تفسير سفر حزقيال ٤٥ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الخامس والأربعون

شريعة القداسة والعدل والفرح

بعد أن قدم الله لشعبه هيكلاً جديدًا، وأقام فيه كهنة له يسلكون ببره، ولاويين يقومون بحراسة أبوابه، بدأيعلن شريعة هذا الهيكل الجديد التي تقوم أساسًا على ثلاثة أسس هامة: القداسة والعدل والفرح.

  1. القداسة وتقسيم المدينة المقدسة            [1-8].
  2. العدل والحق في المدينة الجديدة             [9-17].
  3. الفرح في المدينة الجديدة                    [18-25].
  4. القداسة وتقسيم المدينة المقدسة:

أ.يقول الرب: “وإذا قسمتم الأرض تقدمون تقدمة للرب قدسًا من الأرض… هذا قدس بكلتخومه حواليه” [1]. ما أعجب محبة الله، الذي وعد بإعطاء أرض جديدة بعد عودتهم من السبي ليعود فيطلبمن الإنسان قطعة أرض مما أعطاهم كتقدمة من الإنسان لله، تصير سر تقديس للأرض كلها. إنه يأخذ القليلمما وهبنا كأنه منا فيقدس كل ما لنا بسبب هذه التقدمة.

يتقبل الله منا هذه الأرض، مع أن للرب الأرض كلها، ويجعلها ملكًا له، بيتًا مقدسًا يسكن فيه وسط شعبهليقدسهم.

يحمل هذا صورة رمزية لما تم في العهد الجديد، فالقدس هو السيد المسيح الذي هو ابن الله الوحيد، أخذجسدنا وطبيعتنا فيه، لكي يتقبله الآب منا ذبيحة حب مقبولة ومرضية فيقبلنا كلنا فيه. يتقبل هذا القدوس نيابةعن البشرية فتتقدس البشرية المؤمنة به من خلال اتحادها معه وفيه. لهذا يقول القديس كيرلس الكبير: [كناجميعنًا في المسيح، وكانت الشخصية البشرية في عموميتها تتجدد فيه[325]]. [لقد حملنا في جسده، إذ كناجميعًا فيه من حيث أنه استعلن إنسانًا[326]]، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي: [لم يكن اللوغوس نفسهمحتاجًا لانفتاح أبواب السماء… بل نحن كنا محتاجين إلى ذلك، نحن الذين كان يحملنا في جسده[327]]. كانالسيد المسيح ولا يزال هو سر تقديسنا إذ حملنا فيه سريًا.

كما يحمل الهيكل الجديد أيضًا صورة رمزية لما يتم داخل النفس البشرية أو داخل الإنسان، فإن كان قدسالأقداس يمثل القلب الذي يسكنه ربنا يسوع المسيح، فإن الهيكل يرمز للجسد الذي يتقدس من خلال سُكني ربنافي النفس، كما يتقدس الهيكل كله من خلال قدس الأقداس. أما أبعاد الهيكل فهي 500 قصبة من كل جانبتذكارًا للعذارى الخمس الحكيمات (مت 25)… أو إلى تقديس حواس الجسد الخمس كعذارى للرب إلهنايسوع. والكهنة الساكنون حول الهيكل يشيرون إلى العبادة المقدسة التي يقدمها الإنسان في المسيح يسوع،أما اللاويون فيشيرون إلى ضرورة الحراسة المشددة على أبواب النفس والجسد معًا حتي لا يدخل إلينا شيءغريب لا يليق بمقدسات الله. وأما الملك فيشير إلى الذهن أو العقل المقدس الذي يدبر الأمور حسب مشيئة الله،وأما الشعب فيشير إلى طاقات الجسد وأعماله الظاهرة، إذ يتقدس كل شيء فينا ليعمل لحساب ملكوت الله.

ب. حدد الرب نصيب الكهنة واللاويين والشعب والملك حتي لا يتعدى أحد على حقوق الآخر، ولا يستغلأحدهم نفوذه على حساب أخيه… فإنه لا تقديس بدون عدالة واحترام لحقوق الغير.

  1. العدل والحق في المدينة الجديدة:

قانون الأرض المقدسة العدالة وعدم الظلم أو الجور، هذه هي سمة النفس التي تقبل الله في داخلها كسرتقديسها. لهذا يأمر الرب المسئولين هكذا: “أزيلوا الجور والاغتصاب وأجروا الحق والعدل. ارفعواالظلم عن شعبي يقول السيد الرب موازين حق وإيفة حق وبث حق تكون لكم” [10] فإنه ليسشيء يحزن قلب الله مثل الظلم والغش، وليس شيء يفرح قلبه مثل الرحمة والعدل.

هذا هو دستور الكنيسة التي تجد أن في مسيحها قد تحقق العدل الإلهي، موازين الله العادلة… فقد حملخطايانا ودفع الدين الذي كان علينا، وكما يقول الرسول: “إذ كنتم أمواتًا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكممعه مسامحًا لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه منالوسط مسمرًا إياه بالصليب، إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه” (كو 2: 13-15) لقد كنا في الموازين إلى فوق، فدفع الثمن ليس كلامًا أو مجرد عواطف بل دفع حياته ثمنًا لخلاصنا فتحقق العدلالإلهي فيه. بهذا يحطم الشيطان مع رياساته وسلاطينه ويُشهرّ بهم جهارًا، إذ يُحطم الظلم والجور… الذي هوقانون إبليس وجنوده.

لهذا بعد أن تحدث عن قانون العدل وعدم الغش في التقدمات والذبائح والمحرقات [15] بكونها رمزًا لذبيحةالسيد المسيح التي فيها يتحقق العدل الإلهي!

  1. الفرح في المدينة الجديدة:

إن كان أساس الكنيسة هو القداسة التي صارت لنا في المسيح القدوس، وقانونها هو العدل الذي تحققفي ذبيحته، فإن علامتها هي: “الفرح” في الرب. لهذا يتحدث الله معهم عن الأعياد المستمرة… فإن حياةالكنيسة هي “عيد” دائم وفرح سماوي لا تستطيع أحداث العالم أن تنزعه.

المسيحية ليست كآبة ولا ضجر ولا مرارة، لكن في جوهرها فرح داخلي يتحقق كثمر الروح القدس (غلا 5: 23) من خلال اتكائها الدائم على صدر السيد المسيح رأسها الغالب ويبقي غالبًا فينا (رؤ 6: 2) فيه ترىالكنيسة السموات مفتوحة وهي جالسة عن يمين الآب من خلال اتحادها في ابنه الوحيد… هذا هو سر فرحهاالدائم: الغلبة الدائمة وانفتاح السموات أمامها باتحادها مع الله في المسيح يسوع!

لقد بدأ الأعياد هنا بعيد رأس السنة [18] في اليوم الأول من الشهر الأول، ثم عيد الفصح [21]، وفيالأصحاح التالي تحدث عن السبوت، والعيد الدائم (المحرقات اليومية لصباحية والمسائية). هذه جميعها فيالمسيح يسوع عيدنا المستمر، هو بدء حياتنا الجديدة (رأس السنة الجديدة)، وهو فصحنا الذي ذبح لأجلنا (1 كو 5: 7)، وهو سبتنا الحق أي سر راحتنا، وهو العيد اليومي فيه سر فرحنا صباحًا ومساءً كل يوم. وقد سبقلنا الحديث عن الأعياد اليهودية كرمز للعيد المسيحي في دراستنا لسفر العدد.


 

من وحي حزقيال 45

اعلن شريعتك في داخلي!

v   اعلن في داخلي، في هيكلك، شريعتك:

القداسة والعدل والفرح!

v   ما هي شريعتك أيها القدوس

إلا القداسة؟!

فيك يتقدس جسدي، الأرض الجديدة!

وفيك تتقدس نفسي، السماء الجديدة!

وبك تتقدس مواهبي، اللاويون الجدد!

وبك يتقدس عقلي، الملك الجديد!

أنت مقَّدس النفس والجسد والروح!

v   أيها الحق الذي ليس فيه باطل!

ايها العدل الذي بلا ظلم!

هب لي دستور الحق والعدل في داخلي!

انزع عني كل باطل وظلم!

v   حلولك في أعماقي ينزع الغم،

حضرتك ملكوت مفرح!

وجودك يحول حياتي إلى تسبحة لا تنقطع!

إلى عيد دائم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى