تفسير سفر إشعياء ٦٤ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع والستون

هذا الإصحاح هو تكملة للصلاة التي بدأت في الإصحاح السابق والصلاة هي لكي نتمسك بالله كما يتمسك إنسان بشخص يريد أن يغادره وهو يمسك به لكى يمنعه من تركه. كمن يصارع معه مثل يعقوب. وحين نتمسك بالله نكون مثل شخص في قارب معه حبل مربوط بخطاف على الشاطئ، والقارب يصارع الأمواج في ليلة عاصفة مظلمة، هو هنا لا يجذب الشاطئ إليه، بل هو ينجذب للشاطئ. وكل ما يقترب يشعر بالاطمئنان هكذا نحن نصلى ليس لنحضر الله لعقولنا وقلوبنا ولكن لنحضر أنفسنا إلى الله. ومثال الشخص الذي في القارب ممسك بحبل مثبت في الشاطئ هو تعريف بولس الرسول للرجاء، في (عب 6 : 18، 19) فنحن نصلى برجاء وليس بيأس.والآيات من (1-7) فيها إعتراف بالخطأ، والآيات (8- 12) فيها استدرار لمراحم الله.

آيات 1-3

آية (1)  ليتك تشق السماوات و تنزل من حضرتك تتزلزل الجبال.

في ضيقتهم أثناء الاضطهاد الناشئ عن خطاياهم صرخوا ليظهر الله قوته ويخلصهم، فليس من يستطيع أن يصلح الأمر سواه، ونحن لن نستطيع أن نصعد لك يا رب فأنزل أنت لنا، هي صرخة الناس قبل مجيء المسيح قائلين ليتك تتجسد لتخلصنا = تشق السموات وتنزل، وهذا ما نصرخ به الآن في انتظار المجيء الثاني “أمين تعال آيها الرب يسوع” (رؤ 22 : 20) الصورة هنا كأن الله حجب وجهه وراء السحاب لغضبه، وهناك من يضعف إيمانه في وقت الضيقة إذ هو لا يفهم طرق الله. ولكننا في هذه الآية نرى النبي يصلى بإيمان أن الله موجود وراء السحاب والضباب، وراء الضيقات، ومهما طالت الضيقات فهو سيتدخل. هناك ترتيلة لطيفة تقول “ثق حبيبي أن الشمس خلف الغيمة” وتنزل =  أي لتظهر أعمالك للذين على الأرض، ويعرف الناس أنك إلهنا ونحن شعبك. وزلزلة الجبال حدثت في سيناء فعلاً. ولكن ما حدث لفرعون من مصائب وما حدث لسنحاريب (هؤلاء كانوا في جبروتهم كالجبال) مشبه بزلزلة، زلزلت هؤلاء الأقوياء.

 

آية (2)  كما تشعل النار الهشيم و تجعل النار المياه تغلي لتعرف أعداءك اسمك لترتعد الأمم من حضرتك.

لتعرف أعداءك أسمك = أي ليعرفوا قوتك. وترتعد الأمم من حضرتك هؤلاء الذين قلوبهم كالجبال ليرتعدوا ويكونوا كالهشيم المشتعل بنار غضب الله ويكونوا ضعفاء كالماء، وبنار غضبك يكونون كماء مغلي. و هناك تأمل في هذه الآية لتكن نار الله ناراً تحرق الخطايا التي فينا كما تحرق الهشيم. و برودة حياتنا التي كالماء فلتتحول بنارك يا رب لماء مغلى أي تشتعل بالحب قلوبنا.

 

آية (3)  حين صنعت مخاوف لم ننتظرها نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك.

نرى هنا ضربات الله المميتة لأعداء شعبه.

آيات 4-5

آية (4)  و منذ الأزل لم يسمعوا و لم يصغوا لم تر عين إلها غيرك يصنع لمن ينتظره.

نرى هنا محبة الله وكرمه في العطاء لشعبه.

 

آية (5)  تلاقي الفرح الصانع البر الذين يذكرونك في طرقك ها أنت سخطت إذ أخطانا هي إلى الأبد فنخلص.

تلاقى = ليس فقط يقبل الله الصانع البر، بل يلاقيه، كما خرج أبو الابن الضال ليلاقيه. فالله يفرح بأعمالنا الصالحة. و من يعمل أعمال صالحة=  أعمال بر ويسلم قلبه لله يكون في حالة فرح = الفرح. والعكس فالذي يصنع خطية يجعل الله يسخط عليه = ها أنت سخطت إذ أخطأنا. وهى إلى الأبد أي طرق الرب وقبوله للتأبين. فنخلص = إذا عدلنا عن طريقنا ورجعنا لله. إذاً ليكمل فرحنا ويلاقينا الله علينا أن نترك خطايانا في توبة حقيقية.

آيات 6-12

آية (6)  و قد صرنا كلنا كنجس و كثوب عدة كل أعمال برنا و قد ذبلنا كورقة و آثامنا كريح تحملنا.

ثوب عدة = ثوب توسخ من جرجرته وراءنا في الطريق، هذا عمل الخطية حينما نلتصق بالأرض. و المعنى أن كل أعمال برنا = أي حتى كل أعمالنا الصالحة صارت غير كاملة وغير مقبولة، فهي مختلطة بالخطية. فمهما عملنا من بر ومعه خطية واحدة فقد تلوثنا بها تماماً.

” من أخطأ في واحدة فقد أخطأ في الكل” (يو 2 : 10) لذلك ذبلنا كورقة شجر منع عنها المياه. و هذه عكس صورة الأبرار الذين هم شجرة مغروسة على مجارى المياه وورقها لا يذبل ولا ينتثر، هؤلاء الأبرار بررهم دم المسيح وثبتوا فيه. فنحن لا نعتمد على برنا بل على دم المسيح وإلا وجدنا نجسون عراة. والمعنى أن الشعب ترك ينبوع الماء الحي فذبل، وصار أوراقاً جافه فحملته الريح صار بلا منظر ولا حياة وسقط وضاع وتبعثر من أمام الرب وراح بعيداً.

 

آية (7) و ليس من يدعو باسمك أو ينتبه ليتمسك بك لأنك حجبت وجهك عنا و اذبتنا بسبب آثامنا.

ليس من يدعو باسمك = أي يصلى بإيمان متكلاً على الرب متمسكاً به = كما تمسك يعقوب بالرب قائلاً له ” لن أتركك إن لم تباركني لأنك حجبت وجهك عنا = فحين يحجب الله وجهه نحس أن صلواتنا غير مقبولة وهذا بسبب آثامنا. أذبتنا = كما يذيب الصائغ الذهب ليعيد تشكيله.

 

آية (8)  و الآن يا رب أنت أبونا نحن الطين و أنت جابلنا و كلنا عمل يديك.

صلاة إبن لأبيه فيها استعطاف وحين يكون الطفل كالطين في يد أبيه الخراف من المؤكد أنه سيصنع منه إناءً للكرامة.

 

آيات (9، 10) لا تسخط كل السخط يا رب و لا تذكر الإثم إلى الأبد ها انظر شعبك كلنا. مدن قدسك صارت برية صهيون صارت برية و أورشليم موحشة.بيت قدسنا و جمالنا حيث سبحك آباؤنا قد صار حريق نار و كل مشتهياتنا صارت خرابا.الأجل هذه تتجلد يا رب أتسكت و تذلنا كل الذل.

هذا وضع أورشليم بعد السبي محروقة بنار ومنظرها يبكى من يراها وهذا حال كل نفس تركت المسيح لتجرى وراء شهواتها وخطاياها و أليس هذا حال كنائس كثيرة في أيامنا هذه عبث بها الشيطان فأنكروا حتى لاهوت المسيح ولكن مازال هناك بقية أمينة لله مازالت تصلى هذه الصلاة.

زر الذهاب إلى الأعلى