تفسير سفر إشعياء ١٤ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع عشر

 

نجد هنا الفرحة بسقوط ملك بابل الذي أعطاه الله الغني والمجد فأساء استعمالهما وهكذا الشيطان ولأن ملك بابل يرمز للشيطان في :-

1-إساءة استعمال الغني والمجد والجمال.

2-ميل كلاهما للتخريب فبينما يبني الملوك المدن يخرب ملك بابل المدن والشيطان يفرح بخراب الإنسان لذلك يقوده للخطية والخطية تخرب.

3- الكبرياء ولذلك سقط كليهما.

ولأن ملك بابل يرمز للشيطان نري هنا في هذا الإصحاح آيات صريحة علي الشيطان وسقوطه قيلت خلال الآيات التي تتكلم عن سقوط ملك بابل.

 

آية (1) لأن الرب سيرحم يعقوب و يختار أيضا إسرائيل و يريحهم في أرضهم فتقترن بهم الغرباء و ينضمون إلى بيت يعقوب.

الرب يبيد بابل ليخلص شعبه ويحرره من العبودية. ويريحهم في أرضهم = هم خسروا أرضهم بسبب الخطية وبتوبتهم يعيدها الله ثانية لهم، بل دخل معهم الغرباء = الأمم. هنا نري الكنيسة التي تجمع اليهود والأمم بعد كسر إبليس عدوها.

 

آية (2) و يأخذهم شعوب و يأتون بهم إلى موضعهم و يمتلكهم بيت إسرائيل في ارض الرب عبيدا و إماء و يسبون الذين سبوهم و يتسلطون على ظالميهم.

ويأخذهم شعوب = الأمم ستساعدهم في الرجوع إلي وطنهم. ويمتلكهم بيت إسرائيل= الكنيسة سترتفع علي أعدائها. ومن سبق واستعبدوها. ستستعبدهم هي. صار سلطان لبني الملكوت بعد أن كانوا مسببين لمملكة الظلمة.

ويسبون الذين سبوهم = قيل أن السيد المسيح سبي سبياً بقيامته والكنيسة تسبي الذين سبوها أي يدخلون الإيمان وتاريخياً فكورش سخر البابليين لخدمة اليهود.

 

آيات (3- 8) و يكون في يوم يريحك الرب من تعبك و من انزعاجك و من العبودية القاسية التي استعبدت بها. انك تنطق بهذا الهجو على ملك بابل و تقول كيف باد الظالم بادت المتغطرسة. قد كسر الرب عصا الأشرار قضيب المتسلطين. الضارب الشعوب بسخط ضربة بلا فتور المتسلط بغضب على الأمم باضطهاد بلا إمساك. استراحت اطمأنت كل الأرض هتفوا ترنما. حتى السرو يفرح عليك و أرز لبنان قائلا منذ اضطجعت لم يصعد علينا قاطع.

التسبيح نتيجة الخلاص. فهناك يصف عتو ملك بابل وسقوطه وافتخارهم عليه وفرحهم بسقوطه. لأن ملك بابل كان ثقلاً رهيباً لم ينج أحد من بطشه. وبسقوطه تفرح كل الأرض، حتى الأشجار استراحت فكان ملوك بابل يقطعونها أما ملوك فارس فلم يعتادوا ذلك. والسرو، والأرز إشارة لفرح باقي الملوك بسقوط ملك بابل الطاغية وهي فرحة شعب الله بسقوط الشيطان. ونلاحظ أن قطع ملك بابل للأشجار إشارة لحبه في الأذية.

الضارب الشعوب بسخط = هو يضرب الآن تطبيقاً لقول عوبديا النبي آية (15) ما فعلته يفل بك، عملك يرتد علي رأسك.

 

آيات (9- 16)الهاوية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك منهضة لك الأخيلة جميع عظماء الأرض أقامت كل ملوك الأمم عن كراسيهم. كلهم يجيبون و يقولون لك أنت أيضا قد ضعفت نظيرنا و صرت مثلنا. اهبط إلى الهاوية فخرك رنة أعوادك تحتك تفرش الرمة و غطاؤك الدود. كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم. و أنت قلت في قلبك اصعد إلى السماوات ارفع كرسيي فوق كواكب الله و اجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. اصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب. الذين يرونك يتطلعون إليك يتأملون فيك أهذا هو الرجل الذي زلزل الأرض

وزعزع الممالك.

ما الملائكة الأشرار إلا ولاة هذا العالم، عالم هذا الظلام (أف 12:6) وقد يسيطرون علي قلوب بعض الحكام ليتصرفوا ضد مشيئة الله. وملك بابل كما قلنا يرمز للشيطان لذلك يتداخل الكلام عن الشيطان وملك بابل في هذه الآيات، وفيها نري الهاوية تقوم مهتزة لإستقبال ملك بابل (إشارة لموته وهلاكه، والهاوية ستكون نصيب إبليس أيضاً) والأخيلة = الأموات وهنا نري دليل علي أن الأموات لا يتلاشون بعد الموت، بل يعرفون بعضهم (كما عرف الغني لعازر وعرف إبراهيم). وتبدو في هذه الآيات صورة السخرية من ملك بابل (أو إبليس) لأنه أصبح مثلهم أسير الهاوية للأبد. بلا قوة بلا سلطان… فأين هي قوته التي كان يرعب بها الناس ؟!! ويتضح أيضاً من هذه الآيات أن الأموات يشعرون بحالتهم. رنة أعوادك = صوت الآلات الوترية التي طالما تغني بها، أي أين صوت أفراحك وأفراح إنتصاراتك السابقة. زهرة بنت الصبح = كوكب الصبح الجميل وهذا لا ينطبق علي إنسان بل هو جمال الكاروب (إبليس) الذي أسقطه كبرياؤه. “قبل السقوط تشامخ الروح ” وكل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع” وهكذا سيكون ضد المسيح (2تي 2 : 3،4) فهو سيدعي أنه إله. وهذا المتكبر هنا يريد أن يصبح مثل العلي. أما المسيح فجاء قائلاً تعلموا مني فإني وديع ومتواضع (مت 11: 28).

 

آية (17) الذى جعل العالم كقفر وهدم مدنه الذى لم يطلق أسراه إلى بيوتهم.

آية (17) الذي لم يطلق أسراه = ملك بابل لم يطلق يهوياكين ملك يهوذا، بل ظل في السجن 36 سنة وشعب اليهود أقام 70 سنة في السبي.

 

آيات (18،19) كل ملوك الأمم باجمعهم اضطجعوا بالكرامة كل واحد في بيته. و أما أنت فقد طرحت من قبرك كغصن أشنع كلباس القتلى المضروبين بالسيف الهابطين إلى حجارة الجب كجثة مدوسة.

الملوك يدفنون بكرامة (الأهرامات كمثال). وأما أنت = إشارة لبيلشاصر أخر ملوك بابل الذي قتله كورش ليلة فتح فارس لبابل، فهو قُتِل ولم ينشغل أحد بجثته وسط الخراب الذي حل بالمدينة. بل حتى الملوك الذين هزمتهم يا ملك بابل دفنهم شعبهم بكرامة وحنطوا أجسادهم. غصن أشنع = غصن متعفن. كلباس القتلى = ماذا يصنع بلباس قتيل ضرب بسيف سوي أن يلقي بإهمال.

 

آية (20) لا تتحد بهم في القبر لأنك أخربت أرضك قتلت شعبك لا يسمى إلى الأبد نسل فاعلي الشر.

آية (20) أخربت أرضك = بالظلم والإسراف علي شهواتهم فجلبوا علي أنفسهم دينونة الله. لا يسمي للأبد = ينقطع نسله من علي كرسيه.

 

آية (21)هيئوا لبنيه قتلا بإثم أبائهم فلا يقوموا و لا يرثوا الأرض و لا يملأوا وجه العالم مدنا.

قتل ملك فارس بنيه (أولاد ملك بابل) حتى لا يقوموا بثورة ضده، ولا يملئوا وجه العالم مدناً = اشتهرت بابل ببناء المدن.

 

آيات (22، 23) فأقوم عليهم يقول رب الجنود و اقطع من بابل اسما و بقية و نسلا و ذرية يقول الرب.و اجعلها ميراثا للقنفذ و آجام مياه و اكنسها بمكنسة الهلاك يقول رب الجنود.

ذكر أسم الرب 3 مرات هنا لأن الأمر مقرر من الرب. آجام مياه = برك وحل طينية (إشارة لشناعة الخطية).

 

آيات (24 – 27) قد حلف رب الجنود قائلا انه كما قصدت يصير و كما نويت يثبت.أن احطم اشور في ارضي و أدوسه على جبالي فيزول عنهم نيره و يزول عن كتفهم حمله.هذا هو القضاء المقضي به على كل الأرض و هذه هي اليد الممدودة على كل الأمم.فان رب الجنود قد قضى فمن يبطل و يده هي الممدودة فمن يردها.

هذه النبوة عن أشور. وقد ذكرت هنا لأن خراب بابل بعيد جداً. فبابل لم تكن قد قامت بعد. فإذا خربت أشور الذي كان خرابها قريبا كان ذلك برهاناً علي صدق النبوة بخراب بابل (التي ستخرب بعد 200 سنة).

 

آيات (28 – 32) في سنة وفاة الملك أحاز كان هذا الوحي. لا تفرحي يا جميع فلسطين لان القضيب الضاربك انكسر فانه من أصل الحية يخرج أفعوان و ثمرته تكون ثعبانا مسما طيارا. و ترعى أبكار المساكين و يربض البائسون بالأمان و أميت أصلك بالجوع فيقتل بقيتك. ولول آيةا الباب اصرخي أيتها المدينة قد ذاب جميعك يا فلسطين لأنه من الشمال يأتي دخان و ليس شاذ في جيوشه. فبماذا يجاب رسل الأمم أن الرب أسس صهيون و بها يحتمي بائسو شعبه

هي وحي من جهة فلسطين.

أيات (28 – 29) كان الملك عزيا قد ضرب الفلسطينين ضربات مؤثرة ثقيلة ولكنهم أخذوا بالثأر أيام أحاز ففرحوا. ثم غزا بلادهم تغلث فلاسر ملك أشور وإذ مات تغلث فلاسر فرح الفلسطينيون بموته إذ ظنوا أنهم تخلصوا من عبوديتهم لأشور ولكن النبي هنا يقول لهم، أنه وإن مات تغلث فلاسر (الحية) يأتي من نسله أي أبنه (أفعواناً) أشر منه. ونبوة إشعياء بخراب فلسطين كما كانت نبوته بخراب أشور (آيات 24 – 27) وكلاهما سيحدث قريباً دليلاً علي صدق نبوته بخراب بابل وقد يكون في هذه الأيات  تحذيراً ليهوذا من الانضمام لفلسطين في ثورتهم ضد أشور إذ مات ملك أشور تغلث فلاسر.

يا جميع فلسطين = لأن فلسطين كانت مكونة من إمارات مختلفة. القضيب الضاربك هو تفلث فلاسر ملك أشور الذي أستولي علي بعض مدنها وبعد موته جاء أولاده وهم أشد منه وأشر منه.

إلاأن بعض المفسرين فسر هذه الآيات أن القضيب الضارب هو عزيا وأن نسله الأشد منه هو حزقيا الذي سيضرب فلسطين ضربة قاتلة.

 

آية (30) و ترعى أبكار المساكين و يربض البائسون بالأمان و أميت أصلك بالجوع فيقتل بقيتك.

أبكار المساكين = أي الأشد فقراً بالإضافة للبائسين الذين هم مساكين شعب الرب وهؤلاء قام الفسلطينيين بأذيتهم وعقاب الفلسطينيين علي ذلك هو ضربهم بالجوع ثم سيف أشور الذي سيقتل البقية.

 

آية (31) ولول آيةا الباب اصرخي أيتها المدينة قد ذاب جميعك يا فلسطين لأنه من الشمال يأتي دخان و ليس شاذ في جيوشه.

دخان = حرائق المدن الفلسطينية. ليس شاذ = كل جيش أشور أقوياء.

 

آية (32) فبماذا يجاب رسل الأمم إن الرب أسس صهيون و بها يحتمي بائسو شعبه.

رسل الأمم = قد يكونون رسل من فلسطين أو أي أمه أخري تطلب إقامة حلف ضد أشور. ويجب الرد عليهم بأن الرب يحمي بائسي شعبه.

فاصل

فاصل

تفسير إشعياء 13 تفسير سفر إشعياء
القمص أنطونيوس فكري
تفسير إشعياء 15
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى