تفسير سفر التثنية ٢٥ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس والعشرون
الآيات 2،1:- اذا كانت خصومة بين اناس و تقدموا الى القضاء ليقضي القضاة بينهم فليبرروا البار و يحكموا على المذنب. فان كان المذنب مستوجب الضرب يطرحه القاضي و يجلدونه امامه على قدر ذنبه بالعدد.
هذه الآيات موجهة لرجال القضاء. يجلدونه امامه = أى ليس فى مكان عام حتى لا يحتقره الناس فالله مهتم بكرامة حتى المذنبين. وكون الجلد أمام القاضى فلن يحدث تلاعب فى عدد الضربات بالزيادة أو النقصان. وأن يكون الحكم بعدل وعلى قدر الذنب. وأقصى عدد للضربات 40 وقد يقل عن ذلك
آية3:- اربعين يجلده لا يزد لئلا اذا زاد في جلده على هذه ضربات كثيرة يحتقر اخوك في عينيك.
لا يجب أن يزيد عدد الضربات عن 40 أما الجلد عند الشعوب الوثنية فكان بلا رحمة وكان الشخص يجلد حتى يموت أو يصاب بعاهات شنيعة مستديمة نتيجة مئات الضربات
لئلا يحتقر اخوك فى عينيك = مازال معتبراً أنه أخ. والله بهذا يعلمنا أن نكره الخطيئة وليس الخاطىء فمهما أخطأ فهو أخ وإن تعرض للتأديب. واليهود كانوا يجلدون 39 جلدة أى أربعين إلا واحدة (2كو24:11) لسببين:-
1- نوع من الإحتياط حتى لا يتعدى عدد الضربات 40
2- كانوا يستعملون سوط من ثلاث سيور من الجلد وبكل سير ثلاث عقد من الجلد أو المعدن ويضربون المذنب 13 جلدة فتكون عدد الإصابات 39.
ورقم 40 مرتبط بالتذلل أمام الله والعقاب 1- موسى صام مرتين 40 يوماً وهكذا إيليا والمسيح
2-الشعب تاه فى البرية 40 سنة وهذه المدة كانت آخر فرصة لتوبة الكنعانيين. كما أعطيت نينوى 40 يوماً فرصة للتوبة 3- 40 سنة آلام لمصر لخيانتها شعب الرب (حز 11:29-13)
4- 40 يوماً طهارة للوالدة 5- 40 يوماً أمطار فى الفيضان ولاحظ أن فترة كرازة نوح كانت 120 سنة =3×40 6- حزقيال يحمل إثم يهوذا 40 يوماً 7- صعد المسيح بعد 40 يوماً وبعدها بـ 40 سنة كان خراب أورشليم النهائى.
آية4:- لا تكم الثور في دراسه.
من الظلم أن يضع المزارعون كمامة على فم الثور الذى يجر النورج لدرس الغلال وأمامه الأكل. ولكن بولس فهمها على أنه لا يصح أن نترك خدام الله جوعى (1كو9:9-11)
الآيات 6،5:- اذا سكن اخوة معا و مات واحد منهم و ليس له ابن فلا تصر امراة الميت الى خارج لرجل اجنبي اخو زوجها يدخل عليها و يتخذها لنفسه زوجة و يقوم لها بواجب اخي الزوج. و البكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل.
كانت هذه الشريعة معمولاً بها قبل أن يسجلها موسى فهذا ما حدث مع عير بكر يهوذا (تك9:38) وقد حفظ الناس هذه الشريعة بطريق التقليد مدى الأجيال حتى سَنَّها موسى فى شريعته. وهذا كان لأن كل إمرأة كان لها رجاء أن يأتى المسيح من نسلها وقطعاً كان هذا رجاء كل رجل أن ينتسب إليه المسيح. بالإضافة لحفظ ميراث المتوفى فالبكر الذى يولد سيكون بإسم المتوفى وأيضاً لن يمحى إسم المتوفى من إسرائيل. وحفظ إسم الميت يعطى صلة بين الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المنتصرة فى السماء فمن مات لم يمت ولكنه فى مكان آخر لذلك تهتم الكنيسة بالصلاة على الراقدين وطلب شفاعتهم . فالله ليس إله أموات بل هو إله أحياء (مر 27:12 + لو 38:20) والجميع عنده أحياء. يقوم لها بواجب آخى الزوج = يقوم بالتزاماته نحوها فهو يهتم بكل شئون أرض المتوفى من بيع وشراء ورعاية ثم يعطى الأرض للإبن لذلك كان البعض يرفضون
آية7:- و ان لم يرضى الرجل ان ياخذ امراة اخيه تصعد امراة اخيه الى الباب الى الشيوخ و تقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل لم يشا ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
من يرفض واجبه يكون عمله شائناً وقبل نزول الشريعة كانوا يقتلونه أحياناً.والرب قد يميته كما حدث مع إبن يهوذا (تك10،9:38) لما رفض أن يقيم نسلاً لأخيه
إلى الباب= أى إلى القضاء فمحاكم المدينة كانت تعقد عند أبواب المدينة فمن يرفض كأنه يستخف بخطة الله فى حفظ نصيب كل عشيرة من الأرض ويسىء للأرملة وللميت الذى كان يمكن أن يكون المسيح من نسله.
الآيات 8-10:- فيدعوه شيوخ مدينته و يتكلمون معه فان اصر و قال لا ارضى ان اتخذها. تتقدم امراة اخيه اليه امام اعين الشيوخ و تخلع نعله من رجله و تبصق في وجهه و تصرح و تقول هكذا يفعل بالرجل الذي لا يبني بيت اخيه. فيدع اسمه في اسرائيل بيت مخلوع النعل.
يصير هذا الشخص موضعاً للإحتقار. وخلع نعله علامة على خلع الولاية والمسئولية عنه وانه غير مستحق أن يسير بنعليه على أرض الميت
وتبصق فى وجهه = أصل الكلمة تبصق أمام وجهه على الأرض وليس فى وجهه وهكذا فهمها وفسرها اليهود. وكان هذا علامة أخرى على إحتقاره لأنانيته وعدم تفكيره إلا فى نفسه. وإذا رفض الأخ فكان أقرب قريب للمتوفى يقوم بواجبه وهذا ما قام به بوعز (راعوث إصحاح 4). وبوعز هو الذى خلع نعل الولى لأن راعوث كانت غريبة ولا تعرف الشريعة.
آية12،11:- اذا تخاصم رجلان بعضهما بعضا رجل و اخوه و تقدمت امراة احدهما لكي تخلص رجلها من يد ضاربه و مدت يديها و امسكت بعورته. فاقطع يديها و لا تشفق عينك.
تقطع يد المرأة لوقاحتها فالله يريد أن يكون شعبه قديسيين فى كل سيرة والله لا يريد أن ينتشر عدم الحياء فى وسط شعبه.
آية13-16:- لا يكن لك في كيسك اوزان مختلفة كبيرة و صغيرة. لا يكن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة و صغيرة. وزن صحيح و حق يكون لك و مكيال صحيح و حق يكون لك لكي تطول ايامك على الارض التي يعطيك الرب الهك. لان كل من عمل ذلك كل من عمل غشا مكروه لدى الرب الهك.
كان التجار فى الغالب يحفظون موازينهم فى كيس يحملونه معهم، أما المكاييل فيحفظونها فى بيوتهم. وهنا الله ينهى عن الغش. أوزان كبيرة = يستعملونها فى الشراء بالغش
أوزان صغيرة = يستعملونها فى البيع بالغش. ويبدو أنهم مارسوا هذا النوع من الغش (عا4:8-6)
الآيات 17-19:- اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر. كيف لاقاك في الطريق و قطع من مؤخرك كل المستضعفين وراءك و انت كليل و متعب و لم يخف الله. فمتى اراحك الرب الهك من جميع اعدائك حولك في الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا لكي تمتلكها تمحو ذكر عماليق من تحت السماء لا تنسى
الآيات السابقة عن الوزن والمكيال الصحيح وهنا يضع الله عماليق فى التقييم الصحيح . فالله هو الذى يقيم أعمال الجميع بمكياله الصحيح. ولقد ظهرت نذالة عماليق فى حربهم ضد شعب الرب بينما هم من نسل عيسو شقيق يعقوب. وهم حاربوهم بخسة إذ ضربوا المستضعفين = أى مؤخرة الجماعة أى الذين كانوا متعبين ويسيرون على مهل وربما المرضى أو النساء وبهذا هم رمز لإبليس. وعماليق لم يخف الله = فهو ضرب الشعب بالرغم مما سمعه عن أعمال الله العجيبة معهم. ولقد إنتصرشعب الله على عماليق وقتئذ. وقصة أنهم ضربوا المستضعفين هذه لم يذكرها موسى فى سفر الخروج وذكرها هنا لتتضح القصة كلها ولماذا يطالب الرب بضرب عماليق… فهم يستحقون العقاب.
والإنتقام من عماليق هنا ليس هو إنتقام شخصى فكل الجيل الذى تضرر منهم ماتوا فى الطريق ولكن الإنتقام هنا لمجد الله الذى إعتدوا على شعبه وعلى كرسيه. فكل من يعتدى على شعب الله كأنه يعتدى على الله شخصياً (خر14:17-16) + (زك8:2). فالله إعتبر أن إعتداء عماليق على شعبه إعتداء على كرسيه. ليس هذا فقط فإن عماليق إستمروا فى كراهيتهم لشعب الله حتى فترة أستير فكان هامان الأجاجى مدبر المؤامرة ضد شعب الله منهم. وعبر التاريخ تعرض الشعب لمضايقات كثيرة منهم. لذلك حين يطلب الله الإنتقام كان ذلك بسابق معرفته بما سيعانيه شعبه من عماليق عبر التاريخ ونلاحظ أن أهود حاربهم (قض12:3-20 ) وكذلك جدعون (قض3:6) وقد ضربهم داود وحزقيا (1صم8:27 + 1أى14:4) وراجع (أس9،1:3) ونلاحظ كراهيتهم المستمرة عبر التاريخ لشعب الله ومؤامراتهم ضد شعب الله وبهذا طلب الله إبادتهم. وبعد ضربهم أيام أستير لم تقم لهم قائمة وباد ذكرهم من الأرض وأهلكهم الله لأنهم تحدوه.