تفسير سفر الخروج – المقدمة للقس أنطونيوس فكري
المقدمة
1. أول أسفار الكتاب المقدس، سفر التكوين أعلن الله فيه بدء الخليقة وبدء الحياة البشرية. وسرعان ما سقط الإنسان تحت العصيان فخرج من الفردوس وكانت عاقبته الموت، والعبودية..
2. رأينا العبودية في بداية سفر الخروج، تحت حكم فرعون القاسي المستبد.
3. لم يقف الله مكتوف الأيدي، فهو في محبته للإنسان قدم له خلاصاً مجانياً وجاءت حوادث خروج الشعب من أرض مصر كرمز لهذا الخلاص المجاني. وصارت مصر رمز لأرض العبودية. والخروج منها رمز لتحرير أولاد الله. بذلك لم يعد سفر الخروج مجرد سجل تاريخي. بل قصة خلاص للشعب ولنا أيضاً. وبنفس المفهوم صار فرعون رمزاً للشيطان الذي يأسر أولاد الله. وشهوات الشعب للأكل المصري مثل الكرات وقدور اللحم.. أصبحت تشير إلى شهوات العالم.
4. يتضمن سفر الخروج أحداث وقعت للشعب خلال 145سنة من موت يوسف حتى السنة الثانية للخروج.
5. يظهر هذا السفر كيف تحقق وعد الله للأباء. وكيف صار شعب إسرائيل شعباً منظماً له رؤساء، ولهم كهنوت وكيف سكن الله في وسط شعبه (خيمة الاجتماع) بينما كان هذا الشعب في سفر التكوين مجرد أسر وقبائل، ونرى سياسة الله في قيادتهم.
6. نرى في سفر التكوين الخلقة ونرى هنا الفداء وخلقة جديدة لشعب كان ميتاً فعاش ومستعبداً فتحرر.
7. كان اسم السفر في العبرانية “هوميس سيني” أي الثاني من الخمسة أو “واله شيموث” أي وهذه أسماء، وهما أول كلمتين في السفر. وترجمته السبعينية “الخروج“.
8. بدأ السفر بحرف “و” كأنه امتداد لما قبله. فكاتب التكوين والخروج هو موسى.
9. بالإضافة لأن السفر يرمز لقصة الخلاص فهو مملوء بالرموز. فالعليقة ترمز للتجسد وترمز للعذراء مريم. وخروف الفصح للمسيح فصحنا، ودم الفصح يرمز لدم المسيح الذي به صار الخلاص. والمن يشير للمسيح خبز الحياة. ووضع شجرة في المياه المرة لتصبح عذبة فهذا يشير للصليب، وقسط المن يشير للعذراء، وهرون كرئيس للكهنة يشير للمسيح رئيس كهنتنا الحقيقي، والذبائح الدموية تشير للمسيح الذبيحة الحقيقية. بل موسى نفسه صار رمزاً للمسيح فموسى قدم للشعب كلمة الله وقاد الشعب في الخروج والمسيح هو كلمة الله وهو قائد ورأس الكنيسة. والصخرة التي خرج منها الماء كانت إشارة للمسيح (1كو3:10) وعبور البحر الأحمر رمز للمعمودية. فالعهد الجديد مخفي في القديم والقديم معلن في العهد الجديد.
تاريخ الخروج:
هناك أراء متعددة بهذا الشأن وأقربها للصحة، أن الخروج تم حوالي سنة 1447 ق.م. أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة، في زمن تحتمس الثالث أو أمنوفس الثاني. وهذا يتفق مع (قض26:11) إذ يذكر يفتاح الذي عاش حوالي سنة 1100 ق.م. أن 300 سنة قد انقضت على دخول العبرانيين الأرض أي دخلوها حوالي سنة 1400 ق.م. فإذا أضيف إليها الأربعون سنة التي قضوها في البرية يكون تاريخ خروجهم سنة 1440 ويتفق هذا الرأي مع ما ورد في (1مل1:6) أن بيت الرب قد بنى في السنة ال480 لخروج الشعب من مصر. فإن كان قد بدأ سليمان في بناء الهيكل سنة 967 أو سنة 966 ق.م يكون الخروج قد تم حوالي سنة 1447 ق.م ويتفق هذا التاريخ أيضاً مع الاكتشافات التي ظهرت في أريحا وحاصور، ومع ما ورد في لوحات تل العمارنة التي تتحدث عن شعب قادم إلى أرض فلسطين.
وهناك مؤرخ مصري اسمه منثو من عصر بطليموس الأول سنة323-283 ق.م وهو من أقدم المؤرخين قال “كان هناك رجل اسمه موسى قاد من مصر إلى سوريا جماعة من النجسين وكان ذلك في أيام أمنوفس بن رعمسيس“
وكثير من المؤرخين سجلوا الحادثة بحسب آرائهم فمنهم من قال أن قادة اليهود اثنين هما موسى وهاروس. ومنهم من قال أن موسى عبر البحر مستغلاً فترة الجذر فسار فيه. وقد وجد في أثار رمسيس الثاني أنه سخر العبيد الأسيويين ليبنوا له مدينة المخارن رعمسيس. ووجد في أثاره أيضاً أنه بنى مدينة فيثوم. وبهذا يكون فرعون الاضطهاد هو رمسيس الثاني وفي فترة حكمه (حوالي 60سنة) هرب موسى مدة 40سنة في سيناء ويكون فرعون الضربات والعبور هو ابنه أمنوفس وهذا لا يوجد له أثار كثيرة في التاريخ فتاريخه مخزي.
شخصية موسى النبي
عرض سفر الخروج حياة موسى النبي، الذي صار ممثلاً للعهد القديم كله بكونه مستلم الشريعة والمتكلم مع الله وقائد الشعب في تحريره من العبودية للدخول به لأرض الموعد لذا حين تجلى السيد المسيح على جبل طابور ظهر موسى وإيليا معه (مت1:17-8) وفي سفر الرؤيا نسمع عن تسبحة موسى التي يترنم بها الغالبون في السماء (رؤ3:15)
ونرى في قصة موسى عمل الله مع الإنسان الذي يستجيب له وكيف يدرب الله خدامه ويهذبهم ويكملهم ولنرى كيف كان موسى. [1] ثقيل اللسان [2] قاسي الطبع فهو يقتل المصري [3] بعد قتل المصري نجده يخاف ويهرب [4] استعفي من العمل والخدمة بطريقة أهاجت عليه غضب الرب [5] حين رفض فرعون طلبه الأول لام الله بطريقة غير مقبولة.
وماذا وصل إليه موسى؟ [1] صار حليماً أكثر من جميع الناس. [2] عظيماً جداً في عيون المصريين (خر3:11) [3] قائد وقاضي ناجح للشعب [4] باختصار لم يكن مثل موسى من قبل ولا من بعد (تث1:34-12)
ولنرى كيف يدرب الله خدامه؟
فالله علم موسى في قصر فرعون الحكمة والفلسفة وكيف يكون قائداً ورجل دولة وسياسي وقائد عسكري.. ثم علمه في البرية كيف يتأمل ويصلي ويتواضع أمام الله، وكيف يتخلى عن الاعتماد على ذراعه ملقياً رجاؤه على الله. بهذا يصبح مستعداً أن يقود الشعب ولكن بروح الله.
ولقد سمح الله له بفترة خلوة كان يحتاجها عمل فيها راعٍ للغنم وهذه المهنة بالذات رجس عند المصريين ولكن سمح الله له بها وهو آتٍ من القصر استكمالاً لتدريبه. والمسيح كان يختلى ليصلي وبولس اختلى واستعد للخدمة في العربية. عجيبة هي حكمة الله. فحين تواضع موسى وخضع بين يدي الله رأى في الجبل وهو راعٍ ما لم يره في قصور فرعون.. !! لقد رأى وتكلم معه.
بدأ هذا السفر بالذل والاضطهاد وانتهى بظهور مجد الله في خيمة الاجتماع مروراً بدم خروف الفصح الذي يحرر ويفدي ويكفر. هنا نرى الله كفادي يخرجهم من العبودية ليجعلهم ملكه المقتني وخاصته (خر5:19).
السفر نرى فيه فشل الإنسان التام في أن ينقذ نفسه فكيف يخرج هذا الشعب الذي يقتلون أبكاره ويذلونه من عبودية هذا الفرعون الجبار، لم نسمع أن الشعب فكر في أن يهرب. ولكننا نجد أن الله هو الذي نظر إليهم وأرسل لهم موسى ليقودهم بوعود بأرض تفيض لبناً وعسلاً. ونسمع قول الله نزلت لأنقذهم (خر8:3) ثم نرى في العليقة تفسيراً لهذا القول. فالتجسد كان هو نزول الله إلينا لينقذنا.
نرى في هذا السفر طرق وحيل إبليس ضد أولاد الله.
أ. عبودية وإذلال: هذا حال كل خاطئ بعيد عن الله ومستغرق في الخطية.
ب. تقديم أنصاف حلول: هذا في حال أن يبدأ الخاطئ في التوبة نجد إبليس يقدم له حلول كثيرة فيها خبث فهو يوافق على التوبة لكن مع إبقاء ذيول لاستعادة النفس إليه مرة ثانية. وهكذا فعل فرهون “إذهبوا أنتم واتركوا أولادكم“
ج. التذكير بلذة الخطية: لقد ذكر الشعب قدور اللحم والكرات.. ونسى سياط العبودية وهكذا إبليس يذكرنا بلذة الخطية ويجعلنا ننسى مرارة عبوديتها وهذا ما تسميه الكنيسة في القداس الباسيلي “تذكار الشر الملبس الموت“
هو سفر الوصايا وخيمة الاجتماع. وإذ كانت خيمة الاجتماع هي لقاء مع المسيح فيجب أن يسبق هذا تنفيذ الوصايا. ويسبق الجميع المعمودية (عبور البحر الأحمر).
نرى الشعب في البرية في طفولة روحية يبكون ويصرخون طالبين الطعام والماء بل لهم شهوة للرجوع إلى مصر، دائمي التذمر.
نرى في قصة سفر الخروج قصة الخلاص. فقد سمح الله بتكوين أمة من نسل إبراهيم الذي احبه وسمح لهم الله أن يوجدوا في حالة ضعف وصل لقتل الأبكار بل وتكون هذه الأمة تحت ذل أقوى أمة في العالم ثم يصرخون لله ويكون الخلاص بالدم والعبور للحرية. وهي بالضبط قصة نسل آدم الذين تعرضوا لعبودية إبليس وما قتل الأبكار إلا الموت الذي حُكِمَ به على كل نسل آدم.
قصة الشعب في البرية بعد عبور البحر الأحمر والفداء بالدم هي قصة الكنيسة في هذا العالم. حروب متنوعة وجهاد مستمر ضد إبليس. فحروب إبليس هي هي في كل وقت لتجذب النفس فتشتهي الرجوع إلى مصر. فنجد إبليس يخيفهم في حروب مع عماليق وغيرهم ويذكرهم بأيام الأكل الكثير في مصر حيث لا حروب. ويستغل نقص الماء والطعام لإثارة تذمرهم.. ولكن شكراً لله فالله دائماً عنده حل لكل مشكلة وهو يسند ضعف شعبه. وتستمر هذه الحرب حتى دخول الشعب إلى كنعان رمزاً لدخولنا إلى أورشليم السماوية حيث الراحة.
مدرسة الإيمان
كان الشعب في مصر لا يعرف سوى الآلهة الفرعونية وقوتها والسحر القوى الذي في مصر. وجاء الله وطلب من موسى أن يخرج الشعب وكان أن سأل الله عن اسمه فقال الله له أن اسمه يهوه. وباختصار فهذا يعني أن الله لنا كل شئ ونجد الله يعلم موسى آيات يصنعها أمام الشعب ثم أمام فرعون. فهل طريق الله هو المعجزات والآيات؟! قطعاً الإجابة لا فالله يطلب أن نثق فيه بالإيمان ولكن كيف يؤمن هذا الشعب المتغرب عن الله الذي لا يعرف سوى سحر المصريين؟ لذلك سمح الله لهم ببعض الآيات ثم بضربات عشر رأوا فيها يد الله القوية بل سمح الله بشق البحر ومرور الشعب وغرق جيش فرعون. هنا كان الشعب عليه أن يؤمن فقد رأى. ولكن الخلاص بالإيمان فكيف يوجد هذا الإيمان؟ يسمح الله ببعض التجارب مثل الماء المر أو لا ماء وقطعاً فالله يعرف احتياجاتهم للماء بل ويسمح الله بعماليق يحاربهم.. الخ وكان كل هذا امتحاناً لهم حتى يثبت الله في ذهنهم أنه هو القادر على كل شئ. كانت هذه التجارب مدرسة للإيمان وهذه تشبه المسائل بعد نظريات العلوم والرياضة وهذه المسائل فائدتها تثبيت النظرية في ذهن الطالب. ونسمع من الطلبة شكوى لماذا التمارين فقد فهمنا النظرية وكما يتذمر الطلبة على التمارين تذمر الشعب على امتحانات الله، لكن كان الهدف هو تثبيت الإيمان وترسيخه في نفوسهم وكتطبيق لهذا نجد أن الإنسان حين يقرر التوبة تنهال عليه التجارب والضيقات. فلماذا يسمح الله بذلك؟ إبليس يريد أن يخيف الإنسان من طريق الله ويثبت له أنها طريق صعبة كلها آلام حتى يخاف ويترك هذا الطريق. ولكن الله يسمح بهذا حتى يزداد إيمان الشخص حين يجد أن الله يتدخل ويحل كل هذه المشاكل. والنصيحة التي نقولها لكل شخص “اصبر وانتظر الرب فهو يخرج من الجافي حلاوة” وهناك من قال “أمور الله مرة تنتهي بحلاوة وأمور العالم حلوة تنتهي بمرارة” علينا بالإيمان حين تأتي علينا التجارب أن ننظر للنهاية ونرى جيش فرعون غارقاً فنشكر الله حتى لو كانت التجربة مازالت تؤلمنا.
الله يدعونا دائماً للخروج من مكان الخطية واعتزال أماكن الشر(أش11:52 + رؤ4:18) + دعوة إبراهيم للخروج من أور ودعوة لوط للخروج من سدوم ودعوة نوح لدخول الفلك. وكل من خرج من مكان الشر كان له حياة ومن رفض هلك بل أن من تلكأ في الخروج مفضلاً مكان الشر خسر كل شئ مثل لوط أما الشعب في خروجه أخذ أملاكاً كثيرة. وإبراهيم كان غنياً جداً. والسبب أن لوط بالرغم من أنه كان يعذب نفسه بسبب الشرور في سدوم إلا أنه لم يخرج من نفسه فهو احتمل أن يعيش وسط الشر عن أن يخسر مادياً فخسر كل شئ، بل أنه تلكأ في خروجه حتى أن الملاك كان يجذبه فكاد يفقد حتى حياته. إن الخروج من الشر لهو بداية حياة جديدة.
ولكن للأسف فهناك كثيرون خرجوا من عبودية الخطية المحيطة بهم ولكنهم لم يخرجوا من عبودية الخطية التي في أحشائهم من الداخل. هناك ناس خرجوا من عبودية فرعون ثم أهلكتهم شهواتهم في البرية. لذلك لا نفرح إذا انتصرنا مرة ومرات بل علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة.
نلاحظ التذمرات الكثيرة للشعب في البرية. وقد سمح الله بالتجارب الكثيرة لهم حتى تظهر هذه الخطية المختبأة فكثيراً ما يسمح الله ببعض التجارب حتى تظهر الخطايا الخفية وهذه قادرة أن تهلكنا إن لم نكنشفها ونتوب عنها.
فهرس | تفسير سفر الخروج القمص أنطونيوس فكري |
تفسير خروج 1 |
تفسير العهد القديم |