تفسير سفر الجامعة ٧ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح السابع

الاستعداد الحكيم للأبدية

في الأصحاح السادس يحدثنا الجامعة عن خطورة البُخل مطالبًا إيَّانا أن نسلك باعتدال، نفرح بعطايا الله حتى المادية ونستخدمها، ولا نتذمر على الله أو نخاصمه لأنه يدبر كل أمورنا حسنًا ويهبنا بالقدر الذي فيه خيرنا. وفي الأصحاح السابع يقدم لنا مجموعة نصائح في شكل قطع شعرية، غايتها السلوك بروح الحكمة بعيدًا عن اللهو والترف.

في الأصحاح السابق يُطالبنا أن نهرب من البخل، وهنا يطالبنا الهروب من الحياة المستهترة.

في الأصحاح السابق يُطالبنا أن نستخدم العالم بفرح، وهنا يطالبنا أن نبحث عما وراء الحياة الزمنية.

  1. الصيت أفضل من الترف                    [1].
  2. الحكمة (الرزانة) أفضل من البطش         [2-7].
  3. الحذر خير من الاندفاع                     [8-10].
  4. الحكمة أفضل من الميراث                  [11-12].
  5. الشك أفضل من التذمر                      [13-15].
  6. الاعتدال أفضل من الإفراط                  [16-22].
  7. اطلب الحكمة خارج المتملقين               [23-29].
  8. الصيت أفضل من الترف:

الصيت خير من الدهن الطيب

ويوم الممات خير من يوم الولادة” [1].

اقتناء اسم أو صيت حسن أو شهرة طيبة أفضل من اقتناء ثروة عظيمة أو طيب ثمين. فالإنسان الجاهل إما أن يكنز ويجمع فلا ينتفع هو أو بنوه أو قريبه بما لديه وإما أنه يبدد أمواله في عيش مسرف، فيعيش في حياة اللهو والاستهتار. أما الحكيم ففي اعتدال يعرف كيف يستخدم العالم الباطل دون أن يستعبده العالم. يستخدمه دون أن يطلق لنفسه العنان في محبة المال أو في محبة الملذات، إنه يهتم بيوم مماته ليترك شهادة حقة على الأرض رائحتها أفضل وأبقى من الطيب الكثير الثمن.

إن كان الدهن هنا يُشير إلى الخيرات الزمنية، فإن الصيت لا يعني حب شهوة أو طلب المجد الباطل وإنما ترك شهادة حيَّة لحياة تقوية، كما حدث مع المرأة التي سكبت الطيب على رأس السيِّد المسيح، إذ قال: “الحق أقول لكم حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها” (مت 26: 13). هذا هو الصيت الذي نقتنيه حين نسكب حياتنا مبذولة كقارورة طيب كثير الثمن.

يهتم الحكيم بيوم الممات لا يوم الولادة، فلا ينشغل بأموره الزمنية كمن يبقى في العالم إلى الأبد، إنما يرتفع بفكره إلى ما بعد الموت، مقدمًا حياته قارورة طيب مبذولة، تفوح رائحتها على الأرض وفي السماء.

تفكيرنا في يوم الولادة هو نكوص إلى الطفولة غير الناضجة. وعيش في أحلام الماضي، أما تفكيرنا في يوم الممات فهو تقدم نحو شركة أعمق مع السيِّد المسيح الذي يلهب أعماقنا نحو السمويات، فنحتمل الموت معه كل يوم بفرح (1 كو 15: 13).

الإنسان الطبيعي يفرح بيوم ميلاده ويحتفل به كعيد سنوي، ويخشى مجيء يوم موته ويبذل كل الجهد ليؤجله ما استطاع، أما الإنسان الروحي فيرى في يوم ميلاده عطية إلهية، فيشكر الخالق الذي أوجده في العالم كي يعبر به خلال يوم موته إلى ميلاد جديد، فيه يلتقي معه وجهًا لوجه. يوم ميلادنا دخل بنا إلى الآلام التي نقبلها بشكر من أجل الرب، أما يوم الممات فيدخل بنا إلى كمال حرية مجد أولاد الله.

  1. الحكمة (الرزانة) أفضل من البطش:

“الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة،

لأن ذاك نهاية كل إنسان والحيّ يضعه في قلبه” [2].    

 في أكثر من موضع يحثّنا الجامعة على الفرح ونزع الغم من القلب (11: 9-10)، فإن الله يقيم ملكوته، ملكوت الفرح، في داخلنا. هنا يتحدث عن التوبة والإعداد للأبدية. في بيت النوح نرى نهاية العالم كما نرى السماء المفتوحة فنشتاق للعبور. غاية صلوات الجنازات تعزية أحباء الراقد وفتح أبواب السماء أمام قلوبهم لتتهلل نفوسهم. حزن التوبة الباعثة للسلام الداخلي خير من ضحك المستهترين، وكآبة الوجه في المخدع لا في لقائنا مع الغير حيث الندم على الخطايا يفرح القلب ويصلحه!

إدراكنا لحقيقة الموت كأمر حتمي يعطينا تقديرًا صادقًا واقعيًا لحياتنا الزمنية ويفتح أمامنا باب الرجاء في السمويات، كما يسندنا في جهادنا الروحي… حيث ندرك قصر مدة غربتنا، والتزامنا بالسلوك الحكيم الرزين عوض الترف الزائد والطيش.

v   قال شيخ: جاهل من يوجد في فكره ذِكر شيء من العالم ما خلا الميراث الذي يناله فقط، أعني القبر[141].

القدِّيس يوحنا سابا

v   “الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة” [2].

في (البيت) الأول نجني استحقاقات العمل الصالح، وفي الثاني السقوط في الخطية.

في إحداهما نترجى المجازاة (الأبدية). وفي الثاني ننال المكافأة فعلاً (الترف).

تعاطف مع الحزانى كأنك حزين أيضًا معهم[142]!

v   إذا أراد أحد أن يرتفع، يلزمه ألا يطلب مباهج العالم أو المسرات أو الملذات، بل كل ما هو ممتلئ ألمًا وحزنًا، فإن الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة.

حقًا ما كان آدم لينحدر من الفردوس إلى أسفل ما لم ينخدع باللذة[143]!

القدِّيس أمبروسيوس

v   بواسطة هذا الأخير (الذهاب إلى بيت الوليمة) تلتهب النفس. فإن كنا نستطيع مجاراة حياة الترف ننزلق في الانغماس في اللذة، وإن لم نستطع نحزن. أما في بيت النوح فالأمر على خلاف ذلك؛ فإن كنا لا نقدر أن نكون مترفين لا نتألم لذلك، وإن أمكننا ذلك فإننا نحجم عن حياة الترف.

إن الأديرة هي بحق بيوت للنوح حيث المسوح والرماد، هناك الوحدة لا الضحك ولا ضغطات الهموم الزمنية. هناك الصوم والرقاد على الأرض، لا يوجد فيها الأكل الدسم ذو الرائحة الكريهة، لا يوجد سفك دماء أو هياج أو انزعاج أو ازدحام[144].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

v   ثبِّت أمر رحيلك في قلبك يا إنسان، وذلك بدوام قولك: “هوذا الرسول قادم على الأبواب، هذا الذي يأتي من أجلي، فلماذا أنا كسلان؟ إن رحيلي سيكون إلى الأبد، وبلا عودة!

اقضِ الليل في هذا التفكير، ولتبتهج به طوال النهار، حتى حينما يأزف موعد الرحيل تستقبله بحفاوة وحبور، قائلاً: [تعال في سلام، فإنني أعرف أنك قادم، ولم أُهمل في أمر ينفعني في هذا الطريق[145]].

v   لا يمكن إقناع الجسد بالعيش طويلاً في حالة وحدة طالما أنه محاط بأسباب المسرات العالمية والرخاوة. ولا يمكن للعقل أن يكف عنها (عن المسرات والرخاوة) حتى يتغرب الجسد عن كل ما يُصنع برخاوة. لأنه حينما يعاين الجسد مشاهد الترف والأمور الزمنية، وحينما يطالع كل ساعة أسباب الاسترخاء، تشتعل فيه رغبة جامحة نحوها[146].

مار اسحق السرياني

“الحزن خير من الضحك،

لأنه بكآبة الوجه يُصلح القلب” [3].

يليق بنا ونحن بعد في هذا العالم نشعر بضعفنا أن نمارس حزن التوبة يوميًا، لا ضحك المستهترين والجُهال، فإن دموع التوبة تُصلح قلوبنا.

لا يُفهم من هذا أن يعيش المؤمن بائسًا كئيب الوجه أمام الغير، وإنما يمارس توبته في مخدعه، في حياته الخاصة، دون أن يُحطم الآخرين بغمه!

الإنسان الروحي يحزن على خطيته ولا يفقد سلامه، لذا يكسب الآخرين بشاشته النابعة عن فرح داخلي مع الجدية.

سَمعُ الانتهار من الحكيم خير للإنسان من سمع غناء الجهال.

لأنه كصوت الشوك تحت القدر هكذا ضحك الجهال.

هذا أيضًا باطل” [5-6].

الإنسان الجاد في حياته يفرح بانتهار حكيم مخلص، ولا يُسر بغناء الجهال، أي تملقهم له بكلمات معسولة، فإنها كالشوك تحت القدر، يعطي أصواتًا لكنه يحترق فيصير رمادًا نود الخلاص منه.

الإنسان الحكيم، المهتم بخلاص نفسه وبنيانها ونموها الدائم لا يقبل نصائح الحكيم فحسب، وإنما يخضع برضا لتأديباته وانتهاره فإن “توبيخات الأدب طريق الحياة” (أم 6: 23)؛ أما الإنسان الأحمق فلا يُبالي بأبديته، لذا يُسر بحياة اللهو والترف ويتجاوب مع ضحك الجهال علامة فراغ قلبه. يقول الحكيم: “عاقبة هذا الفرح حزن” (أم 14: 13). ويقول السيِّد المسيح: “طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون… ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون” (لو6: 21، 25).

 “لأن الظلم يحمّق الحكيم،

والعطية تفسد القلب” [7].

إن كنا بفرح نقبل انتهار حكيم مخلص يهتم بخلاص نفوسنا، فإنه من جانبنا يلزمنا ألا نقسو على الغير تحت ستار “انتهار الحكيم”، لأن كثرة الظلم يمكن أن تحمّق الحكيم، أي تدفعه إلى الانحراف. لهذا يقول المرتل: “لا تستقر عصا الأشرار على نصيب الصديقين لكيلا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم” (مز 125: 3).

كما أن الظلم قد يُحطم الصديقين فالتطرف الآخر “العطية تفسد القلب” [7]، ريما تعني هنا العطاء ببذخ بغير حكمة، أو الرشوة فإنها تدفع النفس إلى الانحراف.

v   خير أن تتلقى توبيخًا من حكيم عن أن تسمع جوقة كاملة من التعساء في أغانيهم، لأن ضحك الجهال يشبه قرقعة أشواك كثيرة تحترق في نار متقدة[147].

القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب

  1. الحذر خير من الاندفاع:

من بين النصائح التي يُقدمها الجامعة لكي تسند الإنسان في تهيئة نفسه للأبدية الآتي:

أ. عدم العيش على أحلام الماضي:

“نهاية أمر خير من بدايته” [8]. بعين الإيمان نصبر إلى المنتهى فنخلص. لا نقف عند جهادنا في الماضي ولا نيأس لعجزنا في الحاضر، لكن يلزمنا أن نعمل بروح الله، واثقين أنه حتمًا يهبنا النصرة مادمنا بين يديه، نتكل عليه. لقد بدى موسى النبي كأنه فاشل في خدمته حتى بعدما دعاه الله وأرسله إلى فرعون… لكنه في النهاية حقق نجاحًا غير متوقع. والقدِّيس مرقس أيضًا ترك الخدمة ورجع إلى أورشليم (أع 13: 13)، لكنه عاد فكرز في بلاد كثيرة وأثمر جدًا… وعلى العكس يعلن الرسول بولس حزنه على الذين بدءوا بالروح وكملوا بالجسد.

ب. طول الأناة عوض العجرفة:

“طول الروح خير من تكبر الروح[8]. وكأن طول الروح أو طول الأناة يرتبط بالاتضاع ويضاد روح العجرفة والكبرياء أو الانفعال سواء داخل القلب أو ظاهريًا. فإنه  بالكبرياء نفقد سلامنا الداخلي وميراثنا الأبدي.

v   الصبر (طول الأناة) هو والد (والدة) التعزية، وهو قوة خاصة تنشأ عن اتساع القلب على الدوام، من الصعب أن يجد الإنسان تلك القوة في ضيقاته ما لم يُعط من الله. هذه العطية ينالها بصلواته المستمرة الجادة وسكب الدموع[148].

مار اسحق السرياني

v   لا شفاء لوجع المتكبر، لأنه كلما تعالى بأفكاره تبتعد معرفة الله عن نفسه، وإلى عمق الظلمة يهبط!

القدِّيس يوحنا سابا

v   تنبع الكبرياء عن حب المال، وعن ما ينشأ عنه من تصرفات…

يا للجنون! ألا يدري هذا الإنسان المتكبر أن مجده يزول ويتبخر كالحلم، وإن العظمة والسلطان ليست هي إلاَّ سراب خدّاع[149]؟!

القدِّيس باسيليوس الكبير

ج. عدم التسرع إلى الغضب:

“لا تُسرع بروحك إلى الغضب،

لأن الغضب يستقر في حض الجهال” [9].

يليق بنا أن نكون حذرين فلا نتسرع بالغضب على الآخرين، لأن الغضب يستقر في حضن الجُهال، بمعنى أنه وليد الجهل والحماقة، يجد راحته فيه كما يستقر الرضيع في حضن أمه.

v   يجب أن يُستأصل سم الغضب المميت من أعماق نفوسنا. فطالما بقي في قلوبنا وأعمى بظلمته المؤذية يشوع بن نون الروح (القلب)، لا نستطيع الحصول على الإفراز (التمييز) والحكم السليم. ولا نستطيع أن ننال النظرة الداخلية الصادقة أو المشورة الكاملة، ولا أن نكون شركاء للحياة أو نحتفظ بالبر، أو حتى أن يكون لنا المقدرة على النور الروحي الحقيقي، “تعكرت من الغضب عيناي” (مز 6: 7). “ولا نستطيع أن نصير شركاء في الحكمة، ولو وُجد حكم جماعي بأننا حكماء، لأن الغضب يستقر في حضن الجهَّال” [10]، ولا نستطيع أن ننال الحياة غير المائتة… “لأن الغضب يهلك حتى الحكم” (أم 15: 1). ولا نقدر أن نحصل على القوة الضابطة للبر حتى لو ظن البشر فينا أننا كاملون وقدِّيسون، “لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله” (يع 1: 20)… كما لا نستطيع نوال حتى الكرامة والتقدير اللذين في العالم، ولو حسبوا أننا نبلاء وذوي شرف، “لأن الرجل الغضوب، يُحتقر” (أم 11: 25)… ولا نستطيع التحرر من أي اضطراب ولو لم يسبب لنا أحد اضطرابًا… لأن “الرجل الغضوب يهيِّج الخصام، والسخوط كثير المعاصي”[150].

القدِّيس يوحنا كاسيان

د. لا نُبتلع بالماضي على حساب الحاضر:

نتعلم من أحداث الماضي نعمة الله الغنية عبر الأزمان، لكن يلزمنا ألاَّ نلوم الحاضر كأن الله قد تغيّر، إنما نلوم أنفسنا على ضعفاتها، واثقين أن الله الذي عمل معنا في الماضي قادر أن يعمل أيضًا في الحاضر.

لا تقل: لماذا كانت الأيام الأولى خيرًا من هذه؟

لأنه ليس عن حكمة تسأل عن هذا[10].

لنشكر الله على معاملاته معنا في الماضي، ولنطلبه أن يعمل أيضًا في الحاضر، شاعرين أن وجودنا الحاضر هو عطية إلهية وبركة وفرصة لنوال بركات أفضل.

الإنسان الروحي يشعر أن اللحظة التي يعيشها الآن هي أمتع لحظات عمره وأسعدها في الرب، مدركًا أنها قد وُهبت له لتوبته ونموه الروحي لا لينشغل بالماضي ويحزن عليه كأمر مفقود، أو كسعادة زالت عنه!

  1. الحكمة أفضل من الميراث:

بعد أن قدم لنا نصائح عملية لنعيشها كي نحيا سعداء في هذه الحياة الزائلة وكمن يتأهل للحياة الأخرى… الآن يسألنا أن نطلب الحكمة ونقتنيها، ولعله يقصد بالحكمة أيضًا الأقنوم الثاني: كلمة الله وحكمته.

“الحكمة صالحة مثل الميراث،

بل أفضل لناظري الشمس” [11].

يترجمها البعض: “الحكمة صالحة مع الميراث”، فهي صالحة ليس فقط بالنسبة للفقراء، حيث تهبهم القناعة والشكر فيستريحون، وإنما صالحة أيضًا بالنسبة للأغنياء، تعلمهم كيف يستخدمون أموالهم ويديرونها ويصنعون بها أصدقاء يقبلونهم في المظال الأبدية (لو 16: 9). بالحكمة ننتفع بالمال ونربح به الآخرين كما نربح نفوسنا.

بالحكمة أيضًا ندرك أن الله هو ميراثنا الأبدي، ونحن نصيبه.

بالحكمة نلتقي بالسيِّد المسيح شمس البّر فتستنير عيون قلوبنا، فترى أجسادنا الشمس المادية وترى قلوبنا شمس البّر… استنارتنا الداخلية أفضل من الاستنارة الخارجية!

“لأن الذي في ظل الحكمة هو في ظل الفضة،

وفضل المعرفة هو أن الحكمة تُحييّ أصحابها” [12].

إن كان الإنسان يحتمي في الفضة كظل يقيه من متاعب كثيرة، يلجأ إليها ليشتري طعامه وشرابه وملبسه وأيضًا دواءه… فإنه بالحقيقة يحتاج إلى الحكمة كظل صخرة عظيمة في أرض معيبة (إش 32: 2)، إنها كسور وسياج يحمي حقل النفس من إغارة الأعداء. أما ما هو أعظم فإن الفضة لا تُحييّ أصحابها بل قد تقتلهم إن أساؤا استخدامها، أما الحكمة الإلهية فتُقدم لنا الحياة. لذلك فإن “قنية الحكمة كم هي خير من الذهب، وقنية الفهم تُختار على الفضة” (أم 16: 16).

v   لأن حياة الإنسان لا يقوم امتيازها على اقتناء غنى زائل بل على اقتناء الحكمة. إنها أعظم كل الخيرات التي تُقتنى من الله، وإذ نسكن فيه لا نخطئ[151].

v   الحكمة تُعين أكثر من فريق من أقوى رجال المدينة، وهي غالبًا ما تغفر بالحق للذي يخفقون في أداء الواجب[152].

القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب

v   لأنه كما يقول الجامعة: “الحكمة دفاع (ظل) كما أن المال دفاع” [12]. يليق بنا ألا نتسرع فنظن أن هذه العبارة تُناقض قول الرب: “الحق أقول لكم أنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات؛ وأقول لكم أيضًا إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله” (مت 19: 23-24)، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان خلاص زكا العشار الموصوف في الكتاب المقدس كرجلٍ ذي ثروة عظيمة، يُناقض إعلان الرب[153]!

القدِّيس جيروم

  1. الشكر أفضل من التذمر:

يوجز الكاتب فلسفته في الحياة طالما أن حياتنا هي في يدّ الله ضابط الكل، الأب والحكيم والقدير، لذا فلنشكره في أيام الفرح، ولنلتمس حكمته في يوم التأديب… ففي محبته يهبنا بركات فنشكره وتأديبات ننتفع بها، لبنياننا يسمح بهذه وتلك.

“صانع السلام وخالق الشر (الضيق)؛ أنا الرب صانع كل هذه” (إش 45: 7).

“اُنظر عمل الله: لأنه من يقدر على تقديم ما قد عوَّجه؟!

في يوم الخير كن بخيرِ، وفي يوم الشر اعتبر.

إن الله جعل هذا مع ذاك لكيلا يجد الإنسان شيئًا بعده” [13-14].

يُطالب الجامعة الإنسان أن ينظر عمل الله، قبل أن يعترض أو يتذمر. فإنه  لا يستطيع المال ولا الأصدقاء ولا المواهب على تغيير طبيعتنا وإصلاح اعوجاجها وفسادها، لكن الله وحده بحكمته بكونه المخلِّص يعرف كيف يروِّضنا تارة بالبركات الزمنية وأخرى بالتأديبات… وفي كلا الحالتين هو العامل فينا. أنه يجعل هذا مع ذاك، أي يخلط أيام الفرج بالضيق حتى ليستحيل على الإنسان أن يكتشف (يجد) ما سيحدث له بالغد، فيكون دومًا مستعدًا باتكاله على الله مخلصه. بمعنى آخر، من صالحنا أن نقبل حكمة الله القادرة على إصلاح طبيعتنا دون أن نتذمر على الأحداث التي تحل بنا.

أخيرًا يقدم الجامعة خبرته الشخصية في هذا الأمر، فإنه  في أيام بُطله، أي في الأيام التي انحرف فيها عن الله لم يكن يدرك لماذا لا يخلص الأبرار من الضيقات بينما يتأنى الله كثيرًا على الأشرار، حتى يبدو كأنه ليس من عدالة وإنصاف.

“قد رأيت الكل في أيام بُطلي.

قد يكون بار يبيد في بره،

وقد يكون شرير يطول في شره” [15].

 قد يموت البار في سن مبكرة ربما لأن الله قد رآه ثمرة ناضجة، قد حان وقت اقتطافها، إن بقيت على الشجرة تفسد. كثيرون يأخذهم الرب في وقت مبكر لحمايتهم من شر قادم، إذ يُضم الصدِّيق من وجه الشر. وقد يسمح الله للأشرار أن يحيون ويشيخون ويتجبّرون قوة، معطيًا إيّاهم الفرصة للتوبة أو لتكميل كأس شرهم.

  1. الاعتدال أفضل من الإفراط:

إذ يدعونا الجامعة إلى الحكمة، إنما يدعونا إلى الطريق الملوكي المعتدل، دون تطرف أو انحراف يمينًا أو يسارًا، فالطريق المعتدل هو الطريق الآمن الذي يدخل بنا إلى الأبدية.

“لا تكن بارًا كثيرًا،

ولا تكن حكيمًا بزيادة.

لماذا تخرب نفسك؟

لا تكن شريرًا كثيرًا ولا تكن جاهلاً.

لماذا تموت في غير وقتك؟” [16-17].

ماذا يعني بقوله: “لا تكن بارًا كثيرًا”؟ لا تكن مفرطًا أو متطرفًا، بل اُسلك في البِر برويَّة وحكمة وتمييز. نذكر على سبيل المثال:

أ. الصوم تدريب روحي تقوي، لكن لم يمتنع عن الأطعمة كأمر دنس أو نجس يسقط في بدعة وضلال (1 تي 4: 3-4). وأيضًا من يُبالغ في صومه فيفقد قـدرته على

العمل والعبادة يكون قد أساء التصرف.

v   يجب علينا أن نضع نقاوة نفوسنا في كفة، وقوتنا الجسمية في كفة أخرى، ونزنهما بحُكم ضميرنا العادل، حتى لا نميل منحرفين إلى كفة على حساب الأخرى، أي إلى حزم غير لائق أو استرخاء مُفرط[154].

 الأب ثيوفاس

ب. قراءة الكتاب المقدس ضرورية، لكن الانهماك فيها لمدد طويلة في ليالي الامتحانات يحمل هروبًا من المسئولية وليس برًا.

ج. البتولية طريق مقدس لمن لهم هذه الموهبة… لكن من يسلك هذا الطريق وفي تطرف ينظر إلى الزواج كدنس أو كأمر محتقر يجلب خطرًا على نفسه.

v   لا تكن بارًا بإفراط بل بالأحرى اعطِ مكانًا للإيمان في فكرك.

مار اسحق السرياني

v   كان الرسول (بولس) في نهاية نقاشه عن الزواج والبتولية حريصًا أن يُظهر تمييزًا بينهما دون الانحراف يمينًا أو يسارًا، متبعًا الطريق الملوكي، محققًا الوصية: “لا تكن بارًا كثيرًا”[155].

القدِّيس جيروم

يرى الأب ثيوناس في مناظراته مع القدِّيس يوحنا كاسيان[156] وأيضًا القدِّيس أغسطينوس[157] أن العبارة “لا تكن بارًا كثيرًا” تُشير إلى الذين يبالغون في مظاهر التديُّن وأعمال البر لأجل مديح الناس… مثل هؤلاء يظهرون كحكماء بينما هم يخربون أنفسهم بحب المجد الباطل.

يعرف عدو الخير كيف يُخرب النفوس، فيحطم البعض بالبخل تحت ستار الحكمة والتدبير والانضباط، وآخرين بالتبذير تحت ستار السخاء والبساطة، والبعض بالمبالغة في الصوم وبقية أنواع العبادة طلبًا للمجد الباطل؛ والبعض بالانشغال المستمر في الخدمة على حساب علاقته الخاصة مع الله تحت ستار الشهادة للسيِّد المسيح، وآخرين بالانعزال في حجراتهم مع غلق قلوبهم عن إخوتهم تحت ستار العبادة الشخصية الخ… أنه يعرف كيف يحث الإنسان بطريق أو آخر كي لا ينحرف عن الحياة الملوكية المعتدلة المقدسة في الرب.

أما نصيحته للأشرار فهي عدم استغلال طول أناة الله الذي يسمح أحيانًا أن تطول أيام الشرير [15]. فإنه لا يليق بهم الاستمرار في الشر بل تقديم توبة، ففي هذا جهالة وقتل للنفس والجسد أيضًا… “لا تكن جاهلاً؛ لماذا تموت في غير وقتك؟ [17].

إنه يدعونا إلى حياة الحكمة والاعتدال دون تراخٍ في حياة الفضيلة والجهاد، فإننا بهذا نخرج من الانحرافيين: البر بزيادة والاستمرار في الشر. إذ يقول: “حسن أن تتمسك بهذا أيضًا أن لا ترخي عن ذاك؛ أن مُتَّقي الله يخرج منهما كليهما[18].

إذ يتحدث الجامعة عن الاعتدال يوضح لنا الخطوط العريضة لهذا الطريق:

أ. استخدام روح الوداعة الحكيمة لا التسلط: فإن كثيرين ممن يظنون في أنفسهم أنهم أبرار وحكماء يبحثون عن المراكز في العالم أو في الكنيسة لعلهم خلال السلطة يقدرون أن يصلحوا من حال الآخرين، لهذا يدعونا الحكيم ألا نطلب السلطة بل نسلك بالحب الحكيم فإن “الحكمة تقوّي الحكيم أكثر من عشرة مسلَّطين الذين هم في المدينة” [19].

v   لا يسكن الله في محب الرئاسة، ولا تسكن أنت معه[158].

القدِّيس يوحنا سابا

ب. الاعتراف بالخطية: الحكيم المعتدل لا يتطلع إلى نفسه كمن هو بلا خطية، فيحكم ويدين الآخرين بروح السلطة والانتهار، وإنما يشعر بضعفهم لأنه يُشاركهم ذات الضعفات. ليس إنسان ولو كان صِدّيقًا بلا خطية مادام في الجسد ويعيش على الأرض. “لأنه لا إنسان صدِّيق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ[20]. يقول الرسول يوحنا: “فإن قلنا أنه ليس لنا خطية نُضلّ أنفسنا” (1 يو 1: 8). هكذا يليقبالجميع – كهنة ومعلمين وشعبًا – أن يعترفوا بحاجتهم إلى الله مخلص العالم.

v   الإنسان المدرِك لخطاياه أعظم من الذي ينتفع بالعالم أجمع، وذلك يظهر على محياه. والذي يتنهد على نفسه ساعة واحدة أعظم من الذي يُقيم الموتى بصلاته، بينما يعيش وسط الناس[159].

مار إسحق السرياني

v   مَنْ مِنَ الناس حتى وإن كان رئيسًا للأبرار القدِّيسين نظن أنه في وقت ما يقدر       – وهو مقيد بسلاسل هذه الحياة – أن يصل إلى هذا الصلاح الرئيسي دون أن يتوقف عن التأمل المقدس؟! أما ينجذب ولو إلى وقت قصير عن ذاك الذي هو وحده صالح بواسطة أفكار أرضية؟!…

مَنْ منا حتى في اللحظة التي يرفع فيها نفسه للصلاة لله يسموّ، لا يسقط قط في التشتيت؟!…

لذلك يحزن جميع القدِّيسين بتنهدات يومية من أجل ضعف طبيعتهم هذا. وبينما هم يستقصون أفكارهم المتنقلة ومكنونات ضمائرهم وخلواتهم العميقة، يصرخون متضرعين: “لا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه  لن يتبرر قدامك حيّ ” (مز 143: 2)؛ “من يقول إنيّ زكيت قلبي تطهرت من خطيتي” (مز 20: 9)… “السهوات من يشعر بها؟!” (مز 19: 20). هكذا أدركوا أن برّ الإنسان عليل وغير كامل ويحتاج دائمًا إلى رحمة الله حتى أن أحدهم بعد رؤيته الساروفيم في الأعالي وكشفه المكنونات السمائية، قال “ويل ليّ لأنيّ إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين” (إش 6: 5)…

ها أنت ترى إذن كيف يعترف جميع القدِّيسين بصدق أن جميع الناس كما هم أيضًا خطاة، ومع ذلك لا ييئسون أبدًا من خلاصهم، بل يبحثون عن تطهير كامل بنعمة الله ورحمته.

v   لا يوجد أحد – مهما كان مقدسًا – في هذه الحياة بلا خطية. وقد أخبرنا أيضًا تعليم المخلص الذي منح تلاميذه نموذج الصلاة الكاملة… إذ نقول: “واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” (مت 6: 12)[160].

الأب ثيوناس

ج. عدم الانشغال بكلمات الغير ضدك: الذي يسلك ببرّ المسيح لا يبالي بكلمات الآخرين، وإلاَّ انحرف إلى صنع البرّ بزيادة… فإن من يميل بأذنه إلى كلمات الناس يجد حتى الذين تحت سلطانه، حتى الذين يقدم لهم احتياجاتهم يسبُّونه. بمعنى آخر، فلننشغل بأبديتنا في عبادتنا وتعليمنا للغير وسلوكنا اليومي ولا نبالي بمديح الناس أو ذمهم، ليس لأنهم أشرار، ولكن لأننا نحن أنفسنا في ضعفنا نخطئ في حق الغير، حتى بالنسبة للذين يحسنون إلينا.

أيضًا لا تضع قلبك على كل الكلام الذي يُقال لئلاَّ تسمع عبدك يسبك،

لأن قلبك أيضًا يعلم أنك أنت كذلك مرارًا كثيرة سببت آخرين” [21- 22].

  1. اطلب الحكمة خارج المتملقين:

لئلا يُفهم من حديثه: “لا تكن حكيمًا بزيادة[16] أن نتراخى في طلب الحكمة، لهذا يعلن الجامعة شوقه الصادق نحو الحكمة، وجهاده لبلوغها حتى يتخلص من الجهالة المرتبطة بالشر.

كل هذا امتحنته بالحكمة.

قلت أكون حكيمًا.

أما هي فبعيدة عني.

بعيد ما كان بعيدًا والعميق العمق من يجده؟!

دُرْتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً،

ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون” [23-25].

لقد وضع كل عزمه أن يبلغ الحكمة كطريق للبر، بكل قلبه ومشاعره وأحاسيسه، صار يدرس ويبحث ويصلي ويطلب… هكذا يمتزج القلب مع الفكر، والدراسة مع الصلاة…، يعمل بكل كيانه وإمكانياته لينل السماوية التي هي بعيدة كل البعد، عميقة كل العمق… يهبها الله لطالبيه.

v   هكذا سليمان الذي كان أحكم كل البشر في أيامه أو في الأيام السابقة له، وهبه الله اتساع قلب وفيضًا من التأمل أغزر من رمل البحر، فإن هذا أيضًا كلما دخل إلى أعماق (الحكمة) زادت حيرته، وقد أعلن اكتشافه عن الحكمة كم هي بعيدة عنه جدًا[161].

القدِّيس غريغوريوس النزينزي

v   إلى أي مدى يسعى الإنسان وراء الحكمة؟ وأين يتم بلوغ كمالها؟

حقا لا يمكن بلوغ حدود هذه الرحلة، حتى أن القدِّيسين يوجدون معتازين لكمال الحكمة، لأنه ما من نهاية لرحلة الحكمة.

ترتفع الحكمة هكذا حتى تهب من يتبعها الاتحاد مع الله. وهذه هي العلاقة أن بصيرة الحكمة بلا حدود، وإن الحكمة هي الله نفسه[162].

مار إسحق السريإني

قدر ما يسعى سليمان الحكيم في طلب الحكمة التي ترتبط بالبر، فإنه يسعى أيضًا للخلاص من الجهالة المرتبطة بالشر، خاصة الارتباط بنساء شريرات يرتكب معهن الخطية… فقد وجد في المرأة الزانية الآتي:

أ. أمرّ من الموت [26]، أنها تسبب هلاك النفس أبديًا.

ب. خادعة، يدعوها “شباك”، تنصب بكلمات معسولة رقيقة الفخاخ [26].

ج. عنيفة، تأسر الإنسان كما بقيود [26]، فيفقد الإنسان حريته الداخلية، حرية مجد أولاد الله.

د. غير صادقة ولا مخلصة، إذ يقول الجامعة: “رجلاً واحدًا بين ألف وجدت؛ أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد[28]. اكتشف الحكيم أنه بين الحشد المرافق له والذي لا يعرف إلاَّ النفاق والمداهنة مع حياة اللهو والترف، بالكاد يجد رجلاً صريحًا وصادقًا في حبه بين ألف رجل، أما بين النساء الغريبات الفاسدات فلم يجد بينهن واحدة صادقة.

v   من الأفضل أن نتبرأ من تلك المرأة ونهرب من أمامها، التي هي فخ صياد، وقلبها مصيدة، في يديها قيود. أما البار أمام الله فينجو منها، بينما يسقط الخاطئ في شباكها[163].

القدِّيس كيرلس الكبير

لئلا يظن أحد أن الله خلق الإنسان شريرًا أو أن المرأة أشر من الرجل أكمل الحكيم حديثه: “اُنظر، هذا وجدت فقط أن الله صنع الإنسان مستقيمًا. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة[29]. الإنسان – رجلاً كان أو امرأة – أفسد حياته باختراعاته الكثيرة أي بتصرفاته الشريرة وإرادته الفاسدة.

v   يقول أنه أوجد الإنسان مستقيمًا. تأمل قوة هذه الكلمات، فكلمة إنسان تعني الذكر والأنثى… لنقرأ بداية سفر التكوين فنجد “آدم” أي الإنسان، يُقصد به كلا من الرجل والمرأة (إذ كانت حواء في آدم)، وقد خلقه الله مستقيمًا وصالحًا؛ لكننا إذ أخطأنا سقطنا إلى حالة رديئة، وغادرنا الفردوس الذي صنُع صالحًا[164]

القدِّيس جيروم

v   واحدة هي الفضيلة عند الرجل والمرأة، ما أن خلقهم أُحيط بشرف متساوٍ. اسمعوا سفر التكوين: “خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم” (1: 27). فبما أن طبيعتهم واحدة ولهم نفس الأفعال، فمكافآتهم يجب أن تكون أيضًا واحدة[165].

القدِّيس باسيليوس الكبير

v   (على لسان الشهيدة جوليتا)

إننا من نفس طينة الرجال… ومثلهم خُلقنا على صورة الله. نعم، إن المرأة قادرة على العمل بالفضيلة كالرجال. هكذا أراد الخالق. وما نحن في كل شيء سوى شريكات لهم. إن الله لم يأخذ فقط من لحم آدم ليصنع حواء، وإنما هي “عظم من عظامه” (تك 2: 23). لذا نحن مدينات لله الأزلي بالإكرام في صمودنا، في قوتنا وفي صبرنا بنفس المقدار مع الرجال[166].

القدِّيس باسيليوس الكبير

v   يقول الروح القدس: “الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة” [29]. هكذا يتضح أن البشر منذ البدء اكتشفوا الشر وصارعوا معه وتخيلوه في أنفسهم، استحقوا جزاء الموت الذي هُددوا به. ومنذ ذلك الحين لم يعودوا إلى ما كانوا عليه، وإنما فسدوا باختراعاتهم[167].

البابا أثناسيوس الرسولي

v   خُلقنا صالحين بواسطة (الله) الصالح، لأن “الله خلق الإنسان مستقيمًا” لكننا بإرادتنا الحرة صرنا أشرارًا. كانت لنا قدرة أن نصير أشرارًا، وقد كنا صالحين، وسوف تتوفر لنا القوة أن نصير صالحين ونحن أشرار[168].

v   هكذا كما هو مكتوب: “الله صنع الإنسان مستقيمًا[29]، ومن ثم بإرادة صالحة، لأنه لو لم تكن له إرادة صالحة ما كان يُحسب مستقيمًا. إذن الإرادة الصالحة هي من صنع الله، لأن الله خلقه بها. أما الإرادة الشريرة الأولى التي سبقت كل أعمال الإنسان الشريرة فهي بالأحرى نوعًا من السقوط بعيدًا عن عمل الله[169]

القدِّيس أغسطينوس

v   يقول الحكيم سليمان: “الله صنع الإنسان مستقيمًا”، أي ليتمتع بمعرفة الصلاح فقط، أما هم فطلبوا خيالات كثيرة” أنهم – كما قيل – قد أرادوا معرفة الخير والشر”[170].

الأب شيرمون

v   لأننا نخطئ بإرادتنا الحرة يقول النبي بصراحة في موضع معين: مع أنني زرعت لكم كرمة مثمرة… كيف تحولتم إلى المرارة وصرتم كرمة غريبة؟ كان النبت صالحًا، أما الثمر الناتج عن الإرادة الشريرة. لهذا لا يُلام الكرَّام إنما تُحرق الكرمة بالنار، لأنها غُرست صالحة لكنها حملت ثمار الشر بإرادتها[171].

القدِّيس كيرلس الأورشليمي

v   يلزمنا ألا ننسب الانحراف في تيهان قلب إلى الطبيعة البشرية أو خالقها. فإنه بالحق يقول الكتاب المقدس: “الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة” فاختلاف الأفكار يتوقف علينا نحن، لأن الفكر الصالح يقترب من الذين يعرفونه، والإنسان العاقل يجده (أم 19: 7). فأي أمر يخضع لتمييزنا وعملنا يمكننا أن نصل إليه، فإذا لم نبلغه يرجع هذا إلى كسلنا وإهمالنا لا إلى خطأ في طبيعتنا[172].

الأب سيرينيوس

فاصل

سفر الجامعة: 123456789101112

تفسير سفر الجامعة: مقدمة123456789101112

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى