تفسير سفر دانيال ٧ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السابع

بعد أن أنهى النبي الأحداث التاريخية في الستة الإصحاحات الأولى يبدأ هنا بالأجزاء النبوية وفيها كثير من الغموض، بعضها تحقق والبعض متعلق بالأيام الأخيرة. ونفس النبوة قد تكون تحققت في زمن سابق ولكنها ستتم تحقيقها في المستقبل بطريقة أخرى وقد تم صياغة هذه النبوات بحيث تحتمل تطبيقها عدة مرات.

 

الآيات (1-8): “في السنة الأوقات لبيلشاصر ملك بابل رأى دانيال حلماً ورؤى رأسه على فراشه. حينئذ كتب الحلم وأخبر برأس الكلام. أجاب دانيال وقال.كنت أرى في رؤياي ليلاً وإذ بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك. الأول كالأسد وله جناحاً نسر.وكنت أنظر حتى أنتتف جناحاه وانتصب على الأرض وأوقف على رجلين كإنسان وأعطي قلب إنسان. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب فارتفع على جنب واحد وفي فمه ثلاثة أضلع بين أسنانه فقالوا له هكذا.قم كل لحماً كثيراً. وبعد هذا كنت أرى وإذا بآخر مثل النمر وله على ظهره أربعة أجنحة طائر.وكان للحيوان أربعة رؤوس وأعطي سلطاناً. بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً وله أسنان من حديد كبيرة.أكل وسحق وداس الباقي برجليه.وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون. كنت متأملاً بالقرون وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن وفم متكلم بعظائم.”

هنا نجد رؤيا خاصة بأربعة ممالك اضطهدت شعب الله، وهم اليهود في العهد القديم، أما في العهد الجدي فشعب الله هو كنيسته. وهكذا قال السيد المسيح ” في العالم سيكون لكم ضيق ” لذلك كان تشبيه هذه الممالك بأربعة وحوش. وهذه الرؤيا هي إعادة لحلم نبوخذ نصر في الإصحاح الثاني. والفارق أن نبوخذ نصر كإنسان مادي دنيوي يعتبر ممثل للقوى العالمية، هو يهتم بالقوة والمجد العالمي، أو هو ينبهر بقوة الممالك وعظمتها، لذلك رآها في شكل تمثال هائل رأسه ذهب وقدماه حديد. وهناك رأى بأن التمثال الذي أقامه بطول 60 ذراعاً (إصحاح 3) مشابه لتمثال الحلم، وأقامه كله من ذهب مع أن الله أظهر له في الحلم بأن التمثال لن يستمر ذهباً، بل ستنتقل السلطة إلى مملكة أخرى ثم مملكة ثالثة إلى أن يباد التمثال كله، إلا أنه قد تصور أنه بإقامته لهذا التمثال سيحافظ على مملكته ذهبية إلى الأبد. وكان الله يريد أن يريه أنه لا ثبات لأي مملكة عالمية وكل مملكة عالمية، لها نهاية وأن كل حاكم هو حاكم وقتي وبسماح من الله أما ملكوت المسيح فأبدى.

أما دانيال كإنسان روحاني لا يهتم بأمجاد هذا العالم فقد رأى هذه الممالك في صورتها الحقيقية كوحوش كاسرة تتحكم فيها طبيعتها الحيوانية الدموية. وهذه الممالك طالما اضطهدت شعب الله وسفكت دماء القديسين. والشيطان هو الذي يثير هذه الممالك ضد شعب الله ويهيج ملوكها ضدهم. ولذلك رأى دانيال أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وقارن مع (أف2:2) فالشيطان يسميه الرسول رئيس سلطان الهواء الذي يعمل في أبناء المعصية. ولكننا نرى في (رؤ1:7) أن هناك أربعة ملائكة ممسكين بأربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض إلا بسماح منهم. والمعنى أن الرياح هي التجارب والآلام والضيقات التي يعانى منها شعب الله والتي يثيرها عدو الخير، ولكن شكراً لله فكل هذا بسماح منه وتحت سيطرته.


 

 

 

إصحاح (2)

إصحاح (7)

إصحاح (8)

 

 

الرأس ذهب

مملكة بابل

أسد له جناحا نسر

 

 

الصدر والذراعان فضة

مملكة مادي وفارس

دب مرتفع على جنب واحد

كبش له قرنان

 

بطن وفخذان نحاس

ملكة اليونان

نمر له أربعة أجنحة وأربع رؤوس

تيس من المعز

 

الساقان حديد

الدولة الرومانية

حيوان هائل وشديد له أسنان حديد وله عشرة قرون

 

 

القدمين حديد وخزف

صورة جديدة للدولة الرومانية أو عشرة ملوك

قرن صغير

قرن صغير

الحجر ضرب

التمثال عند القدمين الحديد والخزف

حجر قطع بغير يدين

جبل ملأ الأرض

مثل ابن إنسان

توضيح العلاقة بين رؤى إصحاحات 2،7،8


 

 

والبحر قد يكون هو البحر المتوسط الذي يتوسط ممتلكات هذه الممالك الأربعة، فبابل وفارس امتدت أملاكها حتى الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط أي سوريا وفلسطين ومصر. أما اليونان والرومان فقد امتلكوا كل هذا بالإضافة لأوروبا على الساحل الشمالي. ولكن البحر في الكتاب المقدس يشير للعالم  المضطرب الهائج وماؤه المالح من يشرب منه يعطش. وإبليس رئيس العالم سلطان الهواء هجم برياحه على البحر، أي عمل بقوته من خلال هذه الممالك وأضطهد شعب الله، فهياج البحر هو الضيقات التي تواجه شعب الله لكنها تحت سيطرة الله وبسماح منه. وهى أربعة رياح فرقم “4” يشير لكل أنحاء العالم فالضيقات تواجه شعب الله أينما كانوا. وتعنى أربع رياح أن معارك هذه الممالك ستشمل كل مكان وستكون عنيفة. لكن لنعلم أنه وإن كان الشيطان يستعمل هذه الممالك لاضطهاد شعب الله فالله ضابط الكل يستخدم كل الأمور لخير شعبه. فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة. فهو أستخدم بابل لتأديب شعبه فامتنعوا عن العبادة الوثنية، ثم أستخدم فارس لتحرير شعبه من بابل. واليونان بانتشارهم في كل العالم وانتشار لغتهم وكونها أصبحت لغة عالمية فهذا مهد السبيل لنشر الكتاب المقدس في العالم كله، فقد كتب العهد الجديد باليونانية وتمت ترجمة العهد القديم لليونانية. والرومان بامتلاكهم العالم كله مهدوا السبيل للرسل والتلاميذ لنشر الكرازة في العالم كله.

وفى (1) رأس الكلام = لب أو أصل الموضوع.

وفى (4) أسد له جناحان. وهذا يماثل الرأس الذهبي في تمثال نبوخذ نصر والحيوانات المجنحة هي طريقة معروفة لتصوير ملوك أشور وبابل. وقد وجد هذا فى النقوشات الأثرية، وفيها تصويرهم على شكل أسود وثيران مجنحة بأجنحة نسور، فالأسد والثور يشيران للملك والسلطة والقوة والضراوة وأجنحة النسور تشير لسرعة الفتوحات. (جريدة الأهرام نشرات هذا الخبر عن العثور على هذه النقوشات الأثرية بتاريخ 5/6/90) وملك بابل مشبه هنا بأسد فله سلطة مطلقة. ونجد بعد ذلك أنه إنتتف جناحاه = هذا يشير :

[1] أنه بعد جنونه قد شفى من وثنيته وتبدل قلبه الوحشي لقلب إنسان = أوقف على رجلين كإنسان وأعطى قلب إنسان (دا 34:4-37) [2]يشير هذا أيضاً لضعف المملكة بعد موت نبوخذ نصر. ثم وصلت بهم الحال للهزيمة أمام جيش كورش. وفى هذا التشبيه والحيوان بلا جناحان فهو غير قادر على الطيران أو الانقضاض أو الغزو والحرب. وكانت أخر حروب بابل المسجلة سنه 568 ق. م مع مصر.

وفى (5) الدب هنا يشير لمادي وفارس. ومادي هو الجانب الأسفل من المملكة أي الغير عامل. وفارس هي الجانب الأعلى من المملكة = فأرتفع على جنب واحد. ففي بدايات هذه المملكة كانت مادي هي المملكة الكبيرة وفارس هي المملكة الأصغر. ولذلك ففي بدايات هذه المملكة كانت تسمى مادي وفارس. وداريوس كان من مادي غير أنه كان خاضعاً لكورش (دا 6 : 8) ومع مرور الزمن أصبحت فارس هي القوة الكبيرة وتغير أسم المملكة إلى فارس ومادي (إس 1 : 3) ولا يزال شكل الدب يرى في الحجارة الأثرية لهذه المملكة. والدب ليس في قوة الأسد ولكنه ليس أقل وحشية (عا 5 : 19) ثلاث أضلع بين أسنانه = تشير لثلاث ممالك كبيرة ألتهمها هذا الدب الفارسي = وهى غالباً بابل ومصر وليديا. عموماً لقد امتدت فتوحات فارس فى ثلاث اتجاهات شمالاً وجنوباً وغرباً (8 : 3،4) شمالاً = ليديا وأرمينيا. جنوباً = مصر   غرباً = اليونان وتركيا.

وقم كل لحماً كثيراً = هذا يشير كما قلنا سابقاً لنظام الضرائب المحكم الذي جعل فارس أغنى دولة.

وفى (6) يشير النمر لمملكة اليونان. والنمر حيوان ضاري جداً ويشتهر بسرعة انقضاضه. وقد قام الإسكندر بغزو العالم في سنوات قليلة جداً. ويشير لسرعة فتوحاته أنه له أربعة أجنحة بالمقارنة بجناحين لبابل. والإسكندر الأكبر في خلال 6 سنوات تشيد على كل إمبراطورية فارس ومصر وسوريا والهند وأمم أخرى. وهذا النمر يشير للجزء النحاسي في التمثال، بينما مادي وفارس يشار لهما هنا بدب على جانب واحد وفى التمثال بذراعين وصدر فضة وكان للحيوان أربعة رؤوس = بعد موت الإسكندر ولم يكن له أولاد، تولى قادة جيشه الكبار حكم المملكة واقتسموها كالتالي :

  1. مقدونيا واليونان (اليونان حالياً)                             تولاها   كاساندر
  2. تراقيا وبيثينية (تركيا حالياً)                                           تولاها   ليسيماخوس
  3. سوريا حتى حدود الهند (سوريا والعراق وإيران وباكستان)         تولاها   سلوكس
  4. مصر وليبيا                                                            تولاها   بطلميوس

ويسمى ملك مصر ملك الجنوب وملك سور يا ملك الشمال.

وذكر للأجنحة قبل الرؤوس يعنى انتشار المملكة قبل اقتسامها.

وفى (7) نجد وحش جديد ليس له شبيه وهو أعقب الدولة اليونانية ومن  المعروف أن الدولة الرومانية هي التي قامت في أعقاب اليونان. وكانت إمبراطورية رهيبة شملت أوروبا وإفريقيا وأجزاء من أسيا. وكان البحر الأبيض يتوسط هذه الإمبراطورية ولذلك سمى بالمتوسط. وكانت في بدايتها قوية كالحديد، لذلك فهذا الحيوان يماثل الرجلين الحديد في تمثال نبوخذ نصر. ولكن هذه الإمبراطورية في نهايتها صارت ضعيفة وتفككت فصارت مثل الأصابع، وأجزاء منها قوية كالحديد وأجزاء منها ضعيفة كالخزف.

والتماثل بين هذه الرؤيا (إصحاح 7) وتمثال نبوخذ نصر (إصحاح 2) تتضح من أن هذا الحيوان له أسنان حديد كبيرة. وفعلاً فقد أكل هذا الحيوان كل الأمم الأخرى وداسها وسحقها. وسيطرت الدولة الرومانية على العالم لأكثر من 500 سنة. ولقد ولد المسيح في زمان هذه الدولة وكان هو الحجر الذي قطع بغير يد = ولد بدون زرع بشر.

وهذا الحيوان كان له عشر قرون. الإمبراطورية الرومانية لها شكلان، الأول هو الذي ظهرت به في القديم، أيام مجدها وكان يتوسطها البحر المتوسط الذي كان كبحيرة رومانية. والشكل الثاني هو الذي تنبعث به الدولة الرومانية في نهاية الأيام كدولة متحدة لكن لكل دولة شكلها وشخصيتها المستقلة، أي شكل الأصابع في رجل واحدة، ولكن بعض الأصابع حديد وبعضها خزف وفى الشكل الأول تكون العشر قرون هم  العشر أباطرة (نيرون- دقلديانوس) الذين اضطهدوا الكنيسة. وفى أيام نيرون أستشهد الرسولين بطرس وبولس وبنهاية دقلديانوس أنتهي عصر الاستشهاد، وهذا ما كان يعنيه سفر الرؤيا بقوله يكون لكم ضيق عشرة أيام (رؤ10:2) فالعشرة أيام هنا هي عشرة فترات زمنية يكون فيها ضيق للكنيسة ومع كل هذا الضيق تنمو الكنيسة وتمتد، فكما أن الحجر قطع بلا يد أي بعمل إلهى، هكذا نمو الكنيسة يكون بعمل إلهى. ومازالت هذه الكنيسة تمتد عبر العالم كله مكونة جبل عال رأسه المسيح الذي يملك ليس على ممالك دنيوية زائلة، بل يملك بصليب محبته على قلوب شعبه.

وفى الشكل الثاني للإمبراطورية الرومانية يكون العشر قرون هم عشر ملوك يساندون الوحش الذي سيظهر في أخر الأيام (رؤ12:17) ومن المعروف أن التمثال سيضرب في هذه الأيام أي ينتهي شكل العالم الحالي.

وفى أية (8) قرن آخر صغير : نجد هنا قرن صغير وفى (دا 8 :9) نجد قرن أخر صغير. وفى بعض الأحيان يخلط المفسرون بينهما، ولكن هناك فروق واضحة :

قرن إصحاح (7) هو قوة جديدة لا علاقة لها بالممالك السابقة فهو ليس امتداداً لأحدها. هو قام وسطها وهو مختلف عنهم، وهذا معني قرن آخر. بينما أن قرن إصحاح (8) هو امتداد لقوة عالمية موجودة إذ يقول في (دا 8 : 9) ومن واحد منها خرج قرن صغير. إذاً هو ليس قوة جديدة أو مختلفة ولكن هو امتداد وتطوير لقوة موجودة. هو خرج من أحد القرون الأربعة التي انقسمت إليها مملكة الإسكندر (غالباً هو سيخرج من مملكة الشمال كما سيأتي فيما بعد أي سوريا وفلسطين).

في اللغو الأصلية كلمة قرن صغير في إصحاح (7) تختلف عن كلمة قرن صغير في (8) ففي إصحاح (7) كلمة قرن صغير تشير لقرن صغير أخر أما الكلمة قرن صغير في (8) فتعنى ” أقل من القلة ” أو “قرن من القلة “. (غالباً القلة هنا هم اليهود كما سيأتي فيما بعد) ولاحظ أن المعنى، أنه سيبدأ صغيراً جداً من وسط القلة، وهو أقل من القلة ولكنه يتعظم جداً.

قرن إصحاح (8) ينتهي بتطهير القدس (8 : 14) أما قرن إصحاح (7) فهو مستمر لنهاية الأيام، حين يجلس الدين (7 :9) فما أعقب هذا القرن هو الدينونة، أي أنه مستمر إلى المجيء الثاني.

 

قرن إصحاح (7)

قرن إصحاح (8)

1

2

3

4

قرن أخر غير العشرة قرون

يأتي في أعقاب الدولة الرومانية

ممتد إلى الدينونة

الاصطلاح الآرامي المستخدم “قرن صغير أخر”

يشير للهرطقات التي تنكر ألوهية المسيح

قرن ممتد من أحد القرون الأربعة

هو امتداد للدولة اليونانية

ممتد إلى أن يتبرأ القدس

الاصطلاح الآرامي المستخدم “قرن صغير من القلة”

يشير لأنطيوخس إبيفانيوس كرمز لضد المسيح

عموماً سواء قرن إصحاح (7) أو قرن إصحاح (8) فهم قوى بدأت صغيرة ثم نمت وتحولت لقوى عظيمة اضطهدت شعب الله. وهى قوى ستنجح إلى حين. وهذه القوى ستعظم نفسها تجاه الله أو ضده وضد شعبه. ونعود الآن إلى قرن إصحاح (7) فنجد. وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه. ثم قارن مع (دا 8 :8) فنجد أن مملكة الإسكندر قد انقسمت إلى أربعة قرون وهي :

  1. مقدونيا واليونان       ليونان حالياً.
  2. تراقيا وبيثينية          تركيا حالياً.
  3. سوريا والعراق وإيران وباكستان.
  4. مصر.

ومعنى هذا أن هذا القرن قد استولى على ثلاثة ممالك من الأربعة المذكورين. وهذا القرن الصغير مواصفاته أنه له عيون كعيون إنسان وفم متكلم بعظائم = وهذا يعنى أنها هرطقة تنكر أن المسيح هو الله. وكلمة عظائم في الإنجليزية Presumptuous things لا تعنى تجاديف بل كلمات بجرأة ووقاحة. ووردت في ترجمات أخرى Pompous أو Great  أي شئ متسم بالغرور. وهذا ينطبق على الهرطقات التي ظهرت بعد أن تحولت الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، مثل هرطقات أريوس ونسطور وغيرهم. وهذه الهرطقات ظهرت في مصر على يد أريوس وكذلك في ليبيا وانتشرت في سوريا والشرق حتى إيران، ووصلت إلى قصر قسطنطين أي القسطنطينية وهى تركيا حالياً أي أنها امتدت إلى مصر وسوريا وتركيا وهذه هي الثلاثة قرون التي أكلها القرن الصغير. وهناك رأى بأن هذه الجرأة والوقاحة ظهرت في الشيوعية الملحدة والتي اضطهدت المسيحية. ومن بشاعة اضطهاد الحيوان الرابع وهذا القرن الصغير قيل في أية (7) كنت أرى في رؤى الليل، إشارة لبشاعة ووحشية هذا الوحش وهذا القرن الصغير.

 

الآيات (9-10): “كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه.ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه.فجلس الدين وفتحت الأسفار.”

  في (9) وضعت عروش = التعبير الآرامي المستخدم لكلمة وضعت هو فُرِشت دلالة على فرش البسط والوسائد على ديوان العرش في الممالك الشرقية. والمعنى المصور هنا أن الله يستعد ليوم الدينونة. وهذا مما يعزى شعب الله في كل زمان أن هناك يوماً سيدين الله فيه كل ظالم. والله الآن في السماء يضحك بهؤلاء الظالمين (مزمور 2) فهم يتصورون في حقدهم أنهم ينتقمون من شعب الله والحقيقة أنهم ينفذون خطة الله من نحو شعبه، فهذا ما حدث مع المسيح نفسه. لذلك فالله يضحك بهم كأنه يقول ” اصنعوا ما شئتم وفى النهاية ستجدوا أنكم نفذتم ما أريده أنا “هنا كلمة وضعت عروش تقابل انهيار العروش الدنيوية. فعرش الله ثابت أزلي أبدى، أما هذه العروش التي كانت للوحوش فهي تقوم في فترة زمنية ثم تختفي. ونلاحظ أن الله له عرشه والأربعة والعشرون قسيساً عروشاً. وما يعزى شعب الله أن كل ما يحدث هو تحت سيطرة الله وهو لخير شعبه دائماً. عرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة = فإلهنا نار آكلة. والبكرات تشير لقصد الله وتدبيره عبر التاريخ (راجع تفسير حزقيال 1) وتدبير الله كله حكمة. وهذا ما يشير إليه قوله قديم الأيام. وشعر رأسه كالصوف النقي. فبلغة البشر، فالشيخوخة وكبر السن يتناسبان طردياً مع الحكمة فيقال فلان له حكمة الشيوخ. وأحكام الله كلها عدل وبر ومحبة وهذا يشير له = لباسه أبيض كالثلج. ونهر نار خرج من قدامه= إشارة إلى دينونته القادمة. ولكنه لأحبائه نهر ماء صافي (رؤ1:22) وأمام حكمة الله ليصمت كل لسان وكل معترض على أحكامه. وهو محاط بملائكته كما سيأتي في مجيئه الثاني محاطاً بهم.

 

الآيات (11-12): “كنت أنظر حينئذ من أجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن.كنت أرى إلى أن قتل الحيوان وهلك جسمه ودفع لوقيد النار. إلى باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم ولكن أعطوا طول حياة إلى زمان ووقت.”

سواء في رؤيا التمثال أو هذه الرؤيا للوحوش تسلسلت الممالك عبر التاريخ يراها العالم ممالك عظيمة كما في التمثال  ولكن في حقيقتها هي وحوش تحارب شعب الله. وهذه الممالك كانت بالترتيب الأسد (بابل) وعلى أنقاض بابل قام الدب (مادي وفارس) وعلى أنقاضه قام النمر (اليونان) وعلى أنقاضه جاء الحكم الروماني. ولم تذكر النبوة أنه انتهى بمجيء القرن الصغير ولكن سيبقيان معاً، الحيوان والقرن الصغير حتى نهاية الأيام. وهذا يتضح من الآية (11) التي تنقسم لقسمين. الأول خاص بالقرن الصغير. والثاني خاص بالحيوان. وهذه الآية وردت بعد أن بدأ النبي يرى عروشاً معدة. أي أن كلا الحيوان والقرن الصغير باقيان حتى مجيء المسيح الثاني. وفى أية (12) نجد باقي الحيوانات أي بابل وفارس واليونان موجودة ولكنها بلا قوة مؤثرة في مجريات الأمور. ولنراجع رؤيا التمثال في إصحاح (2) فنجد أن الحجر الذي قطع يشير للمسيح في ولادته، وهو ولد في زمان قوة وعظمة الدولة الرومانية ولم تنتهي الدولة الرومانية بميلاده بل استمرت ما يزيد على 400 سنة في قوتها. فما معنى أن الحجر سحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح  فلم يوجد لها مكان 35:2؟ ولنلاحظ في 11:7 أن في الدينونة أي في نهاية هذا العالم قتل الوحش وهلك جسمه ودفع لوقيد النار = فيبدو أن الممالك التي كونت الدولة الرومانية المحيطة بالبحر المتوسط ضعفت لفترة ما بعد القرن الخامس والسادس الميلادي لكنها ستعود للظهور بقوة تؤثر في مجريات الأحداث قرب نهاية الأيام وظهور الوحش. ومما يؤكد هذا (رؤ12:17) “والعشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكاً بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش” (راجع رؤ17) وبهذا التدعيم من الملوك العشرة للوحش سيخربون العالم ويضطهدون شعب الله ولكن سيكون شكل الدولة الرومانية مختلفاً. بعض من ملوكها حديد والآخر من خرف. وفي شكل الإمبراطورية الأول سيكون الملوك متعاقبين وهم بدأوا بنيرون وانتهوا بدقلديانوس (في القرن الرابع الميلادي) وفي الشكل الجديد للإمبراطورية الرومانية فسيكون العشرة ملوك في وقت واحد ومتزامنين مع ظهور الوحش، هذا الذي يبيده المسيح بنفخة فمه عند ظهوره الثاني (2تس8:2) وبهذا نفهم كيف تحمل الريح عصافة البيدر (دا 35:2) وبهذا نرى هلاك كل أعداء الله وكنيسته (يه15) ولاحظ أن الكلمات العظيمة ليست إلا كلمات باطلة سيعطي الناس عنها حساباً في اليوم الأخير. وبعد أن تزال هيئة هذا العالم سيكون شعب الله في مجد أبدي مع عريسهم في السماء. وراجع (رؤ1:13،2) فالوحش الذي خرج من البحر كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد، أي نفس شكل الحيوانات السابقة ولكن نجدها هنا مجتمعة في وحش واحد أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً. فيبدو من هذا أن وحش الأيام الأخيرة سيكون جامعاً لكل صفات الوحوش السابقة الشريرة. فالشيطان في نهاية الأيام سيكون محلولاً لزمان يسير وهذه الأيام هي ايام الضيقة العظيمة التي لو لم تقصر لما خلص جسد (مت22:24) وراجع (إصحاح2) فالشيطان هو القوة المحركة وراء التمثال ووراء الوحوش أي وراء الممالك التي تضطهد شعب الله.

ولنلاحظ أن المجيء الأول للمسيح كان في عصر قدمي التمثال الحديديتين والمجيء الثاني سيجيء في عصر الأصابع ليبيد كل سلطان في العالم ” فالأرض الأولى مضت والبحر لا يوجد فيما بعد” وفي مجيء المسيح الأول لم يخضع له كل العالم (عب8:2) لكن في مجيئه الثاني سيخضع الجميع للآب (1كو28:15) وحينئذ يصبح المؤمنين جبلاً سماوياً يملأ الأرض الجديدة (دا 35:2 + رؤ1:21) فالآن المؤمنين وهم جسد المسيح قد صاروا جبلاً رأسه المسيح ولكن الصورة ستكتمل في مجيء المسيح الثاني.

 

الآيات (13،14): “كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة.سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض.”

نبوخذ نصر رأى المسيح كصخرة قطعت بلا يد فهو ملك وثني، أما دانيال المحبوب من الله فقد رآه هنا شخصياً “مثل ابن إنسان” والمسيح وجد في الهيئة كإنسان ليصبح وسيطاً بين الله والناس ليقترب الناس في المسيح من الآب. وهذا معنى قربوه قدامه = منه تمت المصالحة وكلمة قربوه تعني قدموه ذبيحة أي تقدمة (لا2:1 + 1:2 + 1:3.. الخ) فالمسيح قُدّم ذبيحة ليصالح الله مع الناس. وهو مثل ابن إنسان لأنه في حقيقته هو ابن الله. وحين ظهر لدانيال ظهر مع سحب السماء، فالسحب تصاحب ظهور الله في مجده (راجع حزقيال 1) وهكذا في صعود المسيح حجبته سحابة وفي مجيئه الثاني سيأتي على السحاب من السماء. وبالمقارنة مع الوحوش فهي تأتي من البحر. هو صعد ليجلس عن يمين أبيه فيعد لنا مكاناً، وفي مجيئه الثاني يأتي ليأخذنا لهذا المكان. وفيه سنوجد نحن قريبين من الله. وهذه المملكة الأبدية لم ولن تقوم مملكة أخرى بعدها. ولهذه النبوة كان المسيح يشير في رده على رئيس الكهنة في (مت64:26) وهكذا فهمها رئيس الكهنة لذلك قال قد جَدَّفَ.

 

الآيات (15-28): “أما أنا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وأفزعتني رؤى رأسي. فاقتربت إلى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.فأخبرني وعرّفني تفسير الأمور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة هي أربعة ملوك يقومون على الأرض. أما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين. حينئذ رمت الحقيقة من جهة الحيوان الرابع الذي كان مخالفاً لكلها وهائلاً جداً وأسنانه من حديد وأظفاره من نحاس وقد أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وعن القرون العشرة التي برأسه وعن الآخر الذي طلع فسقطت قدامه ثلاثة وهذا القرن له عيون وفم متكلم بعظائم ومنظره أشد من رفقائه. وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم. حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة. فقال هكذا. أما الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك فتأكل الأرض كلها وتدوسها وتسحقها. والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك.  ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ويظن أنه يغيّر الأوقات والسّنّة ويسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان. فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا إلى المنتهى. والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي.ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون. إلى هنا نهاية الأمر.أما أنا دانيال فأفكاري أفزعتني كثيراً وتغيّرت عليّ هيئتي وحفظت الأمر في قلبي.”

فزع دانيال ما رآه خصوصاً ما عرفه عن الحيوان الرابع والقرن وسأل بخصوصهما فهو عرف وحشيتهما واضطهادهما لقديسي العلي. وكلام القرن الصغير ضد العلي وكان رد الملاك أن الوحوش هم أربعة ملوك يقومون على الأرض= فهم أرضيين وهذا القرن مع هذا الوحش وبتخطيط الشيطان سيحاولون أن يضعفوا شعب الله بالظلم المتواصل. وفي تخطيطهم أن يفنوهم ولكن كنيسة الله باقية للأبد فهي سماوية. والقرن يظن أنه يغير الأوقات والسنة= أي يلغي كل شرائع الله. زمان وأزمنة ونصف زمان =

هي طريقة نبوية في التعبير عن فترة يراها الله في حكمته وتدبيره أنها مناسبة بمعنى ملء الزمان. ولكنها تشير لصعود مفاجئ وهبوط مفاجئ فالله سيسمح لهذه القوى الشيطانية أن تحارب الكنيسة لفترة ثم يأتي هو على السحاب. كل وحش من هؤلاء يمكن تسميته ضد المسيح، هذا يصعد نجمه فجأة وكما صعد فجأة سينهار فجأة.

ولكن وسط هذه الأخبار الصعبة نجد آيات معزية مثل (18:7،22) ونجد تفسيرها في (26:7،27) وهي تشير للمجيء الثاني الذي به تنتهي كل الضيقات تماماً. بالمجيء الأول صار لشعب الله سلاماً داخلياً ليس من هذا العالم، ولكن مازال الجسد يعاني والسبب أن الجسد مازالت تسكنه الخطية (رو17:7،18) لذلك فهذه الضيقات هي للتأديب، ومن يحبه الرب يؤدبه (عب6:12) فلنفرح بهذه التجارب (يع2:1) أما بعد التبني فداء الأجساد (رو23:8) ستنتهي آلام الجسد ويمسح الله كل دمعة من العيون ولا يعود هناك حر ولا برد ولا جوع ولا عطش ولا مرض ولا موت ولا اضطهاد ولا ظلم. وسيحكم القديسين على هذا العالم. (1كو2:6) ولكن كيف؟ القديسون سيشهدون على العالم في اليوم الأخير. حين يحاول أحد الأشرار أن يعتذر عن تقصيره وأعمال فجوره بأنه كان بشراً ضعيفاً يظهر هؤلاء القديسين أنه كانت لهم نفس الطبيعة ولكنهم آثروا طاعة الله على كل شئ. وفي (12) الدين= أي القاضي أو هيئة المحكمة، وتعني أيضاً أن القديسون سيدينون العالم من خلال المسيح رأسهم (مت28:19) ومُلك القديسين ليس ملكاً جسدياً على الأرض لكنه هو  مُلك روحي فمملكة المسيح ليست من هذا العالم ولكن هو الآن ملك أولاد الله على شهواتهم وفساد طبيعتهم وانتصاراتهم على الشيطان واغراءاته وعلى الجسد، وهو انتصار الشهداء على الموت ومخاوفه. هي مملكة نور وحب وقداسة ونعمة وكل هذا هو عربون المجد السماوي. والقديسون سيمتلكون المملكة للأبد لأن مَلِكَهُمْ  أبدي. ونحن نملك لأننا في المسيح فنحن جسده، وهو يحتوينا في جسده فهي وحدة في جسده “أنا حي فأنتم ستحيون” (يو19:14) فمملكة الله هي للقديسين.

وفي (19) أسنانه حديد وأظافره نحاس = هذا يتفق مع ما قيل سابقاً أن عصر اليونان تميز بالنحاس وعصر الرومان تميز  بالحديد ولكن مختلطاً بالنحاس فكانت أسلحتهم من حديد أساساً لكنها بنحاس وآية (21) هي التي جعلت النبي يفزع في آية (15).

فاصل

سفر دانيال: 1234567891011121314

تفسير سفر دانيال: مقدمة123456789101112 

زر الذهاب إلى الأعلى