تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 11 للقمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الحادي عشر
الإيمان

يعتبر هذا الأصحاح تطبيقًا عمليًا من واقع رجال العهد القديم المؤمنين، فبعد أن تحدث الرسول عن السيد المسيح كرئيس الكهنة الذي فتح الأقداس السماوية، مقارنًا بين خدمة الكهنوت اللاوي والكهنوت الجديد، يؤكد ضرورة الإيمان كطريق للتمتع بهذه المقادس السماوية المفتوحة للبشرية كلها في المسيح يسوع.

1. ما هو الإيمان؟ ١ – ٣.

وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى. 

فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ [١-٢].

الإيمان هو الثقة بالمقدسات الإلهية غير المنظورة كحقائق واقعة وحاضرة، فيحيا الإنسان في يقين من جهة الأمور غير المنظورة ولا ملموسة بالحواس.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الإيمان هو رؤية واضحة للأمور وتأكد كامل من جهة غير المنظورات كأنها من المنظورات.] كما يقول: [سأوضح الأمر بأمثلة… فقد قال الرب أن من يترك أبًا أو أمًا أو إخوة أو أخوات يصير له أباء وأمهات، فنرى ذلك القول أنه يتحقق فعلاً. وأيضًا إذ يقول: “في العالم يكون ضيق لكن ثقوا (افرحوا) أنا قد غلبت العالم” (يو ١٦: ٣٣)، بمعنى أنه لا يغلبك أحد، هذا يدركه (المؤمن) أنه حقيقة واقعة. وأيضًا عندما يقول أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (مت ١٦: ١٨) حتى وإن كانت مُضطهدة، وأنه لا يستطيع أحد أن يوقف الكرازة، يدرك أن هذه النبوة حقيقة واقعة مع أن هذا قيل في وقت كان يصعب فيها تصديقها.] بالإيمان قبلنا وصايا الله الصعبة ومواعيده التي يبرهن على صدقها لا بكلمات وإنما بخبرة عملية عند ممارستها. بالإيمان نسلكها ونتقبل مواعيدها التي تبدو غير معقولة لكننا نكتشف صدقها خلال الخبرة. لهذا [يتطلب الإيمان نفسًا نشطة ومملوءة غيرة، تسمو فوق الأمور الحسية وتعبر فوق كل تعقلات بشرية، فإنه لا يمكن أن تصير مؤمنة إن لم ترتفع فوق العادات العامة التي للعالم.]

ولما كان الرسول يتحدث إلى مسيحيين من أصل عبراني لهذا قال: “فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ” [٢]؛ وكأنه يقول لهم إن هذا الأمر ليس بغريبٍ عنكم، فقد اختبره آباؤكم. تاريخهم العبراني هو خير شاهد لحياة الإيمان. كأن الرسول يضع أمامهم أسفار العهد القديم ليتصفح معهم حياة الإيمان كما عاشتها كنيسة العهد القديم.

لقد بدأ العهد القديم بإعلان الله كخالق “بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ [٣]. فإن رجال العهد الجديد لا يستطيعوا أن يتقبلوا السيد المسيح “كلمة الله المتجسد” كمخلص ومجدد طبيعتهم الداخلية بروحه القدوس، ما لم يتقبلوا الأساس الأول أن الله هو الخالق بكلمته. فالكلمة الذي يخلق هو وحده يقدر أن يجدد الخلقة بعد أن فسدت.

يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [الله صالح، أو بالحري الصلاح في جوهره… خلق كل شيء من العدم بكلمته الذاتية، يسوع المسيح ربنا.] وبه أيضًا جدد الخلقة وخلصها ويرى أيضًا في هذه العبارة الرسولية أن الله هو الخالق ليس من يبلغ قياسه، كائن قبل كل الدهور، به جاء الزمن.

2. رجال الإيمان ٤ – ١٢.

ينتقل من الأساس الأول للإيمان بكلمة الله الخالق الأزلي، إلى أمثلة عملية لرجاء الإيمان في العهد القديم، وكأن إيمان الكنيسة ما هو إلاَّ امتداد لرجال الكنيسة الأولى قبل التجسد. ولعله ذكر هذه الأمثال لأن الرسول بولس – كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم – أراد أن يعلن لهم أن العبرانيين قد بدأوا حياتهم مع الله بالإيمان خلال أشكال مختلفة، لكن للأسف كملوا في ضعف بقلوب فاترة في الإيمان.

وقد لاحظ القديس أثناسيوس الرسولي الذي قضى أغلب حياته الرعوية في جهاد من أجل الإيمان المستقيم، وغالبًا ما كان يضطر أن يترك كرسيه ويهرب من الأريوسيين الذين صمموا على قتله، أن الجهاد من أجل الإيمان لا يقل عن الاستشهاد. وأن رجال الإيمان الذين ذكرهم الرسول هنا غالبيتهم لم يستشهدوا لكنهم عاشوا رجال إيمان. يقول القديس: [لا تقوم تزكية الشهيد على مجرد رفضه للتبخير للأوثان وإنما على رفضه إنكار الإيمان، فإن هذا يمثل شهادة واضحة عن الضمير الصالح. هذا ولا يُدان فقط الذين ينجرفون إلى عبادة الأوثان كغرباء وإنما يُدان أيضًا الذين يخونوا الإيمان.] كما يمتدح الإيمان قائلاً: [إبراهيم الأب البطريرك قد قبل الإكليل ليس لأنه تألم حتى الموت، وإنما لأنه آمن بالله، وأيضًا القديسون الذين ذكرهم بولس من جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والبقية لم يتكملوا بسفك دمائهم، إنما تبرروا بالإيمان، إذ كانوا مستعدين أن يحتملوا الموت من أجل التقوى نحو الله.]

قدم بولس الرسول الأمثلة التالية من عظماء المؤمنين والمؤمنات:

أ. هابيل

إنه المثل الأول لرجال الإيمان، لا يقوم على أساس حياته الخاصة وإنما يقول الرسول: “بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ! [٤] لقد شهد الله ببره ليس لأفضلية حياته أو أعماله الخاصة عما لقايين، وإنما لأفضلية ذبيحته عن قرابين قايين. لقد قدم قايين من ثمرات الأرض قربانًا، لكن الله اشتم رائحة الرضا في الذبيحة الدموية التي لهابيل. كانت تحمل رائحة السيد المسيح على الصليب وظلالها. هذا هو أساس إيماننا أن كلمة الله الخالق يجددنا نحن خليقته خلال الدم الثمين، فنقدم حياتنا ذبيحة حب خلال إتحادنا بالذبيح الحق، بهذا نصير كهابيل الذي صار هو نفسه كذبيحة وهو مرفوض من أخيه.

كأن الرسول يحدث المسيحيين العبرانيين المطرودين من الهيكل، أنهم قد صاروا كهابيل المرفوض من أخيه من أجل الذبيحة المقبولة لدى الله الآب، ذبيحة السيد المسيح. لهذا وإن حاول إخوتهم أن ينهوا حياتهم لكن صوتهم يبقى مدويًا، وشهادتهم لا يمكن كتمانها بالموت، ولا للزمن أن يحطمها. لا يزال صوت هابيل عاليًا يعلن عن قبول الله ذبيحته الدموية، ويبقى صوت المؤمنين المرذولين والمضطهدين صارخًا يشهد للحق بغير انقطاع.

ب. أخنوخ:

“بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ – إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ [٥]. إن كان هابيل بإيمانه أعلن عن سرّ ذبيحة المسيح المقبولة عنده، وقبولنا الموت معه كل يوم، فإن حياة أخنوخ حملت بالإيمان صورة حية للكنيسة السماوية الفائقة، والتي تعلو فوق الحياة البشرية الطبيعية، تشهد لسيرتها أمام العالم، لهذا ينقلها الرب إليه لتحيا معه شريكة في أمجاده. يقول الرسول: “فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده”.

بالإيمان نتمتع بالحياة السماوية كأعضاء في كنيسة الله المقبولة لدى عريسها، “وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ [٦].

ليت قلبنا يكون بحق كأخنوخ يؤمن بالله فيُنقل إلى فوق لينتظر المجازاة للذين يطلبونه، التي هي بحق اقتناء ربنا يسوع. هذه هي مكافأة النفس التي تطلبه… إنها تناله وتوجد معه في سماواته وأمجاده الأبدية في حضن الآب السماوي.

ج. نوح:

إن كان هابيل يعلن في إيمانه الذبيحة الفريدة التي لا تصمت قط عن الشهادة للحق فينا، وأخنوخ يمثل الكنيسة المرتفعة إلى عريسها لكي تحيا في السماويات عبر وجودها بالجسد على الأرض، فإن نوحًا يمثل إيمانه إدانة العالم الذي رفض الدخول في الفلك، فإنه لا خلاص خارج الفلك، ولا تمتع بالحياة الجديدة إلى خلال مياه المعمودية. “بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ ]. إن كانت الكنيسة تمتع بالخلاص في الصليب كما في فلك نوح وسط مياه المعمودية، فإن هذا الخلاص إنما يدين العالم.

لقد اعتاد الآباء أن يقيموا الكنيسة غالبًا على شكل فلك نوح علامة العبور من العالم القديم إلى الحياة الجديدة… وقد سبق لنا الحديث في شيء من التفصيل عن الكنيسة وعلاقتها بفلك نوح، مستندًا على كتابات الآباء الأولين.

د. إبراهيم: 

قدم كل أب من الآباء جانبًا من جوانب الإيمان، هابيل قدم الجانب الإلهي وهو تقديم الذبيحة المقدسة، أي تقديم حمل الله، وأخنوخ كشف عن طبيعة الكنيسة المؤمنة ألا وهو الجانب السماوي، ونوح أعلن أنه لا خلاص خارج الكنيسة المقدسة، أما إبراهيم فقدم الجانب العملي للإيمان وهو الطاعة لله بجانب جوانب متفاعلة معًا. لقد آمن إبراهيم أب الآباء عمليًا فترك الملموسات والمنظورات في ثقة في وعود الله التي لم تكن ملموسة ولا منظورة. يقول الرسول: “بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ [٨-١٠]. لقد أطاع أن يخرج الذي كان عتيدًا أن يتمتع بالميراث، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب. الإيمان هو الذي قاده! لم يسمع من قبل عن أمثلة إيمانية حيَّة يقتدي بها إلاَّ ما قد تسلمه بالتقليد عن هابيل وأخنوخ ونوح، ليس بين يديه كتاب مقدس ولا شريعة مستلمة ولا من يرشده أو نبي أو كاهن، لكن الإيمان أنار له الطريق؛ وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان أبوه أمميًا وعابد وثن، ولم يسمع أنبياء ولا عرف أين يذهب.] بالإيمان لم ينل أرض موعد، لكنه وثق أن نسله يرث الأرض التي يسير عليها كغريبٍ هو وابنه إسحق وحفيده يعقوب، وكان غير مضطرب وبلا هم، متأكدًا من تحقيق مواعيد الله في الأجيال القادمة الخارجة من صلبه.

ه. سارة:

كما قدم لنا الرسول رجال إيمان هكذا يقدم لنا أمثلة حية لنساء مؤمنات مثل سارة التي تمثل الكنيسة المؤمنة بالله واهب القيامة. “بِالإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضًا أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقًا. لِذَلِكَ وُلِدَ أَيْضًا مِنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِنْ مُمَاتٍ، مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ [١١-١٢].

إن كان رجال الإيمان قد ابتدأوا بهابيل الصديق ليعلن الوحي الإلهي ذبيحة السيد المسيح التي لن تصمت بل تبقى عاملة عبر الأجيال، فإن النساء المؤمنات يبتدئن بسارة الأم المباركة التي كانت في حكم الموت، كانت أحشاؤها عاقرًا غير قادرة على الإنجاب ويؤكد موتها شيخوختها! لقد نالت بالإيمان قوة القيامة لتنجب من الأحشاء الميتة أولادًا لله مثل نجوم السماء ورمل شاطيء البحر الذي لا يُعد! لقد قال القديس يوحنا المعمدان لليهود: “لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا، لأني أقول لكم ان الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم” (مت ٣: ٩). هذا القول لم يكن حديث مبالغة فقد أقام الله بالفعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم، إذ كانت أحشاء سارة أشبه بالحجارة التي لا تنجب، في حكم الجماد من جهة إمكانية الإنجاب، وبالإيمان وهبها الله أن يقيم لها من الحجارة أولادًا لإبراهيم. هذا هو إيمان سارة في قيامة السيد المسيح الذي بقيامته أقام من الحجارة أولادًا لإبراهيم ولا يزال يقيم! لقد كان آباؤنا من الأمم كالحجارة إذ يعبدون الوثن الحجري، وتحولوا إلى أولاد إبراهيم بل أولاد الله! لقد حوَّل الإيمان القلوب الحجرية إلى أولاد الله الحيّ!

3. الإيمان بالوطن السماوي ١٣ – ١٥.

إذ طُرد المؤمنون من الهيكل اليهودي وحرموا من ممارسة العبادة الجماعية مع إخوتهم، فإن الرسول يرفع أعينهم إلى هيكل آخر سماوي وعبادة على مستوى ملائكي، ليدركوا أن ما فقدوه من منظورات لا يقارن أمام ما يتمتعون به في عالم غير المنظورات. هذا ليس بأمر خيالي، إنما هو حياة إيمانية تمثل امتدادًا للحياة التي عاشها آباؤهم، محتملين الحرمان من الكثير، لينعموا بالمواعيد السماوية. يقول الرسول: “فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا. فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً [١٣-١٦].

هكذا يؤكد الرسول أن رجال العهد القديم، ليس كما يظن البعض قد وضعوا رجاءهم في مواعيد زمنية، وإنما رأوا الوطن السماوي والمواعيد الأبدية مختفية وراء المواعيد الزمنية. لقد تطلعوا بالإيمان إلى وعود الله الأبدية فصدقوها بالإيمان وحيّوها بالعمل الجاد للتمتع بها ولهيب قلبهم الذي لا ينقطع في الشوق إليها. لقد أحسوا أمام هذه الوعود أنهم بحق هم غرباء ينتظرون العبور إلى وطنهم السماوي للتمتع بها، ليس من أمر زمني – مهما كانت قدرته – يستحق أن يسحب القلب إلى الوراء نحو الأرضيات. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حقًا كانوا في أوجاع الطلق كل يوم، مشتاقين إلى التحرر من هذا العالم ليرجعوا إلى وطنهم. أما نحن فعلى العكس متى أصابتنا حمى نهمل كل شيء ونبكي كأطفالٍ صغار خائفين من الموت. لسنا بلا سبب نفعل هذا، فإننا إذ لا نعيش هنا كغرباء ولا نسرع نحو وطننا نكون كمن يذهب لينال العقوبة لهذا نحزن. إننا لا نسلك كما ينبغي لكننا نقلب الأوضاع رأسًا على عقب. نحزن حينما يليق الفرح، ونرتجف كالمجرمين ورؤساء العصابات عندما يُقدمون إلى كرسي القضاء، متذكرين ما ارتكبوه فيخافون ويرتعبون.]

يشتهي رجال الإيمان وطنهم السماوي، لهذا يُسر الله بهم، فيدعى إلههم لأنه أعد لهم المدينة السماوية التي فيها يجتمعون معه ويسكن هو في وسطهم إلى الأبد، يفرح بأولاده ويفرحون بأبيهم السماوي. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [آه! يا لعظم الكرامة! لقد وهبهم أن يدعى إلههم… فإنه يتمجد عندما يدعى إلها للصالحين والمترفقين والذين يهتمون بالفضيلة.] لقد سبق في دراستنا للعهد القديم أن رأينا الله يعتز بنسب نفسه إلهًا للمباركين ولا ينسب نفسه إلهًا للأشرار مع أنه إله الكل! ويحسب الشعب “شعبه” حينما يكون مقدسًا، أما عند صنعه الشر فلا يدعوه “شعبي” بل “الشعب” أو “شعبك” (شعب موسى).

4. رجال الإيمان (يتبع) ١٦ – ٣٩.

إذ قطع الرسول حديثه عن أمثلة من رجال الإيمان ليؤكد غايتهم وهو التمتع بالوطن السماوي عاد ليعطي أمثلة من رجال ونساء العهد القديم:

أ. إبراهيم:

عاد الرسول يتحدث عن إبراهيم ليعلن إيمانه العجيب في مواعيد الله التي وُهبت له والتي جاءت كأنها متضاربة مع الأوامر الإلهية الصادرة إليه. لقد أعطاه الله وعدًا أن يبارك إسحق ابنه ليقيم منه نسلاً بلا عدد، وفي نفس الوقت يطلب إليه تقديم هذا الابن الوحيد والحبيب ابن الموعد ذبيحة. بالإيمان قبل أبونا إبراهيم الوعد بثقة وأطاع الأمر بغير اضطراب أو شك. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [سمع إبراهيم ما يضاد المواعيد من ذاك الذي وهبه إياها، ومع هذا لم يضطرب بل نفذ الأمر غير المنسجم مع المواعيد. حقًا طبقًا للحسابات البشرية الأمر غير منسجم مع المواعيد، لكن بالإيمان تظهر منسجمة معًا. كيف حدث هذا؟ لقد علمنا الرسول نفسه هذا بقوله: “حاسبًا أن الله قادر على إقامته من الأموات“، وذلك بذات الإيمان الذي كان له بأن الله يهبه (إسحق) مما لم يكن ويقيمه من الموت (إذ وهبه إياه خلال رحم سارة الميت فأقامه من العدم ووهبه حياة عوض الموت). لقد آمن أيضًا أنه سيقيمه بعد تقديمه ذبيحة. طبقًا للحسابات البشرية الأمران مستحيلان: أي إنجاب طفل من رحم ميت عقيم ومتقدم في الأيام، وإقامة إنسان ذبيح. إيمانه السابق قد أعد الطريق للأمور المقبلة.]

يعلق القديس أثناسيوس الرسولي على إيمان إبراهيم أب الآباء في تقديمه إسحق للرب قائلاً: [في تقديم ابنه تعبد لابن الله، إذ مع تقديم إسحق ذبيحة رأى المسيا في الكبش (تك ٢٢: ١٥) الذي قُدم ذبيحة لله عوضًا عنه، لقد جُرب الأب البطريرك في إسحق، لكنه على أي الأحوال لم يقدم ذبيحة من عيّن ذبيحة في إشعياء: “كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه” (إش ٥٣: ٧)… لقد قبل الله إرادة (نية) مقدم الذبيحة لكنه منع الذبح، لأنه ما كان موت إسحق يقدر أن يهب للعالم الحرية وإنما هو موت المخلص وحده الذي َبِحُبُرِهِ شُفِينَا (إش ٥٣: ٥).]

هكذا بالإيمان قدم إبراهيم ابنه ذبيحة حب لله فرأى في الحمل الموثق بقرنيه صورة الفداء في حمل الله الذي يحمل خطية العالم. هذا ومن جانب آخر رأى في إسحق نفسه أيضًا صورة حية لعمل المسيح الفدائي، وقد اعتادت الكنيسة في كل خميس للعهد إذ تذكر تأسيس سرّ الإفخارستيا، تصلي بقسمة “ذبح إسحق” كرمز لذبيحة السيد المسيح على الصليب.

ب. إسحق:

“بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ عَتِيدَةٍ [٢٠]. بارك إسحق المتغرب ابنيه يعقوب وعيسو ناظرًا إلى الأمور المستقبلة بوضوح. فقد قدّم ابنه يعقوب عن عيسو البكر جسديًا، لأن الأول قد صار في عيني الله بكرًا، مع أنه حسب الجسد هو الثاني. لقد حمل بهذا رمزًا لما هو عتيد أن يحدث فإن يسوع المسيح، آدم الثاني، صار بكرًا للبشرية وخسر آدم الأول البكورية، لأن آدم بعد سقوطه لم يكن قادرًا أن يرضي الله، أما رب المجد يسوع فهو موضع سرور الآب، فيه ننعم برضا الآب ويسر الآب بنا.

ج. يعقوب:

“بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ [٢١]. عندما بارك ابني يوسف وضع يعقوب يمينه على رأس الأصغر (إفرايم) ويساره على رأس الأكبر (منسي)، فصارت يداه أثناء تقديم البركة على شكل صليب، الأمر الذي أحزن قلب والدهما يوسف وحاول تصحيح الوضع، لكن يعقوب أصر على موقفه. بهذا وضع يمين البركة على الأصغر إفرايم، وليس على رأس البكر جسديًا منسى… وكأن البكورية لا تعطى حسب الجسد وإنما هي عطية توهب مجانًا لمن يستحقها روحيًا. كأن يعقوب يكرر ما فعله أبوه إسحق حين باركه وهو الأصغر. ومن ناحية أخرى أعلن أبونا يعقوب أن كل بركة روحية تحل علينا إنما هي خلال علامة الصليب وكما يتحدث القديس هيبوليتس عن فاعلية الصليب وبركته فينا: [الصليب هو سلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماوية ارتفعت من الأرض حتى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة… وتضم معًا أنواعًا مختلفة من الطبيعة البشرية.]

أما سجوده على رأس عصاه فكان إشارة إلى سجوده للصليب.

د. يوسف:

“بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ [٢٢]. سمع يوسف الوعد الإلهي لجده إبراهيم فآمن أن الله لن يترك شعبه متغربًا، لهذا بالإيمان أوصى بعظامه عند الخروج إعلانًا عن شوقه للدخول إلى مواعيد الله خلال عظامه اليابسة. كان يوسف في مصر يعيش في مجدٍ، بكونه الرجل الثاني بعد فرعون، لكن القصر لم يشغله عن الوعد الإلهي، مشتركًا بالإيمان مع الشعب في الخروج خلال النية، كرمز للخروج من عبودية الخطية إلى الحياة الجديدة في المسيا المخلص.

ه. والدا موسى:

“بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ [٢٣]. لم ينسَ الرسول عند حديثه عن موسى النبي كرجل إيمان عظيم أن يبرز أولاً إيمان والديه. لقد قدم الرسول لنا والدين كمثالٍ بين أمثلة الإيمان حتى ندرك خطورة دور الأسرة في الحياة الإيمانية وعمل الوالدين الجسديين مع الأب الروحي في تهيئة الأجيال المؤمنة بحق. هذا أيضًا أبرزه الرسول حين كتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول له: “أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي، ولكن موقن أنه فيك أيضًا” (٢ تي ١: ٥).

لقد ظهر إيمان والدي موسى في إخفائهما الطفل ثلاثة أشهر، “لأنهما رأيا الصبي جميلاً“، وكما يقول الشماس اسطفانوس: “كان جميلاً جدًا”. ماذا رأيا في وجهه إلاَّ انعكاس مجد السيد المسيح المقام من الأموات. فقد كان الطفل تحت حكم الموت، لأن فرعون طلب قتل كل الأطفال الذكور، لكن الوالدين استبقياه بإيمان أن جمالاً داخليًا يكمن فيه. لقد بقى ثلاثة شهور، ونحن نعلم أن رقم ٣ يشير إلى القيامة (حيث قام السيد في اليوم الثالث)، ليظهر بعد الشهور الثلاثة على وجه المياه، مقدسًا المياه لتهب المؤمن قوة القيامة معه.

لقد كان موسى جميلاً في أعينهما، لذا احتفظا به ثلاثة أشهر، وهكذا بالإيمان نحمل في داخلنا لا موسى بل ربه، مدركين أنه “أبرع جمالاً من بني البشرية”، نخفيه فينا ثلاثة أشهر حتى ننعم بالقيامة معه، فلا نوجد محمولين على مياه النهر بل على البحر الزجاجي في أورشليم العليا.

و. موسى

“بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية…” [٢٤]. يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة، قائلاً: [إذ وُضعت السماء أمام موسى صار الإعجاب بقصر مصري أمرًا تافهًا… لقد حسب العار من أجل المسيح أفضل من الحياة السهلة، وهذا في ذاته يحمل مكافأة… لقد ألقى موسى بنفسه في مخاطر كثيرة بمحض اختياره في الوقت الذي كان في إمكانه أن يعيش متدينًا وهو يتمتع بالخيرات…، لكنه حسبه خطية ألاَّ يكون مستعدًا لاحتمال الآلام مع الغير، فصار احتماله للآلام خيرًا عظيمًا، ملقيًا بنفسه فيها تاركًا القصر الملكي. لقد فعل هذا لأنه رأى أمامه أمورًا عظيمة، حاسبًا عار المسيح أفضل من خزائن مصر.]

بالإيمان ترك موسى مصر غير خائف من غضب الملك، لقد هرب أولاً خائفًا من الملك لكي لا يجرب الرب وسط المخاطر بلا هدف، وعندما دُعي للعمل أطاع وعاد ليواجه فرعون بلا خوف. 

بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْح،َ وَرَشَّ الدَّم،َ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ” [٢٨]. لقد قام موسى بهذا العمل بكونه رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي، أي الفصح الحقيقي الذي عبر بنا من عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، وقد سبق لنا الحديث عن ذلك بشيءٍ من التوسع في دراستنا لسفر الخروج.

بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا [٢٩]. هنا يقارن شعبًا بشعبٍ، فقد قاد موسى الشعب كله بالإيمان ليجتازوا البحر كيابسة. إن كان موسى بشعبه يمثل مملكة الله التي ينفتح لها الطريق خلال مياه المعمودية، فإن فرعون بجيشه يمثل مملكة إبليس التي تتحطم خلال نفس مياه المعمودية. في المعمودية تقوم مملكة السماوات فينا وتتحطم مملكة إبليس ولا يكون لها موضع فينا.

ز. يشوع:

“بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا، بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ [٣٠]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بالتأكيد لا تستطيع أصوات الأبواق أن تسقط الحجارة (التي للأسوار)… لكن الإيمان يقدر أن يفعل كل شيء.]

ط. راحاب الزانية:

بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ [٣١].ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك، قائلاً: 

[من العار أن تظهر في عدم إيمان أكثر من زانية!

لقد سمعت ما رواه الرجلان وآمنت!

وكانت النتيجة هلاك الكل بينما حُفظت وحدها من الهلاك.

لم تقل في نفسها: أني أبقى مع أصدقائي الكثيرين،

ولا قالت: هل أنا أكثر حكمة من هؤلاء الرجال العقلاء الذين لا يؤمنون، وأنا أؤمن؟!

لم تقل شيئًا من هذا بل آمنت بما سيحدث وما سيعانيه (الكنعانيون).]

انتقل الرسول من الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى يوسف فموسى كأول قائد للشعب ثم تلميذه يشوع الذي دخل بالشعب أرض الموعد، وهنا يتوقف أمام امرأة زانية غريبة الجنس “راحاب” نالت ما لم يستطع كثير من العبرانيين أن ينالوه، فقد استحقت أن تُحسب في نسب السيد المسيح (مت ١: ٥)، ثم يبلغ بنا إلى رجال إيمان من القضاة مثل جدعون وباراق وشمشون ويفتاح، والملوك مثل داود، والأنبياء كصموئيل. هكذا يجول بهم خلال كل تاريخهم ليقدم أمثلة من كل حقبة فقد وُجد شهود حق لله حتى في أحلك العصور.

انتقل الرسول من أمثلة رجال ونساء للإيمان إلى أمثلة للأعمال الإيمانية منها:

* قهر المالك بالإيمان.

* صنع البرّ.

* نوال المواعيد.

* سد أفواه الأسود.

* إطفاء قوة النار.

* النجاة من حد السيف.

* نوال قوة من ضعف.

* التشدد في الحرب.

* أخذت نساء أمواتهن بقيامة كما فعلت الأرملة مع إيليا النبي. 

* احتمال العذاب ورفض النجاة الزمنية من أجل نوال قيامة أفضل.

* الدخول في تجارب من هزء وجلد وقيود وحبس.

* احتمال الموت من نشر وقتل بالسيف.

* الطواف في جلود غنم وجلود معزي في عوز مكروبين ومذلين.

هذه مجرد أمثلة حية واقعية لأعمال إيمانية عاشها رجال العهد القديم، ويعيشها المؤمن في العهد الجديد بفهمٍ روحيٍ جديدٍ، فبالمسيح يسوع يقهر المؤمن ممالك إبليس والخطية ومحبة العالم، وبه يمارس البرّ ليحيا كشبه إلهه، وينعم بالمواعيد الإلهية. بالإيمان نسد أفواه أسود الشر والرجاسات التي تود افتراسنا، ونطفئ لهيب الشهوات الجسدية النار الداخلية. بالإيمان بالسيد المسيح ننعم بالنجاة من كل سيف أو سهم شرير، ونتمتع بالقوة بالرغم مما لنا في ذاتنا من ضعف، ونتشدد كجنود روحيين في حربنا ضد العدو غير المنظور. بالإيمان تتقدم النفس كالأرملة التي مات وحيدها، فيقيم مسيحنا النفس الميتة. بالإيمان نحتمل الآلام بفرحٍ ولا نطلب خلاصًا زمنيًا بل المكافأة الأبدية.

في اختصار نردد ما قاله القديس يوحنا الذهبي الفم عما يفعله الإيمان في حياة المؤمنين وما يهبهم من قوة روحية وغلبة: [لو وضعت العالم كله ضدهم، أجدهم راجحين في الميزان، ذوي قيمة عظيمة.] إن كانوا قد عاشوا في عوز ومذلة، لكن “لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ” [37].

تفسير عبرانيين 10 عبرانيين 11  تفسير رسالة العبرانيين
تفسير العهد الجديد تفسير عبرانيين 12
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير عبرانيين 11  تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى