تفسير سفر الخروج ٢١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الحادي والعشرون
خرج الشعب من مصر كأمة بلا خبرة، لهذا التزم الله بكل احتياجاتهم ليس فقط الخاصة بتحريرهم من عبوديتهم وإنما باحتياجاتهم المادية فأعطاهم الماء والمن وقادهم بعمود سحاب وعمود نار وظلل عليهم بسحابته، كما اهتم بالتشريع لهم في أمور العبادة والحياة المدنية والأمور الجنائية، بل حتى في الأمور الطبية والهندسية والزراعية، إذ أنه كشعب بدائي صار الله لهم الأب والقاضي والطبيب المتكفل بكل التزاماتهم وفي الإصحاحات (21-23) نجد التشريعات التي تحدد علاقة الشخص بالله وبأخوته بل وبالأرض وبالحيوان وظهرت فيها عدالة الله واضحة فلا تحيز لغني أو فقير، بل نجد أن الله يهتم حتى بالعبيد. ولنلاحظ إذا كان الله يهتم بالأرض والحيوان فكم يكون اهتمامه بالإنسان. وهناك من أسمى الوصايا العشر بالوصايا الكبرى وأطلق اسم الوصايا الصغرى على هذه التشريعات وهكذا فهمها اليهود فقالوا إن من يرتكب مخالفة لهذه الوصايا الصغرى يرتكب خطية صغيرة. وكما نجد في الوصايا العشر وصايا خاصة بعلاقة الإنسان بالله ووصايا خاصة بعلاقته مع أخيه الإنسان هكذا نجد في هذه الوصايا تشريعات خاصة بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان أولاً حتى لا يظن أحد أنه يمكنه أن يسترضى الله على حساب علاقتنا مع الآخرين كما أنه لا يمكن أن نهتم بعلاقتنا بالآخرين ونترك علاقتنا بالله.
قضية العبيد :
لم يكن ممكناً للشريعة اليهودية أن تمنع نظام العبودية دفعة واحدة، لكنها التزمت بتقديم قواعد ونظم تحفظ للعبد حقه الإنساني، وتنزع عنه إلى حد كبير الجانب الإذلالي، ليعيش كإنسان وأخ تحت ظروفه القاسية ولقد نشر هذا الخبر في الأهرام “تم وضع الأمريكي ويليام جاريسون (1805-1879) في السجن سنة 1835 لحمايته من ملاك العبيد لأنه كان يدعو للمساواة بين البشر” فإن كان هذا قد حدث في أمريكا سنة 1835 فكم وكم كان الوضع منذ 4000سنة. ولكن الله استغل وضع العبيد ليشرح كيف أننا استعبدنا لإبليس وكيف حررنا.
العبودية عند الوثنيين :
كانت العبودية عند الشعوب الوثنية رهيبة. فالقانون الروماني لم يعط أي حق مدني أو إنساني لهم. ولا يعاقب القانون السيد إن عذب عبداً أو أمة أو قتل عبده أو اغتصب منه زوجته وكان على العبد أن يشكر سيده لأقل رحمة.
العبودية عند العبرانيين :
يحدثنا هذا الإصحاح عن حقوق العبد العبراني، إذ تميز الشريعة بين العبد غير العبراني والعبد العبراني. والعبودية عند العبرانيين كانت تتم في أحد الظروف التالية:
1. بسبب الفقر قد يبيع الإنسان نفسه أو أولاده (لا39:25 + 2مل1:4).
2. بسبب السرقة، إن لم يكن له ما يوفي فيباع بسرقته (خر3:22).
3. قد يبيع الإنسان إبنه أو ابنته عبيداً (خر7:21،17 + نح5:5).
4. قد يصير الإنسان عبداً بالميلاد إذا كان والده عبداً.
الحقوق التي قدمتها الشريعة للعبد العبراني والأمة العبرانية :
1. يعامل العبد العبراني كأخ وليس في مذلة (لا39:25-43). وبذلك قدمت الشريعة نظرة جديدة للعبد، إنه أخ، شريك في العبودية لله الواحد. فالكل عبيد لله، والسيد عليه أن يعامل عبده على أنه أجير (يعمل بالأجرة) وبدون إذلال.
2. نصت الشريعة على أن العبد يعتق من عبوديته في السنة السابعة من عبوديته أي بعد 6 سنوات. هنا نرى صورة لما صنعه السيد المسيح الذي أعتنقنا من العبودية في اليوم السابع “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يو36:8).
3. للعبد حق الخيار أن يترك بيت سيده أو يطلب أن يبقى معه كل أيام حياته فإن كان العبد يحب سيده وزوجته وأولاده عليه أن يستعبد نفسه لسيده بمحض إرادته إلى النهاية، فيقدمه سيده إلى الباب ويثقب أذنه، علامة الطاعة الكاملة. وثقب الأذن كان عادة شرقية متعارف عليها، فهم يثقبون أذن العبد. والباب كان يشير للأسرة التي إلتصق بها العبد. مرة أخرى نجد صورة للمسيح الذي أحب أباه وأحب عروسته (الكنيسة) وأولاده (نحن) (أف25:5-27) فصار من أجلنا عبداً لكي يرفعنا من العبودية إلى البنوة لله. وحيث أن ثقب الأذن صار كناية عن العبودية إختياراً والطاعة الكاملة (لأن الأذن هي عضو السمع) صار قول داود النبي “أذني فتحت (ثقبت)” (مز6:40) نبوة عن قبول المسيح أن يتجسد أخذاً صورة عبد باختياره. هكذا فهمها بولس الرسول (عب5:10-7) تأمل “هل نقبل فتح أو ثقب أذاننا لنخضع ونسمع ونصير عبيداً لله في حب“.
4. في سنة اليوبيل وهي تأتي كل 50 سنة (كل 7 × 7 سنين) يتحرر جميع هؤلاء العبيد حتى الذين لم يكملوا السنوات الست (لا39:25،40) هذا يرمز لعمل الروح القدس يوم الخمسين الذي يهب الكنيسة كمال الحرية في استحقاقات دم المسيح.
5. لا يخرج العبد فارغاً بعد تحرره، بل يأخذ معه من الغلات والقطيع ومن البيدر والمعصرة (لا43:25). والمسيح لم يحررنا فقط بل وهبنا غني روحه القدوس.
6. يمكن للعبد أن يتزوج ابنة سيده (1أي35:2) كما يمكن للسيد أن يتزوج الأمة أو يعطيها زوجة لابنه، ولا يحق له أن يبيع العبد العبراني أو الأمة لسيد أجنبي (خر7:21-11) بهذا تصير الأمة من أهل البيت لها كل الحقوق كأحد أفراد الأسرة. هذه صورة حية لعمل الله معنا الذي قدمنا نحن عبيده كعروس لابنه، فصار لنا شركة أمجاده السماوية.
7. إن أهمل السيد أو إبنه في حق الأمة التي تزوجها، من جهة الطعام أو الملابس أو حقوقها الزوجية تصير الأمة حرة.
8. ألغيت عادة العبيد العبرانيين وحرمت تماماً بعد العودة من السبي.
عبودية الأممي (غير العبراني) :
غالباً هم من أسرى الحرب (عد9:31 + 2مل2:5) أو مشترين (تك27:17) أو بالميلاد. لكننا لا نشتم من الكتاب المقدس ولا من التاريخ أنه كان يوجد سوق للرق عند اليهود. ونرى كيف أن إبراهيم كان ينوي أن يترك ثروته لعبده إليعازر الدمشقي. وحفظت الشريعة للعبيد حقوقهم وآدميتهم:-
1. من يسرق إنساناً ويبيعه أو يوجد في يده يقتل (خر16:21).
2. جريمة قتل العبد تتساوى مع قتل الحر (لا17:24،22) وحسب التلمود إذا قتل سيد عبده يُقْتَلْ السيد أما المحدثين من اليهود قالوا يدفع عنه دية.
3. إذا فقد عبد عينه أو يده يعتق (خر26:21،27) هذا فيه حماية للعبد.
4. أعطت الشريعة للعبيد أن يعبدوا آلهتهم الخاصة (حرية العقيدة) حتى وإن كانوا مخطئين، على أنه كان من حًقْ السيد العبراني أن يختن عبيده.
5. أعطتهم حق الاشتراك مع سادتهم في الأعياد (خر10:20،12:23)
المسيحية ونظام الرق :
لم تشأ المسيحية إثارة العبيد ضد سادتهم، فقد كان العبيد يمثلون نصف تعداد المملكة الرومانية. بل طالبت العبيد بالطاعة لسادتهم (أف5:6-8 + 1بط18:2-21) ولكنها طالبت العبيد بهذا حتى يكونوا قدوة حسنة وتكون حياتهم المقدسة مؤثرة على سادتهم لعلهم يؤمنون. ولقد أعاد بولس الرسول العبد الهارب لفليمون سيده وكانت الرسالة إلى فليمون السيد أن يحب عبده ويعامله كأخ ويحرره بإرادته المطلقة وليس بتحريض العبد أنسيموس على الثورة والهروب. وقد حرره فليمون فعلاً. لذلك بدأ نظام الرق في الانهيار وكان هذا من أسباب ثورة الرومان ضد المسيحية. ونلخص وجهة نظر المسيحية عن نظام الرق فيما يلي:
1. الزمت الكنيسة أولادها أن يعاملوا العبيد كأخوة لهم (1كو21:7،22 + غل28:3).
2. السادة الذين عاشوا بروح الإنجيل حرروا عبيدهم دون وجود أمر صريح.
3. كثيرين من العبيد نالوا رتباً كنسية عالية مثل أنسيموس عبد فليمون فقد صار أسقفاً. ومن العبيد من صاروا شهداء وكرمتهم الكنيسة وطلبت شفاعتهم.
4. الكتابات الكنسية شجعت على إنهيار هذا النظام بأن طالبت أن يحسب العبد كأخ. ولقد رأى أغسطينوس أن العبودية هي ثمرة للخطية فأول مرة نسمع عن العبودية كانت مع سقوط كنعان في خطيته (تك25:9)
آية (1) : “وهذه هي الأحكام التي تضع أمامهم.”
الأحكام= هي أحكام لأنها بحكمة وضعت ولكي يحكم القضاة بها.
آية (4) : “أن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين أو بنات فالمرأة وأولادها يكونون لسيده وهو يخرج وحده.”
كان السادة يزوجون عبيدهم من إمائهم.
آية (6) : “يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب فيخدمه إلى الأبد.”
يقدمه سيده إلى الله= المقصود القضاة (تث17:19،18) لأن القضاة يحكمون باسم الله وبشريعة الله. وكلمة هالوهيم (الله) تعني أيضاً القضاة لذلك.
الآيات (7-11): “وإذا باع رجل ابنته أمة لا تخرج كما يخرج العبيد. أن قبحت في عيني سيدها الذي خطبها لنفسه يدعها تفك وليس له سلطان أن يبيعها لقوم أجانب لغدره بها. وأن خطبها لابنه فبحسب حق البنات يفعل لها. أن اتخذ لنفسه أخرى لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها. وأن لم يفعل لها هذه الثلاث تخرج مجانا بلا ثمن.”
إذا باع رجل ابنته= لا يفعل هذا سوى فقراء البائسين. وكانت حقوق البنت المباعة أكثر من العبد فإن كانت غير متزوجة تعتق بعد 6سنوات أي إن لم يتزوجها سيدها تعتق. وإذا تزوجها سيدها يكون لها حقوق الزوجة الحرة. لا تخرج كما يخرج العبيد= أي تخرج كإبنة مكرمة من بيت أبيها لبيت سيدها ثم من بيت سيدها لبيت أبيها. إن قبحت في عيني سيدها أي بعد أن اشتراها ليخطبها أو يتزوجها لم تَرُقْ له فعليه أن يتركها لأحد العبرانيين ولا يبيعها لأجنبي. غدره بها= أي أنه لم ينفذ قصده الأول أن يتزوجها. وأية (10) نجد أن الشريعة لقساوة قلوبهم أباحت الزواج بأكثر من واحدة ولكن إن تزوج بأكثر من واحدة فعليه أن يهتم بالأولى ولا ينقص لإحداهن طعامها ولا كسوتها. إن لم يفعل لها هذه الثلاث= أي [1] يتزوجها أو يزوجها لابنه [2]يعطيها لعبراني آخر [3] لا ينقص احتياجاتها. تخرج مجاناً= أي كان لها أن تخرج وتترك بيت سيدها بلا مقابل.
الآيات (12-36): تفصيل للوصايا (5،6) (إكرام الوالدين، عدم القتل)
آية (12) : “من ضرب إنساناً فمات يقتل قتلاً.”
القتل العمد عقوبته قتل القاتل وحرمت الشريعة إفتداء القاتل بالمال (عد31:35-34) وبذلك ساوت الشريعة بين الغني والفقير. ولا يحكم بالموت إلا لو كان بشهادة شهود، أي يشهد 2 أو 3 على القاتل أنه قتل (عد30:35).
آية (13) : “ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا اجعل لك مكاناً يهرب إليه.”
أوقع الله في يده= أي القاتل لم يكن قاصداً القتل، بل ربما دفع خصمه في مشاجرة عادية وسمح الله أن تكون هذه الدفعة سبباً في موت القتيل. أجعل لك مكاناً يهرب إليه= وضع الله في إسرائيل بعد ذلك 6مدن ملجأ يلجأ إليها القاتل غير المتعمد فينجو (راجع عد35).
آية (14) : “وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت.”
حتى مذبح الله لا يحمى القاتل المتعمد (راجع 1مل28:2-34).
آية (15) : “ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً.”
الوالدين نائبا الله على الأرض فالاعتداء عليهما اعتداء على الله (آية17).
آية (16) : “ومن سرق إنساناً وباعه أو وجد في يده يقتل قتلاً.”
الله يقدس الحرية الإنسانية. ومن يعتدي على حرية إنسان ليبيعه كعبد يقتل.
الآيات (20،21) : “وإذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده ينتقم منه. لكن أن بقي يوماً أو يومين لا ينتقم منه لأنه ماله.”
هنا يعاقب من يقتل عبده. وإن ضرب السيد عبده ثم عاش العبد يوماً أو يومين لا يعاقب السيد لأنه من غير المعقول أن يضيع السيد عبده الذي دفع فيه ماله وهو يخدمه فبقاؤه حياً يعني أنه إنما كان يؤدبه ولم يكن ناوياً قتله.
آية (22) : “وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية يغرم كما يضع عليه زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة.”
كان الزوج يقدر الغرامة فإذا حدث خلاف على القيمة يلجأوا إلى القضاة.
الآيات (23،24) : “وأن حصلت أذية تعطي نفساً بنفس. وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل.”
يفهم من (18،19) أن الإصابة كان يدفع عنها غرامة يقدرها القضاء لذلك كان لكل عضو يفقد تقدر دية يدفعها المعتدي. وكان الشخص لا ينتقم لنفسه بل يتم كل شئ على يد القضاء. وشريعة عين بعين تناسب الحالة التي كان عليها الشعب وهذه أفضل من أن يرد المعتدي عليه الاعتداء مضاعفاً. أما المسيحية فطالبت برد الضرر بالحب ومقاومة الشر بالإحسان (مت43:5-48).
آية (28) : “وإذا نطح ثور رجلاً أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه وأما صاحب الثور فيكون بريئاً.”
القاتل حتى لو كان حيواناً فهو ملعون، لا يؤكل لحم الثور الذي يرجم لأنه لم يذبح ويسفك دمه شرعياً. وكان يجب قتل الثور لأن الثور القاتل هو أداة الجريمة فيجب أن تعاقب لذلك يعاقب الجسد في اليوم الأخير فهو أداة تنفيذ الخطية. ولا يجب أكل لحم الثور فهو لم يذبح (الذبح هو الطريقة القانونية).
آية (29) : “ولكن أن كان ثوراً نطاحاً من قبل وقد اشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلاً أو امرأة فالثور يرجم وصاحبه أيضاً يقتل.”
هنا يُعْتَبَرْ صاحب الثور قاتلاً بالمسئولية لأنه أهمل ضبط ثوره وقد سبق وأخبروه أن ثوره نطاح وأهمل ضبطه فنطح وقتل.
آية (30) : “أن وضعت عليه فدية يدفع فداء نفسه كل ما يوضع عليه.”
من يضع عليه هم أهل القتيل وإذا لم يتفقوا يذهبوا للقضاة. هذا إذا وافق الأهل أن لا يقتل الشخص ووافقوا علي الدية.
الآيات (33،34) : “وإذا فتح إنسان بئراً أو حفر إنسان بئراً ولم يغطه فوقع فيه ثور أو حمار. فصاحب البئر يعوض ويرد فضة لصاحبه والميت يكون له.”
الرب يعتبر أن الإهمال خطية يتحمل صاحبها المسئولية.
تعليق: يظهر من هذه التشريعات تقديس النظرة للحياة الإنسانية، فالله لا يسمح بإهدار حياة إنسان أو ضربه أو إهانته بل يهتم الله أن لا يخسر شئ بسبب إهمال شخص آخر. بل حتى أن لا يهان عبد أو يخسر سناً أو عيناً.
سفر الخروج – أصحاح 21
تفاسير أخرى لسفر الخروج أصحاح 21
تفسير خروج 20 | تفسير سفر الخروج القمص أنطونيوس فكري |
تفسير خروج 22 |
تفسير العهد القديم |