تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه – عن زبولون

 

« زبولون عند ساحل البحر يسكن وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صیدون » ( تك 13:49) .

لقد قُلنا من قبل إننا نحاول تفسير نبوة يعقوب لكي نتحقق بدقة مما أراد أن يقوله، وكيف تحقق ما قاله. ويمكن لواحد من الفاهمين أن يبرهن على أن هذه الأقوال التي تفوه بها يعقوب تعلن مسبقا صورة للأمور التي سوف تحدث. فمن جهة نقول هذا الأمر عن طريق تشابه هذه الأمور مع تلك التي حدثت بالفعل في الماضي، ومن جهة أخرى عن طريق معنى الأسماء ، الأمر الذي نستطيع أن نراه في حالة زبولون ، والأسماء التي ذكرت بعده. وبحسب أولئك الذين يملكون القدرة على إيضاح معنى هذه الأسماء جيداً، فإن اسم زبولون يعني “ رائحة زكية وأيضا يعني « بركة ».

إذن ، سنجد البعض من الإسرائيليين مباركين ، وهؤلاء هم المحاطون برائحة الله الزكية ، تلك الرائحة الموجودة في كل أولئك الذين يسرون الله ، وأيضا في هؤلاء الذين قد تبرروا بإيمانهم بالمسيح واستناروا بنعمة الروح القدس ، حتى إننا نستطيع أن نجاهر بدون أن نكذب ونقول : « أنتم مبارکون للرب الصانع السموات والأرض » ( مز 10:115 ) . وأيضا يناسب هؤلاء ما قاله أشعياء الطوباوي : « طريق الصديق استقامة . تُمهد أيها المستقیم سبیل الصدیق » ( أش 7:26). وقد أمر الله المستنيرين والمباركين أن يدخلوا إلى الدار الإلهية والمقدسة قائلاً: « أفتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة . ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً سالماً لأنه عليك متوكل » ( أش 2:26 – 3) .

وأيضا حتى لا يستولي عليهم الخمول من جهة فعل الصالحات ، وضع عراقيل في الطريق وأمرهم بأن يصيروا رائحة زكية ويمهدوا الطريق للدخول ، قائلا للخدام المقدسين : « اعبروا أعبروا بالأبواب هيئوا طريق الشعب أعدوا اعدوا السبيل بقوة من الحجارة ارفعوا الراية للشعب » ( أش 10:62) . وهكذا ، فإن أولئك الذين آمنوا بالمسيح من بني إسرائيل ، سيكونون مبارکين وسعداء . ويؤكد لهم بوضوح أن الذين من زبولون سوف يسكنون عند ساحل البحر ( انظر أش ۱:۹ – ۲ ) .

كأنه يقول ، إن إسرائيل سوف يحيا مختلطاً بالأمم حيث إن الشعبين اتحدا في رعية واحدة ، ووُضعا تحت يدي الواحد الصالح بحسب طبيعته ، أقصد رئیس الرعاة ، المسيح . وكون أن الرمز كان حقيقيا ، فهذا ما تخبرنا به كلمة الكتاب الموحى به من الله ناسباً للذين من الأمم المكان الواقع على البحر. لأنه قال الآتي : « أرض زبولون وأرض نفتالیم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم . الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما » ( مت 15:4).

أي أن « أرض زبولون » تدعى مكان الأمم الذين رأوا نوراً عظيما ، أقصد بواسطة المسيح . هكذا استنار أيضا الشعب الإسرائيلي الذي كان يسكن مع الذين سكنوا على البحر . وهذا هو سبب تقدمهم بفضل بركة الله . وكون أن الاستنارة سوف يصاحبها التوفيق والفلاح ، فهذا نعرفه أيضا من المخلص حيث قال لجمع اليهود : « النور معكم زماناً قليلاً بعد . فسيروا في النور ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام » ( یو 35:12). إذن ، الشعب القديم الذي كان يسكن منعزلاً وتجنب الاختلاط بالأمم ، سوف يصير من ضمن الساكنين معهم لأنه لم يختلف عنه في شيء ، ولأن الحاجز المتوسط قد نُقض بواسطة المسيح و ناموس الوصايا بفرائض قد أُبطل ، والشعبان صارا إنساناً واحداً جديداً في المسيح بواسطة الروح القدس.

يقول : « عند ساحل السفن » ، أي مثل ميناء آمن وهادئ تُربط فيه حبال الرجاء في المسيح. وأيضا كأنه ابتعد عن عواصف البحار وسيدخل المرسی من الآن فصاعداً بفضل المسيح مثلما ترسو السفن في الميناء. وكذلك بقوله : « وجانبه عند صیدون » يعلن أنه سوف يصير ملتقى عظيم للشعبين نحو الاتحاد الروحي ، وسوف يملأ زبولون مع بقية نسل إسرائيل المدن التي سبق أن أدانها الله ، إذ أنهم ضلوا وسرقوا أولئك الذين كانوا يتقونه[1]. لأنه قال بفم الأنبياء : « وماذا أنتن لي يا صور وصیدون وجميع دائرة فلسطين . هل تكافئون عن العمل أم هل تصنعون بي شيئاً. سريعاً بالعجل أرد عملكم على رؤوسكم . لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وأدخلتم نفائسي الجيدة إلى هياكلكم وبعتم بني يهوذا وبني أورشليم لبني الياوانيين لكي تُبعدوهم عن تخومهم » ( یوئيل 4:3 – 6 ) . لاحظ إذن ، أن المدن الرهيبة والشرسة والذين تسببوا في الهلاك للإسرائيليين ، سوف يقبلون بدون خوف هؤلاء الذين آمنوا ، وبذلك يوحد مخلصنا يسوع المسيح الشعبين معا مزيلاً العداوة التي كانت بينهما ، جاعلاً الشعب الإسرائيلي يسكن مع الأمم . هذا ما أراده وقصده حين قال إن زبولون سوف يسكن عند ساحل البحر.

فاصل

  1.   قد سبق للعلامة هيبوليتس أن يقول في نفس السياق : “ إنه يتكلم عن نصيبه الذي سيقع عند ساحل البحر ، وعن اختلاط إسرائيل بالأمم ، جاعلاً كليهما ( أي إسرائيل والأمم ) رعية واحدة . وهذا الأمر ظاهر في الإنجيل : “أرض زبولون وأرض نفتالیم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ، الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما …. ” ( مت 15:4-16) ويمكنك أن تلاحظ بأكثر جلاء وفرة غني نصيبه بحصوله على مقاطعته في كل من داخل البلاد وعلى ساحل البحر . وهو عند مرفأ السفن ” : أي أنه في مكان أمين عند مرسي السفن ، مشيراً إلى المسيح مرساة الرجاء ، وإشارة إلى دعوة الأمم ، حيث إن نعمة المسيح سوف تعم الجميع في الأرض والبحر A.N.F. vol.V , p.165 .

فاصل

عن يهوذا

المقالة السابعة 

عن يساكر

تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى