تفسير سفر الخروج ٣٠ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثلاثون
الآيات (1-10): “وتصنع مذبحاً لإيقاد البخور من خشب السنط تصنعه. طوله ذراع وعرضه ذراع مربعاً يكون وارتفاعه ذراعان منه تكون قرونه. وتغشيه بذهب نقي سطحه وحيطانه حواليه وقرونه تصنع له إكليلاً من ذهب حواليه. وتصنع له حلقتين من ذهب تحت إكليله على جانبيه على الجانبين تصنعهما لتكونا بيتين لعصوين لحمله بهما. وتصنع العصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب. وتجعله قدام الحجاب الذي أمام تابوت الشهادة قدام الغطاء الذي على الشهادة حيث اجتمع بك. فيوقد عليه هرون بخوراً عطراً كل صباح حين يصلح السرج يوقده. وحين يصعد هرون السرج في العشية يوقده بخورا دائماً أمام الرب في أجيالكم. تصعدوا عليه بخوراً غريباً ولا محرقة او تقدمة ولا تسكبوا عليه سكيباً. ويصنع هرون كفارة على قرونه مرة في السنة من دم ذبيحة الخطية التي للكفارة مرة في السنة يصنع كفارة عليه في أجيالكم قدس أقداس هو للرب.”
مذبح البخور:
المذبح 1 × 1 × 2 ذراع وهو من خشب مغشى بذهب. إذاً هو يشير للمسيح الإله المتأنس.
وهو مذبح بلا ذبيحة فهناك ذبائح الحمد والتسبيح (مز3:50، 22:107، هو2:14، مز2:141، عب15:13) وخدمة الفقراء (عب16:13) وتقديم الإنسان نفسه ذبيحة حية. هذا ما يجعلنا نقتني حياة الرب يسوع.
جاء الحديث عن مذبح البخور بعد الحديث عن مذبح المحرقة حيث أدينت الخطية وتحولت إلى رماد حينئذ نقدر خلال المسيح الكاهن الأعظم أن ندخل إلى المقدسات
الإلهية (القدس وما فيه وفيما بعد لقدس الأقداس نفسه).
إلى نهاية الإصحاح 27 نرى إعلان الله للإنسان في المسيح رمزياً في كل ما رأيناه من قطع الخيمة. وهنا نجد الاقتراب لله لذلك نجد موضوع الكهنوت يتوسطهم (28،29) وفي نهاية ص29 نجد المحرقة الدائمة فلا اقتراب لله سوى بالمسيح المحرقة الدائمة. وبأن نقدم أنفسنا محرقة كذلك.
بين مذبح المحرقة ومذبح البخور
(مز3:84). “لهم ارتباط وثيق ببعضهما البعض“
1. خلال المذبح النحاس دفع الدين لكي ندخل إلى بر المسيح وفي شركة معه (على المائدة نجد شركة جسده ودمه) وفي المنارة نستنير بالروح القدس، بل نرى الأمجاد الإلهية فوق الكاروبيم.
2. في مذبح النحاس نجد المسيح مواجهاً نيران عدل الله وغضبه وعند مذبح الذهب نراه يشبع قلب الله برائحة الرضا. هو عند مذبح المحرقة يطفئ نار غضب الله أما عند مذبح البخور يوقد نار الحب.
3. حين ينتهي المؤمن من ذاته وخطيته ويدفنها عند مذبح المحرقة حينئذ ينشغل بالمسيح فيلتهب حبه ناراً وحين يصلب أهوائه وشهواته عند مذبح المحرقة يصير رائحة المسيح الزكية الصاعدة بخوراً عطراً. ولكن كل من لازال يتمتع بالشر يحرم نفسه من بركة شركة الأقداس.
4. قرون مذبح النحاس تشير أن المسيح ملجأ حصين للخاطئ وقرون مذبح البخور تشير لقوة شفاعة المسيح الكفارية. وقرون مذبح النحاس تشير للقوة والسلطان لنا ضد عدو الخير.
5. كان الدم يؤخذ من على مذبح المحرقة حيث تذبح الذبيحة ويوضع على قرون مذبح البخور في مناسبتين (لا7:4،18 ذبيحة خطية رئيس الكهنة أو رئيس + لا18:16 يوم الكفارة).
6. كان هرون بعد تقديم المحرقة. في كل صباح وكل مساء يدخل تواً للقدس ليقدم البخور، فهو يدخل باستحقاقات المحرقة. أي أن المحرقة أساس شفاعة المسيح. وكان هرون أيضاً بعد تقديمه للمحرقة يصلح السرج للمنارة وهذا يعني أن المحرقة أساس عمل الروح القدس في المؤمنين.
7. كانت النار تؤخذ من على مذبح المحرقة في مجامر خاصة إلى مذبح البخور.
ثلاثة تحذيرات
1. ستعمال بخور غريب (آية9) إذن المطلوب استعمال البخور المحددة مواصفاته فيما بعد وإذا كان البخور يشير للمسيح فالمعنى أنه لا تقبل أي شفاعة ولا تقدمة خارج المسيح.
2. تقديم محرقة أو تقدمة أو سكيب على مذبح البخور. فالمسيح في شفاعته الكفارية الآن أي بعد دخوله للأقداس وجلوسه عن يمين الآب لا يعود يقدم ذبيحة ثانية.
3. التحذير من تقديم نار غريبة (لا12:16، 1:10) غير التي خرجت من عند الرب. والنار هي الروح القدس وإلهنا نار آكلة. والمطلوب في العبادة أن تكون بالروح لا بالإنفعالات.
البخور رائحة زكية:
يقول معلمنا بولس الرسول في (2كو14:2) “ولكن شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح الزكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة“.
وهذه الصورة اقتبسها بولس الرسول من واقع الحياة في الدولة الرومانية. فكان قائد الجيش الروماني بعد أن ينتصر في معركة يدخل إلى المدينة منتصراً. ويتبعه موكب من الأسرى فيحرقون البخور قدامه ثم يقدمون الأسرى للأسود ويكون البخور رائحة حياة للمنتصرين (القائد وجنوده) ورائحة موت للأسرى المهزومين. والرسول استخدم هذا التشبيه لكل من يسمع بشارة الإنجيل ويظل غير مؤمن، فهو يظل في حالة الموت والأسر، أما كل من يشتم رائحة المسيح ويقبله فيكون له رائحة حياة. والبخور يشير لصلوات المؤمنين التي تتصاعد في استحقاقات الرب يسوع وهذا يتم برفع بخور من الكنيسة الأرضية مع بخور هو صلوات القديسين وصلوات السمائيين وتقدم هذه الصلوات أمام العرش الإلهي (رؤ8:5-14).
ولو كان هناك مذبح بخور داخلنا لصرنا رائحة المسيح الزكية ومذبح البخور داخلنا يكون بأن نصلي بلا انقطاع (1تس17:5،18) ولاحظ قول داود “لا اعطى لعيني نوماً ولا لأجفاني نعاساً إلى أن أجد موضعاً للرب” (مز131). ويكون هذا بأن يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السموات ولاحظ قول المسيح “انا مجدتك على الأرض” (يو4:17،5) وبهذا قدم ذبائح حمد. ونحن نقدم ذبائح حمد وتسبيح نكون مذبح للبخور. ويكون هذا أيضاً بأن نلهج في ناموس الرب نهاراً وليلاً (مز2:1) ليكون القلب تابوت عهد يستقر فيه لوحي الشريعة. ويكون هذا بالإمتلاء من الروح القدس فنستنير وننير ويكون هذا بالشركة من جسد الرب ودمه.
ولاحظ أن للمذبح عصوين فكل هذا (تسبيح وأعمال… ) ينبغي أن نمارسه طوال رحلتنا في غربة هذا العالم. وأيضاً العصوين يشيران لشفاعة المسيح المستمرة عنا.
ولكن فلنعود ونلاحظ أن المذبح مربع (1×1) ذراع وهذا يعني أن المسيح الذي يشفع فينا هو أيضاً ديان لا يريد من شعبه أن يكون متهاوناً مع الخطية. والمذبح ارتفاعه 2 ذراع إشارة للمسيح المتجسد بسبب خطايا البشر. والمائدة طولها 2 ذراع بينما مذبح البخور ارتفاعه 2 ذراع. والسبب أن المائدة تشير لشركة الكنيسة الأرضية في جسد المسيح ودمه أما مذبح البخور فيشير لإمتداد جسد المسيح الواحد من الأرض للسماء، من الأرض حيث الكنيسة المجاهدة إلى السماء حيث الكنيسة المنتصرة فكنيسة الأرض ممتدة أفقياً وكنيسة السمائيين ممتدة راسياً وهذا عمل الصليب الذي وحد الكنيستين على خشبتيه الأفقية والرأسية.
اختفاء رقم (4) من مذبح البخور
مفهوم ضمناً أن عدد قرون المذبح (4) قرون من التشابه مع مذبح النحاس. ومعروف ضمناً أن عدد الحلقات 4 حلقات اثنين من كل جهة ولكن لا نجد إشارة لعدد القرون على مذبح البخور وتأتي الكلمات التي تشير لعدد الحلقات بطريقة غامضة لا توضح هل هم حلقتين أم (4) حلقات حلقتين من كل جهة. والرسم الموجود يمثل الحالة الأولى أن مذبح البخور له حلقتين حلقة من كل جهة. فرقم 4 يمثل العالم وحقاً فإن المسيح في فدائه مات عن كل العالم لكنه الآن في مجده وعمل شفاعته الكفارية هو بوجوده عن يمين الآب، هناك هو في السماء ظاهر لأجلنا وهناك في السماء والمجد لا مجال للحديث عن رقم (4) رقم العالم الضعيف ورقم الخليقة الضعيفة.
ولكن حتى يتقابل المسيح مع الناس نجد مذبح البخور خارج قدس الأقداس. ولكن حتى نفهم معنى الأحداث راجع (لا16) فرئيس الكهنة هرون كان ممنوعاً دخوله لقدس الأقداس سوى مرة واحدة مع ذبيحة الخطية ومع سحابة من البخور في مجمرته الذهبية هنا المجمرة دخلت للأقداس عوضاً عن مذبح البخور (لا12:16). هنا المجمرة الذهبية تمثل المسيح في مجده ظاهراً في الأقداس السماوية. والمجمرة الذهبية يأخذها هرون معه لقدس الأقداس بعد تقديم ثور الخطية ومعنى هذا أن هرون رئيس الكهنة يمثل المسيح بالجسد بعد أن قدم ثور الخطية (المسيح الذبيحة) يدخل للأقداس (المجمرة الذهبية) ليشفع فينا. وقد سبق القول أن كل ما يمثل المسيح هو خشب مغشى بالذهب حتى يكون هذا مثالاً للناسوت واللاهوت. لكن هنا نجد المجمرة الذهبية بلا خشب في داخلها ولكن علينا ألا ننسى شخص هرون كممثل لناسوت المسيح فهو مع المجمرة يمثلان الناسوت واللاهوت. والآن نفهم أن المجمرة تمثل المسيح في مجده لذلك فبولس الرسول استعاض عن المذبح الذهبي (مذبح البخور) بالمجمرة الذهبية في (عب4:9) فحين كتب بولس الرسول هذا كان الحجاب قد إنشق وطريق الأقداس أصبح مفتوحاً وظاهراً (عب25:7)
كلمة أخيرة فالمسيح هو المذبح الذي به تصبح صلواتنا وذبائحنا مقبولة (عب15:13) ولا نسمع عن رقم
(مذبح البخور 1 × 1× 2) فالبشر لا دور لهم في شفاعة المسيح الكفارية.
الآيات (11-16): “وكلم الرب موسى قائلاً. إذا أخذت كمية بني إسرائيل بحسب المعدودين منهم يعطون كل واحد فدية نفسه للرب عندما تعدهم لئلا يصير فيهم وبأ عندما تعدهم. هذا ما يعطيه كل من اجتاز إلى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس الشاقل هو عشرون جيرة نصف الشاقل تقدمة للرب. كل من اجتاز إلى المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعداً يعطي تقدمة للرب. الغني لا يكثر والفقير لا يقلل عن نصف الشاقل حين تعطون تقدمة الرب للتكفير عن نفوسكم. وتأخذ فضة الكفارة من بني إسرائيل وتجعلها لخدمة خيمة الاجتماع فتكون لبني إسرائيل تذكاراً أمام الرب للتكفير عن نفوسكم.”
فضة الكفارة:
· كان المطلوب عن كل شخص ½ شاقل فضة وهي تساوي تقريباً 7.5جم فضة وكان عدد الأشخاص الذين هو فوق 20 سنة المطلوب منهم تقديم هذا المبلغ 603550 شخصاً، مطلوب منهم 301775 شاقل ومع ملاحظة أن الوزنة= 3000شاقل يكون المتحصل 100وزنة + 1775 شاقل واستخدمت المائة وزنة في صنع قواعد الألواح وأعمدة الحجاب وهم 100قاعدة، كل قاعدة وزنة فضة أما ال1775 شاقل المتبقية فاستخدمت في عمل رزز وقضبان الأعمدة لدار المسكن.
· وهناك ضريبة أخرى نسمع عنها في (عد40:3-51) موضوعها أن كل بكر مقدس للرب وقد أُخِذَ اللاويين بدلاً من الأبكار ولكن وُجِدَ أن عدد اللاويين 22000 والأبكار وُجِدَ عددهم 22273 ويكون الفرق 273 طُلِبَ من كل منهم 5 شواقل والمتحصل صنع منه الأبواق الفضية.
· وسن العشرين هو الذي كان اللاويين يبدأون فيه خدمتهم وهو أيضاً سن التجنيد أي السن التي يصبح فيها الإنسان مستعداً للجهاد ولخدمة الله.
· ½ شاقل= 10 جيرات والجيرة كانت تساوي وزن 11 قمحة تساوي تقريباً 6قروش. إن كان البخور هو ذبيحة الحب التي يقدمها الكهنة داخل القدس باسم الجماعة كلها، لكن الشعب التزم بتقديم مساهمة حب في نفقات الخيمة من كل الرجال فوق 20 عاماً دون تمييز بين غني وفقير. فهي تحمل روح جماعية في خدمة بيت الله. وهي تشير أيضاً حيث أنها فضة كفارة لإقرارهم بأنهم خطاة محتاجين للفداء وإعترافاً منهم بمراحم الله الذي نجاهم. لا فرق بين غني وفقير أو ذو مواهب أو من لا مواهب له، الكل يقف أمام الله في احتياج لكفارته. كل واحد مسئول عن نفسه ويقف كخاطئ أمام الله، من لا يدفع يصير فيه وبأ ومن لا يدفع هو من يشعر أنه لا يحتاج للفداء.
· ويلاحظ أن التقدمة رمزية فستة قروش هي في متناول الجميع أي مجاناً. ونحن نعلم أن الخلاص مجاني لكن الكل ملزم بأن يجاهد حتى الدم ولكن كل جهاد نقوم به ما هو إلا شئ بسيط لا يزيد عن ½ شاقل بالقياس لعمل المسيح. هذا ما نسميه الجهاد والنعمة. وهذا ما يتضح في قصة الخمس خبزات والسمكتين (هذا هو الجهاد) وهذه الكمية البسيطة أشبعت الجموع وتبقى منها (هذه هي النعمة).
· ½ شاقل = 10 جيرات ورقم 10 نجده في الوصايا ونجده في ارتفاع الألواح فهذا الفداء كان بسبب كسرنا للوصايا. وجهادنا الآن أن نحفظ الوصايا. وهي تعني أن فداء المسيح بسبب خطيتي كان فداءً كاملاً واستوفى مطاليب العدل الإلهي. ولكن من يجاهد يستفيد من الفداء (هذا معنى النصف شاقل) فالكل نجا من فرعون وخلص منه وعبر البحر الأحمر لكن يجب دفع النصف شاقل.
· كان من يدفع هذه القيمة من يتجند أو يخدم الهيكل (اللاويين) وكل منا هو جندي في جيش الله خداماً لإسمه ملتزمين أن نحيا في قداسة (1كو20:6).
· تحولت هذه الضريبة إلى ضريبة سنوية على اليهود لمصروفات الهيكل وهناك احتمال أن موضوع الدرهمين (مت25:17-27) كان إشارة لهذه الضريبة لذلك طلب المسيح من بطرس أن يصطاد سمكة بداخلها المبلغ. وأخذ المبلغ من السمكة إشارة لموت المسيح الذي دفع عني الثمن. لكن الاحتمال الأصح أن هذه الضريبة كانت هي التي تدفع للرومان كجزية.
· (1بط18:1،19) هنا الفضة المقصودة هي فضة الكفارة.
· لئلا يصير فيهم وبأ= هذا ما حدث مع داود (2صم10:24-17).
الآيات (17-21): “وكلم الرب موسى قائلاً. وتصنع مرحضة من نحاس وقاعدتها من نحاس للاغتسال وتجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح وتجعل فيها ماء. فيغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا أو عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة ليوقدوا وقودا للرب. يغسلون أيديهم وأرجلهم لئلا يموتوا ويكون لهم فريضة أبدية له ولنسله في أجيالهم.”
المرحضة:
هي إناء نحاس مستدير كان الكهنة يغسلون فيه أياديهم وأرجلهم قبل الدخول للخيمة وقل تقديمهم ذبائح على مذبح المحرقة وهي من نحاس وتشير إذن لدينونة الخطية والنجاسة. وليس بها خشب سنط إذن هي لا تشير للمسيح بل للروح القدس الذي يبكت على خطية (يو8:16).
وهو يشير للروح القدس العامل في المعمودية التي هي موت مع المسيح وقيامة. وبدون استعمال المرحضة لم يكن الكاهن يقدر أن يدخل للخيمة، وهكذا بدون المعمودية لا دخول للسماء (يو5:3). وهي تأتي مباشرة بعد المذبح أي الصليب فالمعمودية عملها مبني على الصليب فهي موت مع المسيح وقيامة.
وكان من يدخل الخيمة هم الكهنة الممسوحين ونحن بعد المعمودية نجد سر الميرون الذي به يمسح المعمد ليحصل على الروح القدس ويصير كاهناً روحياً (الكهنوت العام) فيكون له حق التمتع بشركة جسد المسيح (المائدة). والاستنارة (المنارة) وله الحق في شفاعة المسيح الكفارية وله أن يعاين أمجاد الله (التابوت).
وكان غسل هرون بالماء هو تأهيل هرون ليكون نقياً للخدمة وهذا رمز للمسيح القدوس في ذاته. أما قداسة الكنيسة ففي اتحادها بالمسيح.
وكان الكهنة عند تقديسهم للخدمة في المرة الأولى يغتسلون إغتسالاً كاملاً أي غسل الجسد كله في المرحضة (أي استحمام) وهذا يشير للمعمودية (تي4:3،5)
وكانت المرحضة تستخدم أيضاً في التطهير اليومي للكهنة عند خدمتهم (دخول الخيمة أو تقديم ذبيحة) وكان هذا بغسل الأيدي والأرجل وهذا يرمز للتوبة والأرجل ترمز للسلوك والأيدي للأعمال والتوبة هي النية لتغيير كلاهما.
وهناك كلمتان عبريتان ولهما نظير في اليونانية لكلا الاستعمالين وهما:
لوفو= استحمام أو غسل كامل، بنتو = غسل الأيدي والأرجل
وفي كلام الرب لبطرس (يو10:13) استعمل السيد المسيح كلا الكلمتين
الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله
وهي الذي قد (لوفو) ليس له حاجة إلا إلى (بنتو) رجليه بل هو طاهر كله ولذلك نحن لا نكرر المعمودية وتسمى التوبة معمودية ثانية.
وهذا الكلام من الواقع اليهودي والكهنوت اليهودي فكيف يفهمه الرومان؟
أقام الرومان حمامات عامة يستحم فيها الجمهور ويخرج منها الشخص نظيف تماماً لكن بعد أن يسير في الشوارع تتسخ قدماه فهم كانوا يلبسون صنادل مفتوحة وكان من العادات السائدة وقت الرومان أن يأكل الناس وهو راقدين وأرجلهم إلى الخلف ويأتي صاحب البيت المضيف ويغسل أرجل ضيوفه. وهذا ما فعله المسيح بغسل أرجل تلاميذه فهم ضيوف مائدته، وهذا ما يفعله في غسل قلوبنا وتنقيتنا وبالمفهوم الروماني لكلام المسيح أن من اغتسل (في الحمام العام) وسار في الشوارع لا تكون له حاجة لإعادة حمامه بل يحتاج لغسل قدميه فقط. والمسيح لم يذكر شئ عن غسل الأيدي فهو يشير بالأكثر للعادة الرومانية. وغسل الأرجل روحياً لازم نتيجة السير في العالم والاحتكاك بخطاياه فيلزمنا التوبة لنتمتع بأمجاد القدس.
ولاحظ أن الكاهن الذي يدخل الخيمة آتياً من حرارة الجو في سيناء حيث الشمس المحرقة ثم يرطب جسده بالماء فينتعش هكذا من يقدم توبة يشعر بالانتعاش بعد طول عبودية للخطية واستعباد لها في ألم كألم الشمس الحارقة. وهناك تأمل بأن البحر في سفر الرؤيا كان من زجاج أي بلا ماء فنحن هناك بلا خطية وفي فرح دائم لا حاجة لنا لما ينعشنا فنحن في انتعاش دائم.
والمرحضة يأتي ذكرها بعد مذبح البخور لأن لا قيمة للتوبة إلا بشفاعة المسيح الكفارية الدائمة. المسيح الآن أتم عمله الكفاري وجلس عن يمين الآب ونحن في هذا العالم مازلنا نجاهد ونخطئ ونحتاج للتوبة والغفران (الغسيل).
المرحضة ليس لها أبعاد:
فالله قادر أن يغفر الخطايا مهما كان نوعها. ولأنها تمثل الروح القدس والروح لم يتجسد فلا نجد لها أبعاد.
قاعدة المرحضة:
سمعنا من قبل في وصف المنارة قوله المنارة وقاعدتها وهنا يقول المرحضة وقاعدتها. ومن المؤكد أن هناك قاعدة ترتكز عليها المنارة وقاعدة ترتكز عليها المرحضة فما معنى قوله وقاعدتها وتكرار هذا؟
كما سبق ورأينا أن كل ما لا يدخله خشب السنط فهو لا يشير للمسيح وهذه القطع هي:
1. غطاء تابوت العهد.
2. المنارة.
3. المرحضة.
ونرى أن غطاء تابوت العهد يغطى التابوت نفسه والتابوت رمز للمسيح، بينما الغطاء يرمز لله في مجده. أما المنارة فتشير للروح القدس الذي يعطي استنارة للكنيسة والمرحضة تشير للروح القدس الذي يبكت الخطية ويدينها ويعطي الغفران للتائبين ويعمل في سر المعمودية ويعطي للمعمد موتاً ودفناً مع المسيح (ليموت جسد الخطية) وقيامة مع المسيح. وكون أن لكل قطعة لا تشير للمسيح قاعدة فهذا يعني أن الله حتى يتعامل مع الإنسان الخاطئ فهذا يستلزم أن تكون هناك قاعدة أو أساس لتعامل الله مع الإنسان وهذا الأساس هو تجسد المسيح وفداؤه. إذاً القاعدة تشير لأساس تعامل الله مع الخاطئ وهو المسيح المتجسد.
المرحضة مصنوعة من مرايا المتجندات (خر8:38)
المرايا قديماً كانت تصنع من النحاس اللامع. وهنا نجد بعض المتجندات قد ضحوا بمراياهن النحاسية وصنعت منها المرحضة ولكن لماذا الإشارة إلى أن المرحضة من هذه المرايا؟ المرايا تتحدث عن الإعجاب بالذات والمشغولية بالذات وبالباطل وهذا يسبب الكبرياء (أش23:3) وهذا ما حدث مع الفريسي المعجب بذاته (لو11:18) “اشكرك يا رب أني لست خاطئاً مثل باقي الناس“. وما هو دور الروح القدس هو يدين الخطية في داخلي (النحاس رمز الدينونة) وهذا ما حدث مع السامرية في لقائها مع المسيح. في هذا اللقاء مع الروح القدس، لقاء التبكيت تستبدل مرآة الكبرياء البشري بمرآة إلهية تعكس حالتي وتريني الله، وحين يصنع المسيح هذا يصرخ الفريسي مع العشار “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” هكذا كان بولس يفتخر بنفسه معجباً بنفسه أنه فريسي ابن فريسي.. (في4:3-7) ولكنه حين تقابل مع الروح القدس حسب كل شئ نفاية (في8:3) بل صرخ في مكان آخر قائلاً “الخطاة الذين أولهم أنا” وفي مكان ثانٍ يقول “ويحي أنا الإنسان الشقي” وهذا يحدث معنا بالتأمل في كلمة الله فهي كمرآة تكشف كل الشر الذي فينا (يع23:1-25). وحين نرى حقيقة أنفسنا بكل الشر الذي فينا نرى أننا نحتاج للغسيل. حين نأتي إلى الله فاحص القلوب والكلى نجد أننا نحتاج له ليطهرنا فأتخذ قراراً بالتوبة أي قرار بتغيير هدفي من الإنشغال بالعالم للإنشغال بالله. ومرائي المتجندات صنعت في مصر أرض العبودية والثانية أي المرحضة هي من تصميم الله. وهناك معنى آخر للمرآة يتضح من قول بولس الرسول في (1كو12:13) فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه. لأن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت” والمعنى أننا حينما نتأمل الآن في كلمة الله نرى ملامح السماويات فننشغل بها وبالمسيح الذي أعد لنا هذا المجد عوضاً عن الانشغال بأنفسنا.
ملحوظات:
1. كل ما هو خارج الخيمة نحاس ولا يوجد ذهب وما داخل الخيمة ذهب ولا يوجد نحاس وإن كان نحاس يشير للدينونة فلا دينونة على من هم في المسيح.
2. في المرحضة نجد الكهنة يغسلون الأيدي والأرجل أما في (يو13) أشار المسيح لغسل الأرجل فقط، وحقاً هذه عادة رومانية لكن تفسيرها الروحي أن التوبة أي حين أغير قراري وهدفي يكون هذا غسيل لرجليَّ أما الأيدي فهي تشير للعمل وحينما أغير هدفي وأتجه للمسيح يصير المسيح شريكاً في كل عمل صالح.
3. كيف نغسل أقدام بعضنا البعض راجع (غل1:6 + الاعتراف يع16:5)
الآيات (22-33): “وكلم الرب موسى قائلاً. وأنت تأخذ لك افخر الأطياب مراً قاطراً خمس مئة شاقل وقرفة عطرة نصف ذلك مئتين وخمسين وقصب الذريرة مئتين وخمسين. وسليخة خمس مئة بشاقل القدس ومن زيت الزيتون هيناً. وتصنعه دهنا مقدساً للمسحة عطر عطارة صنعة العطار دهناً مقدساً للمسحة يكون. وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة. والمائدة وكل آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور. ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس كل ما مسها يكون مقدساً. وتمسح هرون وبنيه وقدسهم ليكهنوا لي. وتكلم بني إسرائيل قائلاً يكون هذا لي دهناً مقدساً للمسحة في أجيالكم. على جسد إنسان لا يسكب وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله مقدس هو ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب مثله ومن جعل منه على أجنبي يقطع من شعبه.”
دهن المسحة : راجع المقدمة (المواد المستخدمة)
يشير لمسحة الروح القدس لبعض الأشخاص في العهد القديم (أنبياء/ ملوك/ كهنة) للقيام بأعمال قيادية تحمل جوانباً من عمل السيد المسيح نفسه. (مز45 + عب9:1) بل أن هذه الأمور (النبوة/ الملك/ الكهنوت) اجتمعت في شخص المسيح “من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك” فمن هم رفقائه؟ هم شعبه من المسيحيين الذين يمسحون بزيت الميرون فيحل عليهم الروح القدس وبهذه المسحة نصير ملوكاً، نملك متسلطين على شهواتنا ونصير كهنة نقدم أجسادنا ذبيحة حية ونقدم ذبائح تسبيح ونصير أنبياء لإطلاعنا على أسرار هامة وعظيمة جداً.
ومزمور (143) يحدثنا عن الدهن الذي يسكب على رأس هرون رئيس الكهنة ويسيل هذا الدهن على لحيته. فمن هو هرون؟ هو رمز للمسيح رأس الكنيسة الذي حين حل عليه الروح القدس كان هذا لحساب الكنيسة والكنيسة هنا ممثلة في شعر لحية هرون فشعب المسيح ملتصقين به كما الشعر بالرأس وحينئذ، حين ينسكب عليهم الروح القدس وهم في محبة تفوح منهم رائحة المسيح الذكية (فالعطور تمثل المسيح).
ويؤخذ من الزيت مقدار هين أي مقياس كامل. والرب يسوع امتلأ تماماً من الروح القدس (لو1:4) [الهين مقياس أو مكيال للسوائل والإيفة للحبوب والشاقل للوزن والذراع للقياس] وكون الزيت يكال بالهين أي أن الروح أعطى بالمفهوم البشري بقدر ما تدرك أفهامنا. أما الروح القدس حين حل على التلاميذ كان كألسنة نار منقسمة كل بقدر ما يحتمل أما المسيح فحل عليه حلولاً كاملاً وليس على هيئة ألسنة نار. وهذا معنى “أكثر من رفقائك“.
مقادير العطور:- 500 (مر) + 250 (قرفة + (قصب) 250 + 500 سليخة
= 5 × [100 + 50 + 50 + 10] هي نفس مقاييس الخيمة وإذا فهمنا أن الخيمة تشير للمؤمنين نفهم أنه بنعمة الله (5) انسكب الروح على الكنيسة جسد المسيح حين حل على المسيح نفسه. غير أن هذه الأرقام لها معاني أخرى فإذا زاد أحداها عن المحدد فهذا يعني زيادة أحد كمالات المسيح عن الآخر والمسيح متساوي في كمالاته.
سفر الخروج – أصحاح 30
تفاسير أخرى لسفر الخروج أصحاح 30
تفسير خروج 29 | تفسير سفر الخروج القمص أنطونيوس فكري |
تفسير خروج 31 |
تفسير العهد القديم |