اللاعقيدة هل هي عقيدة؟
لماذا العقيدة …!؟ معلومات جافة قد تعطل الفرح والعلاقة مع الله. أو قد يقول البعض: هذا اجتماع لا يتكلم في العقيدة، أليست الروحانية البسيطة من : صلاة وتوبة واعتراف كافية لنوال الخلاص ..؟!
هل سيعقد لى امتحان في فهم العقيدة شرطاً لدخول السماء!؟ ألا يمكن أن نكتفي بمحبة المسيح والصلاة ولا داعي للحديث عن العقيدة لما تسببه من اختلافات.
هذه بعض العبارات والمعاني التي قد يقولها البعض مستنكرا أهمية العقيدة ..
أولا : ما هي العقيدة وما أهميتها ؟
العقيدة هي ما يعتقده الإنسان ويؤمن به ، فالعقيدة هي ما انعقدت عليه الحياة ..
العقيدة لا تسلم قواعد العبادة، ولكنها تسلمنا روح العبادة، تعلمنا كيف نعبد الله بالروح .. فإن كانت كل الديانات تصوم وتصلي وتعطى لكن روح العبادة قد تكون مختلفة ، فنحن في عقيدتنا المسيحية لا نسلم الصوم كفرض طقسي ، ولكن تسلم روح الصوم المسيحي ونوضح عقيدتنا المسيحية في الصوم . لو أخلينا المسيحية من العقيدة تحولت إلى فلسفة أو نظرية ، ولكن المسيحية ليست نظرية ولكنها حياة تعاش .
+ إن مسح العقيدة يعتبر نوع من العقيدة بحد ذاته .
+ لا توجد حياة روحية سليمة إلا وتكون مبنية على عقيدة سليمة .
مثال : يجب أن أعرف من هو المسيح الذي أؤمن به ، وماذا يطلب مني … وأن أؤمن بالتجسد والثالوث والفداء ، لابد أن نعرف أنه لا يمكننا التلامس مع التجسد بدون فکر الكنيسة في التجسد ، فبدون أن تقدم ذبيحة الإفخارستيا على المذبح يصبح التجسد فلسفة ، أو مجرد قصة عبرت وانتهت ولا نتذكرها الآن ، ولكن الإفخارستيا تجسد لنا عقيدتنا في التجسد ، وأن هذا هو بالحقيقة جسد ابن الله .. “خذوا كلوا . هذا هو جسدی”
ثانيا : خطورة ومظاهر ( علامات) اللاعقيدة
سؤال : أيهما أخطر : أن يكون الشخص ( Non- Orthodox ) أي غير أرثوذكسي أم أن يكون ( Anti- Orthodox ) أي ضد الأرثوذكسية ؟!
بالطبع الأخطر هو ( Non- Orthodox ) لأنك تجده لا يهاجم العقيدة الأرثوذكسية ، ولكنه يمسحها ويتجاهلها تماما ، وبهذا ينساها الناس ولا يعيشون بمقتضاها . ويمكن أن نكتشف ملامح وسمات ( اللاعقيدة ) :
1- المنهج العاطفی :
هناك فرق بين الروحانية الأرثوذكسية وغيرها ، كالفرق بين الأثر الذي تتركه النار في القش ، والذي يتركه الماء في الصخر ، فالنار في القش ترتفع وتنتهي سريعاً، أما الماء الذي ينزل على الصخر فهو ثابت ودائم حتى أنك تجده يحفر في الصخر طريقاً له، لا يمكن أن يزول بل يظل ثابتا مع ثبات الصخرة . هكذا تكون الروحانية الأرثوذكسية كمثل من يحفر طريقا في الصخر عن طريق نقطة ماء تستمر تسقط على الصخرة بثبات وبإنتظام .
هناك من يخلط بين الإنفعالات النفسية والمشاعر الروحية ، ويكتفي بها ، ففي هذا يقول معلمنا يهوذا : ” هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم ، نفسانيون لا روح لهم “( يه19:1).
هناك تيارات نفسية تخاطب النفس فقط ولا ترتقي إلى التأثير الروحي ، فالروح القدس حين يدفع النفس للتوبة ، يضعها في إتجاه الهدوء والصمت والرجاء والتغيير ، ” إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ ، الذي هو قدام الله كثير الثمن ” (1بط 4:3 ).
ولكن هناك من ينفعل بطريقة هستيرية تجعل البعض يتشكك ، هل هذا هو المطلوب ؟ والروح القدس حين يعزى النفس تعزيات سماوية يملاها فرحا وسلاما من سلام المسيح نفسه الذي “لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ” ( مت 19:12 ).
وهناك من يدعي الفرح الروحي بصرخات وتصفيقات ومبالغات نفسية ، من يصلي كمن يقلد آخرين أو يمثل دورا في تمثيلية.
والنفسانی : – غالباً – ما ينجرف وراء مشاعره ويتحوصل حول ذاته واثقا من منهجه ، وقد يدعي أنه لا يعرف المسيح إلا من سار وراءه وإنفعل نفس إنفعالاته النفسية !
أما الروحاني : فيكلم الله بصدق بدون تجميل متذكرا كلمات يوحنا الدرجي حين قال : ” إن تهتهة الأطفال أحب عند أبيهم من فلسفة الكبار”
لا تنخدع في من يقبل الكلمة حالاً يفرح ، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين ، الإنسان الروحاني يحكم إنفعاله ودموعه وصوته وشكله ، ليس كل فرح هو فرح روحی خالص ، وليس كل حزن هو حزن روحی خالص ، نحتاج إلى الإفراز والتمييز .
2- التركيز على المسيح المريح وإغفال الجهاد :
جميل أن نقدم المسيح المحب والمريح ، الغافر للخطية ، والذي يقبل التائب دائماً، وأن النعمة قادرة وغنية جدا ، لا تعطى للكسالى ولكنها تعطى للمجاهدين . نعمة الله تسند من يجاهد ” لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة 🙁 في 13:2).
فالنعمة تفرح بمن يتعب ويصلى ويحفظ الوصية ويثابر في الجهاد ، وأيضا لا تأتي النعمة لمن لا يحاول ” لأن كل من له ( جهاد ) يعطى فيزداد ، ومن ليس له ( جهاد ) فالذي عنده (النعمة ) يؤخذ منه ” ( مت 29:25 )
بينما يوصي بولس الرسول تلميذه تيموثاوس ، بالتمسك بالنعمة ، وتفيض كلماته بالتأكيد على الجهاد : “فتقو أنت يا ابني باللنعمة التي في المسيح يسوع . وما سمعته مني بشهود كثيرين ، أودعة أناسا أمناء ، يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا . فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح ( 2 تي 1:2-3).
ويجعل الفهم وصية ” افهم ما أقول” ( 2 تي 7:2 ) . ثم يجعل الفهم عطية .. “فليعطك الرب فهما في كل شئ” ( 2 تي 7:2 ) ، فيكون الفهم وصية و عطية .. أي جهاد ونعمة مثل كل الفضائل والثمار الروحية.
المحبة هي وصية وعطية .. الإيمان هو وصية وعطية .. الرجاء هو وصية وعطية كل ما في الحياة الروحية هو وصية و عطية .. أي جهاد ونعمة.
إذن لا توجد روحانية سليمة بدون عقيدة سليمة .
3- مفهوم التوبة :
إن التوبة هي البداية ولكنها ليست النهاية إنها الطريق الوحيد لعدم الهلاك : “إن لم تتوبوا جميعكم كذلك تهلكون” ( لو 3:13 ) ، وجميعكم تشمل البعيدين والقريبين .. المبتدئين والمتقدمين.
التوبة هي إحتياج كل مسيحي .. كل يوم وكل ساعة ، للعبور آمنا من هذا العالم إلى الحياة الأبدية.
إن التوبة معناها الرجوع المستمر الدائم في إتجاه السماء إلى حضن الآب ، فإن كانت الخطية لا تزال تحاربنا وتغلبنا أحيانا فليس لها دواء إلا التوبة المستمرة ، والتوبة عمل الإنسان الأرثوذكسي وشغله الشاغل طوال غربته على الأرض .
إننا لا ننادي بتوية خطاة فقط وإنما يتوبة قديسين ..”أيها الإخوة ، أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت . ولكني أفعل شيئاً واحداً : إن أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام”( في 13:3 ) ..
الإنسان الأرثوذكسي يعي جيداً ما قاله يوحنا الحبيب .. “إن قلنا : إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا . إن اعترفتا بخطايانا فهو أمين وعادل ، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1يو9:1) ، فتوقف التوبة إنما هو كذبة وخدعة من إبليس الذي يعطينا رجاء كاذبا أننا صرنا أبرارا ولا نحتاج إلى توبة .
كما أن التوبة تجديد مستمر ، فالإنسان الأرثوذكسي عندما يواجه بسؤال : هل تجددت ؟ سيجيب ببساطة وعمق : نعم ( تجددت بالمعمودية وأتجدد بالتوبة إلى نهاية العمر ) ، “لبستم الجديد ( بالمعمودية) الذي يتجدد ( بالتوبة ) للمعرفة حسب صورة خالقه ” ( كو10:3) .
فالتجديد الأرثوذكسي هو عملية مستمرة ، بدأت بالمعمودية ولكنها لا تنتهي إلا بخلع هذا الجسد كاملاً يوم الإنتقال ۔
التوبة إغتسال مستمر لكل من يشتهي نقاوة القلب والفكر والحواس والإرادة ، وهذا الإغتسال المستمر هو التوبة المستمرة التي يحركها الروح القدس .
ثالثا : تعاليم السيد المسيح عن العقيدة
إن السيد المسيح هو ربنا وإلهنا ومخلصنا ، وهو المعلم الصالح الذي منه يستمد كل تعليم ، وهو مرجعنا الوحيد في كل خدمتنا واتجاهاتنا ، في الحياة الروحية أو العملية . وعندما نبحث في قضية ما ، يجب علينا أن نتساءل عن رأي السيد المسيح فيها ، وموقفه منها ، وهذا بالطبع سيكون معلنا في الإنجيل .
والآن فيما نحن نبحث في أهمية العقيدة للحياة الروحية ، وللخلاص الأبدي ، يجب علينا أن نسأل هذا السؤال :
هل اهتم السيد المسيح بالفكر العقيدي في تعليمه ؟
إن الرب يسوع – كمعلم صالح – كان يهتم بأن يشرح العقيدة والفكر المسيحي ، ولم يحتقر أذهان العامة ، ولم يحجب عنهم المعرفة ، بل كان يشرح بالمثل ، وبالرمز ، بالتصريح ، وبالمقارنات بآيات من العهد القديم ، وبالنموذج المعاش ، والقصة الرمزية ، والحقيقية .. وغيره . لقد كان السيد المسيح عميقا في تعليمه حتى قيل عنه : “بهتت الجموع من تعليمه ، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة” ( مت 28:7 ، 29 ) . هذا التعليم العميق الجديد على مسامع الشعب ، لم يكن خاليا من العقيدة والفكر اللاهوتی.
فهل يجوز لنا أن نتبع منهجا غير منهج السيد المسيح في التعليم .. حتى نتخيل أنه لا ضرورة للشرح العقيدى ، بينما كان السيد المسيح نفسه يشرح العقيدة ؟
تعال معي لنبحر في الإنجيل ، لنتعرف على منهج السيد المسيح في التعليم لنتبعه . في الموعظة على الجبل : ( مت 5-7)
والتي تعتبر دستور المسيحية ، وفي حديث السيد المسيح العذب الروحاني الجميل ، لم يفت الرب يسوع أن يتكلم أيضا في أمور عقيدية ، فشرح لسامعيه موقف المسيحية من الناموس والأنبياء : ” لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإني الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل: ( مت 18.17:5 ).
وكأن السيد المسيح يقول لنا : “ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك ” ( مت 23:23 ) . فلابد من وجود البعد الروحی ، جنباً إلى جنب مع البعد العقيدى ، ولا يصح أن يكتفي ببعد ويترك الآخر.
تعاليم السيد المسيح عن بعض العقائد
في حديث هادیء ممتع مع نيقوديموس معلم الناموس ، شرح الرب يسوع عقيدة :
1- ” المعمودية وحتميتها للخلاص :
“أجاب يسوع وقال له : الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله ” . قال له نيقوديموس : كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ؟ أجاب يسوع : الحق الحق أقول لك : إن كان أحد يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح” ( يو 3 : 3-6 ) .
وقد يفهم البعض كلمة الماء هنا ( في المعمودية ) أنها كلمة الله ، مستندين إلى الآية : ” مولودين ثانية لا من زرع يفنى ، بل بما لا يفنى ، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد ” ( 1 بط 23:1 )
والإجابة هنا ..
+كيف اعتمد المسيح نفسه ؟ هل بدون ماء ؟!
+وكيف اعتمد تلاميذ المسيح أنفسهم ؟ هل بدون ماء ؟!
إن الأمر غير متروك لنا لنستنتج ونقرر التفاسير .. لكن من الضروري أن نعرف كيف مورست تعاليم السيد المسيح ، وكيف استوعبها الذين سبقونا ، خاصة في الجيل الأول المسيحي.
اسمع ما قرره يوحنا الإنجيلي بهذا الشأن ، “وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ، ومكث معهم هناك ، وكان يعمد . وكان يوحنا أيضا يعمد في عين نون بقرب ساليم ، لأنه كان هناك مياه كثيرة ، وكانوا يأتون ويعتمدون” ( يو 22:3 ، 23 ).
إن سبب ممارسة المعمودية في هذا المكان ، هو وجود مياه كثيرة .. ” كان هناك مياة كثيرة ، وكانوا يأتون ويعتمدون ” ( يو 23:3 )
f وكذلك المعموديات التي تمت في سفر الأعمال .. هل تمت بدون ماء ؟ ولماذا قال الخصي لفيلبس : ” هوذا ماء . ماذا يمنع أن أعتمد ؟ ” ( أع 36:8 ) .
f وكيف تكون المعمودية دفن مع المسيح وهي بكلمة الله ( بدون ماء ) ؟
على كل الأحوال ، لا يجب أن نفسر الآيات بحسب ما يأتي على ذهننا من أفكار وآراء ، بل بحسب ما سلك الأباء وفهموا ، خاصة الأباء الرسل . ولا عذر لنا أننا لا نعرف .. إذ قد وبخ السيد المسيح نيقوديموس لأنه لا يعرف قائلا : ” أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا ” ( يو 10:3) .
نعود ثانية إلى حديث السيد المسيح مع نيقوديموس ، بخصوص معمودية الماء والروح .. ألم يكن كافيا – حسب رأي هؤلاء الأحباء – أن يكتفى السيد المسيح بالكلام في الفضائل والأخلاق والروحيات و المحبة؟
لم يكن السيد المسيح هكذا .. بل كان معلما بالحق ، ويتكلم باللاهوت . وطوبى لمن يسمع ويعمل ، وطوبى لمن يتبع السيد المسيح في منهجه التعليمي .
وبسبب حتمية المعمودية للخلاص .. فقد أكد السيد المسيح نفس الفكرة قبيل صعوده إذ علم تلاميذه .. ” من آمن واعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن” ( مر 16 : 16 ) ، وكذلك حينما قال : ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر . أمين ” ( مت 19:28 ، 20 ) .
لقد أمرهم أن يتلمذوا ويعلموا ، وطبعا أن يعمدوا ، فهل التزم التلاميذ بوصية السيد المسيح ؟ بالحقيقة .. لقد التزموا فعلا بكل كلمة خرجت من فم سيدهم ومُعلمهم .. وعمدوا الناس بالماء والروح ليكونوا أبناء الله ، ويرثوا ملكوت السماوات ..
2 الإفخارستيا :
وفي ( يو 6 ) شرح الرب يسوع الإفخارستيا .. :
+ “الخبز الحقيقي من السماء ” ( يو 32:6 ) .
+ “خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم ” ( يو 36 : 6)
+” أنا هو خبز الحياة ” ( يو 48:6 ) .
+” لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت ” ( يو 50:6 )
+” والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم ” ( يو 51:6 ) .
+”الحق الحق أقول لكم : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم . من يأكل جسدي ويشرب دمي له حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق ” ( يو 53:6-55).
وعندما لم يقبل كثيرون من تلاميذه هذا التعليم ، لم يتنازل عنه أو يخففه ، أو على الأقل لم يقل أنه يتكلم على سبيل الرمز أو المثال أو للشرح ، بل بالعكس ” فقال يسوع للاثنى عشر : العلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا ؟ ” ( يو 67:6 ) ، أي أنه : إن لم تقبلوا فكر الإفخارستيا ، وتفهموا شرحه ، فليس لكم معي نصيب ولا تبعية ، والأفضل لكم أن تمضوا كمثل التلاميذ الذين رجعوا إلى الوراء :ولم يعودوا يمشون معه ” ( يو 66:6 ) .
إن تعليم السيد المسيح مليء بالحكمة والمعرفة ، فكيف نعتبر المسيحية ديانة سطحية ، لا يوجد بها فكر ولا عقيدة ولا شرح ؟ !! هذا افتراء واضح .
3- سلطان غفران الخطايا :
+ وعندما اعترض قوم من الكتبة عليه لأنه يغفر الخطايا و “قالوا في أنفسهم : ” هذا يجدف ! ” ( مت 3:9 ) .. اهتم الرب يسوع بأن يشرح لهم : ” أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا ” ( مت 6:9 ) ، ولم يتركهم في حيرتهم ، وعثرتهم من جهته ، بحجة أنه لا داعي لتضييع الوقت في شرح العقيدة ، وتفنيد الآراء الخاطئة .
+ وكذلك اهتم السيد المسيح أن يعلن السلطان الكهنوتي في الحل والربط ، إذ قال لتلاميذه القديسين : “الحق أقول لكم : كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء ” ( مت 18:18 ) .
وهي عقيدة أساسية في الفكر الأرثوذكسي ، ينبوعها النقى هو قول السيد المسيح نفسه ، فكيف نتجاهل ما علم به السيد المسيح ؟ وفي معجزة شفاء الأبرص .. لم يتجاهل السيد المسيح النظام الكنسي ، ودور الكاهن ، وممارسة الطقس .. فقال للأبرص الذي شفي : ” اذهب أر نفسك للكاهن ، وقدم القربان الذي أمر به موسی شهادة لهم ” ( مت 4:8 ) .
4- شرح عن الصوم
+ كذلك عندما تساءل تلاميذ يوحنا : “لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا ، وأما تلاميذك فلا يصومون ؟ ” ( مت 14:9 ) .. اهتم الرب يسوع بأن يشرح لهم طبيعة الصوم المسيحي : “يجعلون خمرا جديدة ( صوماً بمنهج جديد ) في زقاق جديدة ( فی دين جديد ) ( مت 17:9 ) ، ولم يترك الرب يسوع الأمر بدون شرح واهتمام ، ولم يقل إن الصوم متروك لحرية كل شخص .. كما نادى البعض .. بل قال : ” ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم ، فحينئذ يصومون ” ( مت 15:9 ) .
+ وتكلم كذلك عن منهج الصوم الروحاني المسيحي عندما قال : ” ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين . الحق أقول لكم : إنهم قد استوفوا أجرهم . وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكي لا تظهر للناس صائما ، بل لأبيك الذي في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علنيا” ( مت 16:6-18)
+ كما علم أن الشياطين يخرجون بالصلاة والصوم .. “وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم “( مت 21:17 ) .
لقد وضع السيد المسيح أساسات ممارسة الصوم ، ثم نظمت الكنيسة هذه الأصوام بإرشاد الروح القدس ، محبة في السيد المسيح وإكراما لاسمه القدوس .
+ أما من جهة نظام الصوم : فقد حددت الكنيسة أن ينقطع المؤمنون عن الأكل فترة معينة ، ثم يفطرون على أكل نباتي خالي من الدسم .. وهذا الترتيب قديم جدا ، ومستقر في الكنيسة منذ العصور الأولى .
وقد يعترض البعض بأن تفاصيل هذا التنظيم غير واردة في الكتاب المقدس ، وبالتالي لسنا ملزمين بالخضوع لها .
ولكن صديقي القاری و .. أليس من الأفضل أن يكون هناك نظام موحد للصوم يعمل به جميع المسيحيين ؟ وإذا كان ما استقرت عليه الكنيسة هو نظام غير مستحب للبعض .. فليقترحوا علينا تنظيما جديدا .. ولكنهم سيصطدمون بعدم وجود نصوص كتابية صريحة تسندهم ، فلو قيل مثلا : نصوم انقطاعيا ثم نفطر على أي نوع من الأكل ، سيظل السؤال موجود بدون إجابة .. أين الآية التي تعلم بهذا ؟ كمثلما يسألون أین الآية التي تعلم بوجوب الصوم النباتي ؟
إذا دعونا نسك حسبما سلك الآباء ، ولا داعي لاختراعات جديدة ، خاصة وأن آباءنا حينما نظموا هذه الصيامات ، كان في فكرهم الآتي :
1- أن آدم في الفردوس كان يأكل أكلا نباتيا فقط .. ولم يسمح للإنسان أن يأكل مأكولات حيوانية إلا بعد الطوفان . وكأن الكنيسة تعود بنا في أيام الصوم إلى الحياة الفردوسية الأولى قبل الخطية والسقوط : ” من جميع شجر الجة تأكل أكلا “( تك 16:2 )
2- أن الأكل النباتي يدل على النسك ، والاكتفاء بأنواع بسيطة من الأكل غير مرهقة للجسد في عملية الهضم .
3- أن بعض الذين ذكر نظام صومهم في الكتاب المقدس ، كانوا يأكلون نباتات مثل دانیال : “فليعطونا القطاني لنأكل وماء للشرب ” ( دا 12:1 ) ، وكذلك حزقيال النبي :” وخذ أنت لنفسك قمحا وشعيرا وفولا وعدسا ودخنا وكرسنة وضعها في وعاء واحد ، واصنعها لنفسك خبزا كعدد الأيام التي تتكئ فيها على جنبك . ثلاث مئة يوم وتسعين يوما تأكلة . وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن .. وتشرب الماء بالكيل ، سندس الهين ، من وقت إلى وقت تشربه . وتأكل كعكا من الشعير ” ( حز 9:4-12 ) .
5- شرح عن ملكوت السماوات :
وهناك العديد من الأمثلة التي أوردها ربنا يسوع ، ليشرح بها حقيقة ملكوت السماوات .. “أعطى لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله ” ( مر 11:4 ) ، ولم يكن منهجه إطلاقا أن يترك الناس بدون معرفة وشرح وتفاصيل ، حتى أن الناس بهتوا وقالوا : ” من أين لهذا هذه الحكمة والقوات ؟ ( مت 54:13 ) .
لقد شرح السيد المسيح حقائق الملكوت من خلال : مثل الزارع ، ومثل الزرع الجيد والزوان ، ومثل حبة الخردل والخميرة ، والكنز في الحقل ، وتاجر اللالی الحسنة ، والشبكة المطروحة في البحر ، وبعدما أتم تعليمه سألهم : “أفهمتم هذا كله ؟ ” ( مت 51:13 ) ، وقال لتلاميذه : “قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات ، وأما لأولئك فلم يعط . فإن من له سيعطى ويزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيخذ منه ” ( مت 11:13 ، 12 ) . فالذي له معرفة سيعطي ويزاد ، والذي يتجاهل المعرفة ، فالذي عنده من المعرفة سيؤخذ منه .
6- الزواج والطلاق :
+ عندما جاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له : ” هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب ؟ ” ( مت 3:19 ) .. كانت فرصة للسيد المسيح أن يشرح لهم عقيدة الزوجة الواحدة ، “أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى ؟ ” ( مت 4:19 ) وعدم الطلاق إلا لعلة الزنا .. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان ” ( مت 6:19 ) “وأقول لكم : إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني ” ( مت 9:19)
+ وكذلك قدم لهم فكرة عن البتولية : “ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم ، لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم ، ويوجد خصيان خصاهم الناس ، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات . من استطاع أن يقبل فليقبل” ( مت 11:19 ، 12 ) .