تفسير سفر عوبديا – المقدمة للقمص تادرس يعقوب

عوبديا:

“عوبديا” كلمة عبرية تعني “عبد يهوه” أو “المتعبد ليهوه”. وقد ذكر العهد القديم أشخاصًا كثيرين بهذا الاسم (1 مل 18: 3-6، 1 أي 3: 21، 7: 3، 8: 28، 12: 9، 27: 19، 2 أي 17: 7-9، 34: 12، عز 8: 9، نح 10: 5، 12: 25).

تاريخه:

يُشير هذا السفر إلى تحالف الأدوميين مع أعداء إسرائيل واشتراكهم معهم في نهب أورشليم (ع 10-14). وقد سبق أن نُهبت أورشليم بواسطة الفلسطينيين والعرب في أيام يهورام (2 أي 21: 16-17) حوالي منتصف القرن التاسع ق.م. لكن ما ورد في سفر عوبديا – كما يرى غالبية الدارسين – يخص تحالف أدوم مع البابليين وغيرهم في سقوط أورشليم عام 587 / 586 ق.م، حيث اشترك أدوم في نهب المدينة، وسدوا أمام الهاربين الطرق إذ كانوا يمسكون بهم ويبيعونهم عبيدًا للأعداء. لم يقف أدوم من إسرائيل حتى موقف غير المتحيز وإنما شمت في أخيه إسرائيل وسند عدوّه واشترك معه في تحطيمه بكل الطرق.

غايته:

الحديث في هذه النبوة موجه إلى أدوم الشامت في أخيه إسرائيل. وفي كبرياء قلبه وحبه للظلم والاستبداد. اشترك في تحطيمه يوم سبى أورشليم… فجاءت النبوة تؤكد مبدأ روحيًا هامًا ينطبق على كل بشر. “كما فعلت يفعل بك، عملك يرتد على رأسك” [15]. إذ زرع شرًا وظلمًا وتحطيمًا إنما يجنيه في حياته. وكما أنه سفر النفس المتكبرة الساكنة في الجبال الشامخة تظلم وتحطم وتشمت في نكبات الآخرين، فهم أيضًا سفر إسرائيل الذي سقط ذليلًا في السبيّ وتعرض لقساوة قلب أدوم أيضًا مع بابل، فالله الذي سمح له بالتأديب في حزم ينتشله، بل ويجعل من جبل صهيون مركز نجاة روحية ويكون مقدسًا وميراثًا للرب، ونارًا روحية تحرق الشر وتلهب القلب بحب ملكوت الله، إنما في الواقع رسالة موجهة إلى كل قلب سقط في مرارة تحت التأديب لكي لا يحطمه اليأس، بل يدرك خطة الله الخلاصية.

يختم النبوة بإعلانه “ويكون المُلك للرب” [21]… هذه هي غاية العمل الإلهي، إنه يملك على كل قلب، ويقيم عرشه فينا!

أدوم:

في دراستنا لسفر عاموس (أصحاح 1) رأينا أن كلمة “أدوم” تعني “من الأرض” أو “دموي”، وتُشير إلى الإنسان الجسداني المحب للأرضيات والمحب لسفك الدماء أو الظلم.

أدوم هو لقب عيسو الذي كان يحمل عداوة ضد أخيه يعقوب. وقد أطلق هذا الاسم على الإقليم الذي يسكنه أبناء عيسو، أي على أرض سعير (أرض عيسو، إذ كان عيسو مشعرًا)، وهو إقليم جبلي وعر، استولى عليه عيسو ونسله بعد طردهم الحوريين (تث 2: 12). حملوا عداوة لاخوتهم الإسرائيليين فلم يسمحوا لهم بالعبور في أرضهم بعد خروجهم من أرض مصر (عد 20: 14-41).

غزا داود أدوم وأقام عليها حُراسًا (2 صم 8: 13-14؛ 1 مل 11: 15-17)، لكنهم سببوا متاعب كثيرة لنسله (2 مل 8: 20، 14: 7، 22، 16: 6).

كانوا دائمًا يسخرون باليهود ويهزأون بهم خاصة عندما سباهم البابليون، لذا جاءت النبوات ضدهم كثيرة في الكتاب المقدس، منها (إر 49: 1-22، صفنيا 2: 8، 11، حز 25: 12-14 إلخ…)، وأيضًا النبوة التي بين أيدينا الآن.

بعد سبي يهوذا، إذ صارت خرابًا استولى أدوم على الكثير من بقاعها حتى بلغوا مدينة حبرون. لكن تزايدت ضغوط العرب عليهم خاصة في القرن السادس ق.م. وفي القرن الخامس طرد الأنباط Nabateans أدوم من مرتفعاته في جنوب البحر الميت(1)، من جبل سعير، والتزموا بالتحرك إلى الجانب الغربي للبحر الميت، وصارت حبرون عاصمتهم في ذلك الحين. وفي القرن الثاني ق.م. أخذ يهوذا المكابي واليهود حبرون وغيرها من المدن التي كان أدوم قد استولى عليها، وقد أرغمهم يوحنا هركانيوس على التهوُّد عام 125 ق.م. ولما جاء تيطس الروماني حطّم أدوم تمامًا. وبهذا تحققت نبوات الأنبياء فيهم.

أدوم في المفهوم الروحي:

  1. يرىالقديس أغسطينوسفي أدوم الذي جاءه من (يُدينه) يحكمه من جبل صهيون (ع 21) إنما إشارة إلى الأمم الأشرار لكنهم يتقبلوا الإيمان خلال الرسل القادمين من جبل صهيون(2)، وكأن هذا السفر هو سفر الكنيسة الواحد الجامعة تضم في أحضانها الأمم الذين كانوا قبلًا من أدوم أرضيين وظالمين، كما ضمت اليهود الذين قبلوا الإيمان، وكما يقول الرسول بولس: “يُصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به” (أف 2: 16).
  2. ويرى أيضًاالقديس أغسطينوسفي أدوم الظالم والمحب لسفك الدم صورة حيَّة لمضطهدي الكنيسة في العصر الروماني، إذ يقول: “أيّة اضطهادات عظيمة هذه التي عانت منها الكنيسة؟! ماذا يقول أبناء أدوم، أي الجسدانيون خدام الشيطان وملائكته، عابدو الأصنام والحجارة، الذين يتبعون شهوات الجسد؟ “أزيلوا المسيحيين، أهلكوهم، لا تتركوا أحدًا منهم يعيش، ألقوا بهم في الأساسات” (مز 137: 7). وإذ يقول: “المضطهِدون هكذا يُحتقرون أما الشهداء فيُكلّلون”(3).

هذا هو أدوم الذي لا يطيق أخيه يعقوب بل يضطهده ويشمت به ويشترك مع أعدائه في إذلاله. هذا كله لأن أدوم (عيسو) كان بكرًا وبسبب شهواته صار الأخير. وكما يقول القديس أغسطينوس: [كان بنو أدوم هم البكر لكن الذين وُلدوا بعدهم نالوا منهم الامتياز، لأن شهوة الجسد أحدرتهم بينما ارتفع الآخرون لاستخفافهم بها(4)].

  1. أخيرًا فإن أدوم يمثل الإنسان العتيق الأرضي والدموي، المحب للظلم والعداوة، هذا الذي يكره الإنسان الداخلي ولا يطيقه، إذ يقول المرتل: “أذكر يا رب لبني أدوم يوم أورشليم، القائلين: هِدّوا هِدّوا (انقضوا انقضوا) حتى إلى أساسها” (مز 137: 7). بالمعمودية يُحطم الصليب إنساننا الخارجي ليقوم فينا أورشليمنا الداخلية أو جبل صهيون الروحي، الإنسان المخلوق على صورة خالقه ليتجدد من يوم إلى يوم فينعم بالنجاة في المسيح يسوع ويحسب ميراثًا للرب ومقدسًا له (ع 15)، فيه يسكن الثالوث القدوس معلنًا ملكوته فينا. هذا ما نستوحيه أيضًا من كلماتالقديس أغسطينوس، حين يُعلق على عنوان المزمور 60 “ضرب من أدوم في وادي الملح اثنى عشر ألفًا، إذ يقول: “أدوم” تعني “أرضي”، لذا يلزم على الإنسان أن يضرب فيه ما هو أرضي، لأنه إذ يُريد أن يحيا سماويًا فلماذا يعيش أرضيًا؟! لنذبح الحياة الأرضية (محبة الأرضيات) فنحيا الحياة السماوية. “كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي” (1 كو 15: 49)(5).

بين عوبديا وإرميا:

جاءت نبوة إرميا ضد أدوم (إر 49: 7-22) متطابقة مع العبارات التسع لنبوة عوبديا :

(عو 1 – 4)

 

تقابل

 

(إر 49: 14، 16).

(عو 5 – 6)

 

تقابل

 

(إر 49: 9-10).

(عو 8 – 9)

 

تقابل

 

(إر 49: 7، 22).

وقد اتفق كل النقاد على أن عوبديا النبي لم يعتمد على سفر إرميا بل بالأحرى يظهر سفر عوبديا أقدم من سفر إرميا(6).

أقسامه:

1. كبرياء أدوم

 

[1-9].

2. ظُلمِه لأخيه

 

[10-16].

3. خلاص صهيون الذليلة

 

[17-21].

_____

الحواشي والمراجع:

(1) J. Bright: A History of Israel, Philad. 1959. p. 361.

(2) City of God 18:31.

(3) On Ps. 137.

(4) On Ps. 137.

(5) On Ps. 137.

(6) J.H. Raven: O.T. Introduction, 1910. p. 220.

زر الذهاب إلى الأعلى