سلاما اترك لكم

 

“سلاماً أترك لكم” (يو ؛ ۱ : ۲۷)

العالم يعطي سلاماً ، ولكن أي سلام هو ومن أي طبيعة ؟

فالعالم أول كل شيء متغير ومتقلقل وبالنهاية زائل ، هذا هو أساس طبيعة العالم ، وهو يبثها في صميم طبيعة سلامه الذي يعطيه لأولاد العالم . فيستحيل على العالم استحالة قاطعة أن يعطي سلاماً دائماً أو هدوءاً مستمراً أو اطمئناناً كاملاً ، فبعد سلامه حرب لا محالة ، وبعد هدوئه اضطراب ، وبعد اطمئنانه انزعاج وكدر .

أما سلام الله ، فسلامه قائم دائم أبدي لا يمكن أن تزعزعه كل كوارث الأرض ونوائبها . فالسلام الذي يعطيه الله هو كالله ومن طبيعة الله يستمد صفاته ، فهو سلام أبوي نابع من أبوة واحدة لكافة الناس . لذلك فإن سلام الله لا يلغي الضيق بل يسود عليه ، ويأخذ من صميم الحزن عظة تزيده سلاماً على سلام .

سلام الله لا يتجاوز التجارب كأنها حقنة مخدر ، بل يحلل التجارب إلى أسبابها ومسبباتها ، ويمتص منها عافية جديدة فيتقوى السلام في التجربة وبعد التجربة .

سلام الله لا يتجاوز المكان ، كان الأرض موضع الشقاء فقط والسماء للسلام ؛ بل بروح التجلي يری بنو السلام أن الأرض كالسماء تماماً طالما أن الله معنا وفينا.

سلام الله لا يتجاوز الزمان ، كان الحياة هنا على الأرض كُتب عليها الشقاء ، وقد حُجز السلام للحياة الأخرى .. أبدا ، فالسلام الحقيقي أصبح من صميم طبيعة هذه الحياة الدنيا لأن رئيس السلام هو حياتنا على الأرض كما هو حياتنا في السماء.

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى