تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه -عن شمعون ولاوي

شمعون ولاوي أخوان[1]. آلات ظلم سيوفهما . في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد کرامتي. لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا وفي رضاهما عرقبا ثوراً. ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما فإنه قاس . أقسمهما في يعقوب وأفرقهما في إسرائيل » ( تك 5:49-7).

لقد غضب إله الجميع من إسرائيل لأنه زني وأخضع عقله لضلالات أولئك الذين اعتادوا أن يعلموا بتعاليم غريبة ، وقال بفم أشعياء بكل وضوح : « لأن هذا الشعب قد اقترب إلى بفمه وأكرمني بشفتيه وأما قلبه فأبعده عني وصارت مخافتهم مني وصية الناس معلمة » ( أش ۱۳:۲۹) . لكن لأن الله الآب ، يعرف حالة أورشليم الدنسة وقد كانت مخمورة بتصرفاتها الطائشة الفاسدة ، فإنه أراد أن يغيرها للأفضل. لذلك أرسل ابنه من السماء ، ابنه الذي صار إنسانا مثلنا لعلهم يستحون من الابن الآتي إليهم ، لأن جمع الأنبياء القديسين كان قد وصل إلى الدرجة التي فيها لم يستطع أن يفعل شيئا مع هؤلاء اليهود ( لأنهم قالوا : « من صدق خبرنا » (أش 1:53 ) . لقد انحدر هؤلاء اليهود إلى مثل هذا المستوى من عدم التقوى حتى أنهم ظنوا أنهم يستطيعون أن يأخذوا أيضا نصيب سيدهم وقاموا بقتل القديسين وتخطوا كل حدود الشر، وتصرفوا بطريقة شاذة کالمخمورين ضد الابن ذاته . لأنه مكتوب : « قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه » ( مت ۳۸:۲۱ ) ولم يتوقف جحودهم عند هذا الحد، بل ثاروا أيضا على الرسل القديسين وكانوا يريدون قتلهم.

إن النبوة التي ندرسها الآن تحمل مثل هذا المعنى . ويبدو أن يعقوب العظيم قد تذكر أيضا تلك الأمور التي حدثت في شكيم . أليس هذا هو هدف يعقوب، أن يُظهر أن ما حدث يمكن أن يكون مثالاً لما يحدث في المستقبل ؟ إن ما حدث في شكيم يتماثل من جهة أسلوب فعل الخطية مع الأحداث التي حدثت للمسيح ، وأيضا في حالة رأوبين البكر.

ماذا فعل إذن شمعون ولاوي في شكيم ؟ خرجت دینا ، أخت لاوي وشمعون ، من خيمة أبيها لكي ترى بنات هذه الأرض ، فاغتصبها شكيم بن حمور . استولى الغضب على إخوتها وشرعوا في قتله لأجل فعلته الشنيعة ، فأقنعوه أولاً بأن يقبل ختانهم هو وكل أهله ، وحدث أنه بعد أن أختين بنو حمور أن شمعون ولاوي قتلا حمور وابنه شكيم ، قائلين : « أنظير زانية يفعل بأختنا » ( تك 34: 31).

حسنا ، ليتنا نأتي إلى الأمر الذي يشبه هذا الحدث ، ودعونا بقدر الإمكان نستعرض الموضوع آخذين كل ما يساعدنا في عرضه بكل وضوح . عندما تحدثنا عن يعقوب حديثاً شاملاً، عرضنا كيف عاش وما هي طريقة حياته ، وما عدد النساء اللاتي تزوجهن ، وكم عدد أولاده . لقد قلنا إنه تزوج ليئة ، كبرى بنات لابان ، وبعدها تزوج راحيل الصغرى. وأظهرنا كيف أن ليئة بالنسبة لنا تمثل صورة مجمع اليهود ، بينما راحيل تمثل صورة الكنيسة التي من الأمم . لأن اسم ليئة يعني “المتعبة” وكانت عيناها ضعیفتان . وحقا هي مثال مجمع اليهود الذي كان متعبا ، إذ تثقل بالناموس الذي أعطي بواسطة موسى ، لذا لم ير بأعين سليمة سر مخلصنا . على النقيض ، كانت عينا راحيل جميلتين وكانت رائعة الجمال . وهي مثال للكنيسة الآتية من الأمم التي كانت مجيدة حقا . دينا كانت بنت ليئة ، وهذه ترمز لمجمع اليهود المختون في زمن تأنس الابن الوحيد . هكذا ، عندما خرج بمجمع اليهود المختون من خيمته ، أقصد خرج خارج الأعراف الناموسية وارتحل لينظر أراضي غريبة ، أقصد حين نظر تعليم الرسل القديسين الذين لم يعودوا يحيون بعد بالأعراف اليهودية، وقبل تعليم الرسل عندئذ أغتصب روحياً وقد ولد منهم نسل مسيحي وإنجيلي . لكن بعض أولاد يعقوب غضبوا ( مثل شمعون ولاوي ) ، أي الذين وجدوا في مصاف الطائعين ومع هؤلاء الذين من الجنس المقدس والمختار . لأن شمعون يعني « المطيع » ولاوي يعني « المختار».

و كون أن الذين كان لديهم امتیاز الكهنوت الناموسي تطاولوا على الرسل بمعونة الجمع اليهودي ، فهذا لا يمكن الشك فيه. لأنهم اغتاظوا حقاً واصفين إيمان أولئك الذين كانوا ينتمون إليهم بأنهم محرمون ، وإنهم ارتكبوا جرائم رهيبة . إذ قالوا : « وها أنتم قد ملأتم أورشلیم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان » ( أع 28:5 ) . ولأنهم اتهموهم بأنهم لا يلتزمون بناموس الختان ، فقد سمعوا الرد من بولس عندما قال : « لأن اليهودي في الظاهر ليس يهودياً ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً» ( رو ۲ : ۲۸).

أرأيت كيف أن أولئك الذين هم من أمم أخرى آمنوا وارتبطوا باليهودية الحقيقية ، إذ كانوا مختونين في داخلهم بالختان الروحي ؟ لكن مثلما قتلوا الأنبياء ، هكذا قتلوا أيضا عمانوئيل . لأنه يقول ، لقد ارتكب شمعون ولاوي ظلمة بإرادهما . أي اتفقا وارتكبا الظلم ضد القديسين ، أي الشعب والكهنة. أما أنهم قد فعلوا هذا الأمر بإرادتهم بعد تفكير وتخطيط ، فهذا ما ذكره الكتاب بأهم بحثوا هذا الأمر في مجامعهم ومضوا في تحقيق تلك الأفعال التي فاقت كل شر.

حسناً، تجنب يعقوب المشاركة في تفكيرهم وقراراتهم ، لأنه يقول : « في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد کرامتي . لأنهما في غضبهما قتلا إنساناً وفي رضاهما عرقبا ثوراً» ( تك 6:49 ) ، كأنه يقول : ولا أريد أن أرى بأعين ذهني هذه القرارات ، ولا أيضا أقبل في قلبي بتاتاً أفكار الجاحدين الشريرة. هكذا يتحدث أشعياء عن جمع اليهود ، قائلا : « ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لأنفسهم شراً» ( أش 9:3) . أيضا رنم داود : « طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس » (مز۱:۱). وكذلك ، في موضع آخر ، يقول : « أبغضت جماعة الأثمة ومع الأشرار لا أجلس » ( مز 25: 5).

لقد تجنب – إذن – يعقوب ، القرارات اليهودية ، وذكر الأسباب قائلا : « في مجلسهما لا تدخل نفسي . .مجمعهما لا تتحد کرامتي . لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا » ( تك 6:49 ) . أي كما قلت ، قتلوا قديسين وقادوهم وشنَّعوا بهم بلا رحمة أو إنسانية من جراء غضبهم الدنس . وهؤلاء التعساء إذ سيطرت عليهم الشهوة ة الدنسة الحمقاء عرقبوا ثورة ، أي المسيح [2]. وما هي شهوتهم ؟ سبق أن تحدثنا عنها من قبل ، إذ عرفوا أنه الوارث فاشتهوا أن يأخذوا ميراثه.

انتبه إذن ، إلى المفهوم العميق لهذا الحديث . لأنه يقول ، قتلوا البشر وعرقبوا الثور . قتلوا – إذن- القديسين الذين ماتوا على رجاء القيامة المنتظرة . لكنه كمثل ثور قد عرقبه نسر ، فقد أُنهك المسيح ووقع على الأرض محتملا بإرادته موت جسده ، لكنه لم يمسك في قبضة الموت ، بل ظل حياً بلاهوته . وُصف المسيح بالثور ؛ لأن هذا الحيوان قوي جدا وطاهر ومقدس. والابن هو رب القوات الذي لم يرتكب خطية ( انظر ابط ۲۲:۲ ) ، بل بالحري قدم ذاته لأجلنا الله الآب رائحة طيبة ( انظر أفسس 2:5) . ليت الذين عرقبوا الثور يسمعون الآتي : « ملعون غضبهما ، فإنه شديد وسخطهما فإنه قاس » ( تك 7:49 ) . ما الذي أصابهم ؟ رحلوا من بلادهم ، وهجروا أرضهم ، وتشتتوا وصاروا غرباء و نزلاء وامتلأوا من الخوف. لأنه حقا مثلما يشعر الطائر الذي يطير خارج عشه ، أيضا الإنسان عندما يبتعد عن موطنه. أيضا ، بالنسبة لأولئك الذين عرقبوا الثور، فإن أعمالهم تستحق اللعنة ، بينما بالنسبة لهؤلاء الذين تألموا ألم رهيبا ، سيكون لهم هذا الثور فدية وطهارة وغفرانا للخطايا. هذا الذي قُلته نجده مكتوبة في الناموس ، إذ نقرأ في سفر التثنية :”1«إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا وَاقِعًا فِي الْحَقْلِ، لاَ يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ، 2يَخْرُجُ شُيُوخُكَ وَقُضَاتُكَ وَيَقِيسُونَ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ الْقَتِيلِ. 3فَالْمَدِينَةُ الْقُرْبَى مِنَ الْقَتِيلِ، يَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا، لَمْ تَجُرَّ بِالنِّيرِ. 4وَيَنْحَدِرُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِالْعِجْلَةِ إِلَى وَادٍ دَائِمِ السَّيَلاَنِ لَمْ يُحْرَثْ فِيهِ وَلَمْ يُزْرَعْ، وَيَكْسِرُونَ عُنُقَ الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي. 5ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْكَهَنَةُ بَنُو لاَوِي، لأَنَّهُ إِيَّاهُمُ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَحَسَبَ قَوْلِهِمْ تَكُونُ كُلُّ خُصُومَةٍ وَكُلُّ ضَرْبَةٍ، 6وَيَغْسِلُ جَمِيعُ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبِينَ مِنَ الْقَتِيلِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعِجْلَةِ الْمَكْسُورَةِ الْعُنُقُِ فِي الْوَادِي، 7وَيُصَرِّحُونَ وَيَقُولُونَ: أَيْدِينَا لَمْ تَسْفِكْ هذَا الدَّمَ، وَأَعْيُنُنَا لَمْ تُبْصِرْ. 8اِغْفِرْ لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فَدَيْتَ يَا رَبُّ، وَلاَ تَجْعَلْ دَمَ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. فَيُغْفَرُ لَهُمُ الدَّمُ. 9فَتَنْزعُ الدَّمَ الْبَرِيءَ مِنْ وَسَطِكَ إِذَا عَمِلْتَ الصَّالِحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.”

لاحظ ، كيف أن البعض منهم قد خلصوا من إدانتهم بالقتل[3]، لأن البقرة هي مثال لعمانوئيل . لأنه كان ينبغي على هؤلاء أن يخلصوا ذواتهم من الإدانة ، ليقولوا : « أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر » ( تك ۷:۳۱ ) . لكن شعب اليهود لم يتفوه بهذا القول ، بل تطاولوا وقالوا وهم يعرقبون الثور : « أيدينا سفکت هذا الدم » . وهذا ما قالوه بدون تبصر عن المسيح : « دمه علينا وعلى أولادنا » ( مت 25:27).

فاصل

  1. يقول العلامة هيبوليتس : “ حيث أنه من سبط شمعون جاء الكتبة ومن سبط لاوي جاء الكهنة ، فإن الكتبة والكهنة قد أكملوا الإثم باختيارهم واتفقوا معا على قتل الرب ” . ( 164 . A.N.F.uol.0 , p ) المرجع السابق ، ص 495.
  2.  يقول العلامة هيبوليتس : ‘ ‘ إنه يتكلم هنا بخصوص المؤامرة التي اشتركا فيها معاً ضد الرب . فمن الواضح لنا أنه يعي هذه المؤامرة . لأن الطوباوي داود يرنم قائلا : “ تأمر الرؤساء معا على الرب ’ ’ مز ۲ . وعن هذه المؤامرة تنبأ الروح : “ لا ترتفق روحي” راغبا بذلك أن يثنيهما إن أمكن حتى لا تتم بواسطتها تلك الجريمة المستقبلة. “قتلا إنسانا وعرقبا ثور” : يعني به المسيح ، وبقوله عرقبا أي علقوه على خشبة : المرجع السابق ، ص 490. (164 . A.N.F.vol.0 , p )
  3. يقول العلامة هيبوليتس : “ ولكن موسى رفع اللعنة عن لاوي أو بالحري حولها إلى بركة ، وذلك من أجل الغيرة التي أظهرها السبط فيما بعد والتي اتضحت في فينحاس على الأخص من نحو الله . ولكن لعنة شمعون لم يرفعها ، ولذلك فقد تمت فيه فعلا . لأن شمعون لم يحصل على ميراث مثل باقي الأسباط بل سكن في وسط میراث يهوذا ، إلا أن سبطه بقى محفوظاً على الرغم من أنه كان نفر قليلا ” .. ( 164 . A.N.F.uol.1 , p ) المرجع السابق ، ص 495

فاصل

عن رأوبين

المقالة السابعة 

عن يهوذا

تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى