تفسير سفر الملوك الأول ١٨ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن عشر

الآيات 1-6:

– وبعد ايام كثيرة كان كلام الرب الى ايليا في السنة الثالثة قائلا اذهب وتراء لاخاب فاعطي مطرا على وجه الارض. فذهب ايليا ليتراءى لاخاب وكان الجوع شديدا في السامرة. فدعا اخاب عوبديا الذي على البيت وكان عوبديا يخشى الرب جدا وكان حينما قطعت ايزابل انبياء الرب ان عوبديا اخذ مئة نبي وخباهم خمسين رجلا في مغارة وعالهم بخبز وماء وقال اخاب لعوبديا اذهب في الارض الى جميع عيون الماء والى جميع الاودية لعلنا نجد عشبا فنحيي الخيل والبغال ولا نعدم البهائم كلها. فقسما بينهما الارض ليعبرا بها فذهب اخاب في طريق واحد وحده وذهب عوبديا في طريق اخر وحده.

نرى الآن أحد أسباب هذا الجدب فإن أخاب وإيزابل قطعا أنبياء الرب أى قتلوهم. وهناك رأى بأن إيزابل إنتهزت فرصة إختفاء إيليا وأنه السبب فى منع المطر فقتلت أنبياء الرب (كما فعل الرومان بعد ذلك حين كانوا يقتلون المسيحيين إذا إمتنع المطر). وسواء هذا الرأى أو ذاك أى أن الجدب سببه قتل أنبياء الرب أو أن إيزابل قتلت أنبياء الرب بسبب الجدب فكلاهما يشيران لوحشية عباد البعل. إلا أن الله له رجاله فى كل مكان. ونجد هنا عوبديا الذى على البيت = فهو وكيل أعمال أخاب ونجده رجلا مؤمنا خبأ 100 من أنبياء الله كل 50 فى مغارة. وخبأهم 50 رجلا فى مغارة. وفى نسخ أخرى (الكتاب بشواهد) خمسين خمسين. أى كل 50 منهم فى مغارة. فالله يسمح بإنتقال البعض وإستشهادهم وله القدرة على إنقاذ من يريد. وعجيب أن يختار ملك شرير مثل أخاب رجلا بارا مثل عوبديا فى هذا المنصب ولكن المؤمنين لهم شهرتهم وهم محل ثقة الجميع مثل دانيال فى بابل ثم فارس ويوسف فى مصر ونفهم من أمر الله لإيليا فى آية (1) تراء لأخاب فأعطى مطراً = أن الله رأى أن الشعب إستفاد من التجربة ومن عطشهم عرفوا السبب فى ذلك وأنهم خانوا الرب وأصبحوا مستعدين للتوبة والإيمان. وفى (6) قسما الأرض بينهما = دليل ندرة العشب وهناك ملحوظتين:

  1. إيزابل حاولت قتل أنبياء الرب ولكن الله له طرقه فى حفظ أولاده فنجد أن الله له7000 ركبة لم تنحنى لبعل (18:19). وأنه أبقى 100 من أنبيائه عن طريق عوبديا.
  2. يقول هنا وفى السنة الثالثة آية (1) وفى يع 17:5 يقول أن المطر إمتنع 3. 50 سنة والحل سهل فإنذار إيليا كان قبل فترة المطر بستة أشهر وأن المطر إنقطع فترة قبل إنذار إيليا.

 

الآيات 7-16:

– وفيما كان عوبديا في الطريق اذا بايليا قد لقيه فعرفه وخر على وجهه وقال اانت هو سيدي ايليا. فقال له انا هو اذهب وقل لسيدك هوذا ايليا. فقال ما هي خطيتي حتى انك تدفع عبدك ليد اخاب ليميتني. حي هو الرب الهك انه لا توجد امة ولا مملكة لم يرسل سيدي اليها ليفتش عليك وكانوا يقولون انه لا يوجد وكان يستحلف المملكة والامة انهم لم يجدوك. والان انت تقول اذهب قل لسيدك هوذا ايليا. ويكون اذا انطلقت من عندك ان روح الرب يحملك الى حيث لا اعلم فاذا اتيت واخبرت اخاب ولم يجدك فانه يقتلني وانا عبدك اخشى الرب منذ صباي. الم يخبر سيدي بما فعلت حين قتلت ايزابل انبياء الرب اذ خبات من انبياء الرب مئة رجل خمسين خمسين رجلا في مغارة وعلتهم بخبز وماء. وانت الان تقول اذهب قل لسيدك هوذا ايليا فيقتلني. فقال ايليا حي هو رب الجنود الذي انا واقف امامه اني اليوم اتراءى له. فذهب عوبديا للقاء اخاب واخبره فسار اخاب للقاء ايليا.

فى (12) روح الرب يحملك = هم فتشوا عنه طول هذه السنين ولم يجدوه فظن أن روح الرب هو الذى إختطفه وخبأه حتى لا يجده أخاب. وظن أنه بعد أن يتركه يرجع روح الرب ويحمله ثانية لأنه واثق أن أخاب لابد وسيقتله حين يراه لذلك لابد أن يحميه روح الرب. وفى (13) يخبر إيليا بما فعله مع أنبياء الرب ليظهر لإيليا أنه غير موافق على أفعال أخاب فلا يتعرض لسخط إيليا وعقابه. ويرجو إيليا أيضا أن لا يعرضه لعقوبة أخاب إن عاد روح الرب وإختطف إيليا ثانية.

 

 الآيات 17-28:

– ولما راى اخاب ايليا قال له اخاب اانت هو مكدر اسرائيل. فقال لم اكدر اسرائيل بل انت وبيت ابيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم. فالان ارسل واجمع الي كل اسرائيل الى جبل الكرمل وانبياء البعل اربع المئة والخمسين وانبياء السواري اربع المئة الذين ياكلون على مائدة ايزابل. فارسل اخاب الى جميع بني اسرائيل وجمع الانبياء الى جبل الكرمل. فتقدم ايليا الى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين ان كان الرب هو الله فاتبعوه وان كان البعل فاتبعوه فلم يجبه الشعب بكلمة. ثم قال ايليا للشعب انا بقيت نبيا للرب وحدي وانبياء البعل اربع مئة وخمسون رجلا. فليعطونا ثورين فيختاروا لانفسهم ثورا واحدا ويقطعوه ويضعوه على الحطب ولكن لا يضعوا نارا وانا اقرب الثور الاخر واجعله على الحطب ولكن لا اضع نارا. ثم تدعون باسم الهتكم وانا ادعو باسم الرب والاله الذي يجيب بنار فهو الله فاجاب جميع الشعب وقالوا الكلام حسن. فقال ايليا لانبياء البعل اختاروا لانفسكم ثورا واحد وقربوا اولا لانكم انتم الاكثر وادعوا باسم الهتكم ولكن لا تضعوا نارا. فاخذوا الثور الذي اعطي لهم وقربوه ودعوا باسم البعل من الصباح الى الظهر قائلين يا بعل اجبنا فلم يكن صوت ولا مجيب وكانوا يرقصون حول المذبح الذي عمل. وعند الظهر سخر بهم ايليا وقال ادعوا بصوت عال لانه اله لعله مستغرق او في خلوة او في سفر او لعله نائم فيتنبه. فصرخوا بصوت عال وتقطعوا حسب عادتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم.

بترككم وصايا الرب = لأن الشعب كله ترك الرب وساروا وراء العجول.

وبسيرك وراء البعليم = هذه خطية أخاب الخاصة فهو الذى أدخل هذه العبادة ولاحظ قوة إيليا فى كلامه مع الملك وأنه يأمر الملك وأخاب يطيع فهو أى أخاب كان خائفا من قوة روحية هو غير قادر أن يراها أو يفهمها لكنه شاعرا بها. وفى (19) أنبياء البعل = أى كهنة البعل فهم يدعون أنهم يقدرون أن يكلموه ويستعطفوه فلم يجبه الشعب بكلمة = لأنهم شعروا بأن كلامه صحيح وكون إيليا يقدم ذبيحته بعد فشل أنبياء البعل فهذا سيكون له تأثير عظيم على الناس. الذى يجيب بنار لأن عبدة البعل إدعوا بأنه إله الشمس والنار، ولم يتكلم فى موضوع المطر حتى يتم الإتفاق أولا على من هو الإله الحقيقى الذى يطلبون منه المطر وعموما فالله لا ينزع الضربة قبل أن تؤتى ثمارها ونقدم توبة عن خطيتنا فهو يرجع إلينا بعد أن نرجع إليه. وإيليا إختار جبل الكرمل لأن الكنعانيون وعبدة البعل يعتبرونه أرضا مقدسة لآلهتهم. ونلاحظ أن الديانات الوثنية ديانات مجاملة فمن السهل فى نظرهم التوفيق بين البعل ويهوة فى نظام عبادة واحد. ولكن إيليا رفض هذا تماما ففى نظره أن عبادة البعل وحده أفضل من إهدار كرامة الله بعبادتهم المشتركة. وهذا ينطبق الآن على كل من يريد أن يعبد الله بمنطق ” ساعة لقلبك وساعة لربك “.

فهو يذهب للكنيسة وباقى الأسبوع غارق فى لذاته أو همومه وقلبه بعيدا عن الله.

 

الآيات 29-40:

– ولما جاز الظهر وتنباوا الى حين اصعاد التقدمة ولم يكن صوت ولا مجيب ولا مصغ. قال ايليا لجميع الشعب تقدموا الي فتقدم جميع الشعب اليه فرمم مذبح الرب المنهدم. ثم اخذ ايليا اثني عشر حجرا بعدد اسباط بني يعقوب الذي كان كلام الرب اليه قائلا اسرائيل يكون اسمك وبنى الحجارة مذبحا باسم الرب وعمل قناة حول المذبح تسع كيلتين من البزر. ثم رتب الحطب وقطع الثور ووضعه على الحطب وقال املاوا اربع جرات ماء وصبوا على المحرقة وعلى الحطب. ثم قال ثنوا فثنوا وقال ثلثوا فثلثوا. فجرى الماء حول المذبح وامتلات القناة ايضا ماء. وكان عند اصعاد التقدمة ان ايليا النبي تقدم وقال ايها الرب اله ابراهيم واسحق واسرائيل ليعلم اليوم انك انت الله في اسرائيل واني انا عبدك وبامرك قد فعلت كل هذه الامور. استجبني يا رب استجبني ليعلم هذا الشعب انك انت الرب الاله وانك انت حولت قلوبهم رجوعا. فسقطت نار الرب واكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة. فلما راى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا الرب هو الله الرب هو الله. فقال لهم ايليا امسكوا انبياء البعل ولا يفلت منهم رجل فامسكوهم فنزل بهم ايليا الى نهر قيشون وذبحهم هناك.

قبول الله للذبيحة هنا يعنى 1) صدق إيليا 2) غفران خطايا شعبه.

فلا غفران ولا صلح إلا بدم الذبيحة وكما سقط المطر بعد إصعاد الذبيحة إنسكب الروح القدس على الكنيسة بعد ذبيحة الصليب.

وفى (29) تنبأوا أى كرروا إسم البعل فى صلواتهم وصرخوا بصوت عظيم فى صلواتهم مع الرقص وسفك دمائهم مذبح الرب المنهدم = هدمه أخاب ومنع السجود للرب وترميم إيليا للمذبح علامة الرجوع إلى شريعة الرب. وهو لذلك رمم مذبح سبق إستخدامه للرب ولم يبنى مذبحا جديدا. وفى (31) 12 حجرا = هذا إشارة أن الشعب هو شعب واحد حتى لو إنقسموا إلى شعبين لأسباب سياسية وهذا أيضا معنى قوله إسرائيل يكون إسمك = أى أن الأسباط كلهم من أب واحد هو إسرائيل هكذا دعاه الله ودعاهم الله ليكونوا شعبه الواحد. وأيضا بكلامه هذا يظهر لهم كيف إنحطوا إلى هذه الدرجة وليقارنوا بين مجد يعقوب أبيهم وإنحطاطهم هم، وهم نسله. القناة المملوءة ماء = حتى لا يظن أحد أنه خبأ نارا تحتها وذلك لأن كهنة الوثنيين كانوا يخدعون البسطاء بأنهم يحفرون حول مذابحهم ويشعلون النار بطرق خفية لتلتهم الذبيحة فيظن البسطاء أن النار الإلهية أكلتها وفى (32) تسع كيلتين بذر = أى أن عمق القناة كعمق مكيال يسع كيلتين. وبعد كل هذا الماء لا يمكن لأحد أن يدعى أن النار طبيعية فكيف تلحس كل هذا الماء. الكيلة = 3 جالون.

ملحوظة :- كهنة الأوثان لهم طرقهم الملتوية فى أن يخدعوا البسطاء كما ذكرنا الآن ولكن لا يمكن أن نتصور أنهم يقبلون أن يقفوا هذا الموقف الصعب أمام إيليا وأمام الملك وكل الشعب بدون أن يكون لهم ما يستندون عليه. ونحن لا يمكن أن ننكر قوة السحر وأن الشيطان يمكنه بسهولة أن يشترك مع كهنة الأوثان فى خداع الناس. وأن هؤلاء الكهنة كان بإمكانهم وبقوة شيطانية أن ينزلوا نارا من السماء وحدث هذا فى أيام موسى وكان السحرة يقومون بأشياء شبيهة بما يفعله موسى. وفى الأيام الأخيرة سيأتى ضد المسيح ويصنع نفس الشىء وسيكون له سلطان أن ينزل نارا من السماء رؤ 13:13. وهذا بقوة إبليس فهو له قدرة إبليس رؤ 2:13. ولكن لماذا لم يتمكن كهنة البعل وأنبياؤه أن يصنعوا هذا الآن؟ لأن إيليا موجود = إيليا الآن له سلطان الله وأمام الله يخزى إبليس ومن يتبعه. وبنفس المفهوم إلتهمت حية موسى حيات السحرة. ولماذا كانت قوة إبليس قبل ذلك قادرة على خداع الناس؟ الإجابة ببساطة لأن الناس يريدون إبليس ولكن مع وجود إيليا وبسلطانه الروحى الجبار ومع توبة الشعب وإشتياقهم لأن يعرفوا الحقيقة ولرجوعهم إلى الله لم يتمكن أنبياء البعل ولا سيدهم إبليس من أن ينزلوا نارا.

حولت قلوبهم رجوعاً = هذا يثبت أن عمل الله قد إكتمل بتحويل قلوب الشعب وفى (38) النار أكلت الحجارة = هذا يشير أن الله يود لو أزالوا كل المذابح التى على المرتفعات حتى التى بأسمه يعودوا للمذبح الوحيد الذى فى أورشليم. وفى (40) يذبح إيليا أنبياء البعل ولكن هرب منهم جزء. وهناك من يقول أنه ذبح كهنة البعل من اليهود وترك كهنة البعل الصيدونيين فنحن نرى 400 منهم بعد ذلك. وهؤلاء كان لهم وظيفة آخرى فهم الذين ضللوا أخاب بعد ذلك (إصحاح 22) ومات ولحست الكلاب دمه.

 

الآيات 41-46:

– وقال ايليا لاخاب اصعد كل واشرب لانه حس دوي مطر. فصعد اخاب لياكل ويشرب واما ايليا فصعد الى راس الكرمل وخر الى الارض وجعل وجهه بين ركبتيه. وقال لغلامه اصعد تطلع نحو البحر فصعد وتطلع وقال ليس شيء فقال ارجع سبع مرات. وفي المرة السابعة قال هوذا غيمة صغيرة قدر كف انسان صاعدة من البحر فقال اصعد قل لاخاب اشدد وانزل لئلا يمنعك المطر. وكان من هنا الى هنا ان السماء اسودت من الغيم والريح وكان مطر عظيم فركب اخاب ومضى الى يزرعيل. وكانت يد الرب على ايليا فشد حقويه وركض امام اخاب حتى تجيء الى يزرعيل.

إصعد كل = إيليا يعلم أن أخاب لا يهتم سوى بهذا وهو ربما نزل مع إيليا ليرى ذبح كهنة البعل. وإيليا بالإيمان يقول له إذهب فهناك حس دوى مطر = وهى كلمة إيمان فلم يكن بعد أى علامة. وفى (42) لاحظ أن أخاب ذهب ليأكل ويشرب بينما إيليا يصعد ليصلى. ومع أن الله وعد إيليا بالمطر إلا أن إيليا لا يستطيع أن يكف عن الصلاة. وكانت صلاته كصلاة يعقوب ” لا أتركك إن لم تباركنى ” وهى صلاة بلا يأس فنجد الغلام يذهب 6 مرات ولا يجد أى علامة وفى (46) وكانت يد الرب على إيليا = هذه الآية لها تفسيران 1) إيليا فى محبته ظل يجرى متابعا عربة أخاب مظهرا له محبته حتى يتأثر قلبه فيترك عبادة البعل ويرجع للرب. حتى تجىء إلى يزرعيل = فهو وصل مع المركب إلى يزرعيل لكنه رفض دخولها 2) أن الروح أعطى لإيليا قوة مثل ما نسمع عن السواح الآن فإنطلق إلى يزرعيل وسبق الملك وحينما وصل الملك وجد إيليا هناك وقد سبقه وكان هذا إثباتا آخر لأخاب أن إيليا مرسل من الله. هو فعل هذا ليعطى قوة لأخاب فى مواجهة إيزابل الشريرة.

فاصل

فاصل

تفسير ملوك الأول 17 تفسير ملوك الأول 
القمص أنطونيوس فكري
تفسير ملوك الأول 19
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى