تفسير سفر الملوك الأول ١٩ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع عشر

الآيات 1-8:

– واخبر اخاب ايزابل بكل ما عمل ايليا وكيف انه قتل جميع الانبياء بالسيف.  فارسلت ايزابل رسولا الى ايليا تقول هكذا تفعل الالهة وهكذا تزيد ان لم اجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غدا. فلما راى ذلك قام ومضى لاجل نفسه واتى الى بئر سبع التي ليهوذا وترك غلامه هناك ثم سار في البرية مسيرة يوم حتى اتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه وقال قد كفى الان يا رب خذ نفسي لانني لست خيرا من ابائي. واضطجع ونام تحت الرتمة واذا بملاك قد مسه وقال قم وكل فتطلع واذا كعكة رضف وكوز ماء عند راسه فاكل وشرب ثم رجع فاضطجع. ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسه وقال قم وكل لان المسافة كثيرة عليك. فقام واكل وشرب وسار بقوة تلك الاكلة اربعين نهارا واربعين ليلة الى جبل الله حوريب.

تركنا إيليا الآن فى يزرعيل ليظهر أمام الناس علانية، أو حول يزرعيل رافضا دخولها وكان من المفروض أن يكرموا إيليا كرجل ثبت أنه رجل الله ولكن ما حدث كان عكس ذلك فالقلوب المتحجرة بدلا من أن تتوب بمعاملات الله نجدها تهتاج وتثار بالزيادة. وفى (1) أخبر أخاب إيزابل بكل ما عمل إيليا = لو كان قلب أخاب إهتز شعرة بما حدث لقيل أخبر أخاب إيزابل بكل ما عمل الله. ولكن بدا الكلام هنا كما لو كان هذا الضعيف المتخاذل أخاب يشكو إيليا لزوجته. وفى (2) هكذا تفعل الآلهة بى فهى تحلف بآلهتها وليس بالرب. وهى تهدد إيليا بالقتل ولكنها لم تنفذ فورا لأنها خافت من الشعب لسبب إعجاب الشعب به بعد المعجزة العظيمة وهى ربما قصدت تخويفه ليهرب فتتخلص منه لكى تكمل خطتها بنشر عبادة بعل فى إسرائيل إذ خافت من أن إيليا تحت ضغط من الشعب ينهى عبادة البعل. ونجد إيليا يهرب بعد تهديد إيزابل. وهربه لم يكن بأمر من الرب لذلك يسأله الله مالك ههنا يا إيليا ” آيات 13،9 ” وكون الله يسأله مرتين ففى هذا تأنيب له. فكان خوفه هذا من إيزابل سقطة لنبى عظيم ولكنه بشر تحت الآلام مثلنا. بئر سبع = فى أقصى الجنوب وتبعد عن يزرعيل حوالى 150 كم وكانت ليهوذا ولكن إيليا لم يأتمن يوشافاط ملك يهوذا على نفسه لأنه كان قد صاهرأخاب وترك غلامه آية (3) للإنفراد بالله * وفى (4) طلب الموت لنفسه = هذه سقطة أخرى وهى خطية يأس من إصلاح الشعب وربما خوف مما يمكن أن تصنعه له إيزابل. والله فى محبته لم يدنه على ذلك ونجد هنا أن الله يعوله بواسطة ملاك. كعكة رضف = أى مخبوزة على حجارة محماة كعادة العرب. 40 نهارا = لم يأكل طوال هذه المدة فأشبه موسى ثم المسيح. وقد أخذه الله إلى مغارة حوريب ليذكره كيف عال الله الشعب بالمن وحفظهم فى رحلتهم فلا يخور

* هناك إحتمالين لترك الغلام 1) حتى لا ينكشف بوجود الغلام معه 2) ضمان سلامة غلامه

 

الآيات 9-18:

– ودخل هناك المغارة وبات فيها وكان كلام الرب اليه يقول ما لك ههنا يا ايليا.  فقال قد غرت غيرة للرب اله الجنود لان بني اسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا انبياءك بالسيف فبقيت انا وحدي وهم يطلبون نفسي لياخذوها. فقال اخرج وقف على الجبل امام الرب واذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور امام الرب ولم يكن الرب في الريح وبعد الريح زلزلة ولم يكن الرب في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار وبعد النار صوت منخفض خفيف. فلما سمع ايليا لف وجهه بردائه وخرج ووقف في باب المغارة واذا بصوت اليه يقول ما لك ههنا يا ايليا. فقال غرت غيرة للرب اله الجنود لان بني اسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا انبياءك بالسيف فبقيت انا وحدي وهم يطلبون نفسي لياخذوها. فقال له الرب اذهب راجعا في طريقك الى برية دمشق وادخل وامسح حزائيل ملكا على ارام. وامسح ياهو بن نمشي ملكا على اسرائيل وامسح اليشع بن شافاط من ابل محولة نبيا عوض عنك. فالذي ينجو من سيف حزائيل يقتله ياهو والذي ينجو من سيف ياهو يقتله اليشع. وقد ابقيت في اسرائيل سبعة الاف كل الركب التي لم تجث للبعل وكل فم لم يقبله.

