تفسير رسالة كورنثوس الثانية ٨ للقمص أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الثانية – الإصحاح الثامن
في الإصحاحين (8 : 9) يقدم بولس الرسول فلسفة العطاء في المسيحية. فالرسول يقدم خدمة روحية وكرازة. والشعب عليه دور في الشهادة لإنجيل المسيح بتقديم الخدمات المادية، وهذا يعتبر عمل روحي سامي أو درس عملي لا ينفصل عن خدمة الكلمة والكرازة. فالمسيحية هي عقائد وهى حياة عملية بلا إنفصال. لقد طلب المعلمين الكذبة أن يأتى بولس برسالة توصية من أورشليم، وبولس هنا يظهر محبته وإهتمامه بأورشليم أكثر منهم، فهو يطلب من أهل كورنثوس التبرع لأهل أورشليم. ويظهر أن الفقر قد إزداد في أورشليم نتيجة :- 1) مجاعة حدثت 2) الإضطهادات ومصادرة أموالهم (عب 10 : 34).
آية 1 :- ثم نعرفكم أيها الاخوة نعمة الله المعطاة في كنائس مكدونية.
يتحدث الرسول هنا لأهل كورنثوس (إقليم إخائية) عن نعمة العطاء والرحمة التي ظهرت في كنائس مكدونية نحو إخوتهم المؤمنين المحتاجين، وذلك ليحث أهل إخائية (وعاصمتها كورنثوس) ليعملوا مثلهم. ونلاحظ من الآية أن الدافع للعطاء هو عمل نعمة الله في القلب.
آية 2 :- انه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم.
في إختبار ضيقة شديد = كان المقدونيون في فقر شديد وضيقة مالية (اتس2 : 14). ولولا نعمة الله لكانوا بسبب الضيقة قد أغلقوا على أنفسهم ولم يهتموا بالآخرين. ونلاحظ أنهم شعروا بفرح عميق إذ أعطوا = فاض وفور فرحهم. إن فقرهم لم يعطلهم عن العطاء بسخاء. وبولس يستخدم غيرة وعطاء المكدونيون ليثير في الكورنثيين حب العطاء بسخاء مثل المكدونيين. ولم يكن الكورنثيين فقراء مثل المكدونيون (مكدونية هي المقاطعة الشمالية لليونان حالياً وإخائية هي المقاطعة الجنوبية في اليونان وعاصمتها كورنثوس. وكانت تسالونيكى وفيلبى في مكدونية). ويقول ذهبي الفم ” إن العطاء لا يقاس بمقدار ما نعطى بل بالروح التي نفيض بها” (لو 21 : 3). وهنا نجد أن المقدونيون فاض فرحهم بوفرة إذ أعطوا بسخاء من أعوازهم
آية 3 :- لانهم أعطوا حسب الطاقة أنا اشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم.
هم أعطوا بإرادتهم الحرة ليس حسب طاقتهم فقط بل أكثر من طاقتهم.
آية 4 :- ملتمسين منا بطلبة كثيرة آن نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين.
ملتمسين = قد يكون الرسول رفض عطاياهم أولاً لفقرهم، فألحوا عليه فوافق، إذ شعروا أن فرصة العطاء كانت لهم مكسباً روحياً وليس تفضلاً بعطاياهم على غيرهم. التي للقديسين = القداسة هي أن يعطى المؤمن ذاته للمسيح القدوس ويتحد به، والفقراء بهذا المعنى هم متحدين بالمسيح، فمن يعطى الفقراء يعطى المسيح.
آية 5 :- وليس كما رجونا بل أعطوا أنفسهم أولا للرب ولنا بمشيئة الله.
ليس كما رجونا = هم أعطوا أكثر جداً ممّا كنا نرجو أن يعطوه. وهنا نرى أن العطاء هو عطاء النفس قبل المال = أعطوا أنفسهم = فهم أعطوا أنفسهم لله أولاً بالكلية، ومن يعطى نفسه لله، لن يكون عسيراً عليه أن يعطى ماله، بل أي شئ. لقد رجونا منهم بعض الأموال فأعطوا لا الأموال فقط، بل أكثر مما طلبنا، بل أعطوا أنفسهم.. لنا = ساعدونا في الخدمة وربما في جمع العطايا. ولنفهم أننا ومالنا لله، فنحن لا نعطيه إلاّ مما له (1أى 29 : 14)
آية 6 :- حتى أننا طلبنا من تيطس انه كما سبق فابتدأ كذلك يتمم لكم هذه النعمة أيضا.
يبدو أن تيطس كان قد سبق وإبتدأ الجمع من أهل كورنثوس حين كان في كورنثوس. وبولس يشجع هذا ويرسل تيطس ثانية ليكمل ما بدأه من الجمع.
كذلك يتمم لكم هذه النعمة = فمن يعطى هو الذي يأخذ نعمة ” فمغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ ” (أع 20 : 35)
آية 7 :- لكن كما تزدادون في كل شيء في الإيمان والكلام والعلم وكل اجتهاد ومحبتكم لنا ليتكم تزدادون في هذه النعمة أيضا.
كما أرى فيكم زيادة في الإيمان والمواهب، ياليتكم يوجد فيكم أيضاً هذه المحبة العملية في العطاء. فالرسول هنا يربط العطاء بالإيمان والمعرفة وكلمة الكرازة وكل فضيلة لينمو المؤمن في كل جوانب حياته. في الإيمان =التمسك بالمسيح والعقيدة الصحيحة عن المسيح. وهذا الإيمان هو أساس المسيحية وبدونه لا يمكن إرضاء الله (عب 11 : 6). والكلام = أي كلام الحكمة والمعرفة والوعظ. ومحبتكم لنا = أي محبة الرسل والخدام. إذاً هم لهم وفرة من الإيمان والعلم وينقصهم الحب العملي أي العطاء
آية 8 :- لست أقول على سبيل الأمر بل باجتهاد آخرين مختبرا إخلاص محبتكم أيضا.
لست أقول هذا كأني آمركم. بل بإجتهاد آخرين = ضربت لكم مثلاً بإجتهاد أهل مكدونية لتفعلوا مثلهم. ولو فعلتم سيظهر لي إخلاص محبتكم.
آية 9 :- فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره.
العطاء إختيارى وبه نتمثل بالسيد المسيح، فهنا يقول.. لقد ضربت لكم مثالاً بما عمله أهل مكدونية، والآن فلتتمثلوا لا بأهل مكدونية فقط بل بالمسيح الذي وهو غنى = فهو له مجد أبيه. إفتقر = أخلى ذاته. وذلك ليهب الغنى الروحي لطبائعنا البشرية. والمعنى أنه لو تمثلنا بالمسيح نغتنى في الروحيات بل نغنى كثيرين.
آية 10 :- أعطى رأيا في هذا أيضا لان هذا ينفعكم انتم الذين سبقتم فابتدأتم منذ العام الماضي ليس أن تفعلوا فقط بل أن تريدوا أيضا
لقد سبقتم أهل مكدونية في رغبتكم في جمع الأموال، والآن تمموا ما نويتم وأردتم أن تفعلوه. لأن هذا ينفعكم = لن يضيع أجركم عن عطاياكم، فالله سيعوضكم عن تعب محبتكم. بل أن تريدوا = كانت لكم رغبة في هذا العمل، لقد كان هناك عمل جمع منكم ناشئ عن رغبة وليس بالإجبار
آية 11 :- ولكن الآن تمموا العمل أيضا حتى انه كما أن النشاط للإرادة كذلك يكون التتميم أيضا حسب ما لكم.
أنتم عزمتم من قبل على أن تقوموا بعمل العطاء، الآن نفذوا هذا العزم
كما أن النشاط للإرادة = أي كما كان لكم الإستعداد والنشاط في الإرادة.
كذلك يكون التتميم = يكون لكم أيضاً الإستعداد لأن تكملوا العمل بنشاط، لتتم هذه الإرادة، لتكون إرادة مصحوبة بعمل، فإنجازك للعمل هو الذي يشهد عليك.
حسب ما لكم = أي حسب ما تستطيعون فأنا لا أثقل عليكم، ولا الله لا يطلب منكم ما هو أكثر من طاقتكم، أو أكثر مما تستطيعون أو تملكون.
آية 12 :- لانه إن كان النشاط موجودا فهو مقبول على حسب ما للإنسان لا على حسب ما ليس له.
الآية تعنى متى وُجِدَ الإستعداد والنشاط، يُقبل العطاء على قدر ما يملك الإنسان، لا على قدر ما لا يملك، أي أنا لا أطالبكم بما ليس في مقدوركم.
آية 13 :- فانه ليس لكي يكون للآخرين راحة ولكم ضيق.
أنا لا أطالبكم بأن تحرموا أنفسكم من ضروريات الحياة، لكي تكونوا أسخياء مع فقراء اليهود.
آية 14 :- بل بحسب المساواة لكي تكون في هذا الوقت فضالتكم لاعوازهم كي تصير فضالتهم لاعوازكم حتى تحصل المساواة.
فضالتكم لأعوازهم = ما يفيض عنكم يا أهل كورنثوس إرسلوه للمعوزين في أورشليم. فضالتهم لأعوازكمهذه تعنى :-
1) أورشليم الآن محتاجة لعطايا كورنثوس، ولكن حينما يحتاج أهل كورنثوس في وقت ما تكون فضالة مؤمني أورشليم لكورنثوس. فحياتنا الجديدة في المسيح هي عطاء متبادل، فالكل محتاج لإخوته. وقد تعنى
2) أن أهل كورنثوس الأغنياء في الماديات ولكنهم حديثي الإيمان، عليهم أن يعطوا لأهل أورشليم ماديات، وأهل أورشليم، الكنيسة الأم والأغنياء في الإيمان، فضالتهم هي صلواتهم الشاكرة وروحياتهم العظيمة سينال أهل كورنثوس حديثي الإيمان = لأعوازكم = أي ستنالون يا أهل كورنثوس بركات روحية عظيمة إستجابة لصلواتهم وتشكراتهم لله. وربما أن أهل أورشليم بإحتمالهم للضيقات بشكر سيكونون أمثلة حية لأهل كورنثوس.
آية 15 :- كما هو مكتوب الذي جمع كثيرا لم يفضل والذي جمع قليلا لم ينقص.
فلتتم إذاً هذه المساواة وفقاً لما هو مكتوب في(خر 16 : 18). أن هذا الطماع الذي جمع كثيراً، أكثر من حاجته، إنتن ما بقى عنده. وهذا الذي جمع قليلاً شبع ولم يحتاج لأكثر مما جمعه. كان هذا حدث مع شعب الله في جمع المن، ويستشهد به الرسول لكي يعطى كل واحد فضالته للمحتاج. ونفهم أن من يجمع ويكدس لن يكون له هذا سبب سعادة وفرح بل زيادة عناء. فلا يطمع إذاً الأغنياء في تكديس أموالهم، فإن هذا بلا نفع، بل يعطوا للفقراء.
آيات 16، 17:- ولكن شكرا لله الذي جعل هذا الاجتهاد عينه لاجلكم في قلب تيطس. لانه قبل الطلبة وإذ كان اكثر اجتهادا مضى الكم من تلقاء نفسه.
في (آية 6) نجد بولس يطلب من تيطس أن يذهب لهم للجمع، ولكننا هنا نسمع أن الروح حَرَّكَ قلب تيطس أن يذهب، فلم يكن محتاجاً إلى أن يقنعه بولس بالذهاب، ولا أن يلزمه بل ذهب برغبة حارة. ولذلك نجد بولس هنا يشكر الله أنه وضع في قلب تيطس ما وضعه في قلبه هو بولس من محبة.
آيات 18، 19:- وأرسلنا معه الأخ الذي مدحه في الإنجيل في جميع الكنائس. وليس ذلك فقط بل هو منتخب أيضا من الكنائس رفيقا لنا في السفر مع هذه النعمة المخدومة منا لمجد ذات الرب الواحد ولنشاطكم.
الأخ الذي مدحه في الإنجيل = غالباً هو لوقا بسبب إنجيله الذي كتبه ووعظه المستمر وكرازته وأمانته، ولوقا كان رفيقاً للسفر مع بولس. وبولس أرسله ليخدم خدمة العطاء مع تيطس ويسميها نعمة (آية 1). وذلك لتمجيد إسم الرب. ولنشاطكم = وجود لوقا وتيطس معكم في هذه الخدمة سيزيد من نشاطكم وغيرتكم وإهتمامكم. النعمة المخدومة منا = تشير للكرازة وخدمة العطاء والجمع، وبولس يقوم بهذه وتلك.
آية 20 :- متجنبين هذا أن يلومنا أحد في جسامة هذه المخدومة منا.
نحن في خدمتنا نأخذ كل هذه الإحتياطات حتى لا نتعرض لشك أو لوم في خدمتنا، وحتى لا يظن أحد أننا نرجو من وراء هذه الخدمة صالحاً شخصياً أو منفعة ذاتية، فأنا لا أجمع وحدي بل أرسلت إثنين لئلا يلوم أحد بولس الرسول. فالأمور المالية إن لم تكن واضحة ومكشوفة تماماً أمام الجميع، قد تسبب إرباكاً للخدمة والشك في الخدام. فالخادم محط أنظار الجميع.
آية 21 :- معتنين بأمور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس أيضاً.
ونحن نحرص أن نسلك سلوكاً حسناً ليس فقط أمام ضمائرنا التي يكشفها الله، ولكن أيضاً أمام الناس فتكون أعمالنا الظاهرة موضع رضا الناس.
آية 22 :- وارسلنا معهما اخانا الذي اختبرنا مرارا في امور كثيرة انه مجتهد ولكنه الان اشد اجتهادا كثيرا بالثقة الكثيرة بكم.
بولس أرسل شخصاً آخر مع تيطس ولوقا، ويثني عليه هنا كثيراً. وغير معروف من هو. هو أصله نشيط وأنا أعرف هذا وإزداد نشاطه بسببكم.
آية 23 :- اما من جهة تيطس فهو شريك لي وعامل معي لاجلكم واما اخوانا فهما رسولا الكنائس ومجد المسيح.
شهادة لمن أرسلهما حتى لا يتشكك فيهم أحد.
آية 24 :- فبينوا لهم وقدام الكنائس بينة محبتكم وافتخارنا من جهتكم
قدموا لهم البراهين على محبتكم بوفرة وسخاء عطاياكم.
تفسير 2 كورنثوس 7 | تفسير رسالة كورنثوس الثانية | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 9 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الثانية | تفاسير العهد الجديد |