تفسير سفر العدد ١٦ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح السادس عشر
إغتصاب الكهنوت
رأينا فى الإصحاح السابق أمانة الله فى وعوده وها نحن نرى هنا تمرد البشر ضد نظام وضعه الله. ورأينا سابقاً تذمر الشعب لكن ها نحن نرى تذمر اللاويين والرؤساء وغالباً فهذه الفتنة مركبة فقورح هو لاوى من القهاتيين. أما داثان وأبيرام فهم أولاد اليآب بن فلو بن رأوبين (عد 5:26-9) وكان قورح وهو لاوى يطلب كهنوتاً ويبدو أن قورح كان زعيماً ذو مكانة وشخصية مؤثرة فهو إستطاع أن يؤثر على 250 رئيس للجماعة، وهذا يوضح أن الشيطان يعمل جاهداً على إستغلال الكفاءات الكبيرة وذوى المواهب. وطلب قورح مع جماعته الـ 250 لاوى أن يكونوا كهنة. أما داثان وأبيرام وهم من سبط رأوبين فغالباً غاروا من سبط يهوذا لأنه فى المقدمة وهم يعتبرون أنفسهم أولاد رأوبين البكر وهم أحق بالرئاسة فهم يطلبون سلطة زمنية. وكان القهاتيين مجاورين للرأوبينيين فإتحدث المجموعتان فى تحدى سلطة موسى الدينية والمدنية.
وقد حدث بعد ذلك أن غضب الله حينما قدم شاول ذبيحة ثم غضب على عزيا الملك وضربه لنفس السبب. المهم أننا أمام حالة طمع فى مناصب أعلى ومواهب أعلى فقورح كان لهُ عمل لكنه طمع فى عمل موسى وهرون. ونحن كخدام لله علينا أن نكون أمناء فى القليل الذى أعطاه لنا الله دون أن نحسد الآخرين ونطمع فى خدمتهم. وخطورة الحسد لكلٍ دوره خدمته ولا يجب أن يطمع فى دور الآخر أنه يؤدى لعمى الروحى والذهنى فقد رأى هؤلاء الحاسدين أن موسى الحليم رأوه أنه تسلط ومرتفع. والـ 250 قد يكونوا من أسباط إسرائيل وكلهم من الرؤساء الطالبين أن يكون الكهنوت لهم. أو أن يكون الكهنوت فى كل أسرة كما كان من قبل (نظام البطاركة) حين كان رب كل أسرة هو كاهنها. وذلك يفسر وجود مجامر معهم. وربما مارسوا بها الكهنوت قبل أن يحدد الله سبطاً وأسرة بعينها هى أسرة هرون للكهنوت.
وربما مارسوا الكهنوت فعلاً كل فى بيته قبل هذه الثورة العامة الرافضة النظام الله.
ولنلاحظ أن عامة الشعب تذمروا بسبب بطونهم (لحم / بصل…) أما الرؤساء فهم يضربون بضربة أمر وهى الكبرياء ولهذا تعرف الكبرياء بأنها الصعود إلى أسفل.
آية1:-
يذكر هنا إسم أون بن فالت ولا يذكر بعد ذلك فربما قدم توبة
آية2:-
من بنى إسرائيل = هذا ما يجعلنا نفهم أن الثورة كانت تشمل رؤساء من كل الأسباط تأثروا بثورة قورح وداثان وأبيرام. مدعوين للإجتماع = تعنى منتخبين
آية3:-
هذا الكلام يشبه من يقول الآن ” كلنا ملوك وكهنة فلماذا يرتفع الكهنة علينا“
وهؤلاء لم يفهموا أن الكهنوت والخدمة عموماً إتضاع وليس إرتفاع فالخادم الحقيقى متضع يبحث عن الخدمة ويلجأ لله فى الصلاة لا يشغله منصب ولا رئاسة. وإن أختير للرئاسة يفهم أنها مسئولية سيدينه الله عليها وليست منصباً يتباهى به. أما الخادم المزيف فيطلب مجد نفسه ويكون هذا بذراع بشرى كما حدث هنا. أما الخادم الحقيقى فهو يلجأ لله ليحكم لهُ فى الظلم الواقع عليه. الخادم الحقيقى متضع والخادم المزيف متكبر.
آية4:-
هنا يظهر موسى كخادم حقيقى فهو سقط على وجهه أمام الله ليحكم لهُ
آية7:-
كفاكم يا بنى لاوى = هذه رد على قولهم لموسى وهرون (3) كفاكما
آية9:-
إذاً لكل واحد خدمته وعليه أن يقوم بها بأمانة
آية11:-
هذه صفة أخرى للخادم الحقيقى فالتذمر من الشعب ليس هو ضد الخادم بل ضد الله
آية12:-
داثان وأبيرام فى كبريائهما رفضا أن يذهبا ليقابلا موسى
آية13:-
أصعدتنا من أرض تفيض لبناً وعسلاً = يقصدون مصر وهم هنا يسخرون من أن الرب وصف أرض الميعاد بأنها تفيض لبناً وعسلاً فهم يصفون أرض العبودية بأوصاف أرض الميعادبينما مصر مشهورة بالبصل والثوم. وهؤلاء ظنوا أنهم سيبقون فى البرية إلى الأبد.
آية14:-
هل تقلع أعين هؤلاء القوم = لها معنيين الأول أنه بعد أن أحضرتنا لهذا القفر لم يبق لك أن تفعل سوى هذا والثانى أنك جعلت القوم كالعميان يسيرون وراءك كيفما شئت
آية15:-
موسى هنا فى غيظه يظهر كمدافع عن الكهنوت كنظام إلهى يحاولون إغتصابه. وقوله لا تلتفت إلى تقدمتهما = إشارة لحادثة رفض قرابين قايين وموسى هو كاتب القصة ودليل أن موسى لم يغتاظ لأجل كرامته أنه عاد وتشفع لهم.
آية19:-
قورح يجمع كل الجماعة ليساندوه. وهذه غباوة فهل يقووا على الله
آية25،24:-
حينما عَلِمَ موسى بنيه الله فى ضرب المتمردين ذهب هو لداثان وأبيرام اللذان سبقا فرفضاهما الذهاب لموسى. وهذا من تواضع موسى ومحبته وهنا يعطيهم فرصة أخيرة إعتزلوا = حين نعتزل الأشرار وشرهم ننجو من مصيرهم.
آية30:-
هبطوا أحياء إلى الهاوية= الهاوية هنا تشير إلى المكان أو يصير تحت الأرض قبراً لهم ولا تشير الجحيم. فهو قال وكل ما لهم. والمنازل والأمتعة لا تذهب للجحيم قد إزدروا بالرب = فمن يعتدى على نظام وضعه الله يزدرى بالله
آية35:-
النار أكلت قورح وكل من بخر بإستخدام المجمرة ولكن فى آية (31) قوله كل من كان لقورح = يعنى كل من سار وراء فتنة قورح
فنحن هنا أمام عقوبتين النار أكلت من إغتصب الكهنوت والأرض فتحت فاها لمن دخله الكبرياء النار كانت لقورح. وفتح الأرض فاها لداثان وأبيرام وأولادهم وكل مالهم
ويبدو أن قورح خلال هذه الفتنة كان لهُ إقامة وسكن عند داثان وأبيرام بدون زوجته وأولاده فأولاد قورح لم يهلكوا فى هذه الفتنة فهم بالتأكيد أبرياء ورفضوا خطية أبيهم قورح. بل تكون من أولادهم مغنين فى الهيكل ولهم مزامير (راجع 11:26) لكن أولاد داثان وأبيرام ما توامع أبائهم. الله وحده يعلم القلوب ويعرف من يُضْرَبْ ومن ينجو من العقاب. وهذا رد آخر على تحمل الأبناء لذنوب أبائهم (راجع تث 6:11 + مز 18،17:106) ولاحظ هلاك كل واحد بالعنصر الذى أخطأ به. فقورح قدم ناراً فى مجمرته فإحترق بنار وداثان وأبيرام إرتفعا بقلبيهما فى كبرياء فسقطوا تحت الأرض وشابهوا الشياطين فالشياطين هم من يهبطوا تحت الأرض. والعكس فمزامير أولاد قورح كلها فرح فهم لم يقاوموا كأبيهم.
آية37:-
الله يكلف العازار بجمع المجامر ولم يكلف هارون فهارون لا يجب أن يتنجس بلمسه الموتى.
آية38:-
المجامر كانت تذكارات لعقوبات الرب كما كان قسط المن تذكاراً لإحساناته.
لذلك يقول بولس الرسول ” أنظروا لنهاية سيرتهم (عب 7:13). ولاحظ أن الله يعتبر أن حتى هذه المجامر لأنه قد قُدَم فيها بخور لإسمه فهى قد تقدست
صارت قصة قورح وداثان وأبيرام عبرة حتى أن بنات صلغماد قالوا نحن لمسنا من أولادهم
آية41:-
الجماعة كلها تتذمر على موتهم مما يكشف عن مدى تأثيرهم. والعجيب أنهم لم يرتدعوا فطبيعة الإنسان أنه دائم التذمر.
الآيات 46-48:-
موسى يشفع فى شعبه. وهرون يبخر بسرعة وسط الجماعة ليتوقف الوبأ ونرى هنا أن مجد الرب قد ظهر بنفس الطريقة التى ظهر بها سابقاً يوم تكريس هرون (لا23:9)
وهو يظهر هنا ليثبته فى عمله أمام هؤلاء المتذمرين. وهنا هرون وقف رمزاً للمسيح حين وقف بين الأحياء والأموات. وها هم المتذمرين قد إتهموا موسى وهرون بأنهم يريدون قتلهم وإحتقروا كهنوت هرون ولكن هنا نجد هرون هو الذى أنقذهم بكهنوته.