تأملات في سفر حجي 1 – أ/ بولين تدري

 

فى السنة الثانية لداريوس الملك في الشهر السادس في أول يوم مِن الشهر كانت كلمة الرب عنْ يد حجي النبي إلى زربابل بنْ شالتئيل والى يهوذا وإلى يهوشع بنْ يهوصادق الكاهن العظيم قائلًا. هكذا قال رب الجنود قائلًا: هذا الشعب قال إن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب.

*جاءت رسالة حجي النبي إلى زربابل والى يهوذا وإلى يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، بالرغم مِن أن التقصير في بناء بيت الرب كان مِن جميع الشعب. ولكن جاءت كلمة الرب إلى الرجلين المسئولين عن الشعب، هم رجال صالحون، ولكن كان يجب حثهما للقيام بواجبهما عندما تهاونا. كما قال الرب: “كُل من أُعطى كثيرًا يُطلب منه كثير ومن يُودعونه كثيرًا يُطالبونه بأكثر” (لو12: 48). لذلك جاءت الرسالة لمنْ هم في المسئولية.

كُل واحد منًا مسئول في مجاله (بيته، أولاده، ماله، حياته الروحية، جيرانه، أصدقاؤه، عمله، مواهبه….)، ومطلوب أن يكون أمينًا أمام الرب في كُل هذا، وأعطانا الرب أمثلة كثيرة عنْ ضرورة السهر، والمحافظة على الأمانة التي أوكلنا عليها [مثل العذارى الحكيمات (مت25: 1-13)، ومثل الوزنات (مت25: 14-30)، ومثل الخراف والجداء (مت25: 31- الخ.)]، لكي يفرح في النهاية بسماع صوت الرب القائل: “نعمًا أيها العبد الصالح الأمين. كُنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك” (مت25: 23).

**وجاءت الرسالة مُنذرة لزربابل ويهوشع لأنهما في الأصل أُناس صالحين، وتاريخهم الطويل يدل على أمانتهم، لذلك كان الله حريصًا على تنبيههم حينما قصًروا أو تهاونوا. فالله يعرف النفوس الأمينة، ويُسمعها صوته عند اللزوم.

خطية اليهود، وغضب الرب، والعلاج:

فكانت كلمة الرب عن يد حجي النبي قائلًا:هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المُغشاة وهذا البيت خراب. والآن فهكذا قال قال رب الجنود. إجعلوا قلبكم على طُرقكم. زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلًا. تأكلون وليس إلى الشبع. تشربون ولا تروون. تكتسون ولا تدفأون. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب.

هكذا قال رب الجنود. إجعلوا قلبكم على طُرقكم. إصعدوا إلى الجبل وأتوا بخشب وإبنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد قال الرب. إنتظرتم كثيرًا وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه. لماذا يقول رب الجنود. لأجل بيتى الذي هو خراب وأنتم راكضون كُل إنسان إلى بيته. لذلك مَنَعَت السموات مِن فوقكم الندى ومَنَعَت الأرض غلًتها. ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تُنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم وعلى كُل أتعاب اليدين (حجى1: 3-11).

 

خطية اليهود: “هذا الشعب قال أن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب”، إنهم لم يقولوا لن نبنى بيت الرب، بل ليس الوقت مُناسب لبناء بيت الرب. إن خطية اليهود كانت هي التواني والتأجيل لعمل الصلاح.

إنه نفس الشيء الذي فعلته عروس النشيد: “صوت حبيبى قارعًا. إفتحى لى يا أختى يا حبيبتى يا حمامتى لأن رأسى إمتلأ مِن الطل وقصصى من ندى الليل. “فأجابت قائلة” قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه. قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما” (نش5: 2، 3). ثم تقوم مُتباطئة وتقول: “فتحت لحبيبى لكن حبيبى تحول وعبر” (نش5: 6)، ساعتها ملأها الحزن لأنها لم تعرف زمان افتقادها من عند الرب.

وأيضًا فيلكس الوالي عندما استحضر بولس من السجن ليسمع منه عن الإيمان بالمسيح، يقول الكتاب: “وبينما كان يتكلم (بولس) عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون إرتعب فيلكس وأجاب: أما الآن فإذهب ومتى حصُلت على وقت أستدعيك” (أع24: 24، 25).

لقد نُخس فيلكس في قلبه، ولكنه قال ليس الوقت بعد ليستجيب لهذا النداء.

والرب يقول لكُل واحد فينا: “هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى” (رؤ3: 20). فإن سمعت صوته فلا تقول الوقت لم يبلغ بعد للاستجابة.

لذلك يُحذرنا بولس الرسول قائلًا: “يقول الروح القدس إن سمعتم صوته فلا تُقسًوا قلوبكم” (عب3: 7، 8).

أشياء لا تنتظر الوقت المناسب:-

** توجد أشياء كثيرة لا تنتظر الوقت المُناسب، بل كُل وقت هو مُناسب لها، مثل:

1- التوبة:

فنسمع بطرس الرسول يقول: “لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ. لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي تزول فيه السموات بضجيج وتنحل العناصر مُحترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كُلها تنحل. أي أُناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مُقدسة وتقوى مُنتظرين وطالبين سُرعة مجيء يوم الرب” (2بط3: 8-12).

ويقول بولس الرسول: “أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجئ. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يُفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحُبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتى يُدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل وظلمة. فلا نَنَمْ كالباقين بل لنسهر ونصحو” (1تس5: 2-6).

ويقول مار إفرام السرياني: [ادفع الخطية بنفس الأعذار التي تدفع بها التوبة].

 

2- الصلاة:

“وقال “الرب يسوع” لهم أيضًا مثلًا في أنه ينبغي أنْ يُصلى كُل حين ولا يُمل” (لو18: 1)، وأكد هذا الكلام بولس الرسول حينما قال: “مواظبين على الصلاة” (رو12: 12)، وقال أيضًا لأهل فيلبى: “لا تهتموا بشئ بل في كُل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كُل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع” (فى4: 6، 7)، وبطرس الرسول يقول: “إنما نهاية كُل شيء قد إقتربت. فتعقلوا وإصحوا للصلوات” (1بط4: 7).

داود النبي كان مُواظبًا على الصلاة، لدرجة أنك تسمعه يقول: “بدل محبتى يُخاصموننى. أما أنا فصلاة” (مز109: 4).

ونستمع لكلمات كثيرة للآباء القديسين عن الصلاة:

“إن كان أحد عُريانًا منْ الملابس الإلهية السمائية التي هي قوة الروح القدس كما قيل، إن كان أحد ليس فيه روح المسيح وعُدم أن يكون من خاصته، فليبكِ متوسلًا بالصلاة إلى الرب حتى يهبه اللباس الروحاني السمائي ليستر نفسه العارية مِن القوة الإلهية. لأنه مِن العار أن يكون غيره مكسوًا بالروح وهو مكسو بعيب الشهوات الدنيئة” (أنبا مقاريوس الكبير).

“الصلاة سلاح عظيم، كنز لا يفرغ، غِنى لا يسقط أبدًا، ميناء هادئ وسكون ليس فيه اضطراب. الصلاة هي مصدر وأساس لبركات لا تُحصى، هي قوية وقوية للغاية… الصلاة مُقدمة لجلب السرور” (القديس يوحنا ذهبي الفم).

 

3- قراءة كلمة الله:

ليس أفضل مِن كلمة الله ذاتها، التي تطلب أن نلهج في كلامه نهارًا وليلًا: “إسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك مِن كُل قلبك ومِن كُل نفسك ومِن كُل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك. وقصها على أولادك. وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشى في الطريق وحين تنام وحين تقوم. وأربطها علامة على يدك. ولتكن عصائب بين عينيك. وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك” (تث6: 4-8).

ويقول داود النبي: “أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بنى البنين لحافظى عهده وذاكرى وصاياه ليعملوها” (مز103: 17، 18). وأيضًا يقول: “طوبى للرجل المُتقى الرب المسرور جدًا بوصاياه. نسله يكون قويًا في الأرض. جيل المستقيمين يُبارَك. رغد وغنى في بيته وبره قائم إلى الأبد” (مز112: 1-3).

ويتكلم الرب على لسان أشعياء النبي قائلًا: “ليتك أصغيت لوصاياى فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر. وكان كالرمل نسلك وذرية أحشائك كأحشائه. لا ينقطع ويُباد إسمه مِن أمامى” (أش48: 18، 19).

وقال رب المجد بنفسه: “كٌل منْ يسمع أقوالى هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. لأنه كان مُؤسسًا على الصخر. وكُل منْ يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبًت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيمًا” (مت7: 24-27).

كُلنا نميل إلى إساءة فهم المُعطلات التي تُصادفنا في الحياة والتي تسمح لنا بها العناية الإلهية، كأنها أقيمت لكي نتوقف عنْ تأدية واجباتنا ، مع أنها إنما قُصد بها امتحاننا وتدريب شجاعتنا وإيماننا. إن إهمالنا لواجباتنا أمر شرير، والأسوأ منه أن ندًعى بأن العناية الإلهية تؤيدنا في إهمالنا لها.

توبيخ الله لهم على خطيتهم:

“هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المُغشاة وهذا البيت خراب” (حجى1: 3، 4).

** النجاح العالمي والالتزامات المادية والاهتمام بشئون الحياة الحاضرة مهم، ولكنه لا يعفينا أمام الرب إذا أهملنا حياتنا الروحية، تقول ختام تسبحة نصف الليل، عنْ منظر اليوم الأخير: [يأتي الشهداء حاملين عذاباتهم. ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم. ويأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه ويُجازى كٌل واحد كأعماله]. هل سنكون في هذا اليوم العظيم حاملين في أيدينا ما يُفرح قلب الرب ونستحق عليه الدخول إلى فرح السمائيين؟!

وبولس الرسول يقول: “ليس أحد منًا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته. لأننا إن عشنا فللرًب نعيش وإن مُتنا فللرب نموت. إن عشنا وإن مُتنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات” (رو14: 7-9).

ويقول أيضًا: “منْ سيفصلنا عنْ محبة المسيح. أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُرى أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب إننا مِن أجلك نُمات كُل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مُستقبلة ولا عُلو ولا عُمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عنْ محبة الله التي في المسيح ربنا” (رو8: 35-39).

مُعاملات الرب معهم بسبب خطيتهم:

“زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلًا. تأكلون وليس إلى الشبع. تشربون ولا تروون. تكسون ولا تدفأون. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس مثقوب….. إنتظرتم كثيرًا وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه. لماذا يقول رب الجنود. لأجل بيتى الذي هو خراب وأنتم راكضون كُل إنسان إلى بيته” (حجى1: 6، 9-11).

لقد اهتموا بأعمالهم وحياتهم أكثر من بناء بيت الرب، وأكثر من بناء الرب في داخل نفوسهم، لذلك حرمهم الرب مِن بركة أعمالهم، فأصبحوا يأكلون ولا يشبعون، يشربون ولا يرتوون، يكتسون ولا يدفأون. كُل هذا لأن الرب نفخ على كُل شيء بعدم البركة.

نحن نعمل مثلهم في أوقات كثيرة: [لا أخدم طالما أنا في فتور. لا أتناول إلا إذا كُنت نقيًا تمامًا. لا أتوب إلى عندما تتحسن الظروف. لا أصلى إلا إذا توفر لي فائض من الوقت. لا أعطى المحتاج في أي وقت…..]. مع أن الرب يستخدم ظروفنا المادية والأسرية والاجتماعية ليُنبهنا لضعفنا في الحب تجاهه، كما قال: “لذلك مَنَعَت السموات مِن فوقكم الندى ومَنَعَت الأرض غلتها. ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تُنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم” (حجى1: 10، 11).

إذا توقعنا الكثير مِن الخليقة فإن آمالنا قد تخيب في أحيان كثيرة، وعندما ننتظر الكثير يأتينا القليل، كُل هذا لكي يكون رجاؤنا في الله وحده الذي يُبارك كُل ما تمتد إليه أيدينا، ولأنه هو وحده الذي يُعطى أكثر مما ننتظر أو نفتكر. إن الله حريص أن يجعلنا نشعر بضرورة اعتمادنا الدائم عليه. إن خالقنا يجب أن يكون أعز حبيب لدينا، لكن إن أهملناه وجعلناه عدوًا لنا، فإننا أيضًا نجعل أعز أحبائنا بين المخلوقات أعداء لنا (لأن الكُل خاضعًا له). إن أردنا التمتع بدوام خيراتنا الزمنية، وجب علينا أن نُبقى على صداقتنا مع الله، لأنه إن باركها لنا صارت لنا بركة حقًا، أما إن نفخ فيها، لكي يُنبهنا عن تقصيرنا، فإننا لن نرجو أي خير منها.

وهو يقول: “أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كُلها تُزاد لكم”

“منْ وجد حياته يُضيعها. ومنْ أضاع حياته منْ أجلى يجدها” (مت10: 39).

وحينما قال الرب لتلاميذه: “لا تحملوا كيسًا ولا مزودًا في الطريق” (لو10: 4)، قال لهم أيضًا: “لأن الفاعل مُستحق طعامه” (مت10: 10).

وعندما طلب منًا قائلًا: “لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون” (مت6: 25)، قال أيضًا: “لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كُلها. لكن أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كُلها تُزاد لكم” (مت6: 32، 33).

والذي يسير مُستندًا على الله، تجد لسان حاله يقول: “كفقراء ونحن نُغنى كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كُل شيء” (2كو6: 10).

تُلاحظ أيضًا أن البهائم تُضار من خطية الإنسان وتهاونه، لأن الإنسان هو تاج الخليقة وكاهنها، إذا ضعُف تأثرت الخليقة كُلها بضعفه، وإذا كان بركة تتبارك كُل الخليقة فيه.

إذن ما هو الحل لصد غضب الرب:

“إجعلوا قلبكم على طُرقكم”، أي افحصوا طُرقكم. وكما يقول أرميا النبي: “لنفحص طُرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب. لنرفع قلوبنا وأيدينا إلى الله في السموات…… عينى تسكُب ولا تكُف بلا انقطاع. حتى يُشرف وينظر الرب مِن السماء” (مراثى3: 40، 49). “إعزلوا الخبيث مِن بينكم” (1كو5: 13). يجب أن نبزل كُل الجهد في فحص أنفسنا، ونتحدث في قلوبنا بصدد حياتنا الروحية، وبصدد خطايانا المستمرة، وبصدد واجبنا نحو المستقبل.

يحرص الكثيرين على التجسس لمعرفة طُرق غيرهم، مع إنهم لا يُبالون بطُرقهم، مع أن الرب يسوع قال: “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني أُخرج القذى مِن عينك وها الخشبة في عينيك. يا مُرائى أخرج أولًا الخشبة مِن عينك. وحينئذ تُبصر جيدًا أن تُخرج القذى مِن عين أخيك” (مت7: 3-5).

“اصعدوا إلى الجبل. إئتوا بالخشب، ابنوا البيت”، لا يكفى مُحاسبة النفس ومعرفة نُقط الضعف، لكن يجب إصلاح الخطأ، كما يقول الكتاب: “عندي عليك أنك تركتك محبتك الأولى.أنظر مِن أين سقطت وتُب واعمل الأعمال الأولى. وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك مِن مكانها إذا لم تتُب” (رؤ2: 4، 5).

إن كان هناك واجب قد طال زمان إهماله، فهذا لا يُبرًر أن نُبقيه على حاله، فلماذا لا نؤديه الآن؟! هذا أفضل مِن عدم إتمامه نهائيًا. إذ يقول الكتاب:”أنها الآن ساعة لنستيقظ مِن النوم. فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنًا. قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسُكر لا بالمضاجع والعَهَر لا بالخصام والحسد. بل إلبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات” (رو13:12-14).

“ابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد قال الرب”، الرب حنًان ورؤوف، طويل الأناة، ونادم على الشر، والأمثلة كثيرة لذلك:

_ الله ندم لأنه أهلك العالم، بعد أن رأى صلاح نوح وسمع صلاته (تك8: 20-22).

_ رجع الله عنْ غضبه حينما تاب أهل نينوى (سفر يونان).

_ وفى هذا السفر يقول أنه مُستعد أن يرضى على شعبه، إذا رجعوا وبنوا له بيتًا في قلوبهم، واستطاع أن يجد له مكانًا يسند فيه رأسه في داخلنا.

سماع زربابل لصوت الرب وقيامه بالعمل:

“حينئذ سمع زربابل بن شالتئيل ويهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وكُل بقية الشعب صوت الرب إلههم وكلام حجي النبي كما أرسله الرب إلههم وخاف الشعب أمام وجه الرب. فقال حجي رسول الرب برسالة الرب لجميع الشعب قائلًا أنا معكم يقول الرب. ونبه الرب روح زربابل بن شالتئيل والى يهوذا وروح يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وروح كُل بقية الشعب فجاءوا وعملوا الشُغل في بيت رب الجنود إلههم. في اليوم الرابع والعشرين مِن الشهر السادس في السنة الثانية لداريوس الملك” (حجى1: 13- الخ).

 

# نجاح رسالة حجي النبي كانت لسببين:

1- صوت الرب الذي حثهم على العمل عنْ طريق رسالة حجي.

2- القلوب المُستعدة لقبول هذا الصوت، إذ حينما سمعوا الصوت جاءوا وعملوا الشغل في بيت الرب.

جميل أن يخضع زربابل ويهوشع وبقية الشعب لصوت الرب الذي جاءهم مُوبخًا تكاسلهم، ولم يتكبروا أو يُحاولوا إيجاد مُبررات لتكاسلهم.

– هكذا كُل عظة نسمعها نستفيد منها إن كانت قلوبنا مُستعدة للفائدة.

– جيد أن نقبل كُل شيء مِن يد الرب بعدم تذمر، لأن هذا سوف يُصلح مِن طباعنا كثيرًا. فقد أرسل الرب لبنى إسرائيل علامات زمنية كثيرة ليفهموا عدم رضاه (مثل منعه للندى، أمره بالحر)، ولكنهم لم يفهموا، ورغم ذلك لم يتركهم الرب بل أرسل لهم رسالة مُباشرة عنْ طريق حجي النبي. وقد قال الرب عنْ أورشليم: “يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسلين إليها. كمْ مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تُريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا. لأني أقول لكم إنكم لا ترونني مِن الآن حتى تقولوا مُبارك الآتي باسم الرب” (مت23: 37-39). ليتنا نُنصت لصوت الرب ونقوم للعمل ولا ندعه يتركنا بغير رجعة.

– وأحيانًا لا نستطيع أن نفهم أو نُميٍز صوت الرب، وفى هذه الحالة علينا أن نلجأ لمنْ لهم خبرة عنًا، لنفهم منهم إرادة الله مِن حياتنا.

– مطلوب أيضًا أن يملأ خوف الله حياتنا، لكي لا نتهاون في حقوقه ونتمادى في التكاسل.

– ولنتذكر دائمًا مثل الوزنات (مت25: 14-30)، وما قاله الرب لصاحب الوزنة الواحدة الذي لم يُتاجر بها بل طمرها في الأرض حتى يُعيدها إلى سيده حينما يعود، فأجاب سيده وقال: “أيها العبد الشرير والكسلان….. كان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة. فعند مجيئ آخذ الذي لى مع ربا” (مت25: 26، 27).

– “نبه الرب أرواحهم”: يا ليتها تكون صلاة دائمة لنا، أن يُنبه الرب أرواحنا دائمًا ولا يتركنا لتكاسُلنا، نُصلى له أن يكشف لنا عن “الثعالب الثعالب الصغار المُفسدة الكروم” (نش2: 15).

-الشعب أسرع للعمل، فقد ناداهم حجي في أول الشهر، وشرعوا في العمل في 24 مِن نفس الشهر. فبقدر إبطائنا وتكاسلنا في عمل الصلاح، بقدر ما يجب أن نُسرع في العمل حينما نُدرك جهالتنا.

– الرب حنًان أيضًا، فهو يكون معهم، يصفح عنْ تقصيرهم، طالما قاموا للعمل. ويصُد عنهم أعدائهم لكي لا يُعطلونهم عن العمل مرة أخرى. ويُقويهم ليُتمموا العمل.

ونحن مثلهم، لنْ نبنى بأنفسنا بل بالله الذي يُرافقنا، ويبنى لنفسه هيكلًا في داخل قلوبنا. كما تكلم المزمور: “إن لم يبنى الرب البيت فباطلًا يتعب البناؤون. إن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا يسهر الحراس” (مز127: 1).

فاصل

فاصل

 

فهرس تفسير سفر حجي
أ- بولين تادري
تفسير سفر حجي 2
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى