تفسير سفر حزقيال ١٣ للقمص تادرس يعقوب ملطي

 الباب الثالث

خطايا إسرائيل ويهوذا

 [ص 13- ص 24] 

الأصحاح الثالث عشر

مجد الأنبياء الكذبة

بعد أن أكد حزقيال حدوث السبي معلنًا ضرورة تصديق الأنبياء الحقيقيين، بدأ يطالب برفض مشورات الأنبياء الكذبة والنبيات المخادعات.

  1. الأنبياء الكذبة           [1-16].
  2. النبيات الكاذبات          [17-23].
  3. الأنبياء الكذبة:

عرف اليهود نوعين من الأنبياء الكذبة، نوعا يمثل العبادة الوثنية المقاومة لله علنًا كأنبياء السواري الذين قتلهم إيليا النبي (1 مل 18: 40). والنوع الآخر يتنبأون من وحي قلوبهم ومشاعرهم الذاتية ورغباتهم الخاصة تحت اسم الله. غالبًا ما كانوا ينطقون بما يُفرح قلب الملك أو المسئولين وذلك من عندياتهم كنوع من التملق (1 مل 22: 5-28). هذا النوع أخطر من الأول لأنهم مخادعون يتكلمون كمن يحملون الوحي الإلهي بينما هم يحملون وحي ذواتهم الشريرة. هؤلاء إرميا النبي يقاومهم، وأيضًا حزقيال.

لقد دعاهم “حمقى nebiem“، ويلاحظ أن النبي يلعب بالألفاظ  فعرض كلمة nebalim  يقول nebiem، وذلك كما في الإنجليزية يقال profitless عوض prophets. أما سر غباوتهم أنهم تنبأوا “من تلقاء قلوبهم” [2]، يذهبون “وراء روحهم” [3] لا وراء روح الرب، الذي هو روح الحكمة.

إن كان الله يحذر شعبه من الأنبياء الكذبة، فإنه في نفس الوقت يهتم برجوع هؤلاء الكذبة عن شرهم وكذبهم، كما يقول العلامة أوريجينوس: [لا يوجد أي نوع من الخطايا لم يتحدث عنه الكتاب المقدس ويوضحه لقارئيه.

كلمة الله المُرسلة لشفاء الناس يجب أن تتناول كل أنواع الخطايا، وتُحدث جميع أنواع الناس، حتى لا يُحرم أحد من العلاج النافع أو الدواء المفيد لشفاء جرحه.

توجد كلمات تخص الشعب وأخرى لكبار الكهنة وثالثة للكهنة وغيرها للرعاة والمعلمين. توجد كلمات تمدح المعلمين الصالحين، وكلمات توبخ الأشرار، فتحث البعض على مواصلة الصلاح والأخرى لئلا ينحدروا إلى ما هو أسوأ مما هم عليه.

يلزمنا أن نفسر تعاليم الله عن الأنبياء الكذبة… ونتطلع إلى بعض معلمي الكنائس الذين ليسوا على وفاق في كلامهم أو سلوكهم مع العقيدة التي يعلمون بها. إنهم أنبياء كذبة.

إننا نسعد جدًا عندما نجد الكتاب المقدس يحثنا على الابتعاد عن الرذائل، ونسعد بالأكثر عندما نجد كلمة الله تتناول وتتلامس مع بعض رتب الكنيسة، لأننا نريد الشفاء من جميع الخطايا.

“يا ابن آدم تنبأ على أنبياء إسرائيل” [2]. كان في إسرائيل أنبياء بالاسم لا بالحقيقة. أما اليوم فيوجد أيضًا في إسرائيل الحقيقية، أي الكنيسة، بعض الأنبياء والمعلمين الكذبة، الذين تخصهم كلمة الله بهذه النبوة. إن كانت كلمة الله تخصني، يلزمني أن أغير من حالي، بالابتعاد عن الرذائل، حتى لا أكون ممن يدينهم الكتاب المقدس هنا، بل أصير من معلمي الكنيسة الذين ينشرون كلمة الله بكل أمانة.

“تنبأ على أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون،

وقل للذين هم أنبياء من وحيّ قلوبهم” [2-3]

تشير كلمة الله هنا إلى معلمي الكنائس الذين يتكلمون بما يخالف الحق. الاتفاق مع تعاليم الروح القدس الذي نطق في التلاميذ هو تكلم لا من وحي القلب (الذاتي) بل حسب هذا الروح الذي نطق في بولس الرسول وبطرس الرسول وكل التلاميذ والرسل الآخرين.

أما إذا كنا نقرأ الإنجيل ونطبق مفاهيمنا الخاصة عليه دون أن نفهم مقاصد الله فعلاً، نصير أنبياء كذبة، نتكلم من وحي قلوبنا في الإنجيل.

أما الهراطقة… فإنهم يشرحون خرافاتهم عن الأيونات مستندين على الأناجيل والرسل، مفسرين ذلك من وحيّ قلوبهم لا بحسب الروح القدس. إنهم لا يستطيعون القول:

“لأنه من عرف فكر الرب فيُعَلِّمه؟!

وأما نحن فلنا فكر المسيح”.

أو “نحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذى من الله

لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (1 كو 2: 12، 16)[116]].

جاءت في الترجمة السبعينية:

“إنهم يجمعون قطعانا ضد بيت إسرائيل

الذين يقولون:

في يوم الرب لا يقوموا،

يرون رؤى باطلة” [5-6].

ويعلق العلامة أوريجاينوس على هذه العبارة، قائلاً: [إنهم يجمعون قطعانًا تنفصل عن كنيسة الله وعن بيت إسرائيل.

إنهم لا يقومون مع السيد المسيح… لأنهم يرون رؤى باطلة… لن يقوموا معه، لأن القائمين الحقيقيين يقولون: فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة(رو 6: 4). لأنه كما أخذناعربون الروح(2 كو 1: 22) هكذا أخذنا عربون القيامة، إذ لم يقم أحد منا القيامة الكاملة…

إنهم لم يأخذوا بعد معمودية القيامة لأنهم معلمون وأنبياء كذبة… كل ما يرونه باطلاً؛ فلا يستطيعون أن يروا رؤى الحق… إنما لهم رؤى كاذبة للكتاب المقدس[117]].

“لذلك ها أنا عليكم يقول السيد الرب، وتكون يدي على الأنبياء الذين يرون الباطل والذين يعرفون بالكذب[8-9]. لقد أرادوا بالحكمة البشرية أن يكسبوا الناس ويخدَّروا ضمائرهم بالنبوة الكاذبة على حساب الحق الإلهي فيخسروا الرب كضد لهم، ويُنزعوا من الشعب نفسه “في مجلس شعبي لا يكونون وفي كتاب إسرائيل لا يكتبون وإلى أرض إسرائيل لا يدخلون، فتعلمون أني أنا السيد الرب. من أجل أنهم أضلوا شعبي قائلين: سلام وليس سلام” [9-10]. أرادوا بتملقهم للشعب أن ينطقوا بكلمات ناعمة أنهم في أمان وسلام، فيُحرمون من الشعب ومن المدينة ومن الأرض!

يقول القديس أمبروسيوس: [تجدون في الإنجيل سلامًا يرفضه المسيح، إذ يقول بنفسه: “سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم، ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا” (يو 14: 27) لأنه يوجد سلام لا يضع حجر عثرة، ويوجد سلام يضع ذلك. أما الذي لا يضع حجر عثرة فهو سلام الحب، والذي يُعثر هو سلام المظاهر (الرياء). لهذا يقول النبي: “سلام سلام وليس سلام [10].

فلنهرب إذن من سلام الأشرار، لأنهم يتآمرون ضد البريء، ويجتمعون على مضايقة البار (حك 2: 12)، ويقهرون الأرملة ويسحقون اتضاعها[118]].

إنهم ينطقون بالكلمات الناعمة… وكما يقول العلامة أوريجينوس[119]: [إنه عندما تُفتح الأسفار (دا 7: 10) بكلامنا نتبرر وبكلامنا نُدان (مت 12: 37) كقول السيد المسيح. فالمعلمون الكذبة يقدمون آراء فاسدة مهلكة تدينهم ولا تبررهم. وما يتم بالنسبة للكلام هكذا يتحقق بالنسبة للأعمال فإن “خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء، وأما البعض فتتبعهم؛ كذلك أيضًا الأعمال الصالحة واضحة والتي هي على خلاف ذلك لا يمكن أن تُخفي” (1 تي 5: 24-25). كذلك بالنسبة للأفكار فإنها تشتكى أو تحتج (رو 2: 15). إذن لنحذر من كلماتنا وأعمالنا وأفكارنا لئلا تديننا كمعلمين كذبة!

يقول القديس جيروم: [الذين جاءوا لحسابهم ولم يُرسلوا هم سراق ولصوص (يو 10: 8)[120]].

صار هؤلاء الأنبياء الكذبة كالثعالب في الأماكن الخربة [4] التي تعرف بالخداع، يخربون المدينة تحت ستار “السلام” بدلاً من أن يبنوها بالمشورة الصالحة. عوض أن يقيموا “جدارًا لبيت إسرائيل للوقوف في الحرب في يوم الرب” [5] أي عوض أن يقيموا أسوارًا قوية لحمايتها، إذا بهم يملّطون الحوائط المنهارة بالطفال [10]، فيصير لها مظهر القوة لكن إلى حين، إذ سرعان ما تسقط الأسوار لأنه عندما تسقط الأمطار ينكشف الحائط الحقيقي، ويزول الطفال وتظهر حجارة الحائط أنها حجارة بَرَد تشققها العواصف وتُحطمها [11]. تزول طبقة الطفال الخادعة التي أقامها الأنبياء الكذبة وينهار السور تماما:

“لذلك هكذا قال السيد الرب: إني أشققه بريح عاصفة في غضبي، ويكون مطر جارف في سخطى، وحجارة برد في غيظي لإفنائه. فأهدم الحائط الذي ملطتموه بالطفال وألصقه بالأرض وينكشف أساسه فيسقط وتفنون أنتم في وسطه فتعلمون أني أنا الرب” [13-14]. هكذا يحل غضب الله على الذين ملطوه، وعلى الطفال الذي وضعوه والحائط نفسه.

ويلاحظ أن حزقيال النبي يلعب بالألفاظ إذ يقول: “فقل للذين يملطونه بالطفال tapel إنه يسقط napel ” [11].

هذا الطفال، أي الكلمات اللينة المخادعة: “يرون لها رؤى سلام ولا سلام يقول السيد الرب” [16] وكما جاء في ميخا: “هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يضلون شعبي الذين ينهشون بأسنانهم وينادون سلام” (مي 3: 5)، وفي إرميا: “لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب، ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام” (إر 6: 13-14).   

ويرى العلامة أوريجينوس أن الثعالب [4] تشير إلى الشياطين[121]، إذ يقول المرتل: “يدخلون في أسافل الأرض، يدفعون إلى يدي السيف، يكونون نصيبًا للثعالب” (مز 63: 10-11). فإن الثعالب مفسدة للكروم (نش 2: 15)… وكأن هؤلاء الأنبياء إذ يخدمون لحساب مملكة إبليس يُحسبون جنوده أو كأنهم أرواح شريرة تفسد كرم الله.

يقول العلامة أوريجينوس: [ننتقل إلى آيه أخرى توبخ هؤلاء الأنبياء والمعلمين الكذبة. وإني أطلب أن أُحفظ من هذا التوبيخ بفضل صلواتكم عني.

ما هو إذن هذا التوبيخ؟

“أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب” [4]. الثعلب حيوان غير نافع، خبيث، متوحش ومفترس. يقول المخلص: “قولوا لهذا الثعلب: ها أنا أُشفي اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل” (لو 13: 32).

احتاج شمشون إلى هذه الثعالب ضد الغرباء، إذ أمسك 300 ثعلبًا وربط أذيالهم، وجعلها مشاعل، ثم أطلقها لإحراق زرع الأعداء (قض 10: 24). هذه هي نوعية المعلمين الكذبة، إذ هم خبثاء وأشرار، يشبهون هذه الحيوانات.

إن كنت أنا هكذا فلا أكون فقط ثعلبًا وإنما أكون ثعلبًا في خرب.

هؤلاء المنافقون الخبثاء التافهون يسكنون القفار والخرب، ودائمًا هم في أماكن منعزلة (عن الله). إذا سكن الله في النفس، وامتلأت من الروح القدس، فلا يمكن أن تدخل إليها عقائد الهراطقة. أما إذا غاب عنها السيد المسيح ففي هذه الأماكن تنتشر سموم التعاليم الخاطئة الشريرة[122]].

  1. النبيَّات الكاذبات:

ذكر الكتاب المقدس نبيات أعطيت لهن مواهب مقدسة مثل مريم النبيه أخت هرون التي خرجت تضرب بالدف وسط النساء ترنم تسبحة النصرة بعد عبور البحر الأحمر (خر 15: 20)، ودبورة القاضية (قض 4: 3-4)، وزوجة إشعياء (إش 8: 3)، وخلدة النبية (2 مل 22: 14) وحنة بنت فنوئيل (لو 2: 36) وأربع بنات فيلبس المبشر (أع 21: 9). أما هنا فيتحدث حزقيال النبي عن النبيات الكاذبات اللواتي حولن كلمة الرب إلى تجارة ومكسب مادي: “أفتصطدن نفوس شعبي وتستحيين أنفسكن، وتنجسنني عند شعبي لأجل حفنة شعير ولأجل فتات من الخبز لإماتة نفوس لا ينبغي أن تموت واستحياء نفوس لا ينبغي أن تحيا بكذبكن على شعبي السامعين للكذب” [18-19]. إنها تجارة رديئة، تُباع النفوس بثمن بخس، من أجل حفنة شعير أو فتات من الخبز، يسلمن النفوس البريئة للموت، ويبرئن النفوس الشريرة المستحقة للموت.

إنهن يصطدن النفوس البشرية بالكلمات الناعمة اللينة كالوسائد لكل رأس، وكأنها تنصب الفخاخ لتصطاد طيورًا. لهذا يتدخل الرب من أجل اسمه الذي يتنجسن إياه هؤلاء المخادعات، ومن أجل النفوس المسكينة التي تسقط ضحيتهن، فيمزق الرب وسائدهن وينقذ الشعب من فخاخهن.

جاءت في الترجمة السبعينية: “ويل للواتي يُخطن وسائد لاصطياد النفوس” [18]. هؤلاء كما يقول القديس أمبروسيوس[123]: [يخطن القديم بالجديد… لكن قد جاء مسيحنا الذي صنع كل شئ جديدًا (رؤ 21: 5)، لأنه هو القيامة (يو 11: 25) بكر الراقدين (كو 1: 18)، لا يتركنا في إنساننا القديم بحرفه القاتل.


 

من وحي حزقيال 13

وصيتك لكل نفس!

v     قدمت وصيتك لي ككاهن،

وتقدمها للشعب أيضًا!

نفسي ثمينة جدًا في عينيك،

سواء كنت سيدًا أو عبدًا،

شيخًا أو شابًا أو طفلاً،

رجلاً أو امرأة!

محبتك عجيبة لكل نفس بشرية يا سيدي!

v     تحذرني من الأنبياء الكذبة والنبيات المخادعات،

وفي نفس الوقت تسألهم التوبة والرجوع إليك!

تكره الخداع، لكنك تطلب نفوس المخادعين!

تكره الهرطقات والبدع، لكنك تشتهى توبة الهراطقة!

عجيب أنت يا مخلص العالم!

v     هب لي ألا أسقط في خداع الكلمات الناعمة،

ولا أتكئ على وسائد المعلمين الكذبة،

ولا أثق في عذوبة لسانهم المملوء سمًا قاتلاً!

v     احفظني لئلا تخدعني أفكاري أو كلماتي أو أعمالي!

فأني أُعطي حسابًا عن كل فكر باطل،

وعن كل كلمة عقيمة،

وكل عمل لا نفع له!

 

زر الذهاب إلى الأعلى