تفسير سفر اشعياء ٤٧ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح السابع والأربعون

 

كما وجه الله يونان برسالة إلى نينوى، هكذا يوجه إشعياء برسالة إلى بابل، فالله يحذر قبل أن يضرب. في الإصحاح السابق نبوة بسقوط آلهة بابل وفى هذا الإصحاح نبوة بسقوط بابل نفسها بسبب خطاياها وهى الكبرياء والتنعم والحكمة البشرية والوثنية والاتكال على المال وممارسات السحر والخرافات. و نلاحظ أن أول أسفار الكتاب المقدس “التكوين” أشار لبابل كمركز للكبرياء والتجديف وآخر أسفار الكتاب “الرؤيا” يشير لها كمركز لقوة العالم الشرير. و نلاحظ تسمية بابل هنا بعذراء، وهو تشبيه شائع في الكتاب المقدس عن المدن الجميلة، ولكن هي كعذراء لابد أن تخطب لأحد. فإما تخطب لله وتصير عروس مقدسة (مثل أورشليم في حالة طهارتها) أو تصير عروساً لعدو الخير تتحد معه، وهذا ما حدث لبابل فصارت كما يسميها الكتاب المقدس (أم الزوانى) ( رؤ 17 : 5) فالله لم يرى الجمال الخارجي وأنخدع به لكنه رأى العفونة التي في الداخل. وهذا ما سيتسبب في خرابها سريعاً وهكذا كل نفس هي عذراء. وياليتنا نتجاوب مع دعوة بولس الرسول “خطبتكم لأقدم عذراء للمسيح”. وقد تشير كلمة عذراء لأنها لم تلد فلا زوج لها. وعدم الإنجاب راجع لخرابها المحتم، فهى ستكون بلا ثمر قريباً.

 

آية (1) انزلي و اجلسي على التراب أيتها العذراء ابنة بابل اجلسي على الأرض بلا كرسي يا ابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين ناعمة و مترفة.

بلا كرسي = فبعد سقوطها لم يعد كرسي العرش فيها بل انحطت جداً. ناعمة ومترفهة = تمثل بابل هنا النفس الساقطة خلال الكبرياء مع الترف والأفراح الزمنية وطلب الشهوات الأرضية. وكانت بابل مولعة بالسكر والخلاعة، ونهآية هذا فبعد أن كانت بهاء الممالك ستصير خربة وتذهب للذل والعبودية.

 

آية (2) خذي الرحى و اطحني دقيقا اكشفي نقابك شمري الذيل اكشفي الساق اعبري الأنهار.

يشير لسبيهن فالطحن على الرحى هو عمل النساء الفقيرات والعبيد، فهي شابهت شمشون إذ أذلته الخطية. والنقاب هو عادة السيدات المترفهات وعبور الأنهار إشارة لأخذهن سبايا.

 

آية (3) تنكشف عورتك و ترى معاريك اخذ نقمة و لا أصالح أحدا.

المعنى تباد ثروتها وكنوزها. و يؤخذ منها كل شيء والكلام يشير لغضب الله العظيم لعذاب شعبه في بابل، وعلى خطاياها تنكشف عورتك = هذا ما حدث مع آدم وحواء فالخطية تسبب العرى والفضيحة، أما بالتوبة فالله يستر علينا.

 

آيات (4 ،5) فادينا رب الجنود اسمه قدوس إسرائيل.اجلسي صامتة و ادخلي في الظلام يا ابنة الكلدانيين

لأنك لا تعودين تدعين سيدة الممالك.

كلام النبي بالنيابة عن إسرائيل التي سمعت بأخبار الخلاص فقالت لله  فادينا وقدوس لأنه صادق في وعوده الصمت = يشير للخراب فلا بائع ولا مشترى.

 

آية (6) غضبت على شعبي دنست ميراثي و دفعتهم إلى يدك لم تصنعي لهم رحمة على الشيخ ثقلت نيرك جدا.

لا يبرر بابل في ظلمها للشعب أنها تجري أحكام الله، كما لا يبرر اليهود أنهم في صلبهم المسيح تحقق الخلاص للعالم. دنست ميراثي = بدخولهم الهيكل المقدس. لم تصنعي لهم رحمة = صور الآثار القديمة تشير لملك بيده رمح يقلع به عيني يهودي راكع أمامه، ويداه مربوطتان خلف ظهره وأخرى لبابلي يقود يهودي كدابة ممسوكاً من أنفه ومع هذا كان بعض اليهود في راحة في بابل.

 

آية (7) و قلت إلى الأبد أكون سيدة حتى لم تضعي هذه في قلبك لم تذكريآخرتها.

لم تذكري آخرتها = أي آخرة خطاياك واتكالك على قوتك وجيشك ومالك.

 

آية (8) فالآن اسمعي هذا أيتها المتنعمة الجالسة بالطمأنينة القائلة في قلبها أنا و ليس غيري لا اقعد أرملة و لا اعرف الثكل.

الطمأنينة = الطمأنينة التي تضايق الله هي الطمأنينة الوهمية بينما الإنسان غارق في خطاياه، أما الطمأنينة الحقيقية هي ثمره علاقة مع الله. أنا وليس غيري = سبب آخر لخرابها أنها قالت أنا وليس غيري فساوت نفسها بالله الذي وحده يقدر أن يقول هذا فهو دائم للأبد وغير متغير، موجود بذاته، كامل ولا نهائي. الأرملة والثكلى = أصعب من الفقر، الحزن.

 

آية (9) فيأتي عليك هذان الاثنان بغتة في يوم واحد الثكل و الترمل بالتمام قد أتيا عليك مع كثرة سحورك مع وفور رقاك جدا.

بداية المصائب يوم دخول كورش = في يوم واحد. سحورك = لكثرة السحر. ورقاك = كان سحرتها يكتبون كلمات على أحجار يلبسها الناس لتحفظهم في الأخطار، وكانوا يحددون أن هناك أيام فأل وأيام نحس. وكان هذا السحر والأباطيل يطمئنانها.

 

آية (11،10) و انت اطماننت في شرك قلت ليس من يراني حكمتك و معرفتك هما افتناك فقلت في قلبك انا و ليس غيري. فيأتي عليك شر لا تعرفين فجره و تقع عليك مصيبة لا تقدرين أن تصديها و تأتي عليك بغتة تهلكة لا تعرفين بها.

أي الشر يأتي كليل لا فجر له فلا أمل في خلاص من هذا الشر. بغتة = فكيف يدعون معرفة المستقبل.

 

آية (12) قفي في رقاك و في كثرة سحورك التي فيها تعبت منذ صباك ربما يمكنك أن تنفعي ربما ترعبين.

كلما إبتعد الناس عن الله لجأوا للقوى الخفية فهتلر لجأ للمنجمين واستعان بخرائط للحظ ليحدد متى يهاجم، وكبار تجار نيويورك لا يعقدون صفقات إلا بعد أخذ رأى المنجمين. وهكذا سمعنا أن كبار زعماء العالم يتشاورون مع عرافين للآن مثل ريجان رئيس أمريكا الأسبق وميتران رئيس فرنسا السابق. وهذا الأسلوب يلغى دور العقل فضلاً عن أنه تحدٍ لله الذي يعرف المستقبل وحده. ربما ترعبين = فقد يحالفك النجاح أو تثيرين الرعب في قلوب أعداءك.

 

آية (13)  قد ضعفت من كثرة مشوراتك ليقف قاسمو السماء الراصدون النجوم المعرفون عند رؤوس الشهور و يخلصوك مما يأتي عليك.

نراهم معتمدين على سحرتهم الذين يسألون النجوم ورؤوس الشهور. قد ضعفت = عقل الإنسان يضعف من عدم استعماله واتكاله على السحر والشعوذة. هذا بالإضافة لأن اعتمادنا على غير الله يحرمنا من معونة الله فنصير ضعفاء. ومن يعتمد على الله يصير الله قوته.

 

آية (14) ها أنهم قد صاروا كالقش أحرقتهم النار لا ينجون أنفسهم من يد اللهيب ليس هو جمرا للاستدفاء و لا نارا للجلوس تجاهها.

علماؤهم وكهنتهم يكونون كالقش الذي لا يرد النار،فسيتلاشون  والنار لن تكون محدودة كنار للإستدفاء بل ستكون حريق عظيم.

 

آية (15) هكذا صار لك الذين تعبت فيهم تجارك منذ صباك قد شردوا كل واحد على وجهه و ليس من يخلصك

لم يهتم بها أحد لينقذها بل أن حتى تجارها هربوا.

ملحوظة: الشرور التي كانت في بابل مازالت موجودة حتى اليوم، ومازالت بابل الروحية تقاوم ملكوت الله.

 

زر الذهاب إلى الأعلى