المدافعون الأوائل

لقد وُجد الدفاع – في معناه الواسع – قديماً قدم المسيحية ذاتها، إذ بذل الكارزون بالإنجيل كل جهدهم في البرهنة على حق الإنجيل والإجابة على الاعتراضات الموجهة ضده. كان حديث الشماس الأول إسطفانوس أمام مجمع السنهدريم (أع 7،6) حديثاً دفاعياً، وهكذا أيضا خطاب الرسول بولس أمام فستوس (أع 24)، وجاءت أعمال الشهداء أمثلة حية في الدفاع عن الإيمان المسيحي بكل مجاهرة أثناء محاكماتهم.

و بقدر ما اتسمت المسيحية – منذ بدء انطلاقها – بالروح المسكوني، فلم ترتبط بثقافة معينة أو أمة خاصة، وجدت نفوس عطشي للإيمان من أصل يهودي وروماني ويوناني ومصري وسرياني… الخ.

و هذا الأمر شكل خطراً يهدد كيان الدولة الرومانية التي وإن أظهرت تسامحاً في ترك الدول التابعة لها أن تمارس عبادتها المحلية ونشاطها الثقافي المحلي، لكنها أرادت أن تسود بعبادتها الرومانية وثقافتها لكي تضمن ولاء الدول لها. لهذا اتهم المسيحيون بالخيانة للإمبراطور، خاصة أنهم كانوا يرفضون السجود لتمثال الإمبراطور والتعبد له. ومن جانب آخر، هاجمت الجماهير (الوثنية) المسيحيين إذ رأوا فيهم احتقار لمشاعرهم الشعبية بسبب إحجامهم عن المشاركة في الاحتفالات الدينية العامة.

 وهكذا فإننا نجد أن المسيحية والمسيحيين قد هوجموا من كل من اليهود والمسيحيين المتهودين والوثنيين والفلاسفة، و أيضا الأباطرة والحكام:

  1. اليهود: لاحظوا انتشار المسيحية في كل العالم معتمدة على نبوات كتبهم المقدسة ومؤيدة بها.
  2.  المسيحيون المتهودون: أرادوا أن يجمعوا بين الإيمان والمسيحية من جهة، والناموس الموسوي من الجهة الأخرى. وقد نادي البعض منهم، الذين كانوا أصلا من طائفة الفريسيين (أع 15… الخ)، بضرورة حفظ الشرائع اليهودية.
  3.  الفلاسفة الوثنيون: بدأوا حركة فكرية عرفت بالغنوسية وقد كانت من أشد أعداء المسيحية، أيدها وشجعها المسيحيون المتهودون والمونتانيون.
  4.  الدولة الرومانية: أدركت أن الوجود المسيحي يختلف عن اليهودية، وأدى ذلك إلى الإضطهاد الروماني للمسيحيين.

 هذا وقد كرس بعض الكتاب و الفلاسفة من يهود و أمميين جهودهم للهجوم على المسيحية والمسيحيين، يتهمونهم بالكفر والإلحاد، ويفترون على إنجيلهم، وينسبون إليهم إتهامات أخلاقية، بجانب الخيانة للإمبراطور واحتقار الجماهير. ولعل أهم هؤلاء الكتاب:

  1. الفيلسوف فرنتو Fronto of Cina (ت. 166م) في خطابه، وهو صديق ومعلم الإمبراطور أنطونيوس بيوس (138-161م)، و معلم الإمبراطور مرقس أوريليوس ( 161- 180 م).
  2.  لوسيان الساموساطي الذي كان عضوا في الكنيسة المسيحية لفترة معينة، كتب في ۱۷۰م يسخر من المسيحيين من أجل محبتهم للإخوة واحتقارهم الموت..
  3. والأفلاطوني كلسس كتب هجومه على المسيحية “المقال أو الحديث الحقيقي” حوالي ۱۷۸م، وقد حفظ الجزء الأكبر منه في كتاب أوريجانوسالرد علی کلس“. وكان هذا فيلسوف مقتدر ذو ثقافة عالية درس العهد القديم والعهد الجديد بدقة لكي يهاجمهما بإحكام.
  4. استمر العداء التقليدي ضد المسيحيين من جانب الفلاسفة حتى القرون الأخيرة، خاصة بين أتباع الأفلاطونية الجديدة أمثال بورفيري وهيروگليس والإمبراطور يوليان.

 وكما تقدم كثير من المسيحيين من كل الفئات والأعمار والثقافات للاستشهاد بفرح، انبرى أيضا بعض الكتاب المسيحيين يدافعون عن الإيمان المسيحي والمسيحيين، هؤلاء دعوا “المدافعون”، ظهروا على وجه الخصوص في القرنين الثاني والثالث، ووضعوا أمامهم ثلاثة أهداف:

  1.  الرد على الاتهامات العامة، خاصة الاتهام بأن الكنيسة تمثل نكبة على الدولة. فقد أكد هؤلاء المدافعون أن الإيمان المسيحي يمثل قوة تسند سلام الدولة وتعمل على رفاهيتها، لا لصالح الإمبراطور والدولة فحسب بل والحضارة أيضا.
  2. كشفوا عن لا أخلاقيات الوثنية وضلال أساطيرها، كما أعلنوا عن الإيمان المسيحي بكونه وحده القادر أن يقدم فهما صحيحا بخصوص الله و العالم والإنسان. لقد دافعوا عن العقائد الرئيسية مثل وحدانية الله، لاهوت السيد المسيح، قيامة الموتى… الخ. كما حملت كتاباتهم روا کر ازيا، فاهتمت بجذب القاريء ليقبل الحق ويتفهمه. دعته، بلغة ذلك العصر خلال الفلسفة، لقبول الإيمان الجديد، وكشفت له عن جمال الحياة المسيحية وعفتها وسموها.
  3.  تحدثوا عن الفلسفات بكونها اعتمدت على العقل البشري وحده، فحملت جانبا من الحق، لكن ليس كل الحق، كما امتزج هذا الجزء من الحق بأخطاء كثيرة، أما الإيمان المسيحي فقدم الحق خلال اللوغوس كلمة الله الذي نزل على الأرض معلنا للبشر الحق الإلهي. لهذا فلا وجه للمقارنة بين المسيحية والفلسفة اليونانية، فالأولى إلهية والثانية بشرية.

يقول المؤرخ شاف Schaff: “كان اللاهوت الإسكندري يهدف إلى مصالحة المسيحية مع الفلسفة… مقيما هذه الوحدة على أساس الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة .

كما يقول شارلز بیج Bigg: “إن أول محاولة في صورة منهجية للتوافق بين تقليد الإيمان واستنباطات الفكر البشري الحر لم تتم في بيتها (أورشليم) ولا في أثينا، وإنما تمت في مصر. يقول J.Danielou: “إنها الإسكندرية التي أقامت الهيلينية المسيحية والتي صارت معجزة التاريخ الإنساني .

الآباء المدافعون

زر الذهاب إلى الأعلى