فى (9) المغارة = لأن الوحى قالها بال للتعريف ظن البعض أنها مغارة معروفة ” قالوا هى التى دخل فيها موسى (نقرة الصخرة خر 22:33) مالك ههنا = هذا هو الله المحب فكانت كل عقوبة إيليا على هروبه دون أمرمن الله هذا السؤال !!

بل نرى الله يعوله بواسطة ملاك ويختبر قوة الله لينعش إيمانه وهكذا الله مع كل نفس أمينة له لا يتركها فى ضيقاتها بل يسندها ويقويها حتى لا تخور فى الطريق إلى حوريب حيث تقابل الله. بل إن هذا حدث مع المسيح أن الآب أرسل له ملائكة لتعزيه وتشدده فإن مرارة نفس الإنسان إذا شعر بالتخلى لهى فى منتهى القسوة وإيليا شعر أن الكل تركوه والكل ضده وهو وحده. والله يعرف مشاعرنا ويرثى لنا ويشعرنا دائما بأنه ولو تخلى عنك الجميع فأنا معك وملائكتى يحيطونك وبالنسبة للمسيح كان حضور الملائكة مهم جدا ومعناه ولو تركك البشر فنحن ملائكتك خليقتك لن نتركك بل نحن نحبك وهذه اللمسة مهمة جدا لكل نفس شاعرة بالوحدة. بل أن الله إهتم بأن يعطيه خلوة هادئة فى مكان له ذكريات حلوة حتى يتسمع صوت الله الهادىء ويشعر بمحبته. وفى (10) بقيت أنا وحدى = هو فى يأسه لم ينتبه أن هناك آخرين فعلى الأقل كان هناك المائة الذين خبأهم عوبديا بل وعوبديا نفسه ولننتبه أن من يصيبه اليأس لا يرى سوى ما يقلق أفكاره، بل نحن محاربين دائماً بهذا وعدو الخير دائما يدفعنا دفعا إلى الشعور بالمرارة والتخلى ليقودنا لهوة اليأس. والله الرقيق فى مشاعره ومحبته نجده لا يرد على هذه النقطة مباشرة بل نجد الله فى نهاية حديثه يلمح لهذا تلميحا ” قد أبقيت فى إسرائيل 7000 كل الركب التى لم تجث للبعل (آية 18). وفى (10) تركوا عهدك = الذى أخذوه فى سيناء الريح والزلزلة والنار… ثم صوت منخفض خفيف = الريح والزلزلة والنار هى علامات حضور الله. والله موجود الآن مع إيليا وهذه هى العلامات هى علامات صوت بوق الملائكة الذين يعلنون حضوره وقدومه كما يتقدم مواكب الملوك الموسيقى والأبواق. وهذه العلامات لتلقى الخشوع فى قلب إيليا فيستعد لسماع صوت الله. ولكن هذه العلامات هى للبعيدين عن الله حتى تهتز قلوبهم خوفا ورعدة فيتوبوا كما حدث فى سيناء. ولكن هل إيليا غير تائب أو قلبه متحجر؟ قطعا لا فهو ذو القلب الغيور المحب الأمين لله. ومشكلة إيليا أن نفسه ثائرة وهو كان محتاجا لمن يهدأه، كان محتاجا لروح الوداعة والهدوء وهكذا ظهر له الله وهكذا ظهر المسيح فى هدوء ووداعة ليعطى للأرض السلام. ونحن لن نسمع صوت الله فى وسط ضجيج العالم وأغانيه بل فى غرفتنا، فى مخدع الصلاة وفى جلسة هادئة مع الله وهكذا يؤسس الله ملكوته فينا بصوته الخفيف نسمعه فى خلوتنا معه. وفى (13) لف إيليا وجهه = علامة الإحترام كما يفعل الشاروبيم وعلامة الخوف المقدس (خر 6:3)

وهى علامة إحترام عند الشعوب الشرقية مالك ههنا يا إيليا = السؤال مرة ثانية للعتاب لكن إيليا فى ثورته إندفع بالإجابة السابقة وكأن الله يسأله فعلا ما الذى أتى بك إلى هنا وكأن الله لا يعرف ما الذى حدث!! لكن كان الله يعاتب كما سأل آدم أين أنت؟ هل أكلت؟ وفى (15) إذهب راجعا = هذا هو أحسن علاج أن يرجعه الله للعمل والخدمة هذا أحسن علاج لليأس (وهذا ما فعله الله مع يونان ومع بطرس ” إرع غنمى “)

إمسح حزائيل = كانت هناك حرب بين أخاب وبنهدد. وكأن الله سمح لبنهدد أن يحارب أخاب عقابا له على ما فعله بإيليا. والآن فالله يعين حزائيل فى دمشق ليجرى أحكامه على إسرائيل. وحزائيل كان أحد جلساء الملك بنهدد وقتله وملك عوضا عنه (2 مل 7:8-15)

والمسح هنا بمعنى تعيين حزائيل لإتمام مهمة معينة. كما قيل عن كورش مسيح الرب (أش 1:45) وهو ملك فارسى وثنى لم يمسحه أحد من أنبياء الرب لكن كانت مهمته التى كلفه بها الرب أن يعيد الشعب لإسرائيل ويبنى الهيكل عز 1:1-4 وإمسح يا هو = مهمة ياهو ضرب عائلة أخاب وإفنائها… إمسح إليشع = فالله يقيم نبيا ليتسلم العمل من إيليا فالله لا يغفل عن شىء ولا يقصر فى شىء. يقتله إليشع = إليشع لا يقتل بسيف مثل حزائيل وياهو بل هو له سيف الروح القدس وبكلمات فمه يجرح ضمائرهم. بل ما ينطق به ضدهم لابد وسيحدث وكأنه قتل من نطق ضده بالموت ومعنى الكلام أنه لا تتعجل الأمور يا إيليا فمن تشكو منهم نهايتهم على يد هؤلاء وليس فى أيامك لكن دائما هناك وقت إسمه ملء الزمان. وفى (18) أبقيت لنفسى = فالرب يعرف خاصته. وغالبا فرقم 7000 هو رقم كامل لأن الذين بقوا على إيمانهم هم عدديا أكثر من ذلك فالعالم كما هو مملوء بالأشرار مملوء أيضا بالأبرار (قصة أبو مقار والمرأتين)

لم يقبلوا = كانت عادة عباد الأوثان أنهم يقبلونها. وهناك رأى بأن الريح والزلزلة والنار هم أدوات الله ضد أخاب وهم ربما تعبير عن حزائيل وياهو وإليشع. وإن لم يذكر الكتاب صراحة مسح إيليا لهؤلاء الثلاثة فهذا لا يمنع أن المعنى تعيينهم فى هذه المناصب ليدمروا مملكة الشر، مملكة أخاب.

 

الآيات 19-21:

– فذهب من هناك ووجد اليشع بن شافاط يحرث واثنا عشر فدان بقر قدامه وهو مع الثاني عشر فمر ايليا به وطرح رداءه عليه. فترك البقر وركض وراء ايليا وقال دعني اقبل ابي وامي واسير وراءك فقال له اذهب راجعا لاني ماذا فعلت لك. فرجع من ورائه واخذ فدان بقر وذبحهما وسلق اللحم بادوات البقر واعطى الشعب فاكلوا ثم قام ومضى وراء ايليا وكان يخدمه.

12 فدان بقر قدامه = فدان بقر أى زوج بقر مقترنين بنير يربطها معا ليحرثوا الأرض وتسميتهم فدان فهم يستطيعون حراثة فدان فى اليوم. ومن له 12 فدان بقر للحراثة يكون غنيا لكن إليشع ترك كل شىء وتبع إيليا. وكانت العادة أن صاحب الأرض يعمل مع العمال فكان إليشع مع زوج البقر الثانى عشر = وهو مع الثانى عشر طرح رداءه عليه = الرداء هو رداء خاص بالنبى إيليا وأردية الأنبياء كانت من شعر وطرح الرداء يعنى أن إيليا وضع إليشع تحت حمايته وسوف يعلمه ويدربه ويتعهده ويتلمذه ويصير إليشع تلميذا وخادما له. وإليشع من مدرسة الأنبياء وفهم ما قصده إيليا فلم يتردد بل ودع أهله وعلامة تركه كل شىء ذبح بقره وحرق أدواته ليعلم الكل أنه ترك حياته السابقة. ماذا فعلت لك = أى أنا لم أمانع فى إظهار عواطفك النبيلة ولا مانع عندى أن تذهب لتودعهم وأنا لم أحرضك أن تكون قاسيا مع أهلك فالله هو الذى دعاك لهذا العمل وأنت حر أن تتبعنى أو لا تتبعنى.

إن أردت أن تتبعنى فلا تتعوق مع والديك فالله هو الذى دعاك، فالتأخير هو بداية التهاون.

فاصل

فاصل

تفسير ملوك الأول 18 تفسير ملوك الأول 
القمص أنطونيوس فكري
تفسير ملوك الأول 20
تفسير العهد القديم

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى