تفسير سفر إشعياء ٤٢ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني والأربعون

 

تكلم من قبل عن يوحنا المعمدان كسابق للمسيح. والآن يتكلم عن المسيح نفسه.

مضمون الإصحاح عبد الرب. وخلاص شعب الله والصعوبات الواقعة في طريق هذا الخلاص، ومنها عدم إيمان إسرائيل. ويسمى هنا أيضاً إسرائيل عبد الرب، فالمسيح رأس الكنيسة، أخلى ذاته أخذا صورة عبد مشابهاً عروسه وكنيسته، صار عبداً ليحملها إلى أمجاده، وكنائب عنا أطاع الآب حتى يحقق خلاصها ويثبتها فيه فتحسب مطيعة وتصير موضع سرور الآب (أف 1 : 3-5) فإذا وجدنا وصفاً أن عبد الرب أعمى وأصم فهو يقصد شعب إسرائيل الذي لم يعرفه ورفض وإن قال عنه مختارى فهو المسيح.

آيات 1-4

آيات (1-4) قيلت عن المسيح في (مت 12 : 17 – 21) ويسميه عبدي لطاعته وخضوعه لمشيئة الأب. هو جاء ليعلن سر الحب العملي خلال البذل في (2 : 5-8)

 

آية (1)  هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم.

هوذا عبدي = فالمسيح أخذ شكل العبد وغسل الأقدام، بل قبل الإهانة من عبد رئيس الكهنة الذي لطمه. مختارى = المسيح هو الوحيد الذي يستحق هذا اللقب فهو قد قدم الكمال للإنسانية فأشبع رغبة السماء في كمال الإنسان. سرت به نفسى = هذا هو أبنى الحبيب الذي سررت به وسرور الآب به هو سرور أزلي، فهو الابن المحبوب (أف 1 :6) وسروره به أيضاً لطاعته وسروره بالبشر الذين ساروا بطاعته أبناء لله. وأعلن هذا وقت العماد. فيخرج الحق للأمم = هو الحق جاء للأمم ليقبلوه فى حياتهم كسر خلاص

 

آية (2) لا يصيح و لا يرفع و لا يسمع في الشارع صوته.

بهذا تميز المسيح عن الأنبياء الكذبة فهو لم يستعمل القوة ولم يوبخ بشدة لا يصيح = في انتصاراته هادئ ولا يصيح ويدق الطبول مثل أمراء العالم. ولا يصيح تعطينا فكرة أننا لا نسمع صوته سوى في الهدوء والسكون حينما نقترب إليه.

 

آية3:- قصبة مرضوضة لا يقصف و فتيلة خامدة لا يطفئ الى الامان يخرج الحق.

هنا نرى اهتمامه بكل واحد مهما ضعف، فهو يهتم بالنفوس المحطمة ليبعث فيها الرجاء… هو السامرى الصالح. يخرج الحق = كأن الحق كان مخفيً والظلام غالب في العالم وجاء المسيح ليظهره ويثبته ويديمه.

 

آية (4)  لا يكل و لا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض و تنتظر الجزائر شريعته.

آيات 5-13

آية(5):- هكذا يقول الله الرب خالق السماوات و ناشرها باسط الارض و نتائجها معطي الشعب عليها نسمة و الساكنين فيها روحا.

كان المسيح في الظاهر ضعيفاً، ولكنه كان في منتهى القوة أمام إبليس ولم يتأثر بكل تعييرات الفريسيين ولم يخاف الموت. الجزائر = الأمم البعيدة (أمريكا / إنجلترا).

 

آية (6) أنا الرب قد دعوتك بالبر فامسك بيدك و أحفظك و أجعلك عهدا للشعب و نورا للأمم.

آية(7):- لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس الماسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة.

بر = قد تعنى بر الله أي الذي يحكم بعدل فهو لا يبارك للأشرار بل يعاقبهم، ولا يسمح للأقوياء بظلم الضعفاء وتعنى صدقه وأمانته في تتميم مواعيده وقد تعنى بر الإنسان وهذا تعبير يشير لعدل الإنسان واستقامته ولكن ليس بار ولا واحد، البار الوحيد هو الله. وبهذا يكون بر المؤمن يعنى أن الله يغفر له خطاياه ويعطيه من برالمسيح “الذي بلا خطية صار خطية لأجلنا لنصبح نحن بر الله فيه”. وأجعلك عهداً = العهد الجديد هو عهد النعمة والمسيح بدمه صار هو العهد الجديد بين الله والإنسان، هو صار ذبيحة قادرة على إقامة ميثاق بين الآب والإنسان، وصار وسيطاً بين الله والإنسان.

نوراً للأمم = النور يشير لأنه يفتح بصيرتنا الداخلية لنعاين النور ونعرف طريق الخلاص (يو 1 : 9). وهذا ما نراه في آية (7).

 

آية (8) أنا الرب هذا اسمي و مجدي لا أعطيه لأخر و لا تسبيحي للمنحوتات.

آية(9):- هوذا الاوليات قد اتت و الحديثات انا مخبر بها قبل ان تنبت اعلمكم بها.

الأوليات = النبوءات السابقة قد حدثت الحديثات = نبوءات عن كورش (المسيح).

والمعنى أن المسيح هو الله ربنا فحين يقول مجدى لا أعطيه لآخر والمسيح ستمجده الشعوب إذاً فالمسيح هو الله.

 

آيات (10 – 13) غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحه من أقصى الأرض آيةا المنحدرون في البحر و ملؤه و الجزائر و سكانها.لترفع البرية و مدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا الرب مجدا و يخبروا بتسبيحه في الجزائر. الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف و يصرخ و يقوى على اعدائه.

هذه أغنية المفديين من اليهود والأمم (رؤ 7 : 10) والمسيح أتى ليحارب إبليس وما زال يحاربه فينا. فهو كرجل حروب. قيدار = بلاد العرب. وسالع = عاصمة أدوم. و الجزائر = أي البلاد البعيدة. وينهض غيرته = قام في ملء الزمان ليخلص شعبه لغيرته عليهم. تسبحة جديدة = هي دائماً جديدة. لا تشيخ ولا تقدم لأنها تعبر عن حياة الفرح السماوي. من أقصى الأرض = كل المؤمنين عملهم سيكون التسبيح. و نلاحظ هنا أن أدوم من ضمن الذين يسبحوا الله أي آمنوا به. ولنقارن مع النبوات السابقة عن خراب أدوم (ص 34 مثلاً) فنفهم أن المعنى أن الله لا توجد عداوة بينه وبين أي من البشر فهو يريد أن الجميع يخلصون، وها أدوم تؤمن وتسبح وغيرها إشارة لإيمان كل الأمم. و لكن حين يتحدث عن خراب أدوم فيكون المعنى لمن يرمز له أدوم أي الشيطان ومن يتبعه.

آيات 14-25

آية (14)  قد صمت منذ الدهر سكت تجلدت كالوالدة أصيح انفخ و انخر معا.

أي أن الله كان يتمنى أن يكون الخلاص فور سقوط آدم. ولكن هناك دائماً وقت محدد يسميه الكتاب ملء الزمان هو الوقت الذي يراه الله مناسباً ليتم العمل. والتشبيه هنا كوالدة = لأننا نولد ولادة جديدة (غل 4 :19) يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصور المسيح فيهم والمخاض هنا يساوى =أنفخ وأنخر. وتفسر هذه الآية على المدى القريب بالخلاص من بابل وولادة أمة جديدة.

 

آية (15)  أخرب الجبال و الآكام و أجفف كل عشبها و اجعل الأنهار يبسا و أنشف الآجام.

الجبال والآكام = هم كل من يرتفع على الله. والأنهار والآجام يشيروا للممالك. لأن الأنهار مصدر الخيرات والحياة. فمن لم يبارك الله على عطاياه من العدل أن يحرمه الله من هذه الخيرات.

 

آية (16) و أسير العمى في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم اجعل الظلمة أمامهم نورا و

المعوجات مستقيمة هذه الأمور افعلها و لا اتركهم.

العمى هنا هم الأمم الوثنية التي قادها الله في طريق الإيمان الذي لم يعرفوه من قبل.

 

آية (17)  قد ارتدوا إلى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن ألهتنا.

قد ارتدوا = يخزى عبدة الأوثان من أوثانهم بعد إيمانهم بالمسيح.

 

آية (18)  آيةا الصم اسمعوا آية العمى انظروا لتبصروا.

هنا الرب يكلم شعبه إسرائيل وقال عنهم عمى وصم لأنهم رفضوا المسيح ولم يعرفوه. والصمموالعمى ينشئان عن الخطايا.

 

آيات ( 19 ،20) من هو أعمى إلا عبدي و أصم كرسولي الذي أرسله من هو أعمى كالكامل و أعمى كعبد الرب. ناظر كثيرا و لا تلاحظ مفتوح الأذنين و لا يسمع.

من هو أعمى إلا عبدي = عبد الرب هنا هو إسرائيل الذي أرسله الله كرسول وسط الأمم ليشهدوا لله، والله وضع في وسطهم الهيكل وأعطاهم الشريعة وكل شيء ليكونوا كالكامل = إذ أنتظر منهم القداسة ولكنهم استمروا في عماهم. ناظر كثيراً ولا تلاحظ = فالمسيح صنع في وسطهم الكثير ولم يعرفوه.

 

آية (21)  الرب قد سر من اجل بره يعظم الشريعة و يكرمها.

الرب من أجل أمانته في تتميم مواعيده وبالرغم من عماهم سُرَ أن يخلصهم ويعظم شريعته التي أعطاها لهم ولأبائهم.

 

آية (22) و لكنه شعب منهوب و مسلوب قد اصطيد في الحفر كله و في بيوت الحبوس اختباوا صاروا نهبا و لا منقذ و سلبا و ليس من يقول رد.

الله يريد أن يخلصهم ولكنهم لم يريدوا (مت 23 : 37) ونرى هنا الآلام التي سيعانون منها إذ رفضوا المسيح وصلبوه.

 

آيات (23- 25) من منكم يسمع هذا يصغى و يسمع لما بعد. من دفع يعقوب إلى السلب و إسرائيل إلى الناهبين أليس الرب الذي أخطانا إليه و لم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه و لم يسمعوا لشريعته. فسكب عليه حمو غضبه و شدة الحرب فاوقدته من كل ناحية و لم يعرف و أحرقته و لم يضع في قلبه.

هي شرح للآية (22).

زر الذهاب إلى الأعلى