تفسير إنجيل متى ٢٠ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح العشرون
آيات (1-16):-
فان ملكوت السماوات يشبه رجلا رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قياما في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا انتم أيضا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا. وخرج أيضا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد قال لهم اذهبوا انتم أيضا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم. فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئا من الآخرين إلى الأولين. فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة واخذوا دينارا دينارا. فلما جاء الأولون ظنوا انهم يأخذون اكثر فاخذوا هم أيضا دينارا دينارا. وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت. قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب
وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار. فخذ الذي لك واذهب فأني أريد أن أعطى هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن افعل ما أريد بما لي أم عينك شريرة لأني أنا صالح. هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لان كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.
هذا المثل ضربه السيد المسيح ليشرح الآية السابقة (30:19) ويتضح هذا من (مت 16:20). أن آخِرين يكونون أو لين.
والمثل مأخوذ من بلاد الشرق حيث تعود الفعلة الأجراء أن يتجمعوا فى مكان معين من القرية، وياتى أصحاب المزارع إلى هذا المكان ليؤجروا بعض العمال للعمل فى حقولهم نظير اجر متفق عليه. وهذا المثل قاله السيد فى بيرية (عبر الأردن ). أثناء ذهابه للمرة الأخيرة إلى أورشليم. ومعنى المثل هو الخلاص لجميع الناس، فالأمم وهم أصحاب الساعة الحادية عشر لهم نصيب فى الملكوت تماماً مثل اليهود أصحاب الساعة الأولى، اى الذين عرفوا الله منذ أيام إبراهيم وإسحق ويعقوب. وبنفس المفهوم فالخلاص هو لجميع التائبين الآن مهما تأخرت توبتهم. فالدينار إذاً هو دخول ملكوت السموات، هو الخلاص، وهو الخير الذى سيقدمه الله لكل مؤمن تائب. ولنلاحظ أن المساواة هى فى دخول الملكوت للكل. ولكن داخل الملكوت فإن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد (1كو 41:15). الفعلة = هم كل البشر الذين يدعوهم الله للحياة معه وخدمته.
آية(1):- رجلاً رب بيت= هو المسيح كلمة الله الحى، رب السماء والأرض. الخليقة السماوية والأرضية هى بيته الذى يدبر أموره ويهتم به. كرمه= هى الكنيسة التى بخمرها يفرح الله. والله يدعو الكل لكنيسته. وما أجل أن نرى السيد يدعو الكل لكنيسة، طوال ساعات النهار، فهو يدعو الجميع ليخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تى 4:2). خرج = الله هو الذى يبادر بالحب
آيات (2-6):- الساعات هى بحسب التوقيت اليهودى، فالساعة الأولى هى الساعة السادسة صباحاً، هى بداية تكوين الأمة اليهودية حين دعا الله إبراهيم. ثم الساعة الثالثة هى التاسعة صباحاً الآن. والسادسة هى الثانية عشر ظهراً الآن. والحادية عشرة هى فى نهاية النهار هى ساعة دعوة الأمم بعد إنقضاء النهار اليهودى. وأيضاً تشير الساعات هذه لأن الله يدعو الإنسان فى كل مراحل عمره، وحسنا لو إستجاب حتى لو كان فى الساعة الحادية عشرة، أماّ لو تكاسل فالثانية عشر تشير للموت فهى تأتى بحلول الظلام ونهاية اليوم أى نهاية العمر. إن الصوت الإلهى لهو موجه للبشرية كلها خلال كل الأيام وكل مراحل العمر. الصوت الإلهى لا يتوقف ما دام الوقت يُدعى اليوم (عب 13:3). ولكن إذا كان المثل يُفهم منه أن الله يقبل أصحاب الساعة الحادية عشرة، فهذا لا يعنى أن نؤجل توبتنا لسن الشيخوخة فمن يعلم متى تكون نهاية عمره، الساعة الحادية عشرة هى التى تسبق الموت مباشرة ولا تعنى سن الشيخوخة. وأيضاً لماذا نؤجل التوبة وفيها أفراح وتعزيات.
7: ولاحظ أن أصحاب الساعة الحادية عشرة ما كانوا ممتنعين عن العمل، بل لم يستأجرهم أحد فهم ليسوا معاندين ولا مقاومين لله بل لم تصلهم دعوة الله، أو لم يفهموها. هم كانوا راغبين فى العمل وليسوا متكاسلين.
6: بطالين =إشارة للأمم وقد صاروا بطالين كآلهتهم الباطلة وإشارة لكل من يسير وراء شهواته وخطاياه فهو بطال إستأجره الشيطان.
v ولنأخذ مثالاً، فالمسيح دعا بولس الرسول فى منتصف حياته بعد أن كان بطالاً مضطهداً للكنيسة، كان اخِراً فصار أولاً إذ إستجاب.
v لقد إنحطت البشرية وسقطت بسبب الخطية ولكن الله فى محبة لم ينتظر أن تصعد إليه البشرية، بل هو الذى يبادر بالخروج ليدعوها فترتفع اليه.
v الدينار= هو دخول الملكوت والبقاء فيه فى حياة أبدية والتمتع بشخص المسيح. وهذا ليس لبرٍ فينا إنما هو عطية من الله لأنه صالح =لأنى أنا صالح. هذه عطيته تعبيراً عن جوده الإلهى وكرمه. وهذه العطية ليست عائدة على أعمالنا بل عائدة على كرمه، فالنعمة هى عطية مجانية لا تعطى لأعمالنا بل هى محبة من الله ورحمة. فمهما عملنا، هل كان أحد يستحق أن يتجسد المسيح ويموت لأجله ويفتح له باب السماء. هذا معنى حصول الكل على نفس الدينار، فدخول السماء بإستحقاق دم المسيح لا علاقة له بأعمالنا. ولكن نكرر 1) النعمة الآن أى عمل الروح القدس فينا وإمتلائنا به متوقف على جهادنا، فالنعمة لا تعطى إلاّ لمن يستحقها، حقاً.. المسيح مات لأجل الكل مجاناً.. لكن التمتع بثمار صليبه يحتاج للجهاد المستمر. 2) لن يكون الكل متساوون فى المجد، بل كل واحد سيكون له بحسب عمله. الكل يدخلون (المؤمنون التائبون) ولكن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد.
آية (11):- تذمروا= أشارة لتذمر اليهود على قبول الأمم، وتذمر الأخ الأكبر للإبن الضال. وهذا التذمر راجع للحسد، وكان حرياً بهم أن يفرحوا لخلاص الكثيرين ويفرحوا بلطف سيدهم ورحمته إذ أنعم على الآخرين بالملكوت، ولكن هذا الحسد دفع اليهود لرفض المسيح فصار الآخِرين أولون.
آية (15):- أم عينك شريرة =إشارة لحسدهم. ولاحظ أن تذمرهم معناه أنهم لم يجدوا لذة فى العمل لحساب الله بل هم عملوا فقط لأجل الأجر. وكان هذا هو منطلق التفكير اليهودى والفريسى، ومن يتشبه بهم حتى الآن، أن هؤلاء يعملون ويخدمون الله ويطلبون الأجر المادى ويحسدون من يكافأه الله ويعطيه أكثر منهم، وهذا راجع لحب الذات. هؤلاء لا يرجع تذمرهم لحرمانهم من شىء وإنما يرجع للخير الذى ناله الغير. عينك شريرة =حقود. لأنى أنا صالح= أى كريم أعطى بسخاء.
آية(12):- إحتملنا ثقل النهار والحر= وماذا يساوى هذا التعب بجانب المجد المعد لأولاد الله. المشكلة أن هؤلاء كانوا يعملونه بروح العبودية فلم يشعروا بأى تعزية، بل شعروا بثقل النهار وحره.
(مت 17:20-19 + مر 32:10-34 + لو31:18-34):-
(مت 17:20-19):-
وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم اخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم. ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزاوا به
ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم.
(مر 32:10-34):-
وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع وكانوا يتحيرون وفيما هم يتبعون كانوا يخافون فاخذ الاثني عشر أيضا وأبتدأ يقول لهم عما سيحدث له. ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة ويحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزاون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.
(لو31:18-34):-
واخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان. لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزأ به ويشتم ويتفل عليه.
ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر مخفى عنهم ولم يعلموا ما قيل
لقد إقترب ميعاد الصليب، والمسيح متجه الآن إلى أورشليم للمرة الأخيرة التى سيصلب فيها. ونسمع فى (مر32:10)أن التلاميذ كانوا يتحيرون ويخافون فهم يعرفون عداوة الفريسيين والسنهدريم لمعلمهم، وطالما تنبأ لهم المعلم بأنه سوف يتألم منهم، وها هم ذاهبون إلى أورشليم وكانوا شاعرين بان أموراً خطيرة ستحدث ولكنهم كانوا متحيرون ماذا سيحدث بالضبط. وها هو السيد يتكلم بوضوح عما سيتم حتى إذا ما كان يؤمنون (يو29:14) وإذا ما حدث ما قاله فحينئذ سيعرفون أن ما حدث كان بإرادته وسيؤمنون بالأكثر. ومع ان كلام المسيح كان واضحاً إلاّ أن التلاميذ لم يفهموا، فهم لم يتصوروا أن هذا المعلم العجيب الذى يقيم الموتى يستسلم بهدوء للكهنة =ولم يعلموا ما قيل وربما تصوروا أن ما قاله المعلم سيكون مجرد مناو شات يتسلم بعدها مُلك إسرائيل. لذلك يأتى بعد هذا مباشرة طلب إبنا زبدى أن يجلسا عن يمينه ويساره فى ملكه. فهم ما تصوروا أبداً موت المخلص الذى أتى ليخلص إسرائيل، فكيف يخلصها إن هو مات.
(مت 20:20-28 + مر 35:10-45):- طلب إبنا زبدى
(مت 20:20-28):-
حينئذ تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا. فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف اشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا قالا له نستطيع. فقال لهما أما كاسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها أنا تصطبغان وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين اعد لهم من أبى. فلما سمع العشرة اغتاظوا من اجل الأخوين. فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.
(مر 35:10-45):-
وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا. فقال لهما ماذا تريدان أن افعل لكما. فقالا له اعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والأخر عن يسارك في مجدك. فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان أن تشربا الكأس التي اشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا. فقالا له نستطيع فقال لهما يسوع أما الكأس التي اشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها أنا تصطبغان. وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين اعد لهم. ولما سمع العشرة ابتداوا يغتاظون من اجل يعقوب ويوحنا.فدعاهم يسوع وقال لهم انتم تعلمون أن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما. ومن أراد أن يصير فيكم أولا يكون للجميع عبدا. لان ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.
بمقارنة متى ومرقس نفهم أن يعقوب ويوحنا طلبا من أمهما أن تطلب هى من المسيح أن يجلسا عن يمينه وعن يسارة، فهم ربما خافا أن يطلبا هذا الطلب من السيد مباشرة. وهذا الطلب يعنى أن أفكارهما ما زالت فى الملك الأرضى. ولكن الطلب يبين أيضاً أنهما مخلصان للسيد ويودان لو تألما معه كما يقول وبعد هذا يجلسان عن يمينه وعن يساره. وحين سمع السيد طلب الأم وجه الكلام ليعقوب ويوحنا فرد عليه يعقوب ويوحنا. فحين يقول مرقس أن يعقوب ويوحنا هما اللذان قاما بالطلب من المسيح، فهذا لأن الطلب هو أصلاً منهما، وأن الحوار بعد ذلك تم معهما مباشرة. وهم طلبوا المجد مع المسيح ولكنهم لم يفهموا أن المسيح سيتمجد بالصليب، لذلك قال لهما المسيح عن الصبغة أى أنه سيتغطى بالدم. وبهذا فالسيد يشرح ليعقوب ويوحنا ثم باقى التلاميذ أن العظمة الحقيقية هى فى الصليب وفى الخدمة والبذل، وهذا التعليم غير تعليم اليهود والفريسيين. حينئذٍ= بعد كلام المسيح عن صليبه. فكان كلام إبنى زبدى هو عدم الفهم التام لما سوف يحدث.
أما كأسى= هذه الكأس هى التى أعطاها له الآب أى الآلام المعدة له. فتشربانها = فيعقوب مات شهيداً، ويوحنا عذبوه كثيراً (أع 2:12) ونحن هل نقبل أن نشرب الكأس التى يعطيها لنا الآب، من يقبل سيكون له نصيب فى المجد = هؤلاء قال عنهم الذين أعد لهم من أبى = هؤلاء هم الذين قبلوا حمل الصليب مع المسيح.
فليس لى أن أعطيه = السيد المسيح قال أن الآب قد أعطى كل الدينونة للإبن (يو22:5). ولكن فى (يو47:12) يقول لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم. ومن هذا نفهم أن المسيح فى مجيئه الأول أتى ليخلص وليدعو الناس للإيمان والتوبة. أما فى مجيئه الثانى فهو سيأتى ليدين (مت 31:25-34،41)لذلك فالمسيح فى مجيئه الأول لن يحدد من يجلس عن يمينه ومن يجلس عن يساره فى الملكوت. وفى تواضعه أو بينما هو فى وضع إخلائه لذاته قال ليس لى أن أعطيه.. لكن الذين أعد لهم من أبى.. وهذه متفقه مع قوله لأن أبى أعظم منى (يو 28:14)
· أم إبنى زبدى = هى سالومى خالة المسيح، فيعقوب ويوحنا ظنا أن السيد المسيح سيوافق على طلبهما بسبب القرابة الجسدية. ولكن ليس هذا هو موقف المسيح من القرابة الجسدية (راجع مت 46:12-50)
· سؤال المسيح لهما ماذا تريدان أن أفعل لكما= ليس لأنه لا يعرف بل ليحرك مشاعرهما فيخجلان مما يطلبانه تصطبغا بالصبغة التى أصطبغ بها أنا= المسيح سيصطبغ بدمه على الصليب ويعقوب اصطبغ بدمه إذ مات شهيداً. ولكن كل مسيحى حين يعتمد فهو يموت ويدفن مع المسيح، وتكون المعمودية هى الصبغة التى يصبطغ بها ويعقوب ويوحنا فى تسرع قالا نستطيع وهذا التسرع ناشئ عن:-
1) محبتهم للمسيح 2) جهلهم بما يعنيه المسيح 3) تفكيرهم محصور فى جد أرضى
العشرة إبتدأوا يغتاظون= إذ ظنوا أن المسيح أعطاهم نصيباً عظيماً فى ملكوته الأرضى فدب الحسد فى قلوبهم، وهذا هو المرض الذى يوجهه عدو الخير بين الخدام، حب الرئاسات والكرامة الزمنية. لذلك بدأ المسيح يشرح لهم أن ملكوته يختلف عن أى ملكوت عالمى فى مبادئه وروحه وأغراضه، العظيم فى ملكوت السموات هو من ينسى نفسه ويخدم الآخرين ويتضع باذلاً نفسه.. كما فعل المسيح نفسه.
والآن ونحن قد فهمنا إخلاء المسيح له المجد لنفسه واختياره طريق الصليب صرنا نفهم أن العظمة الحقيقية ليست فى المراكز العالمية بل بالتشبه بالمسيح فى رفض كل مجد عالمى.
(مت 29:20-34 + مر 46:10-52 + لو 35:18-43) شفاء أعميين
(مت 29:20-34):-
وفيما هم خارجون من اريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود. فانتهرهما الجمع ليسكتا فكانا يصرخان اكثر قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود. فوقف يسوع وناداهما
وقال ماذا تريدان أن افعل بكما. قالا له يا سيد أن تنفتح أعيننا. فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه.
(مر 46:10-52):-
وجاءوا إلى اريحا وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع انه يسوع الناصري أبتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن ينادى فنادوا الأعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام وجاء إلى يسوع. فأجاب يسوع وقال له ماذا تريد أن افعل بك فقال له الأعمى يا سيدي أن ابصر. فقال له يسوع اذهب إيمانك قد شفاك فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق.
(لو 35:18-43):-
ولما اقترب من اريحا كان أعمى جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع الجمع مجتازا سال ما عسى أن يكون هذا. فاخبروه أن يسوع الناصري مجتاز. فصرخ قائلا يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره المتقدمون ليسكت أما هو فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه ولما اقترب سأله. قائلا ماذا تريد أن افعل بك فقال يا سيد أن ابصر. فقال له يسوع ابصر إيمانك قد شفاك. وفي الحال ابصر وتبعه وهو يمجد الله وجميع الشعب إذ رأوا سبحوا الله.
1) متى يذكر أنهما أعميان ومرقس ولوقا يذكران أنه أعمى واحد بل أن مرقس يحدد إسمه،ويبدو أنهما كانا إثنين فعلاً ولكن أشهرهما هو بارتيماوس هذا، فذكر مرقس ولوقا أنه واحد وهو المشهور ولكن لعل هذا يحمل معنى رمزى، فالمسيح أتى ليجعل الإثنين واحداً اليهود والأمم، ويعطى كليهما إستنارة ومعرفة لله، فكلاهما كانا أعميان.
2) كان هذا جالساً يستعطى (مر 46:10) وفى هذا يشبه الخاطى الذى هو أعمى روحياً ويسلك فى الظلمة ولا يرى طريق الملكوت، بل يجلس ليستعطى كسرة عفنة من شهوات زائلة.
3) إنتهره كثيرون ليسكت، وهذا يحدث فى صراع التوبة إذ تنتهرنا العادات القديمة والشهوات المحبوبة والأصدقاء الأشرار والمجتمع الفاسد فلا نجد لنا طريق إلاّ الصراخ أكثر كثيراً مثل الأعمى طالبين الرحمة، وكما إستجاب يسوع لهذا الأعمى الذى يصرخ سيستجيب حتماً لكل من يناديه
4) يا يسوع إبن داود إرحمنى = هذا الأعمى يهودى وهو سمع عن المسيا وأنه سيكون إبن داود حسب النبوات، لذلك فقوله إبن داود يحمل معنى إيمانه بأنه المسيا المنتظر (مز11:132 +أش1:11)
5) طرح الأعمى رداءه وقام وجاء إلى المسيح، وهذا يشير إلى أن كل خاطى يريد أن تستنير عينيه، عليه أن يطرح أعماله القديمة تابعاً المسيح. الرداء قد يشير للحياة القديمة أو التكاسل القديم أو الحياة العتيقة.
6) سؤال السيد ماذا تريد أن أفعل بك، يعنى أن السيد يريد أن يعلن إيمان هذا الرجل أمام الجميع. وأنه يعطى من يسألونه.
7) لاحظ أنه حين تمتع بالبصيرة تبع يسوع.
8) فصرخ أكثر كثيراُ = هذه تعلمنا اللجاجة فى الصلاة بإيمان.
9) متى ومرقس يقولان وفيما هو خارج من أريحا ولوقا يقول ولما إقترب من أريحا. ويقول متى أنهما إثنان ومرقس ولوقا يقولان واحد:- وهناك حلاّن لهذا:-
1. بينما كان يسوع يقترب من أريحا سمع عنه هذا الأعمى فصرخ ولكن يسوع تركه ليشتد إيمانه. وفى الصباح أثناء خروجه من أريحا إزداد هذا الأعمى صراخاً، فى حين كان أعمى آخر قد إنضم إليه فشفاهما.
2. يقول يوسيفوس أنه كانت هناك مدينتين بإسم أريحا، أريحا الجديدة وأريحا القديمة. وهما متجاورتان، على بعد ميل واحد من بعضهما. ويكون يسوع فى هذه الحالة خارجاً من واحدة مقترباً من الأخرى والأعميان فى وسط الطريق.
3. كانا إثنين ولكن كان واحد هو المتقدم فى الكلام.
هذه المعجزة أخر معجزة للسيد المسيح قبل دخوله لأورشليم ليصلب وبها نرى أن الأعميان يرمزان للبشرية (يهود وأمم) التى عجزت عن رؤية الله ومعرفته. وجاء المسيح ليقدم لها الفداء وتنفتح أعين البشرية وتعرف الله وتدرك محبته. وكلما صرحنا مثل هذا الأعمى تدركنا مراحم الله وتنفتح أعينا بالأكثر لندرك الله فنحبه لأنه أحبنا اولاً. أما الجموع التى كانت تنتهر الأعميان فهى تشير لكل المعطلات التى تمنعننا عن الصراخ لإستدرار مراحم الله. ونأتى لسؤال السيد للأعمى… ماذا تريد… وهو سؤال لكل منا الآن.
ماذا نريد
إنجيل معلمنا متى : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28
تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28