تفسير إنجيل لوقا أصحاح 14 – أ. بولين تودري

16- لا يمل من تعليمنا (14: 1-6)

أنها المرة الثالثة التي يُعلم فيها المسيح عن ضرورة عمل الخير في يوم الرب. فقد وبخ الفريسيين الذين اعترضوا علي تلاميذه وهم يقطفون القمح في يوم السبت حينما جاعوا (6: 1-10). ووبخ رئيس المجمع الذي اعترض وهو مغتاظ حينما شفي المرأة المنحنية (14: 10-17). وها هو هنا يكرر تعليمه بعد أن شفي المريض بالورم في يوم السبت.

إن كلمة سبت تعنى راحة. والراحة الحقيقية هي في ترك الشر وعمل الخير. أنه لا يمل من تعليمنا، أنه سيظل يكرر لنا مقاصده من خلال كلماته في الإنجيل المقدس، ومن خلال ظروف الحياة التي تعترضنا، ومن خلال خدامه. فليعطنا الرب قلبًا مفتوحًا، لنتفهم تعليمه، قبل فوات الوقت.

17- لنسلك بالاتضاع ونهتم بالمسكين (14: 7-14)

لقد لاحظ رب المجد أن المدعويين لبيت الفريسي يختارون الأماكن الأولي. فدعانا لنسلك بالاتضاع بعضنا مع بعض، حتى ترتاح نفوسنا، وننال الكرامة الحقيقية. ومن خلال حديثه للفريسي الذي دعاه، إذ لاحظ أنه أشرك في وليمته الأقرباء والأغنياء، علمنا أن الفقير والمسكين والمحتاج بكل نوع هو الأولي بالاهتمام، إذا كنا نرجو المكافأة في الحياة الأبدية، وليس في هذه الأرض. لأن المحتاج ليس له ما يعطينا إياه عوض ما قدمناه له، فيكون أجرنا مخزونًا في قيامة الأبرار.

18- ويوجد لك أنت أيضًا مكان (14: 15-24)

وبعد أن قدم يسوع تعليمة هذا، ظن أحد المدعويين أنه يقصد بقيامة الأبرار، قيامة مملكة أرضية له، والاحتفال بها سيكون في وليمة عظيمة، فقال ما أسعد الذي يأكل خبزًا في هذه الوليمة، قال هذا وهو يظن أنه لا بد سيكون من المدعويين إليها لأنه يهودي. فأجابه يسوع بمثلٍ علمنا منه أن الدخول في وليمة ملكوت الله بعيدً جدًا عن المنشغلين بحياتهم الدنيوية، وقضاء احتياجاتهم، وتنمية مواردهم، دون الاهتمام بالله. وبعيدُ أيضًا عن من يشبعون شهواتهم الجسدية دون ضابط ، حتى لو كانوا يهودًا. ولكن هذا الملكوت يكون قريبًا من كل واحد يشعر أنه في احتياج إليه، ولو كان أمميًا. وقد أشار للأمم في هذا المثل حينما أرسل السيد عبده إلى شوارع المدينة وأزقتها لكي يُدخل المحتاجين، إذ أن اليهود يعتبرون أن الأمم هم وسخ مدينتهم.

ويوجد لك أيضًا مكان يا أخي، يا من تشعر بأنك خاطئ وغير مستحق لهذه الوليمة، ويوجد مكان لكل خاطئ يشعر بافتقاره إلي المسيح ونعمته. فها هو رب المجد أعد وليمة في بيته، حيث يقترب منا في صورة الخبز والخمر كل يوم علي المذبح لنأكله، فيتحول الضعف فينا إلى قوة. ونفرح به ونسعد الآن ونتعزى فنصبر حتى نأكله جديدًا في بيت الآب.

19- الصليب شرط التبعية (14: 25-35)

يا للعجب! كيف يدعونا المحب إلى البغضة؟ كيف يطلب منا أن لا نهتم بأقربائنا وهو الذي أهتم بأمه وتلميذه وسط آلامه؟ كيف يعلمنا أن نحب أعداءنا، ثم يطلب منا أن نبغض أقرباءنا بل وأنفسنا؟ أنه لا يناقض نفسه بل يقول “من أحب أحد هؤلاء أكثر مني فلا يستحقني” (مت 10: 37). فهو لا يريدنا أن نرفض الحب الطبيعي العائلي، بل يطلب أن يكثر حبنا له عن هذا الحب الطبيعي. وهذا هو الصليب الذي يجب أن نحمله، نقطع كل اهتمام (روابط أسرية – مال – كرامة..) يعطلنا عن النمو في محبة ربنا، حتى نضمن إتمام برج حياتنا الداخلية، الذي سبقنا وشرعنا في بنائه حينما قطعنا عهد الحب والأمانة مع الرب في عرس المعمودية، وأعلنا الحرب علي رئيس هذا العالم حينما جحدناه هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى