تفسير رسالة يوحنا الأولى أصحاح ١ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
أية 1 :- اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ
الذى كان من البدء = أى الأزلى، الكائن قبل كل الموجودات الذى سمعناه…. = أى تجسد، الله الأزلى غير الزمنى صار زمنياًً، وبعد أن كان غير منظوراً صار منظوراً وتلامسنا معه. وهذه هى نفس بداية إنجيل يوحنا “والكلمة صار جسداً” (يو1: 14).
سمعناه … رأيناه … شاهناه … لمسته أيدينا …
v معرفة يوحنا إختبارية معاشة فهو عاش مع المسيح ثلاث سنين ونصف.
v المعرفة هنا متدرجة فالرؤيا اقوى من السمع والمشاهدة أقوى من الرؤية فالمشاهدة هى نظرة تأملية أى قضاء وقت فى التأمل أما الرؤية فهى نظرة سريعة. أما التلامس فهو أقوى من المشاهدة.
v هل هذه الخبرة قاصرة على يوحنا تلميذ المسيح الذى عايشه سنوات على الأرض ؟ لا فالروح القدس يعطينا نفس الشئ دون أن نرى المسيح بالجسد (يو16: 13-16). وهذا نحصل عليه بالإيمان، الروح القدس يعطينا أن نتلامس مع حقيقة محبته وغفرانه فنقترب اليه بدموعنا كالمرأة الخاطئة نطلب المغفرة. ويعطينا الروح أن نحبه إذ نتلامس مع صفاته، نستمتع به ونشتاق إليه، ونشعر بمجده كما لو كنا رأيناه، بل افضل، فطوبى لمن آمن ولم يرى، بل هناك من رأوه بالجسد ولم يدركوه، فصلبوه، أما الروح فيعطينا أن نعرفه حقيقة، وفى معرفته حياة (يو17: 3).
v يقصد يوحنا بهذا أن المسيح تجسد حقيقة وبالذات بقوله لمسته أيدينا ليرد على الهراطقة الذين قالوا أن جسد المسيح كان جسداً خيالياً (هرطقة الدوسيتيين) وهؤلاء قالوا أن الذى من البدء أى الله الأزلى لم يكن هو يسوع الذى عرفناه. وقول يوحنا هنا يعنى أن جسد المسيح كان جسداً حقيقياً. من جهة كلمة الحياة = قوله من جهة يعنى أن ما أقوله عن الذى كان من البدء الذى سمعناه. . . هذا أقوله عن المسيح كلمة الحياة. هو الكلمة وهو الحى، هو كلمة الله الحى بل هو الحياة أى الذى يعطى حياة للخليقة ويجدد الخليقة التى فسدت وماتت، فأتى ليعطيها حياة ” لى الحياة هى المسيح ” (فى1: 21) المسيح هو الكلمة (يو1: 1). وهو الحياة (يو1: 4). هو كلمة الله الحى الذى كان مع الأب والروح منذ الأزل. وهو كلمة الحياة لأنه ينبوع الحياة لكل بشر. أتى لتكون لنا حياة روحية وأبدية على الأخص. ويوحنا حين سمع و تلامس مع المسيح أدرك أنه أتى ليعطى البشر حياة. ونحن الأن ندرك هذا بالروح القدس. والمسيح تجسد لندرك نحن هذه الحقيقة وتكون لنا هذه الحياة.
أية 2 :-. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا
الحياة اظهرت = المسيح الحياة ظهر فى الجسد ورأيناه ونشهد لكم. هو قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة (يو11: 25). والمسيح تجسد حتى نتمتع بالحياة التى أظهرها، الحياة التى تجلت بشراً. لنستطيع أن نراه وندركه أنه حياة لنفوسنا ومخلصاُ لنا من موتنا الروحى. لقد أماتت الخطية النفس البشرية إذ حجبتها عن الله مصدر حياتها، فجاء الإبن متجسداً واهباً لنا الحياة الأبدية (إذ هو حى للأبد) بعد ان جعلنا من لحمه ومن عظامه (أف5: 30).
ونخبركم بالحياة الأبدية = هى أبدية لأن الحياة التى حصلنا عليها هى المسيح البدى الذى لا يموت. ولكن الحياة الأبدية لا تبدأ هناك فى السماء بعد القيامة، بل تبدأ هنا على الأرض، بالعشرة مع المسيح الآن، نتذوق فيها عربون الحياة التى فوق من فرح وسلام. أما الحياة قبل المسيح، فأحسن تعبير عنها هو ما قاله بولس الرسول “كنت عائشاً قبلاً” (رو7: 9) قال هذا عن الحياة بدون الناموس، وبلا شك تنطبق على الحياة بدون المسيح وتعنى فى اللغة العامية ” أهى عيشة والسلام” فبدون المسيح لا فرح حقيقى ولا سلام حقيقى. هذه الحياة كانت عند الأب. فالله أعطانا حياته الأبدية، فالله هو الحياة الأبدية، والمسيح استعلن لنا هذه الحياة الأبدية فى جسد قيامته. نحن الذين كنا غير مستحقين للمجد الأرضى صار لنا المجد السماوى. وقوله الحياة أظهرت أى أعلنت بمنتهى الوضوح. الله كان فى تخطيطه أن يعطيها للإنسان وها نحن أدركنا هذا فى المسيح الذى أعلن هذا بل أعطانا حياته، فالحياة بدون المسيح هى حياة يصيبها الملل، لذللك يخترع الناس خطايا، وحتى الخطايا بعد وقت تفقد بريقها وتصبح مملة. أما الحياة مع المسيح فلها طعم آخر، بل حتى الألم مع المسيح له طعم آخر، فالشركة مع المسيح لها لذتها سواء فى أفراح أو ألام. وبينما أولاد الله فى فرح بحياتهم مع المسيح حتى فى ألامهم فإن أولاد العالم فى ضيق وملل حتى وسط ملذاتهم.
وقد رأينا ونشهد ونخبركم = يوحنا رأى المسيح وعايشه بالجسد ورأه متجلياً على الجبل ومعه موسى وإيليا، ورأى المسيح قائماً من بين الأموات. وسمع من المسيح أن من يؤمن به ستكون له حياة أبدية، فهو جعلنا أعضاء جسده القائم من الأموات، فمن يثبت فى المسيح سيقوم معه ويكون له مجد فى السماء، وما رأه يوحنا وشاهده يخبر الكل به لنطلب هذه الحياة الأبدية، التى تبدأ بالفرح الكامل هنا (أية 4) وبالمجد الحقيقى فى السماء.
أية 3 :-. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الذى رأيناه وسمعناه = أى المسيح وما أتى به من حياة لنا نخبركم به فكل من اختبر حياة المسيح الأبدية يود لو أخبر بها كل إنسان ليختبر كل إنسان الحياة الابدية ويعيشها. وهذا هو موضوع رسالة يوحنا. لكن نلاحظ أن فى أية 1 قال الذى سمعناه الذى رأيناه… ويقول هنا بترتيب معاكس الذى رأيناه وسمعناه… والسبب أن فى أية 1 يعبر عن خبراته الشخصية المتزايدة المتنامية فى معرفة المسيح، أما فى هذه الآية فهو يقصد أنه بعد أن أختبر المسيح = الذى رأيناه صار لكل ما سمعه من المسيح طعماً جديداً يود أن يقوله لكل إنسان. ولا يستطيع خادم أن يخدم = وسمعناه نخبركم به ما لم يكن له خبرة خاصة فى معرفة المسيح = ورأيناه. هنا نرى أن الحياة المعاشة تتحول إلى شهادة وكرازة. لكى يكون لكم أيضاً شركة معنا = شركة المقصود بها ألفة / صداقة / مودة / محبة / شركة فى هدف واحد وعلى أن تكون بمحبة / مجموعة من الناس تملك شيئاً واحداً والكنيسة هى مجموعة من الناس هم أعضاء فى جسد المسيح الواحد. لنا شركة جميعاً فى جسد المسيح وأما شركتنا نحن فهى مع الأب ومع إبنه يسوع المسيح = هو يدعوهم لكى تكون لهم شركة مع يوحنا وكنيسته. ويقول لهم أنه يوحنا وكنيسته فشركتهم هى مع الآب والإبن. ونلاحظ أنه يدعوهم لهذه الشركة مع الآب والإبن ومع الكنيسة أيضاً. وكل من آمن وإعتمد صار ثابتاً فى الإبن وبالتالى صار إبناً للآب. وبذلك فنحن فى شركة إتحاد مع الإبن وفى شركة بنوة للآب. ونحن فى الإبن والإبن فى الآب وبهذا نصير فى الآب كما فى الإبن (يه 1). ويوحنا يكتب لنا ولكل من يقرأ رسالته لكى يكون لنا معه هذه الشركة مع الآب والإبن. ونشترك معه فى رؤية المسيح وسماع صوته وهذا يكون لنا بالإيمان، وبعمل الروح القدس فينا الذى يشهد للإبن فنراه وندركه مثل يوحنا الذى رآه وسمعه. وقوله شركة يشير إلى أننا لا يمكن أن نتمتع بثمار هذه الشركة أى الفرح الكامل (كما سيأتى فى أية 4) إلا من خلال الكنيسة. ففى الكنيسة نولد من الماء والروح، وفيها نعترف، وفيها نصلى القداس ونحصل على شركة جسد المسيح فى التناول.
ولاحظ أنه يذكر شركة معنا قبل قوله شركة الآب والإبن، لأنه لن يكون لنا شركة مع الآب وإبنه إن لم تكن لنا شركة بعضنا مع بعض فى محبة. ونلاحظ أنه لنا شركة مع الروح القدس (2كو13: 14) ولكنه لا يذكرها هنا فلماذا.
1. التركيز هنا على الهرطقات التى تنكر لاهوت المسيح أو ناسوته، فهو يتكلم عن المسيح ولا يتكلم عن الروح القدس، فالهرطقات التى شككت فى الروح القدس جاءت بعد هذا بمئات السنين.
2. اى شركة لها طرفين، الإنسان والله، والروح القدس هو الذى يحقق الشركة بيننا وبين الله، والروح القدس فينا هو يثبتنا فى المسيح وينقلنا لحضن الأب.
أية 4:- وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً
لكى يكون فرحكم كاملاً = أى لا يوجد داخلكم أى شبهة حزن. وواضح أنه لكى يتم هذا، فالمحبة بين الجميع، الشركة بيننا وبين الله وبين الله وبيننا، يجب أن تتم. وأى خصام مع أحد، لن يكون الفرح كاملاً بسبب هذا. والخطية تضيع ثباتنا فى الإبن فلا تكون لنا شركة معه ولا مع الآب. ومن يعرف المسيح بطريقة صحيحة (فالمعرفة هى من خلال ثباتنا فى المسيح. راجع نقطة 5- وفى المقدمة) أى من يعطيه الروح القدس رؤية حقيقية للمسيح سيكون فرحه كاملاً. ولاحظ أننا فى السماء سنراه كما هو (1يو3: 2) لذلك ففى السماء سيكون فرحنا كاملاً.
إذاً شروط الفرح الكامل:
1. الشركة أى المحبة بيننا بعضنا البعض.
2. الشركة مع الله والثبات فيه وهذا شرطه السلوك بلا خطية. ولاحظ أن الرسول قال فرحكم ولم يقل فرحنا. ففرحة الرسول تكمل حين يراهم وقد آمنوا وفرحوا بالمسيح، وهكذا كل خادم أمين.
3. أن نشرك الله معنا فى كل كبيرة وصغيرة فى حياتنا وهذا يكون بالصلاة وأن نشعر أنه شريك لنا فى كل شئ وبدونه لا نقدر أن نفعل شئ (يو15: 5) فهناك طريقتان لمواجهة المشاكل.
أ. أن نفكر بمفردنا فى الحل فنكتئب إذ لا حل.
ب. نصلى ونشرك الله فنفرح إذ لنا شريك مثل الله.
أية 5 :- وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّة
هناك شركة مع الله فلابد أن نعرف:
1. من هو الذى ندخل معه فى شركة، ماهى طبيعته.
2. ماهى الشروط الواجبة التى يتطلبها الدخول معه فى شركة.
فأول إعلان عن الله هنا أنه نور وليس فيه ظلمة البتة. ولاحظ فالكلام ليس مكرراً. فالنور نسبى فهناك مكان به نور ولكن هناك مكان أقل إستضاءة إذ به بعض الإظلام، كحجرة بها لمبة واحدة وحجرة بها 100 لمبة.
النور = إشارة للصلاح الكامل والجمال الكامل والمعرفة الكاملة فالنور يسقط على كل شئ ويظهره فلا يختفى منه شئ، لذلك قيل عن الله أنه فاحص القلوب والكلى إذ هو يعرف كل شئ. وطالما كل شئ مكشوف فالتصرف سيكون سليماً لذلك فالنور يشير للحكمة الكاملة. وكما أن الشمس هى نور للعين البشرية هكذا نور الله بالنسبة للعين الروحية، فمن يقترب من الله يقترب من النور ويدخل النور حياته فيضئ كيانه فيدرك الله ويعرفه ويعرف إرادته فتكون قرارته سليمة. وتكون له حياة أبدية. وكما قال داود بنورك يارب نعاين النور (مز36: 9) فنحن بالروح القدس نعاين المسيح ونعرفه، وبالروح القدس النور نفهم كلام الكتاب المقدس، وبالروح القدس نعرف محبة الآب. وبالمسيح النور الحقيقى نحصل على الروح القدس ويحل فينا. وبالروح القدس نعرف الحق. وبالمسيح النور عرفنا الآب ورأيناه. فالمسيح هو النور المولود من نور “نور من نور” النور لا شئ مبهم أو مخفى عليه، والمسيح قال “أنا هو نور العالم” والنور إشارة للقداسة والطهارة.
الظلمة = اما الظلمة فتشير للخطية :-
1. فالظلمة حرمان من النور والخطية حرمان من النعمة.
2. السير فى الظلمة يعرض السائر للإنزلاق والسقوط والتعثر، والخطاة عميان عن طريق الخلاص كثيرو الزلل والسقوط.
3. الخطاة كالخفاش يكرهون النور فهو يكشف أعمالهم السيئة (يو3: 19، 20).
4. الخطية تعمى بصيرة صاحبها فتقوده إلى جهنم.
5. الشيطان يدفع للخطية لذلك أسماه المسيح سلطان الظلمة.
6. فى الظلام الروحى لا يرى الخاطئ الله ولا يعرفه ولا يرى الحق ولا يدركه ولا يرى نفسه وبالتالى لن يدرك أنه خاطئ لذلك يتكبر.
ونحن من ذواتنا ظلمة لكن من يقترب إلى الله يستنير ومن يتمسك به يصير نوراً “إقتربوا إليه واستنيروا ووجوهكم لا تخزى” (مز34: 5) فالمكان الذى فيه ظلمة تنتشر فيه الحشرات والقاذورات (رمز الخطية) ومع النور تهرب. فالنور يعطى للناس إرشاداً وبدونه يتخبط الناس.
والظلمة قد تكون الجهل بسبب عدم المعرفة، إذ بدون نور كل شئ غامض أما النور فهناك الحكمة إذ كل شئ مكشوف وواضح. والآن إجابة السؤال الأول :- ماهى طبيعة الله ؟ الله نور وكامل الجمال والحكمة.
والسؤال :- ماهى شروط الشركة معه؟ السلوك فى النور.
ومن يفعل سيكون فرحه كاملاًُ.
أية 6 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ
هذا الكلام يرد به على الغنوسيين الذين يهتمون بالمعرفة ولا يهتمون بالسلوك الإخلاقى، بل يحرضون على الإنحلال بدعوى أن الجسد شر ولن يضيره شئ من السلوك فى الخطية.
إن قلنا أن لنا شركة معه = فالتجسد أعطانا شركة مع الله فلقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (2بط1: 4) وأثر ذلك يظهر فى أنه تصير لنا طبيعة جديدة كلها محبة وطهارة فنحن نشترك مع الله فى محبته وطهارته وقداسته، نصير خليقة جديدة (2كو5: 17) أى تتغير طبيعتنا القديمة ويظهر هذا فى حياتنا وسلوكنا اليومى. فمن يؤمن بالمسيح ويعتمد به (رو6: 5) وتصير له حياة المسيح (فى1: 21 + غل2: 20) وبهذا يعيش الإنسان الحق ولا يحتمل الباطل. تتغير طبيعته ليصير نوراً. فالحق ليس معرفة فكرية بل حياة يحياها الإنسان من واقع حياة المسيح فيه، وهذه لها قوة وفعل محرك. ولكن علينا أن نجاهد ونبعد عنا كل ظلمة ونحيا كمائتين عن الخطية ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى” (غل2: 20). فالبداية أن أصلب نفسى مع المسيح، بأن أبتعد عن كل شر وخطية، بل شبه شر فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وإن حدث وسقطنا فلنتب سريعاً و نعترف ودم يسوع المسيح يطهرنا (7)، (9). شركة معه = كلمة شركة فى اليونانية تشير لإمتلاك مجموعة من الناس لشئ واحد. والشركة المسيحية تعنى الإسهام فى الحياة المشتركة فى المسيح بواسطة الروح القدس، فهى تربط المؤمنين معاً وتربطهم بالله. ولو هناك من يرفض الشركة مع أخيه فكيف يكون هذا حق أو نور، كيف تتخاصم اليد مع الرجل أو العين، ويكون الجسد سليماً
وسلكنا فى الظلمة نكذب = من يرفض السلوك فى النور لا تكون له شركة مع الله وهكذا من لا يريد الشركة مع إخوته (أى يحمل كراهية لهم فى قلبه). مثل هؤلاء يكونوا مخادعين غير سالكين فى الحق أى كاذبين، فكيف تكون فى شركة معه أى نوره فينا وتسلك فى الظلمة.
أية 7 :- وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ
ولكن إن سلكنا فى النور. . . فلنا شركة = السلوك فى النور أى بلا خطية والشركة هى التعامل بحب مع الأخرين. ومن هذا نفهم أن ما يسبب الشقاق هو وجود خطية فى القلب. فالله خلق آدم فى وحدة مع زوجته وأولاده وكان هذا مدعاة للحب بين أفراد الأسرة. ولكن ماإن دخلت الخطية حتى كره الإخوة بعضهم وقام قايين بقتل هابيل.
كما هو فى النور= فالله نور وساكن فى النور (دا2: 22).
فلنا شركة بعضنا مع بعض = إن من يسلك بالصلاح وبلا خطية يكون خليقة جديدة، يكون قد إتحد بالمسيح وصار عضواً فى جسده. وكل المؤمنين أعضاء فى جسد المسيح، هم فى شركة فى جسد المسيح. إذن علامة السلوك فى النور هى أن تكون لنا شركة محبة بعضنا البعض فى جسد الكنيسة الواحد. فهل يتخاصم أعضاء الجسد الواحد، لو خاصمت العين اليد ستتركها تحترق ولا تخبرها بأن ماتراه ناراً، بل قد يحترق الجسد كله. وطالما نحن أعضاء فى جسد المسيح الواحد ونسلك فى محبة وفى نور أى ثابتين فيه فدم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية. ولقد وضع الرسول شركتنا مع بعضنا البعض أى وحدتنا الإيمانية المملوءة حباً ككنيسة واحدة، قبل أن يقول أن دم يسوع يطهر، لأنه لا يستطيع إنساناً أن يتمتع بالتطهير بدم المسيح إن كان قلبه مملوء كرهية ورفض للشركة مع الإخوة أو يكون منعزلاً عن شركة الكنيسة الواحدة. (مت6: 15) أن لم تغفروا… لايغفر لكم.
ولاحظ أن كلمة دم تشير :-
1. أن للمسيح جسدأ حقيقياً وليس خيالياً.
2. لحقيقة ألام المسيح وموته.
3. للتفكير، فهو يغفر ويستر ويقدس ويغسل.
أية 8 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا
من يسلك فى النور يرى عيوبه وخطاياه فلن يستطيع إنكارها. وطالما نحن فى الجسد فلنا ضعفاتنا وسقطاتنا، والمسيح يقول “الصديق يسقط ويقوم سبع مرات فى اليوم” وبولس يقول عن نفسه الخطاة الذين أولهم أنا. فمن يقول أنه بلا خطية فهو لا يعيش فى النور ولا يسلك فى النور، بل يعيش فى ضلال ويعيش فيه روح الضلال، أما لو سكن فيه الروح القدس، روح الحق فسيرشده للخطايا الموجودة فيه. وتكون علامة أننا يسكن فينا الروح القدس أننا نشعر بخطايانا ونراها ونمقت أنفسنا (حز 20: 43+ 36: 31).
ويعرف المؤمن أنه ضعيف فيطلب المعونة، ويعرف أنه خاطئ فيطلب المغفرة.
نضل أنفسنا = من يقول أنه بلا خطية فهو 1- إما يكذب 2- أو أعمى. فالحقيقة أنه لا يوجد من هو بلا خطية. ولكن إذا إنفتحت أعيننا ورأينا كم نحن خطاة فلنتب ونعترف ودم يسوع يطهرنا من كل خطية. والإعتراف هو إتضاع أمام الله. والخجل مطلوب، فإذا كنا نخجل من إنسان مثلنا، فهذا يدعونا لأن نفكر أن الخجل لابد أن يكون من الله.
أية 9 :- إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ
الله يعرف ضعفاتنا لذلك وضع لنا الحل لمغفرة خطايانا وهو التوبة والإعتراف لتطهيرنا من خطايانا. ونلاحظ أن فعل يطهرنا فى أية 7 جاء بصيغة الإستمرار، فالمسيح لم يطهرنا مرة واحدة فقط بل عمله فى التطهير والتقديس مستمر، فهو يغفر لنا ماضينا ويطهر حاضرنا ويقدس مستقبلنا فى المسيح. وهناك من يسأل هل هناك داع للإعتراف أمام كاهن ؟
1. هل يمكن أن ينطق الرب بكلام لغو حينما أعطى التلاميذ سلطان الحل (يو20: 22، 23 + مت18: 18).
2. يخبرنا سفر الأعمال أن الذين آمنوا كانوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم (أع19: 18). وهذا ما قاله معلمنا يعقوب (يع5: 16).
3. الله وهب الحياة للعازر، ولكن طلب من تلاميذه حل الأربطة. أفلم يكن من أقام من الأموات قادراً على حل الأربطة، ولكن كان رب المجد يؤسس نظاماً للكنيسة.
4. تقابل شاول مع الرب مباشرة، ولكن الرب حوله إلى حنانيا.
5. عاشت الكنيسة منذ بدايتها تؤمن بالسر وتمارسه.
فلماذا إذن ننكر سر الإعتراف، هل بسبب الكبرياء، إذن لنتخل عنه أم بسبب الخجل ؟ فإذا كنا نخجل من كاهن ضعيف خاطئ مثلنا، فماذا سنفعل أمام الله القدوس الذى بلا خطية. إن الخجل مطلوب حتى نفهم كم سنخجل أمام الله. ولنفهم أن الكاهن هو خادم السر ولكن المسيح هو الغافر.
الله أمين وعادل = عادل فهو حمل خطايانا على الصليب وأمين فهو يغفر لمن يعترف بخطاياه فهو يسامح المعترف على أساس الثمن المدفوع أى دمه. الشرط أن يعترف الخاطئ ولا يعمل كآدم وحواء، إذ حاولا تبرير أنفسهما.
اية 10 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِباً، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا.
نجعله كاذباً = فالنبوات كلها تنطق بأن الجميع زاغو وفسدوا (جا7: 20+ مز14: 2، 3) وغيرها كثير. ومن كلمات الرب يسوع ” وإغفر لنا ذنوبنا ” إذاً من المؤكد أنه لنا ذنوب وخطايا ونحتاج لتطهير. وهذا التطهير هو ثمرة لسر التجسد.
وكلمته ليست فينا = كلمة الله هى الحق، ولو كان الحق فينا، وكلمة الله ثابته فينا، تكون كلمة الله التى فينا تديننا وتظهر الخطأ الذى فينا. فكلمة الله نور يكشف عيوبنا.
مقدمة | تفسير رسالة يوحنا الأولى القمص أنطونيس |
تفسير رسالة يوحنا الأولى 2 |
تفسير العهد الجديد |