كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة».

وأيضاً: (كو ٢٢:١):

+ «في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه».

«العامل بالحق»:

انظر: (أع ٣٥:١٠):

+ «بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده».

وأيضاً: (١يو ٧:٣):

+ «أيها الأولاد لا يضلكم أحد مَنْ يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار».

«والمتكلم بالصدق في قلبه»:

وهكذا يكون الصدق هو مادة تفكيره أو الأساس الذي يفكر عليه. ويكون الأفضل لو تترجم: المتكلم الصدق بقلبه. فيتكلم الصدق ويكون كل قلبه سائراً معه، ضد الذي هو بقلبين منافق، انظر: (مز ۲:۱۲)
+ «يتكلمون بالكذب كل واحد مع صاحبه بشفاه ملقة بقلب فقلب يتكلمون».

٣- «الَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ.»:

هنا استخدام الفعل المنتهي ليصف سلوكه كيف هو منضبط بمبادئ الحق والعدل.

«الذي لا يشي بلسانه»:

ترجمتها افتراء.

وهنا كلمة قريب تعني بالمفهوم الاجتماعي الإنسان الذي يعايش الإنسان ويرافقه في الحياة. والمعنى هو أن لا يجعل في نفسه أخطاء أو تعييراً لأخطاء أو أي انتقاص لأعماله أو معايرة، انظر: (مز ٢٠:٦٩)
+ «العار قد كسر قلبي فمرضت انتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد».

وأيضاً: (مز ٧:٦٩):
+ «لأني من أجلك احتملت العار. غطى الخجل وجهي». 

4- «وَالرَّذِيلُ مُحْتَقَرٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَيُكْرِمُ خَائِفِي الرَّبِّيَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ.»:

وهكذا فالصدق في أخلاقه جعله قادراً على تقدير الآخرين تقديراً يقبله الحق. ومعروف في الفكر المسياني أن التقدير الكاذب للآخرين والأشرار سوف يختفي في أيام المسيَّا، انظر: (إش ٥:٣٢):
+ «ولا يُدعى اللئيم بعد كريماً ولا الماكر يُقال له نبيل».

«الرذيل»:

تترجم الشخص المعاب انظر: (إر ٣٠:٦):
+ «فضة مرفوضة يُدعون لأن الرب قد رفضهم».

«ويكرم خائفي الرب»:

هنا قدرة التقدير الحق واضحة – وبعكس الإنسان المعاب – إذ يعطيه حقه في الكرامة من أجل الله. والخائف الرب يظهر بتواضعه وصغره في عيني نفسه، انظر: (۲صم ٢٢:٦)
+ «وإني أتصاغر دون ذلك المتكلّم هو الملك داود يلعب أمام التابوت في تحركه) وأكون وضيعاً في عيني نفسي وأما عند الإماء التي ذكرت فأتمجد».

ولكن التصحيح هو لا أن يكون محتقراً في عيني نفسه فقط بل وأن يحتقر ويشمئز ويكره ويبغض الواطي المصاب ويكرم الأفاضل، انظر: (مز ٣:١٦):
+ «القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم».

وأيضاً: (اصم ٣٠:٢):

+« والآن يقول الرب حاشا لي فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون».

يحلف للضرر ولا يغير

الترجمة الصحيحة يحلف حسب قلبه ولا يحنث ويتمم حلفانه بدون تعديل حتى ولو كان حلفانه لضرره هو لا يرجع عن حلفانه، يعترف ويعتذر ويقدِّم ذبيحة، انظر: (لا ٥: ٤و٥):
+ «أو إذا حلف أحد مفترطاً بشفتيه للإساءة أو للإحسان من جميع ما يفترط به الإنسان في اليمين وأُخفى عنه ثم علم فهو مذنب في شيء من ذلك. فإن كان يذنب في شيء من هذه يقر بما قد أخطأ به».

ه-«فِضَّتُهُ لاَ يُعْطِيهَا بِالرِّبَا، وَلاَ يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ عَلَى الْبَرِيءِ. الَّذِي يَصْنَعُ هذَا لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ»: 

اثنان من أكثر مذمات الانحراف عن العدالة، انظر: (إش ١٥:٣٣)

+ «السالك بالحق والمتكلم بالاستقامة الراذل مكسب المظالم النافض يديه من قبض الرشوة، الذي يسد أذنيه عن سمع الدماء ويغمض عينيه عن النظر إلى الشر».

وأيضاً: (حز ١٢:٢٢):

+ «فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم، أخذت الربا والمرابحة وسلبت أقربائك بالظلم ونسيتني يقول السيد الرب».

و معروف أن أخذ الربح ممنوع بالناموس في معاملة المواطن الإسرائيلي كعمل ليس أخوياً، انظر: (لا ٢٥: ٣٧,٣٦)
+ «لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك. فضتك لا تعطه بالربا وطعامك
لا تعط بالمرابحة».

وأيضاً: (خر ٢٥:٢٢):
+ «إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي. لا تضعوا عليه ربا».

وأيضاً: (حز ۱۷:۱۸)

+ ورفع يده عن الفقير ولم يأخذ ربا ولا مرابحة بل أجري أحكامي وسلك في فرائضي. فإنه لا يموت بإثم أبيه. حياة يحيا».

ولكن في نفس الوقت سُمح بها على الغرباء، انظر: (تث ۲۳: ۱۹ و ۲۰):
+ لا تقرض أخاك بربا. ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها».

وأيضاً : مز ٢٦:٣٧)

+ «اليوم كله يترأف ويقرض ونسله للبركة».

وأيضاً: (مز ٥:١١٢)
+ «سعيد هو الرجل الذي يترأف ويقرض. يدبر أموره بالحق».

ولكن يلاحظ أن المستويات الحديثة في إسرائيل قد هجرت هذه التوصيات واعتبرتها مبتذلة وأصابهم ما أصابهم. ولكن ظل المبدأ حتمياً.

أما الرشوة فهي لعنة البلاد الشرقية كلها وإسرائيل أيضاً، انظر: (تث ٢٥:٢٧):
+ «ملعون مَنْ يأخذ رشوة لكي يقتل نفس دم بريء. ويقول جميع الشعب. آمين».

وأيضاً: (خر ٨:٢٣)
+ «ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمي المبصرين وتعوّج كلام الأبرار».

وأيضاً: (تث ١٩:١٦):
+ «لا تحرّف القضاء ولا تنظر إلى الوجوه ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمي أعين الحكماء وتعوج كلام الصديقين».

«لا يتزعزع»:

مثل هذا الإنسان الذي أعطى أوصافه، فبالإضافة أنه يكون في حمى يهوه وتحت حفظه فهو يستمتع بحياة خصبة ولا ويتقلقل.

تفسير مزمور 14مزمور 15تفسير سفر المزاميرتفسير العهد القديمتفسير مزمور 16
القمص متى المسكين
تفاسير مزمور 15تفاسير سفر المزاميرتفاسير العهد القديم
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى