تأملات في سفر عوبديا المقدمة – أ. بولين تادري

مُقدمة عامة:

* كاتب السفر هو عوبديا النبي، وعوبديا معناه “عبد يهوه”، وهو اسم يصح إطلاقه على أي نبي وليس على شخص مُعيًن.

* تتكلم النبوة عن مملكة آدوم، “آدوم” اسم عبري معناه “أحمر”وهو اسم عيسو، أخو يعقوب وابن إسحق، وقد اشتهر بهذا الاسم لأنه اشتهى العدس الأحمر الذي طبخه يعقوب؛ حيث قال لأخيه: “إعطنى هذا الأحمر لأنى قد أعييت. لذلك دُعى اسمه أدوم” (تك25: 30).

ولكن الاسم يُطلق أيضَا على الإقليم الذي كان يسكنه نسله، والذي يمتد مِن جنوب موآب إلى خليج العقبة، وهي أيضَا أرض جبلية وتُسمى أيضَا “جبل سعير” (تك36). ويذكر الكتاب المقدس أن هذه البلاد فيها بعض الصخور شديدة الانحدار، حتى قيل أن أمصيا قتل 10 آلاف مِن الأدوميين بطرحهم مِن قمة الجبل إلى أسفل (2أخ25: 11- 13). وأهم مُدنهم هي بصرة وسالع. وقد اشتهر آدوم بعدائه لإسرائيل؛ فأثناء سيرهم في البرية لم يدعهم يمرون في أرضه (عد20: 14-21).

والأدوميون هم نسل عيسو وتنطبق عليهم نبوة إسحق أبوهم القائلة: “هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك. وبلا ندى السماء مِن فوق. وبسيفك تعيش. ولأخيك تُستعبد. ولكن يكون حينما تنجح أنك تُكسًر نيرهُ عنْ عُنقك” (تك27: 39، 40). لذلك كانوا ينالوا نُصرة على إسرائيل أحيانَا في الحرب معهم.

* أحداث هذا السفر تعود إلى سنة 587، 588 ق.م.، حينما تحالف آدوم مع البابليين وغيرهم في سقوط أورشليم، حيث اشترك آدوم في نهب المدينة، وسدوا أمام الهاربين الطرق، إذ كانوا يُمسكون بهم ويبيعونهم عبيدَا للأعداء.

* السفر عبارة عنْ أصحاح واحد، يتلخص في سرد أخطاء آدوم وتأديبات الله له على أخطائه.

أما تأديب الرب، لا يعنى انتقامَا منه ممنْ أخطأ إليه أو إلى أخيه، بل هو مُحاولة من الرب لاسترجاع الخاطئ عنْ خطأه، لأنه يقول عنْ نفسه: “الذي يُريد أن جميع الناس يخلُصُون وإلى معرفة الحق يُقبلون”(1تى2: 4). وسليمان الحكيم أيضَا كتب أمثاله مِن أجل: “معرفة حكمة وأدب لإدراك أقوال الفهم. لقبول تأديب المعرفة والعدل والإستقامة” (أم1: 2، 3). ويُوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس بأن لا يتغافل عنْ تأديب الخاطئ لكي يتوب، فيقول: “مؤدبَا بالوداعة المقاومين عسى أن يُعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا مِنْ فخ إبليس إذ قد إقتنصهم لإرادته”(2تى2: 25، 26). ويقول بولس الرسول أيضَا: “يا  ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخُر إذا وبخك. لأن الذي يُحبه الرب يؤدبه ويجلد كُل ابن يقبله. إن كُنتم تحتملون التأديب يُعاملكم الله كالبنين. فأى ابن لا يؤدبه أبوه. ولكن إن كُنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نُغول لا بنون. ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم. أفلا نخضع بالأولى جدَا لأبى الأرواح فنحيا. لأن أولئك أدبونا أيامَا قليلة حسب إستحسانهم. وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته. ولكن كُل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن. أما أخيرَا فيُعطى الذين يتدربون به ثمر بر للسلام”(عب12: 5-11).

* يوجد أنبياء آخرين تنبأوا بنفس النبوة على آدوم، منهم:

حزقيال النبي، في نحو سنة 590 ق.م. تنبأ عن آدوم قائلَا: “هكذا قال الرب. مِن أجل أن آدوم قد عمِل بالإنتقام على بيت يهوذا وأساء إساءة وإنتقم منه. لذلك هكذا قال السيد الرب وأمُد يدى على آدوم وأقطع منها الإنسان والحيوان وأُصيًرها خرابَا مِن التيمن وإلى دادان يسقطون بالسيف. وأجعل نقمتى في آدوم بيد شعبى إسرائيل فيفعلون بآدوم كغضبى وكسخطى فيعرفون نقمتى يقول الرب” (حز25: 12- 14).

وتنبأ يوئيل أيضَا عنْ آدوم قائلَا: “مصر تصير خرابَا وأدوم تصير قفرَا خربَا مِن أجل ظُلمهم لبنى يهوذا الذين سفكوا دمَا بريئَا في أرضهم” (يؤ3: 19).

وتنبأ أرميا أيضَا عن آدوم قائلَا: “عنْ أدوم. هكذا قال رب الجنود…. قد غرًك تخويفك كبرياء قلبك يا ساكن في محاجئ الصخر الماسك مرتفع الأكمة. وإن رفعت عُشًك فمن هناك أُحدرك يقول الرب” (أر49: 7- 16).

وتنبأ عنهم داود النبي قائلَا: “أذكر يا رب لبنى أدوم يوم أورشليم. القائلين. هُدوا هُدوا حتى إلى أساسها” (مز137: 7).

* وأثناء السبي البابلي أمتلك الأدوميون أرض إسرائيل حتى إلى حبرون، وحوالي سنة 300 ق.م. أخذ الأنباط “سالع” وأسسوا دولتهم، وفى القرن الثاني ق.م. أخذ يهوذا المكابي واليهود حبرون وغيرها مِن المدن التي كان الأدوميون قد استولوا عليها، وقد أخضعهم يوحنا هركانوس المكابى وإسترد منهم حبرون، وألزمهم أن يختتنوا أو يتركوا البلاد، فاختتنوا وظلوا في البلاد، وواحد منهم صار حاكمًا لليهودية بتحالفه مع الرومان، وهو أنتيباتور أبو هيرودس الكبير وأبو أسرة الهرادسة الأدومية التي حكمت إسرائيل بأمر الرومان في زمن السيد المسيح ورسله.

* الكلمات الصعبة في السفر:

_ خُصاصةً (آية 5): الخُصاصة هي ما يبقى في الكرمة مِن العنب بعد القطف، وتُشير إلى الشيء القليل.

_ تَخم (آية 7): مُفرد تُخوم وهي حد يفصل بين أرض وأرض أخرى. وتعنى في الآية أن آدوم تشتًت إذ لم يكن له أرض ليستقر فيها بل وقف على الحدود.

زر الذهاب إلى الأعلى