شفيعك مين

مقدمة

الشفاعة عقيدة أصيلة في كنيستنا الأرثوذكسية، وهناك أدلة كتابية كثيرة على ذلك، فإن الأبرار والقديسين كان لهم دالة عند الله، فالأيقونات في الكنيسة تستند إلى أهم عقيدة نؤمن بها وهي عقيدة تجسد الله وحضوره الحقيقي بيننا ، فبتجسده تغير الوضع وصار الله فينا وتلامسنا معه وجدد الله طبيعتنا الفاسدة، وجعلنا مشابهين لصورته، ونراها في أولئك القديسين الذين حفظوا طهارتهم وظهر المسيح فيهم.
يحكى القمص تادرس يعقوب : في إحدى الأمسيات في بداية الستينيات إذ كنت أفتقد إحدى بيوت الطلبة أيام الامتحانات ، وجدت الطلبة في حالة ارتباك شديد.
– لماذا أنتم مرتبكون ؟    – زميلنا يعاني من فكر قد يحطم مستقبله .
– ما هو هذا الفكر ؟
يتخيل أن والده بالصعيد قد توفي اليوم مع أنه غير مريض ، إنه مصر أن يترك امتحاناته ويسافر إلى الصعيد ، إنه في إعدادي طب ، وإذا جاءت النتيجة “ضعيف جدا ” نتيجة سفره وغيابه سيفقد إلتحاقه نهائياً بالكلية .. قال لي الطالب أنا متأكد إن والدي توفي اليوم ! لا أستطيع أن أكمل الامتحانات .. لابد أن أسافر اليوم ! تدخل أحد زملائه وقال : كلنا عانينا من ( الحنين للبيت ) في السنة الأولى من تغربنا ، وتخيلنا أن لنا أقرباء قد ماتوا أو أصيبوا بمرض أو بحادث .. الخ .. أجاب الطالب : أنا متأكد .. والدي توفي اليوم !
وإذ حاولت تهدئة نفسيته قلت له : لنرسل تلغرافاً لوالدك نسأل عن صحته وننتظر الرد فأعجبته الفكرة ، وبالفعل كتب التلغراف وجلس يراجع مواد الامتحان . وفي اليوم التالي جاءه الرد : والدك مريض بالمستشفى أحضر بعد الامتحانات . أكمل الطالب امتحاناته وسافر ليجد أنه في اللحظات التي فيها صرخ : ” والدي توفي ” قد رقد بالفعل في الرب .
هذه القصة واقعية .. فإن كنت وأنت بعد في الجسد يمكنك أن تشارك أحباءك مشاعرهم أينما وجدوا ، فكم بالأكثر جدا أولئك الذين تركوا الجسد وانطلقت نفوسهم إلى الفردوس ، وهم يعيشون مع الله الحب كله يشعرون بك ، ويطلبون لأجلك کی نشاركهم مجدهم ، قلوبهم اتسعت بالأكثر وامتلأت بالحب نحوك .
فليكن لك أصدقاء من سكان الفردوس يشاركونك مشاعرك ، لأننا وإن كنا نحن نشعر ببعض ونحن في هذا الجسد الضعيف فكم يكون شعور القديسين الذين خرجوا من ضعف هذا الجسد وأصبحوا أقرب إلى الأرض. وهذا هو ما نسميه بالشفاعة فما معنى الشفاعة.

أولاً: معنى الشفاعة

الشفاعة هي الوساطة وطلب المعونة أوالتوسل أو الصلاة من أجل الآخرين، وهي لا تنبعث عن مجرد العاطفة أو المنفعة بل عن إدراك واع بأن علاقة الله بالإنسان ليست علاقة فردية فحسب ، بل واجتماعية، أيضا ، فهي تمتد إلى علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، لذلك قال الكتاب : “صلوا بعضكم لأجل بعض ” ( يع 5: 16)

ثانياً : أنواع الشفاعة

1- الشفاعة الكفارية‏. 
أ- خاصة بالسيد المسيح : السيد المسيح يشفع في مغفرة خطايانا باعتباره الكفارة التي نابت عنا في دفع ثمن الخطية ، وهكذا يقف وسيطاً بين الله والناس ، بل أنه الوسيط الواحد الذي وقف بين الله والناس ، أعطى الآب حقه في العدل الإلهي ، وأعطى الناس المغفرة ، بأن مات عنهم كفارة عن خطاياهم على عود الصليب .. وهذا هو المعنى الذي يقصده القديس يوحنا الرسول فهو يقول : ” وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضا ” ( ايو 1:2-2 ) .. وهنا تبدو الشفاعة الكفارية واضحة ، فهي شفاعة في الإنسان الخاطئ ، إن أخطأ أحد وهذا الخاطئ يحتاج إلى كفارة ، والوحيد الذي قدم هذه الكفارة هو يسوع المسيح البار ، لذلك يستطيع أن يشفع فينا بدمه المسفوك عنا .
ب- شفاعة الروح القدس : الروح القدس هو المحامي والمدافع عنا ، وهو أيضا المعين والمعزی ، وهو يشفع في صلواتنا بأنات لا ينطق بها ، يقول معلمنا بولس الرسول : “وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغي . ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها . ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين ” ( رو 26:8-27 ) .

2- شفاعة توسلية :

أ- خاصة بالسيدة العذراء والقديسين : شفاعة القديسين فينا هي مجرد صلاة من أجلنا ، ولذلك فهي شفاعة توسلية غير شفاعة المسيح الكفارية ، والكتاب يوافق عليها إذ يقول : “وصلوا بعضكم لأجل بعض ” ( یع 16:5 ).
والقديسون أنفسهم كانوا يطلبون صلوات الناس عنهم ، فالقديس بولس الرسول يقول لأهل تسالونيكي : “صلوا لأجلنا ” ( 2 تس 1:3 ) ويقول لأهل أفسس :”مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح ، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة ، لأجل جميع القديسين ، ولأجلي ، لكى يعطى لى كلام عند افتتاح فمي” ( أف 18:6-19 ) . فإن كان القديسون الذين شهد لهم الكتاب المقدس يطلبون صلواتنا .. أفلا نطلب نحن صلواتهم ؟ وإن كنا نطلب الصلاة لأجلنا من البشر الأحياء الذين لا يزالون في فترة الجهاد تحت الآلام مثلنا ، أفلا نطلبها بالأولى من القديسين الذين أكملوا جهادهم وأنتقلوا إلى الفردوس ، وهم الآن “يضيئون كضياء الجلد ، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور ” ( دا 3:12 ) .

ب- الملائكة يطلبون عن البشر :
“يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب ” ( لو 10:15 ) .
– الملاك وطوبيا : “إنك حين كنت تصلى بدموع وتدفن الموتى وتترك طعامك وتُحبَّا الموتى في بيتك نهاراً وتدفنهم ليلاً كنت أنا أرفع صلاتك إلى الرب ” (طو 12:12 ) .
– كما أن الملائكة تحمل صلوات القديسين إلى عرش الله مثل ملاك الذبيحة .

ملحوظة: ينبغي أن نعلم أننا حينما نطلب شفاعة العذراء ، وصلوات القديسين ، وطلبات الملائكة لأجلنا ، فإننا لا نقدم لهم الصلاة أو العبادة ، فالعبادة والصلاة لا تقدم إلا الله الواحد مثلث الأقانيم ، وإنما نحن نطلب منهم كأحباء لنا ، مثلما يطلب الطفل الصغير من أمه أن‏ تطلب من أبيه من أجله ، رغم أن الأب يحب الابن ويفرح بتلبية جميع طلباته إن كانت في صالحه ولا يعني طلبنا التوسلات القديسين من أجلنا أن نمتنع نحن عن الصلاة أمام الله من أجل أن يستجيب طلباتنا وصلواتهم لأجلنا ، فلابد أن نصلی بلجاجة ولا نيأس من كثرة الصلاة ، “فكان بطرس محروساً في السجن وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله ” ( أع 5:12 ) ، ويدعمنا في هذه الصلاة أعضاء جسد المسيح من القديسين الذين ارضوا الله بمحبتهم . فالله يحبنا ويريد أن نقرع ونطلب ونسأل ليفتح لنا ، ويعطى ، ويجيب جميع ما نطلب ، بل وأكثر مما نطلب حسب غناه ، حسب مشيئته الصالحة لحياتنا. 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى