تفسير المزمور 22 للقديس أغسطينوس

عظة أولى في المزمور الواحد والعشرين
(بحسب السبعينية)
تفاصيل الآلام

في العظة الأولى هذه، يعرض القديس أوغسطينس معنى كلمات داود في آلام يسوع المسيح : في إهانات اليهود، في الصلب، في تقاسم الثياب؛ ثم يعرض مفاعيل الإفخارستيا . وفي العظة الثانية، يجتهد، بمواجهة الدوناتيين، في تبيان الملك الكلي الجامع ليسوع المسيح، الذي يعملون على شقه واحتكاره.

للغاية، لنجدة ،الصبح لإمام الغناء داود

١ – للغاية، أي ليسوع المسيح الذي يُرنّم بنفسه لقيامته. صبيحة اليوم الأوّل، بعد السبت، حدثت القيامة (راجع متى 28: 1) التي اقتبل بها في الحياة الأبديّة وخُلّص من سلطان الموت (رو 6: 9).

المزمور برمته ينطبق على شخص المصلوب، لأنه يبدأ بكلام يقوله المخلص، عندما صرخ من أعلى الصليب، بصوت عظيم، بصفته ممثلا للإنسان العتيق الذي لبس جسده المائت، لأن إنساننا العتيق سُمّر معه على الصليب (رو 6: 6).

 2 – «إلهي إلهي، أنظر إليّ، لماذا تركتني بعيدا عن خلاصك؟» (22: 1). لم تنظر إلى نجدتي لأنّ خلاصك بعيد عن الخطأة (مز 119: 155). «صراخ آثامي يدعوك»، لأنّ ذلك الدعاء ما هو بصلاة بار، بل دعاء إنسانٍ مُثقَل بالآثام الذي يُصلّي على الصليب هو، في الحقيقة، الإنسان العتيق الذي لا يعرف لماذا تركه الربّ . أو أيضًا : «صراخ آثامي يحرمني من خلاصك».

4- «وأنت الساكن في قُدسِك مجدا لإسرائيل» (22: 3). تسكن قدس الأقداس،

ولذلك لا تُصغي إلى أدعية الإثم الباطلة. أنت مجد لمن يتأملك، لا لمن طلب مجد نفسه إذ استطاب الثمرة المحرمة، فانفتحت عينا جسده، وأراد أن يتسلّل ويتوارى من أمام وجهك (راجع تك 3: 7-8).

5 – «عليك توكل آباؤنا» (22: 4): الأبرار الذين طلبوا مجدك لا مجد أنفُسِهم. «توكَّلوا فنجيتهم».

6- «إليك صرخوا فخلّصتهم» (22: 5). أسمعوك، لا صراخ الخطايا التي تُبعِد الخلاص، ولهذا نجيتهم. «توكلوا عليك فلم يَخزَوا». لم تُخز رجاءهم بك، لأنّهم لم يتوكلوا على أنفسهم.

7- «أمّا أنا فدودةُ أرض لا إنسان» (22: 6) أنا الذي لم أعد أنطق بآدم، أنا يسوع المسيح الذي ولدتُ بالجسد من دون زرع بشر، لكي أكون في البشر، فوق البشر، فلا تزدري، بعد، كبرياء البشر هواني. أنا عار عند البشر ورذالةٌ في رعاع الشعب». ذاك الهوان جعل مني رذالة في الناس، حتى إنّهم قالوا كفرًا وتجديفًا وإهانة: «كن أنت تلميذه» (يو 9: 28) لفرط ما كان الشعب يزدريني.

8- «كل الذين يُبصرونني يستهزئون بي» (22: 7). هزأ مني كل من رآني. «يتكلمون بشفاههم ويهزّون رؤوسهم». بشفاههم لا بقلوبهم ينطقون.

9 – يهزأون ويهزون رؤوسهم ويقولون : «توكل على الربّ، فليُنجه الربّ، وليُنقذه، إن كان عزيزا عليه» (22: 8). تلك كانت كلمات شفاههم.

10- «أنت يا ربّ أخرجتني من بطن أمي» (22: 9) لم تُخرجني فقط من حشا عذراء، مثلما يخرج كلّ إنسان من حشا أمه، بل أخرجتني من بطن تلك الأمة اليهودية، حيثُ لا يزال غارقًا في الظلمات، ولم يبصر نور المسيح، ذاك الذي يجعل خلاصه في حفظ السبت، وفي الختان، وفي سواها من الطقوس. «أنت متكلي من ثدي أمي». أنت يا رب رجائي من قبل أن اغتذيتُ من ثدي عذراء، وما زلت متكلي منذ أن انتزعتني من ثدي أمي منذ أن انتزعتني من حشا المجمع، لكي تمنع عني لبن عادة جسدية .

11- «أنت صخرتي منذ أن كنت في حشا أمي» (22: 10). من حشا ذلك المجمع الذي رماني بدلا أن يحملني. وإن كنت لم أسقط فلأنك عوني وصخرتي. «من بطن أمي أنت إلهي». أجل، من بطن أمي، لأنني، على الرغم من طوق اللحم هذا، كالطفل لم أنسَك. 

12- «أنت إلهي فلا تتباعد عنّي لقد اقترب الضيق» (22: 11) لأنك إلهي، لا تتباعد عنَّي عند اقتراب الضيق، وقد بات في جسدي. «فليس لي معين». من لي معين سواك؟

13- «أحاطت بي عجول كثيرة» (22: 12). جماعات شعب بي أحاطت خليعِ «ثيران قوية اجتاحتني». ورؤساء ذلك الشعب، اكتنفوني بدورهم، فرحين باضطهادي. 

14- «فتحوا عليّ أفواههم» (22: 13) أفواههم انطلقت لا بكلمات الكتب المقدّسة، بل بصراخ آثامهم . «مثل أسد مفترس زائر». أنا فريسة ذلك الأسد، يُمسك به ويقتاده ويملأ الجوّ زئيره : «اصلبه ! اصلبه» (يو 19: 15).

15- «كالماء انسكبتُ وتفككت جميع عظامي» (22: 14). كالماء انسكبتُ عندما صُرع مُضطهديَّ؛ وتلاميذي الذين صنعوا قوّة الكنيسة شتتهم الخوف ذاب مثل الشمع قلبي، ذاب في وسط أحشائي». تلك الكلمات التي خصتني بها الحكمة في الكتب المقدّسة، بقيت غير مفهومة، بقيت كلماتٍ جافة جامدة خفية. لكنها عندما ذابت كالشمع على وهج نار آلامي، وضُحت وحُفرت في ذاكرة كنيستي.

16– «يبست كالخزف قوّتي» (22: 15). آلامي يبست قواي، لا كالعشب، بل كالخزف الذي تُيبّسُه النار. «لساني لصق بحلقي». أولئك الذين بهم كان عليَّ أن أتكلّم حفظوا أحكامي في نفوسهم. «إلى تراب الموت أحدرتني»: ألقيتني بين أيدي الأشرار الذي أُعدوا للموت، وستكنسهم الريح عن وجه الأرض.

17- «أحاطت كلاب لا عد لها» (22: 17). كنت محاطًا بي بكلاب نابحة، لا باسم الحقيقة، بل باسم التقليد. «زمرة الأشرار طوقتني. ثقبوا يدى ورجلى» بمسامير ثقبوا يديَّ ورجلي.

18 – «احصوا عظامي كلها» (22: 17). أحصوا عظامي الممددة على الصليب، «وهم ينظرون إلي ويتفرّسون في». أي بالكراهية نفسها نظر الىَّ وتفرّسوا في.

19- «اقتسموا ثيابي، وعلى لباسي اقترعوا» (22: 18) 

20- «وأنت يا ربّ، لا تتباعد عني» (22: 19). أنت يا ربّ أقمني ولا تتأخّر، لا عند انقضاء العالم، كسائر الناس. «أسرع إلى نصرتي» : إرعني، فلا يقوى أحدٌ على إيذائي.

21- «أنقذ من السيف نفسي» (22: 20). صن نفسي من ألسنة الفرقة. ووحيدَتي من الكلاب. أي أنقذ كنيستي من هذا الشعب النابح باسم تقاليده.

22– «خلصني من فم الأسد» (22: 21). خلصني من ذلك الفم الذي يُقدّم لي مملكة أرضيّة . ومن قرون الثيران الوحشية أغثني. صن تواضعي من تعالي المتكبّرين الذين يحتكرون التعالي، ولا يقبلون منافساً.

23- «سأبشر باسمك إخوتي» (22: 22) باسمك أبشر المساكين، إخوتي المتحابين كما أنا أحببتُهم. «وفي وسط الجماعة أسبحُك». بفرح أذيع مجدك في كنيستي.

24 – «يا أتقياء الربّ سبّحوه» (22: 23). يا من تتقون الربّ لا تطلبوا مجدكم، بل سبحوا الربّ. «ويا ذرّيّة يعقوب مجدوه». مجدوا الرب، أنتم يا جميع أبناء الذي مجد بكره.

25 – «ويا ذرّيّة إسرائيل اتقوه كلكم» (22: 24). فليتق الله جميع الذين ولدوا لحياة جديدة، وأُعِدّوا لمعاينة الله. «لأنه لم يزدر ولم، يسترذل سؤل البائس». لم يُظهر أي ازدراء لصلاة البائس المتواضع البعيد عن البهارج المبتذلة، وازدرى صلاة الخاطئ الذي تصرخ آثامه إلى الله، ولم يُرد أن يتخلّى عن هذه الحياة المادية. «ولا حجب وجهه عنه»، كما فعل عمّن راح يقول : أصرخ إليك فلا تصغي. أما أنا فـ «إذ أصرخ إليه يستجيبني».

26 – «إياك أريد أن أسبح» (22: 25) لأني لا أطلب مجدي ؛ فيكَ أُمجد أيّها الساكن القدس، ولأنك أنت، مجد إسرائيل، تسمع القدوس الذي يدعوك. في جماعتِك العظيمة، أذيع مجدك». في الكنيسة المنتشرة في الأرض أُبارِكُك. سأوفي بنذوري أمام من يتقونَ إلهي». سأقدم سر جسدي ودمي للذين يتقون الربّ.

27- «سيأكل البائسون ويشبعون» (22: 26). سيأكل أولئك المتواضعون، وبذا يقتدون بي، فلا يشتهون بعد خيور هذا العالم ولا يخشون الفقر. «والذين يلتمسون الربّ يُباركونه». فمن الروح التي يشبعها يفيض التسبيح. «وقلوبهم تحيا إلى الأبد»، لأنه نفسه قوتُ قلوبنا. 

28- «وتتذكر الربّ أمم الأرض القصيّة، وترجع إليه» (22: 27) تتذكره، لأنّ الله كان منسيّا لدى هذه الشعوب المولودة في الموت، ولا تميل إلا إلى الخيور الخارجيّة. عندها ترجع أمم أقاصي الأرض إلى الربّ. وجميع الشعوب تسجد أمام وجهه». شعوب الأرض قاطبةً يعبدونه في قلوبهم.

29- «لأنّ المُلكَ للربّ، وهو يسودُ على الأمم» (22: 28). الملكُ للرّب لا لعُظماء الأرض، وهو يسود على الأمم.

30- «كل أثرياء الارض أكلوا وسجدوا» (22: 29) أغنياء الأرض أكلوا جسد سيّدهم المتضع فعبدوه على الرغم من أنهم لم يُشبعوا كالفقراء الذين اقتدوا بيسوع المسيح. وسيجثو أمامه كل الذين يسقطون إلى التراب الله وحده يرى سقوط الذين يتعبون من محاورة السماء، والذين يُفضّلون أن يبسطوا في هذه الدنيا، مظاهر السعادة أمام أعين الناس الذين لا يُبصرون دمارهم. 

31- «ونفسي بدورها، لأجله تحيا» (22: 30). ونفسي التي تبدو ميتة بنظر الناس، لأنّها تزدري العالم، ستخلي ذاتها لتحيا الله . وذريتي تخدمه أي تخدمه أعمالي أو الذين أحملهم على الإيمان به.

32- «والجيلُ المُقبِلُ يُكرَّس للربّ» (22: 30): مؤمنو العهد الجديد يُكرَّسون لتسبيح الربّ . «ويبشرون بعدله» (22: 31) : أي أنّ الإنجيليين يُبشرون بعدله الشعب الذي سيولد، والذي صنعه الربّ»: أي الشعب الذي سيلده الإيمان بالرب.

 

عظة ثانية في المزمور الواحد والعشرين
ألقيت في احتفالات الآلام

1 – لا يحق لي أن أبقي طي الكتمان وعليكم أنتم أن تسمعوا ما لم يُرد الرب أن يكتمه في الكتب المقدّسة. آلام الربّ حدثت مرّة واحدة، ونحن نعرف ذلك مرّةً واحدة مات المسيح، «البريء عن الأثمة» (1بط 3: 18). نعلم ذلك ونحن على يقين، وإيماننا لا يتزعزع، بأن «يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات، لا يموتُ بعد، ولا يسود عليه الموت» (رو 6: 9) هكذا تكلّم القديس بولس. ولئلا ننسى ما حدث مرّةً نقيم الذكرى في كل سنة. هل هذا يعني يسوع المسيح يموت في كلّ مرّةٍ نحتفل بالفصح؟ بيد أن هذه الذكرى السنوية، تُعيد أمام عيوننا بشكل من الأشكال، ما حدث مرّةً، وتُحرّك شعورنا كما لو اننا نرى المسيح مهانًا على الصليب، لا لنرذله، بل لنؤمن به. فعلى الصليب أذلَّ ؛ واليوم، وهو في السماء، يُعبَدُ. ألم يعدِ اليوم مهانا؟ وهل ما زال علينا أن نصب غضبنا على اليهود الذين استهزأوا به على الصليب بقدر ما سخروا من ملكوته السماوي؟ من ذا يهزأ بعد بالمسيح؟ معاذ الله أن نجد إلا واحدًا أو اثنين أو قلة تكاد ألا تُعد! جميع القش الذي على بيدره يستهزئ به والحنطة الجيدة تنتحب الرؤية الربّ مهانًا . وأنا معكم أريد أن أنتجب. فها هوذا زمن النحيب. نحن نحتفل بآلام المخلّص، وهذا هو زمن النحيب، زمن الدموع، زمن الإعتراف بالخطايا وتوسّل الغفران ومن منا بوسعه أن يذرف دموعا تستحقها آلامه التي لا توصف؟ لنستمع إلى النبي : «من لرأسي بمياه، ولعيني بينبوع دموع؟» (إر 9: 1). لا، إن ينبوعا من الدموع أذرفُها من عيني، لن يكون كافيا، لرؤية المسيح مهانا؛ والحقيقة جليةً واضحة، حتى أنّ أحدًا لا يستطيع أن يقول : ما كنت أعرف. ألمالك الكون كله، نجرؤ فنُقدّم جزءًا من الكون؟ أإلى الجالس عن يمين أبيه نقول : ما الذي تملكه هنا ؟ وعِوَضًا عن الأرض كلها ، نُرِيه أفريقيا.

2- ماذا الكلمات التي سمعتموها، يا إخوتي؟ ألا ليت تعني بوسعنا أن نُسطرها بالدموع! من هي تلك المرأة التي جاءته بالطيوب؟ (مت 26: 7). إلامَ كانت ترمز ؟ أليس إلى الكنيسة؟ وماذا كان يُمثل الطيب الذي حملته؟ أليس ذلك الطيب العطر الذي قال عنه الرسول: في كل مكان، نحن نفحة المسيح الطيّبة؟ (2كو 2: 15). بذا يُشير القديس بولس إلى الكنيسة، أي إلى جماعة المؤمنين. وماذا يقول؟ «نحن في كلّ مكان نفحة المسيح الطيبة». هذا ما يقوله القديس بولس عن المؤمنين بأنّهم في كلّ مكان رائحة المسيح الطيبة، وبعد، فإنّنا نجد من يجرؤ على الاعتراض، ومن يؤكد بأنّ أفريقيا وحدها هي الرائحة الطيبة، وأنّ باقي العالم لا ينفح غير النتن. فمن ذا يؤكد بأننا في كلّ مكان رائحة المسيح الطيبة؟ الكنيسة. فالكنيسة تلك الرائحة الطيبة التي كانت ترمز إليها قارورة الطيب الذي أُفيض على المخلّص. ولنر إذا كان المسيح لا يؤكدها بنفسه. إنّه يؤكدُها عندما نرى أناسًا غيارى على مصالحهم الشخصية، لصوصا وبخلاء، مثل يوضاس الذي قال عن ذاك الطيب: «لِمَ يُتلَف هكذا؟» (مت 26: 8). فعندما طلب أن تُباع رائحة المسيح الطيبة،  بماذا أجابه المخلص؟ «لماذا تعنفون هذه المرأة؟ إنها صنعت بي صنيعاً حسنا» (مت 26: 10) . ماذا أضيف على ما أضافه المخلّص : «حيثما يكرز بهذا الإنجيل في العالم كله، تُمدَح هذه المرأة بما صنعت» (مت 26: 13). هل ثمة ما يُضاف على هذا القول أو يُحذف منه؟ كيف نميل الأذن إلى هؤلاء المُفتَرين؟ أيكون الربّ قد كذب أو أخطأ؟ فليختاروا، وليقولوا لنا إن كانت الحقيقة قد كذبت، أو أنها وقعت في الضلال. «حيثما يُكرَز بالإنجيل»، يقول يسوع المسيح. وكما لو أنهم سألوه وأين تراه يُكرز به؟ :يُجيب «في العالم كله». فلنستمع إلى مزمورنا، ولنر إذا كان يتكلّم بالمعنى نفسه. لنستمع إلى هذا النشيد الحزين، الذي يستحق منا الدموع حتى ولو أنشدناه أمام صُمّ أعجب يا إخوتي، أن يُنشَد هذا المزمور اليوم عند الدوناتيين. أعذروني يا إخوتي إذا كنت أقرّ بدهشتي ؛ لكن يشهد علي المسيح الرحوم، أنّي أنظر إلى هؤلاء الناس كحجارة إن هم أصمّوا آذانهم عن هذه الأمور. كيف يمكن التكلّم بوضوح أكثر حتى مع الصم؟ بوسعنا أن نقرأ في هذا المزمور آلام المسيح بالوضوح الذي نقرأه في الإنجيل، على الرغم من أنه كُتب، لا أعلم بكم من السنين قبل أن يولد المسيح من العذراء مريم : كان هو الرسول الذي بشر بالديان الآتي. فلنقرأه، إذا ، بقدر ما يُتيحُ الوقت المتبقي لنا ، لا بقدر ما يبتغيه ألمُنا، بل كما سبق أن قلت، بقدر ما تتيحه لنا الساعة المتقدّمة.

3- «إلهي، إلهي انظر إليّ، لماذا تركتني؟» (22: 1). إنها الكلمات نفسها التي سمعناها على الصليب، عندما صرخ يسوع: إيلوي! إيلوي! » أي إلهي ، إلهي ! لما شبقتني؟ أي لماذا تركتني؟ نقل الإنجيلي هذه الكلمات وقال إنّ الربّ صرخ بالعبرانية: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟». ماذا كان يُريد الربّ أن يقول ؟ فالله لم يتركه، لأنه هو الله، وابن الله هو هو الله، وكلمة الله هو الله. لنستمع، في فصله الأوّل،

 

الله . من هو إلى ذلك الإنجيلي الذي كان متكنّا على حضن يسوع، ويفيض من فيض ما غرفه قلبه (راجع يوحنا ۱۳ : ۲۳)؛ لنَر إذا كان يسوع قال : في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا ١ : ١) ، إنّ الكلمة الذي كان الله صار جسدا ليحل بيننا». ذاك الكلمة الذي كان الله وصار جسدا، هو الذي قال وهو مسمر على الصليب: «إلهي، إلهي لماذا تركتني؟ ما الفائدة من مثل هذا الكلام، لو لم نكن نحن أنفُسُنا المسمّرين على الصليب، ولو لم تكن الكنيسة هي جسد المسيح؟ أفسُس ١: ٢٣). لِمَ القول: «إلهي، إلهي، انظر إلي أفتكون تركتني ؟ إن لم يكن لحت انتباهنا، والقول لنا بشكل من الأشكال : عنّي يتكلّم هذا المزمور» صراخ آثامي يُبعد عني الخلاص. أيّ خطيئة اقترف ذاك الذي قيل عنه : «إنّه لم يصنع خطيئة ولم يوجد في فمه مكر»؟ (۱) بطرس ٢ (٢٢. كيف يسعه أن يقول : «آثامي» إن لم يكن يتوسّل مغفرة خطايانا وشاء أن تصير خطايانا خطاياه، لكي يصير بره برنا؟ ،

– «إلهي، في النهار أدعو فلا تستجيب، وأدعوك في الليل، فلا جهالة لي» (٢١): (٤) . هكذا يتكلّم عن نفسه، وعنكم وعنّي؛ لأنه كان يتكلم باسم جسده السري الذي الكنيسة. إلا إذا اعتقدتم، يا إخوتي، أن الرب كان يخشى أن يموت عندما قال: يا ربّ، إذا كان مستطاعا، فلتعبر عنى هذه الكأس منّى :۲٦ : ۳۹. ما الجندي بأفضل من القائد حسب العبد أن يكون مثل سيّدِه) متّى ١٠ : ٢٥). على أنّ القديس بولس، ذاك الجندي البطل لدى الملك يسوع، هتف قائلا : أشعرُ أنّي محصورٌ من الجانبين، إذ لي رغبة أن أنحلّ من قيود الجسد لأكون مع المسيح فيليبي ۱ (۲۳) هل سيبتغي الموت ليكون مع المسيح، إذا كان المسيح نفسُه يخشى أن يموت؟ مذا يعني هو ذلك غير أنه

٢٠٤

عظات في المزامير – الجزء الأول (١-٣٦)

كان يحمِلُ سُقمَنا في جسده، وأنّه تكلّم على هذا النحو باسم المؤمنين

المسيح، إذا كان المسيح نفسه يخشى أن يموت؟ مذا يعني 202 of 616

٢٠٤

عظات في المزامير – الجزء الأول (١-٣٦)

هو لخلاصهم، سمع حسبك كان يحمِلُ سُقمنا في جسده، وأنّه تكلّم على هذا النحو باسم المؤمنين الذين سبق أن التحموا بجسده السرّيّ، وما زالوا يخشون الموت؟ من هنا أنّ هذا الدعاء هو دعاء الأعضاء لا الرأس. وهذا ما تعنيه عبارة ««إلهي، في النهار أدعو فلا تستجيب». كثيرون يدعون الربّ في الضيق ولا يُستجابون؛ وذلك إنما لا لأنهم جهلة. سأل بولس أن يُخلَّص من مهماز الجسد، فلم يُستَجَب؛ لكنّه هذا الجواب : لأنَّ نعمتي ، القوّة تكمل في الوهن» (۲ قورنتس ۱۲ : ۹). إذًا، لم يستجب له الله؛ وهذا الرفض الذي لم يَصِمْهُ بالجهالة، درّبه على الحكمة ؛ لأنّ على المرء أن يُدرك أن الله طبيب، وأن الضيق دواء لشفائنا، لا عقاب يؤدي بنا إلى الدينونة من أجل برئكم، يُستعمل الكي والبتر فتصرخون ويُصمّ الطبيب أذنيه عن آلامكم ورغباتكم، وهدفه الأوحد شفاؤكم.

وأنت الساكن في قُدسِك، مجدا لإسرائيل» (٢١: ٤). تسكن في الذين قدّستهم والذين أفهمتهم أنك إذا كنت لا تستجيب سؤلهم، فذلك لخير الذين يدعونك، وأنك إن استجبت آخرين فلهلاكهم . لخير بولس ردَّ الله دعاء بولس، ولخزي إبليس استجاب الله دعاء إبليس . سأله أن يُجرِّب أيوب، فكان له ما سأل (أيوب ١ : ١١). وسأل جوق الشياطين أن يدخل في الخنازير، فسمح له يسوع (متى ٨: ٣١). وهكذا استجيب إبليس، ولم يُستجب بولس. إبليس استجيب لخزيه، وبولس لم يُستَجَب لخير خلاصه لا لكي تصمني بالجهالة، فأنت مجد إسرائيل، الساكنُ في قُدسِك. لِمَ لا تستجيب حتى أخصاءَك؟ لكن لِمَ أقول هذا؟ تذكَّروا أن تقولوا، في كل حين، أمام حشد الجموع، وكثيرون جاؤوا وما اعتادوا أن يأتوا : «الشكر الله» . أقول، إذًا، للجميع ، إنّ الضيق للمسيحي امتحان لا يُحوّله عن الربّ.

هي، عندما يكون الإنسان في سعادة خارجية يكون المسيحي في تخلّ داخلي. أضرمت النارُ في التنور، وتنور الصائغ رمز لسر عظيم. فيه الذهب، وفيه القش، وفيه النار التي تعمل في مكان ضيق. النار هي أما فعلها فمختلِفٌ جدًا : تُحوّلُ القش إلى رماد، وتُصفّي الذهب من شوائبه وأولئك الذين يسكن الربّ فيهم يصقلهم الضيق، وكالذهب يختبرون . قد يطلب عدونا إبليس أحدهم ويحصل عليه من الله؛ أما المسيحي، سواءٌ ابتلي بالمرض الجسدي، أو بخسارة الخيرات، أو بموت الأقرباء، فإنّه يُبقي قلبه بين يدي ذلك الذي لا يتخلّى عنه، ولا يبدو أنّه يُصِمٌ أذنيه عن ألمه إلا ليُصغي إلى دعائه بالرحمة. إنّ الذي خلقنا ، يعرف ما عليه أن يعمل، ويعرف كيف يُعزّينا ويُشدّدنا . إنه لبناء ماهر ذاك الذي رفع البنيان، وهو يعرف كيف يُصلح ما خرب منه .

إسمعوا أيضًا ما قال النبي : عليك توكل آباؤنا ، توكلوا فنجيتهم . (٢١ : (٥) لأننا قرأنا الكتب عرفنا كم من الآباء نجى الله، ولأن شعب إسرائيل توكّل عليه، خلّص من مصر شعب إسرائيل كله (خروج ١٢ : ٥١). ونجى الشبّان الثلاثة من نار الأتون (راجع دانيال ۳)، ونجى دانيال من جب الأسود (راجع) دانيال ١٤)، وسوسنة من شهادة الزور (راجع دانيال (۱۳) جميعُهم ،دعوه، وجميعُهم خُلِّصوا . فهل ابنه إلى درجة ألّا يستجيب إليه على الصليب؟ لماذا لم يُخلَّص على الفور ذاك الذي قال : عليك توكل آباؤنا ، توكلوا فنجيتهم»؟ أخلف مع

– «أما أنا فدودة أرض لا إنسان (۲۱: ۷). دودة أرض لا إنسان. الإنسان أيضًا ،دودة، لكن هذا الإنسان دودةٌ لا إنسان. لِمَ ليس إنسانا؟ لأنه إله. لماذا اتضع إلى درجة أن يُسمي نفسه دودة؟ أليس لأنّ

هو الدودة تولد من الجسدِ بلحظة عين كما وُلِد المسيح من العذراء مريم؟ هل هو دودة؟ على أي حال فهو ليس بإنسان. لماذا دودة؟ – لأنه مائت، ولأنه من لحم ،وُلِد ولأنّه وُلِد من عذراء من غير زرع رجُل . لماذا ليس هو بإنسان؟ لأنّ الكلمة كان في البدء، والكلمة كان في الله ، والكلمة كان الله (يوحنا ١ : ١).

– أنا عار عند البشر ورذالةٌ في رعاع الشعب» (۲۱: ۷). أنظروا كم تألّم. ولكي تستمعوا إلى توجيه الصادق، تأمّلوا أولا آلامه قبل رواية الآلام، ثمّ فكروا لأي كابدها . ما هي ثمرة آلامه؟ سبب آباؤنا توكلوا عليه فخُلِّصوا من مصر. وكما قلت : كثيرون غيرهم دعوه، ولم يتأخر في إنقاذهم وهم في هذه الدنيا، من دون أن ينتظر الحياة الأبدية. وأيوب نفسه الذي سُلَّم إلى الشيطان الذي طلب نفسه، فكان فريسة القروح والديدان أيوب ۱ (۱۱) سيستعيد صحته وهو بعد حي، وثروات ضعف ما كان له من قبلُ (أيوب ٤٢: ١٠). أمّا المخلّص فقد جُلِد، ولا مُعين ؛ بصقوا على وجهه، ولا معين؛ صفع ولا معين ؛ رفع على الصليب ولا مُنقذ فصرخ: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» (متى (۲۷)، ولا مُعين. لماذا إذا يا إخوتي؟ لِمَ هذا كله؟ ما ثواب كلّ تلك الآلام؟ كلّ ما قاساه كان فدية. ماذا كان يشتري بثمن هذا القدر من الآلام ؟ لنتلُ المزمور ونر ما يتضمن. لنر أولا ما الذي كابده ثمّ لماذا كابده؛ ولندرِك كم هم أولئك الذين يعترفون بالآلام التي قاساها ويسلبونه الثمن. لنستمع إلى ذلك كله في المزمور، ولنر ما الذي عاناه ولأيّ أحفظوا هاتين النقطتين : ما الذي عاناه ولماذا ؟ والآن أشرح ما الذي عاناه، ولا أطيل، فكلمات المزمور أفصح من شرحي تأملوا، أيها المسيحيون، ما عاناه الربّ : إنّه عار عند البشر ورذالة في رعاع الشعب». بوسعه أن أعداء المسيح، سبب .

۹ – كل الذين يبصرونني يستهزئون بي، يتكلمون بشفاههم ويهزّون رؤوسهم» (۲۱ (۸) توكل على الربّ، فلينجه الربّ، ولينقذه، إن كان عزيزا عليه (۲۱ (۹) لكن، لماذا تكلّم اليهود هكذا؟ – ذاك لأنّ المسيح صار إنسانًا، فعاملوه كإنسان.

١٠ – لأنك أنت أخرجتني من بطن أمّي» (٢١ : ١٠). هل كانوا ليقولوا ما قالوه على الكلمة الذي كان في البدء، الكلمة الذي كان هو الله ؟ لكن ذاك الكلمة الذي به كلّ شيءٍ كان ما كان ليُخرج من الحشا الوالدي إلا لأنّ الكلمة صار جسدًا، وحلّ بيننا . «لأنك أخرجتني من بطن أمي، انت إلهي منذ أن اغتذيت من الثدي». أنت، من قبل الدهور أبي، لكنّك منذ أن اغتذيتُ من الثدي، إلهي. ۱۱ – من حشا أمّي، أُلقِيتُ على ذراعيك» (۲۱: ١١)، لكي تكون متكلي الوحيد هو الإنسان الإنسان في ضعفه، الكلمة الصائر جسدا، يتكلم ويقول : من بطن أمي أنت إلهي». لست إلهي من ذاتك أنت أبي ؛ وأنت إلهي منذ أن حللتُ في أمي . لا تتباعد عني فقد اقترب الضيق ولا معين لي» (٢١: ١٢). أنظُروا كيف تُرِك. فويلٌ لنا إن تركنا، ولا معين لنا . ۱۳ – «أحاطت بي عجولٌ لا عدَّ لها وثيران كثيرة طوقتني» (۲۱ : ١٣). هذا هو الشعب، وهؤلاء هم الرؤساء. الشعب أي العجول التي لا عد لها، والرؤساء أي الثيران القوية. ١٤ – أغاروا عليّ وفتحوا أفواههم أسدًا مفترسة زائرة» (۲۱ : ١٤). إسمعوا الزئير في الإنجيل : إصلبه اصلبه!» (يوحنا ١٩ : ٦). كالماء انسكبتُ وتفككت جميع عظامي» (٢١: ١٥). يدعو عظاما التلاميذ الأشداء، لأنّ العظام تصنع صلابة الأجساد. متى ذاتك ؛ حشا من ۱۲ –

١٤) . إسمعوا الزئير في الإنجيل : «إصلبة ! ملية (يوحنا ١٩ : ٦).

15- كالماء انسكبتُ وتفكّكت جميع عظامي 616 of 206 يدعو عظاما التلاميذ الأشداء، لأنّ العظام تصنع صلابة الاجساد. متى –

– تفككت تلك العظام؟ عندما قال لهم: «ها أنا أرسلكم خرافًا بين ذئاب متى ١٠ : ١٦ لوقا ۱۰ : ۳ . إذا ، فكك تلاميذه الأشداء، وكالماء انسكب المياه المنسكبة تغسلُ وتُروي؛ والمسيح انسكب كالماء، لكي يغسل رجسَنا ويُروي نفوسنا . ذاب كالشمع قلبي، ذاب في وسط أحشائي. هي كنيسته التي يُسمّيها أحشاءه. كيف صار كالشمع قلبه؟ – قلبه هو الكتاب المقدس، أي الحكمة المدوّنة في الكتب المقدَّسة. كان الكتاب سفرًا مُغلَقًا ، لا يُدركه عقل؛ سُمّر الربّ على الصليب، فانجلى السفر وصار كالشمع الذائب، وتمكنت من فهمه العقول البسيطة. من هنا أنّ حجاب الهيكل انشق (متى ٢٧: ٥١)، وانجلى ما كان محتجبًا .

١٦ يبست كالخزف (قوّتي (۲۱) : (١٦). تعبير رائع للقول بأن اشتد بآلامي. فكما أنّ الخزف يكون ليّنا قبل أن يمر في النار، اسمي وصلبًا عندما يخرج منها ، كذلك اسم الربّ المزدرى قبل الآلام، خرج من الآلام ممجدا . ولساني لصق بحلقي». لما كان اللسان لا يصلح إلا للكلام، فإنّ المخلّص يدعو المبشّرين لسانه، وقد التصقوا بحنكه ليستقوا الحكمة من مناهلها العميقة الخفيّة. وإلى تراب الموت أحدرتني».

۱۷ – ها قد أحاطت زمرة كلاب وعصابة من الأشرار بي أحدقت بي. لاحظوا أيضًا ما يقوله الإنجيل : «ثقبوا يدي ورجلي». إذ ذاك انفتحت جراح وضع فيها إصبعه تلميذ غير مؤمن. قال: «إن لم أضع إصبعي في جُرح المسامير، لا أؤمن، فقال له يسوع: «هاتِ إصبعك وضعها في يدي، وكن مؤمنا لا غير مؤمن» فوضع إصبعه في الجرح وهتف: «ربّي وإلهي». فقال له آمنت ، يسوع : لأنك رأيتني

 

طوبي للذين لم يروا وآمنوا . (يوحنا ۲۰ : ٢٥- ٢٨). «ثقبوا يدي ورجلي .

۱۸ – «أحصوا كلَّ عظامي (۲۱) : (۱۸)، عندما كان ممددا على

الصليب. لا تعبير أفضل من تمديد الجسم على الصليب للقول:

أحصوا كل عظامي».

١٩ – «نظروا إليّ وتفرّسوا فيَّ (۲۱) : (۱۹). تفرّسوا، لكنّهم لم يفهموا ؛ نظروا ولم يروا كانت الأعين ترى الجسد، لكن قلوبهم لم تكن ترتفع إلى الكلمة اقتسموا ثيابي ثيابه هي الأسرار لاحظوا يا إخوتي أن ثيابه أو أسراره، كان يُمكن أن تقسمها الهرطقة؛ لكن، كان هناك لباس لا يقوى أحدٌ على قسمتِه . وعلى لباسي اقترعوا». يقول الإنجيلي: «وكان الرداء غير مخيط منسوجًا كله من فوق» (يوحنّا ۱۹ : ۲۳). رداء نسجته السماء، نسجه الآب، ونسجه الروح القدس. فأي رداء هو غير رداء المحبّة التي لا تنقسم؟ وأي رداء غير الوحدة؟ اقترعوا عليه لأنه لا ينقسم تمكّن الهراطقة من قسمة الأسرار، لا المحبّة عجزوا عن قسمتها فتراجعوا وبقيت في كمال وحدتها . أعطتها القرعة نصيبا للبعض ؛ ومن كانت نصيبه، صار في أمان؛ لأنّ أحدا لا يقوى على طرحه خارج الكنيسة الجامعة؛ وإذا بدأ يحظى بها إنسان من الخارج، أُدخل الكنيسة كما أدخلت الحمامة غصن الزيتون (تكوين : ۱۱).

٢٠ – الأجل الجميع، يا ربّ لا تُقص عنّي معونتك» (۲۱ : ۲۰) . هكذا كان، فأقامه الله في اليوم الثالث. «أسرع إلى نُصرَتي». أنقذ من السيف نفسي (۲۱) ۲۱)؛ أي أنقذها من الموت بالسيف، يقصد النبي الموت. ومن يد الكلاب وحيدتي». ۲۱

تلك النفس، تلك الوحيدة، هي نفسُه وجسده؛ هي كنيسته التي يدعوها «وحيدة». من يد الكلاب أي من سلطان الكلاب. ومن هم الكلاب؟ – إنّهم أولئك الذين ينبحون مثل الكلاب، من دون أن يعرفوا على من يُغيرون . ليس من يتحرّش بهم، وينبحون. ماذا يفعل للكلب عابر سبيل؟ ومع ذلك ينبح الكلب عليه من نبح بلا سبب وبلا تبصر ، ومن دون أن يعرف على من ينبح ولا حقا ولأتي سبب، فهو كلب

۲۲ – «خلصني من فم الأسد» (۲۱) : ٢٢). تعرفون ذلك «الأسد الزائر الذي يجول حولنا ملتمِسًا من يفترِسُه» (۱ بطرس ٥: ٨) «أغث تواضعي من قرن الثور الوحشي لا يدعو ثيرانا وحشية سوى المتكبرين؛ لهذا قال: «أغث تواضعي».

۲۳ – سمعتم ما هي ، الآلام التي كابدها المسيح، والصلوات التي رفعها لكي يُنجى منها . لنتأمل الآن لماذا تألّم. لكن انظروا أولا، يا إخوتي، ما الفائدة من حمل اسم المسيح عندما لا يكون لنا نصيب في ذلك الميراث الذي من أجله تألّم المسيح؟ سمعنا ما عاناه من آلام: أحصوا عظامه، استهزأوا به اقتسموا ثيابه اقترعوا على ردائه، فككوا عظامه. هذا ما يُخبرنا به المزمور، وما نقرأه في الإنجيل . لنر لماذا . أيها المسيح ابن الله ما كنت لتتألّم لو لم تُرِدْ، فأظهر لنا ثمرة آلامك. يُجيب المسيح إسمعوا ما هي الثمرة فأنا لا أُخفيها؛ لكن الإنسان أصم أذنيه عن كلماتي. إسمعوا جيدا ما هي تلك الثمرة التي اشتريتها بآلامي. سأبشر باسمِك إخوتي». ولنر إن كان لا يُبشِّر باسم الرب إخوته إلا في جزء من العالم. سأبشر باسمك إخوتي، وفي وسط الجماعة أسبّحُك» (۲۱) (۲۳) . وهذا ما يتحقق الآن. لكن، لنر من هي تلك الجماعة. لنر، إذًا الجماعة، أي الكنيسة التي من أجلها تألّم.

٢٤ – «يا أتقياء الربّ سبّحوه (۲۱ : (٢٤) كنيسة المسيح موجودة في كل مكان يُتَّقى الربّ فيه ويُبارك فانظروا يا إخوتي، إذا لم يكن ثمة، اليوم، مغزى في ترنيمة الـ «آمين» والـ هللويا» التي يتردد صداها في كل الأرض. ألا يُتّقى الله فيها؟ ألا يُبارك الربّ فيها؟ ها إِنّ دوناتس (١) يبلغ به الأمر أن يقول لنا : لا اتقاء بعد، والعالم بأسره فني . وهو على ضلال في قوله : العالم بأسره ؛ أفَلم يبق سوى قسم ضئيل من أفريقيا؟ ألا يقول المسيح كلمة فيقفل أفواه أولئك المبشرين؟ أما لديه كلمة ليقتلع ألسنتهم؟ لعلنا نجدها إذا بحثنا عنها. عندما يكون على المسيح أن يبارك الله في وسط الجماعة، فهو يتكلّم عن كنيستنا . «يا أتقياء الرب سبحوه . لنر ما إذا كان خصومنا يُسبحون الرب لكي نتأكد إذا كان يتكلّم عنهم ، وإذا كان يُبارك في كنيستهم. كيف يُبارك المسيح أولئك الذين يُبشرون بأنه خسر الأرض كلها وأن إبليس أخذها منه، ولم يبقَ له إلا جزءٌ منها؟ ولنر أيضًا ما يقوله المزمور ويُفسّره بوضوح كلّي، فلا يبقى لدينا أي شك : ويا ذرّيّة يعقوب كلها، مجدوه». لعلهم يدعون بأنّهم أيضًا ذرّيّة يعقوب. فلنر إذا كانوا حقا تلك الذرية.

٢٥ – ولتقه ذريّة إسرائيل كلُّها» (٢١: ٢٥). وليقولوا أيضًا إنّهم ذرية إسرائيل، ونحن نسمح لهم أن يقولوا . فإنّه لم يزدر ولم يردل سؤل البائسين». أي بائسين؟ – أولئك الذين لم يعتدوا قط بأنفسهم.

(1) هو دوناتس الكبير (Donatus Magnus توفّي في العام ٣٥٥، كان أسقفًا، وانشق عن كنيسة أفريقيا الشمالية في العام ،۳۰۵ بعد أن رفض أن يقبل في شركة الكنيسة الجامعة المسيحيين الذين سلّموا الوثنيين الأواني والكتب المقدسة أثناء اضطهاد ديو قليسيانس حرمه البابا ملتيادس ومجمعا روما وآرل Arles. تمرد على أثر الحرم، وقاد حربًا أهلية أدمت أفريقيا على عهد قسطنطين وخلفائه، إلى حين اجتياح الفاندال الذين اضطهدوا الدوناتيين والكاثوليك على حد سواء.

لنحكم إذا كانوا بائسين أولئك الذين يقولون : «نحنُ أبرار»، فيما يسوع المسيح نفسه يقول : صراخ آثامي يُبعد عني خلاصك» (۲۱: ۲). لكن، فليقولوا ما يحلو لهم . لم يحجب وجهه عني، وعندما استغثت به استجابني» (۲۱) : (٢٥) . بم استجابه، ولأي سبب؟

، ، هي هي ٢٦ – «أنت غاية تسبحتي) (۲۱: (٢٦). يضع مجده في الله لكي يُعلّمنا ألا نعتد بالإنسان. فليقولوا أيضًا ما يشاؤون ها قد بدأوا يشعرون بلهب النار التي تدنو : «لأنّ أحدًا لا يقوى على تفادي حرّها» (مزمور ۱۸ : ۷). وليقولوا أيضًا لا ولا نعتد بأنفسنا، فبالله نفتخر ؛ وليقولوا أيضًا : «أرنّم بتسبيحك في الجماعة العظيمة». يبدو لي هنا أن المسيح يلمس قلوبهم ما هي يا إخوتي الكنيسة العظيمة؟ أندعو كنيسة عظيمة ناحية من الأرض؟ الكنيسة العظيمة الكون بأسره. أيُريد أحد أن يُكذِّبَ المسيح؟ ها هي كلماتك أيها المسيح : سأرتم بتسبيحك في كنيسة عظيمة»؛ بالله، قل لنا ما تلك الكنيسة؟ لقد انحصرت في ركن من أفريقيا وخسرت العالم بأسره؛ بذلت دمك عن الجميع، لكن العدوّ اجتاح مُلكَك إذا تكلّمنا هكذا، يا إخوتي، فكأننا نستجوبه، لأننا نعرف جوابه. ولنفترض أننا نجهل ما يقول، ألن يكون جوابه: انتظروا، سأتكلم بما يُزيل كلّ شكّ؟ فلنسمع ما سيقولُه. أما أنا فأردت أن أقول كلمتي ولا أترك للناس حرّيّة تفسير كلام المسيح عن كنيسة عظيمة». وتأتي فتقول لي أنه محصور في أحد طرفيها؟ ويجرؤون أيضًا فيقولون لنا : جماعتُنا عظيمة»، فما قولكم في باغاي وتاموغادي نوميديا وحدها كنيسة عظيمة . . (۲)؟ وإذا لم يعد لدى المسيح أي كلمة ليُخزيهم، قالوا إن

(۲) باغای و تا موغادی ،مدينتان من أعمال نوميديا في الجزائر

۲۷ – لنر بعد، ولنستمع إلى المسيح يقول: «إني سأوفي بنذوري أمام الذين يتقونه (۲۱) (٢٦ ما هي نذور المسيح؟ – إنّها الذبيحة التي قدمها الله . أتعرفون أية ذبيحة؟ المؤمنون يعرفون النذور التي أوفاها المسيح أمام الذين كانوا يتقونه. وإليكم التتمة: «سيأكل البائسون ويشبعون (۲۱ (۲۷) فطوبى لهؤلاء البائسين الذين يأكلون هكذا ليشبعوا ! إذا ، البائسون يأكلون. أما الأغنياء، فلا يشبعون لأنهم غيرُ جائعين. سيأكل البائسون. كان بائسًا ذاك الصياد بطرس، وبائسا كان يوحنّا ، الصياد الآخر، وكذاك كان يعقوب أخوه (متى ٤ : ١٨ ، ٢١)، وحتى العشار متى (۹ (۹) بائسين كانوا جميع الآخرين الذين أشبعوا، لأنّهم تألّموا مثل الضحية التي أكلوها . ذاك أنّ المسيح قدم آلامه مثلما قدم الولائم، ومن يتألّم مثله سوف يشبع. البائسون يقتدون به، لأنهم يتألمون ليسيروا على خطى يسوع المسيح. «هؤلاء البائسون سيأكلون». وكيف يكونون بائسين؟ – لأنّ ملتمسي الربّ يُسبّحونَه» (۲۱ : ۲۷). الأغنياء يمتدحون أنفُسَهم، أما البائسون فالرب يسبحون . فكيف يكونون بائسين؟ – لأنهم يُباركون الربّ، ويطلبون الربّ، والرب كثر البائسين من هنا أنّ بيتهم قفر وقلبهم يفيض بالغنى. فليجهد الغني في ملء خزائنه ؛ حَسْبُ البائس أن يملأ قلبه. وعندما تغتني قلوب الذين يطلبون الربّ يُباركونه ذاك، يا إخوتي، مصدر غنى هؤلاء البائسين الحقيقيين؛ كنوزهم لا تحتويها خزائن ولا أهراء ولا أقبية «قلوبهم تحيا إلى الأبد».

٢٨ – إسمعوني، إذًا . لقد تألّم الربّ، واحتمل الربّ كلّ ما سمعتُم وسعينا إلى معرفة الغاية آلامه، فشرع يقول: «سأبشر باسمك إخوتي، وفي وسط الجماعة أسبّحُك» (۲۱ : ۲۳). فأجابوا : نح تلك الجماعة ؛ فلت هيه ذرّيّة اسـائيا ) (۲۱: ۲۵)، فأجابها: من

نحن ذرّيّة إسرائيل ؛ «لم يزدرِ ولم يسترذل سؤل البائسين» (٢١: ٢٥)، فقالوا : نحن أولئك البائسون؛ «لم يحجب وجهه عني» (٢١: ٢٥): ربنا يسوع المسيح لم يُشح بوجهه عن ذاتِه أي عن جسده الذي هو الكنيسة ؛ «لك تسبيحي (٢١: (٢٦)، وأنتم تُسبحون أنفسكم. فيجيبون : ولكننا نسبحه هو أيضًا. سأوفي بنذوري أمام أتقيائه» (۲۱) : ٢٦): يعرف المؤمنون أنّ ذبيحة جسده ذبيحة سلام وذبيحة محبّة، وليس بوسعنا اليوم أن نستفيض في هذا الموضوع. «سأوفي بنذوري أمام أتقيائه» (٢١ : (٢٦) كلوا أيها الكتبة كلوا أيها الخطأة، كُلوا، اقتدوا بالرب، تألموا، وستُشبَعون الربّ نفسه مات، والبائسون بدورهم يموتون، ويأتي موت التلاميذ ليكمل موت المعلم. لماذا؟ ما الجدوى؟ «تتذكر الربَّ جميع أقطار الأرض وإليه يرجعون» (٢١: ۲۸). واأسفاه يا إخوتي ! لماذا نتساءل عما نردّ به على دوناتس؟ فهذا المزمور الذي نقرأه هنا اليوم، يُقرأ اليوم أيضًا عندهم. فلنحفره على جباهنا، ولنمش معَه ، ولا نترك راحةً للساننا، ولنردد بلا انقطاع: لقد تألم الربّ، وهوذا التاجر الإلهي يُبين لنا ما الذي اشتراه بثمن دمه المراق. كان يحمل الثمن في صُرّةٍ إلهيّة، واندلقت الصرة بضربة رمح آثم، وخرجت منها فديةُ العالم بأسره. أي قول تأتيني به أيها الهرطوقي؟ أليس هذا ثمنًا للكون بأسره؟ أفتكون أفريقيا وحدها هي المفتداة؟ لن تجرؤ على قول هذا ستقول : الكون بأسره افتدي، لكنّه اختلس من المسيح . فمن هو ذاك المختلس الذي سلب المسيح ما كان مُلكًا له؟ «ها إنّ جميع أقطار الأرض ستتذكر الربّ وترجع إليه». حسبك، إذًا، هذا الكلام فلو انّه قيل: «أقطار الأرض»، لا «جميع أقطار الأرض»، لكان أن يُجيبونا : إن لنا في موريتانيا أقطار الأرض تلك. لكنَّه قال، أيها الهراطقة: أقطار الأرض». بوسعهم جميع

2:41

الارض

تلك . لكنه قال،

الهراطقه: «جميع افطار الارض».

‏213 of 616

ألقيت في احتفالات الآلام

۲۹ – الأسئلة؟ الجدوى من الفرار، ولم يبق أمامك سوى الباب لكي تدخل. على أنني أريدُ يا إخوتي أن أفتح جدالا، لئلا يُحمل خطابي على غير محمله فاسمعوا المزمور واقرأوه. تألّم المسيح، وسُفك دمه : هوذا الفادي، وهي ذي الفِدْيَة. فليخبروني من هو المُفتدى. ولم السؤال ما دام بوسعهم أن يُجيبوني : أيها الجاهل ما بين يديك كتاب، وفي الكتاب ثمن الفدية والمفتدى فاقرأ فيه ستتذكّر الربَّ جميع أقطار الأرض وإليه يرجعون». أجل، ستتذكره جميع أقطار الأرض. لكن الهراطقة نشوه، ولهذا يُقرأ لهم كلّ عام أتظنّون أنهم يُصغون عندما يتلو القارئ: استتذكر الرب جميع أقطار الأرض وإليه يرجعون؟ لكن، ربما لم تكن سوى آية واحدة، وكنتم شاردي ،الذهن أو تتكلمون مع جاركم لدى قراءتها . فإليكم كيف يُكرّرُها ، ويُرغم الصُّمَّ على أن يسمعوا : «وأمام وجهه يسجد جميع أمم الأرض، ويعبدونه». ما زال أصم لا فلنطرق مجددًا . فإنّ للربّ المُلكَ وهو يسود على الأمم» (۲۱: ۲۹). إحفظوا جيدا، إخوتي هذه الآيات الثلاث. اليوم، يُرنّمونها هم أيضًا في كنائسهم، إن لم يكونوا قد محَوْها. أما أنا، فإنّي في غاية الذهول، وفي غاية السخط ، لرؤيتي مثل هذا الصمم وقساوة القلب، ويتملكني الشك أحيانًا في أمر وجود هذه الآيات في كتبهم. اليوم، جميع المؤمنين يتهافتون إلى الكنيسة . اليوم جميعهم يُصغون بانتباه إلى قراءة هذا المزمور. وجميعُهم حائرون متردّدون لدى قراءته. لكن، ولو انهم كانوا شاردي الذهن، أفلا يوجد غير هذه الآية الوحيدة: «ستتذكر الرب جميع أقطار الأرض وإليه يرجعون؟ تتيقظون وتفركون أعينكم : «وأمام وجهه يسجد أمم الأرض، ويعبدونه». سواء استيقظتم أو يسمع ، جميع

أجل جميعها. فأين تفرّ لتتجنّب هذا الجواب؟ لا سبيل لك إلى

بقيتم في سباتكم، اسمعوا : «للربّ المُلكُ وهو يسود على الأمم».

ماذا بوسعهم من بقيتم في سباتكم، اسمعوا للربّ المُلكُ وهو يسود على الأمم». أن يُجيبوا؟ لست أدري. فلتقم قيامتهم على الكتاب، لا علينا. هذا هو الكتاب الذي يُحاربونه. ما الفائدة من القول: نحن أنقذنا الكتب، ولولانا لأُحرقت؟ لقد أنقذتها من الحريق لكي تُحرقك أيها الهرطوقي. ما الفائدة من إنقاذها؟ افتحها، إذًا، واقرأها. أنقذتها وها أنت تحاربها . لِمَ تُنقذ من النار ما تمحوه بلسانك؟ لا، لا أصدق أنك أنقذتها . لا ! إنّك لم تُنقذها : لا أصدقك . أما جماعتنا نحن، فلها ملء الحق بأن تقول، على العكس، إنك سلّمتها . فمن رفض أن يُنفّذ وصيّةً تُليت عليه، أثبت أنه خائن. تتلى علي فأُذعِن، وتُتلى عليك فتعترض أي يد ألقتها في النار؟ أهي يد الذي يقبلها ويُتمُّها ، أم يدُ الذي يغمره الحزن لأنها ما زالت تتلى؟ لا أريد أن أعرف أنقذ ذلك الكتاب؛ ما همني كيف وُجد وفي أيّ مغارة! إنّها وصيّة أبينا ؛ لا أعرف لا السارقين الذين كانوا يُريدون سلبها، ولا المضطهدين الذين كانوا يريدون إحراقها . ينبغي أن تُتلى أيَّا تكن الجهة التي وصلتنا منها. لم التنازع؟ نحن إخوة، فما جدوى النزاع؟ لم يمت والدنا من دون أن يترك وصيّة. كتب وصية ومات. وبعد موته قام . نتازع إرث ميت طالما لم تُعلن الوصية؛ وعندما تُعلن، يخرس الجميع، إلى أن تُفتح وتُقرأ يُصغي القاضي بانتباه، ويصمت المدافعون، ويفرض المُباشرون السكوت، ويقف الحضور خاشعين مفسحين المجال لتتلى وصيّة المتوفّى الجاثم في قبره بلا حراك. الرجل ممدد تحت اللحد بلا حياة غير أنّ لوصيّته قيمة : أفتعترضون أنتم على وصية يسوع المسيح الجالس على عرش السماء؟ إفتحوا إذًا، ولنقرأ . نحن إخوة، فعلامَ الصراع ؟ لنكن مسالمين، فأبونا لم يتركنا بلا وصيّة. وكاتب الوصية حي إلى الأبد، ويسمع أصواتنا، ويعرف صوت متقيه .

من لا معي لنقرأ، إذا؛ فأي جدوى من الصراع؟ لنضع يدنا على الميراث عندما نجده. إفتحوا الوصيّة واقرأوا واحدًا من أوائل المزامير : «سلني» (۲ : ). ولكن من هو المتكلّم؟ وفي المكان نفسه تقرأون : «قال لي الربّ : أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك) (۲) : ( أفيكون ابن الله هو المتكلّم، أم أن الآب هو الذي يُكلّم ابنه؟ وماذا يقول لذلك الإبن؟ «سلني فأعطيك الأمم ميرانا، وأقاصي الأرض ملكًا لك» (۲ : ۸). حين نختصم في حقل، يا إخوتي، غالبًا ما نستعلم من المالكين المجاورين، ونستفسر من هذا وذاك من الجيران ونطلب الوارث الذي آل إليه أو اشتراه . فلدى أي جيران نستعلم؟ لدى أصحاب أملاك مجاورة. أمّا حدود الميراثه، فلا يُحيط به أي جار ،والحال، فإنك أني اتجهت، فالمسيح هو صاحب الملك. أقاصي الأرض ملك لك : هلم، إذًا، واملك الأرض كلها. لماذا ترفع علي دعوى تدعوني فيها إلى القسمة؟ تعال إليّ، فخير لك أن تخسر دعواك، لأنك ستحظى بالميراث كله. أي شأن لك في النزاع؟ أأقرأ لك الوصية ولا تنفك تنازعني؟ أتُعارضُني في أنّه يقول: جميع أقطار العالم، ولا يقول أقطار العالم»؟ فلنقرأ جيدًا. ماذا قرأنا؟ ستتذكر الرب جميع أقطار الأرض وإليه يرجعون. وأمام وجهه يسجد جميع أمم الأرض، ويعبدونه. للربّ الملك وهو يسود على الأمم». فله الملك، إذا ، لا لكم . فاعترفوا بالربّ سيّدًا وبميراث الربّ مُلكًا .

٣١ – وأنتم أيضًا، إنّما تملكون مساكنكم يا أيها الذين تبتغون نصيبا خاصا بكم ولا ترغبون في أن تملكوا معنا في وحدة المسيح، لأنكم تبتغون أن تسودوا على الأرض، لا أن تملكوا معه في السماء . سعينا إليهم أحيانًا يا إخوتي لنقول لهم : أطلبوا الحقيقة، فلنبحث عن الحقيقة. فأجابونا : إحفظوا ما لديكم ؛ لك نعاجك ولي نعاجي؛

يعني دع نعاجي بسلام، كما أدع نعاجك بسلام. أشكر الله على أنّ لي نعاجي وله نعاجه، فما الذي افتداه المسيح إذًا؟ ليتها لا تكون لا لي ولا لك تلك النعاج، بل للذي ،افتداها وللذي ختمها بطابعه ! «فلا الغارس بشيء ولا الساقي، بل المنمّي وهو الله (۱) قورنتس ۳ (۷) لماذا، إذًا، تكون لي نعاجي ولك نعاجُك؟ إذا كان المسيح معك، فلتذهب نعاجي أيضًا، لأنها ليست لي ؛ وإذا كان المسيح معي، فلتأتِ نعاجك أيضًا، لأنها ليست لك فلتدخل ميراثها وهي تُقبّل جباهنا وأيدينا، وليتوار الأبناء الغرباء تلك النعاج لا تخصني، يقول، فماذا ذلك؟ لنر إن كانت لا تخصك، لنر إن كنت لا تُطالب بملكيتها . أنا أعمل باسم المسيح، وأنت باسم دوناتس؛ لأنك إن كنت للمسيح تعمل، فإنّ المسيح في كلّ مكان تقول: إنّ المسيح ههنا» (متى ٢٤ : ۲۳)، وأنا أقول إنّ المسيح في كلّ مكان . أيها البنون، سبحوا الربّ، باركوا اسم الربّ» (مزمور (۱۱۲ (۲) من أين يأتي هذا التسبيح؟ وإلى أين يتجه؟ من مشرق الشمس إلى مغربها ، سبحوا اسم الربّ» (۱۱۲ : . هي ذي الكنيسة التي أدلك عليها . وذاك هو ما اشتراه المسيح وما افتداه، ولأجله بذل دمه. أما أنت فماذا تقول؟ من أجله أيضًا أجمع. يُجيبك المسيح : من لا يجمع معي فهو يُفرّق» (متى ۱۲ : ۳۰). والحال، فإنك تقسم الوحدة، وتريد لك نصيبا لوحدك. فلم تحمل اسم المسيح؟ لأنك زعمتَ أنّ الاسم عنوان يضمن لك الملكية. أليس هذا ما يعمله كثيرون بشأن بيوتهم؟ لكي يؤمنَها سيدها جشعَ اللص الجبّار يجعلها تحت اسم رجل آخر جبّار، أي تحت اسم مزوّر. يبتغي أن يمتلك بيته، ولكي يضمن ملكيته، يكتب على واجهته اسما مستعارًا، حتى إذا قرأ غاصب اسم رجل جبار في العالم، نزل به الرعب وامتنع عن أي عنف. هذا ما فعله مهرطقونا عندما أدانوا –

المكسيميانتين(۳). قصدوا القضاة ولكي يُبرهنوا عن ألقابهم كأساقفة، تلوا قوانين مجمعِهم. فسأل القاضي: هل يوجد هنا أي أسقف من أتباع دوناتس؟ فأجابت الجماعة لا نعترف إلا بأوريليوس الكاثوليكي. وخوفًا من القانون لم يأتوا إلا على ذكر اسم أسقف واحد. لكن لكي يدفعوا القاضي للاستماع إليهم، استعاروا اسم المسيح، وتحت ستار اسمه أخفوا ملكيتهم. ليغفر لهم الله بواسع رحمته، وليُطالب بميراثه حيثما وُجِد اسمه . إن رحمته لواسعة، لكي يُسبغ عليهم هذه النعمة ولكي يُعيد إلى الكنيسة كل الذين يلتقيهم، ويحملون اسم المسيح. أنظروا يا إخوتي : ألا سيد مدوّنا فوق ملكية، أن يُطالب بها بقوله : لو لم تكن تخصني، لما حملت اسمي؟ أرى اسمي عليها، فالملك لي. كل ملكية تحمل اسمي، تخصني . هل يحدث أن يُغيّر اسمه؟ اسم الماضي اسم اليوم. قد يتغيّر صاحب الميراث ولكن اسم الميراث لا يتغير. كذلك، عندما يعود الذين اقتبلوا معموديّة المسيح إلى الوحدة، فإننا لا تغيّر الأسماء ولا نمحوها؛ لكننا نعترف باسم ملكنا، وباسم يهتم یری اسمه هو سيدنا

(۳) المكسيميانيون فرقة منشقة عن بدعة دوناتُس. التحقوا بمكسيميان تلميذ دوناتس الذي كان يُمثل الدوناتيين المتشددين في المدن الرومانية البونية والساحل التونسي؛ فيما كان خصمه بريميانس، أسقف قرطاجة الدوناتي، رئيس النوميديين. سعى بريميانس هذا إلى تحريض شيوخ كنيسته ضد خصمه، فرفضوا . فما كان منه إلا أن حرم مكسيميانس. وبدوره، دعا مكسيميانس إلى مجمع في العام ۳۹۲، أدان بريميانس ونصب مكسيميانس مكانه. وفي السنة التالية، برأ بريميانس مجمع آخر عُقد في سيبارسوسًا . وفي العام ٣٩٤، عقد ثالث في باغاي، جنوبي نوميديا، حضره ثلاثمائة وعشرة أساقفة دوناتيين أعلنوا فيه مكسيميانس واثني عشر من أتباعه منشقين وأقصوهم عن الشركة وبعد أن استتب الأمر لبريميانس، بفضل مؤازرة السلطة الرومانية، توصل إلى كم أفواه أتباع مكسيميانس . مجمع

 

ماذا نقول؟ أيها الميراث المنكوب كن مُلكَ من تحمل اسمه. إنّك تحمل اسم المسيح، فلا تكن ميراث دوناتس . ٣٢ – توسعنا كثيرًا في موضوعنا يا إخوتي . لكن حذارِ أن تنسوا ما قرأناه . أكرّر وأقول وعليّ أن أقول في كل حين: حذار أن تنسوا . باسم هذا اليوم المقدّس، أو بالأحرى باسم الأسرار التي نحتفل بها فيه، أتوسل إليكم ألّا تنسوا هذه الكلمات : ستتذكر الرب جميع الأرض وإليه يرجعون. وأمام وجهه يسجد جميع أمم الأرض، ويعبدونه . للربّ الملكُ وهو يسود على الأمم». أمام صلّ حقيقي واضح بملكية المسيح ، سدّوا آذانكم عن كلام المغتصب. هذا الكلام هو كلام الله وكلّ ما يُخالفه، إنما هو كلام إنسان. أقطار

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى