تفسير رسالة كورنثوس الثانية ١ للقديس يوحنا ذهبي الفم

تفسير كورنثوس الثانية – الإصحاح الأول

 

 « بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله وتيموثاوس الأخ إلى كنيسة الله التي في كورنثوس مع القديسين أجمعين الذين في جميع أخائية » (ع۱).

الواجب أن نبحث عن السبب الذي جعل بولس الرسول يضيف إلى رسالته الأولى رسالة ثانية ، ذلك لأن بولس الرسول قال في رسالته الأولى « ولكني سآتي إليكم سريعا إن شاء الرب فسأعرف ليس كلام الذين انتفخوا بل قوتهم » (1کو4 :19).

وفي آخر الرسالة الأولى وعدهم بدعة أكثر إذ قال « وسأجئ إليكم متي اجتزت بمكدونية، لأني أجتاز بمكدونية وربما أمكث عندكم أو أشتي أيضا لکی تشيعوني إلى حيثما أذهب» (1کو16: 5 ،6).

وقد مضى زمان كثير ولم يحضر بولس الرسول بل وعبر الأجل وكان عتيداً أن يتباطئ أيضا إذ ضبطه الروح لأمور أخرى ضرورية أكثر، لذلك احتاج رسالة أخرى.

وقول بولس الرسول «وتيموثاوس الأخ» حيث أكرمه بهذا الوصف إذ رتبه مع نفسه، وأوضح تواضعه الكثير حيث في كل موضع كان بولس الرسول يساوی تيموثاوس بذاته ، فتارة قال عنه « ثم إن أتى تيموثاوس فانظروا أن يكون عندكم بلا خوف .. لأنه يعمل عمل الرب كما أنا أيضا » ( 1 کو 10:16 ) وتارة قال عنه « إلى تيموثاوس الابن الحبيب » ( 2تی2:1).

أما هنا فسماه أخاً، إذ صيره في كل أمر عند أهل كورنثوس موقراً.

 وقول بولس الرسول “إلى كنيسة الله التي في كورنثوس” إذ سماهم أيضاً کنیسة ، ضاماً إياهم كلهم إلى واحد وربطهم معاً، لأنه لا تكون كنيسة واحدة عندما يكون الذين فيها متفرقين ، وبعضهم قائماً على بعض.

وقول بولس الرسول «مع القديسين أجمعين الذين في جميع أخائية » إذ سلم على الجميع في رسالته جامعاً الأمة كلها فسماهم قديسين ، موضحاً أن من كان نجساً يكون خارج سلامه هذا.

« نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح» (ع۲).

فإذ جمع بولس الرسول الأمة كلها سلم عليهم حيث كانت له سنة أن يسلم على الجميع.

«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية » ( ع 3).

تأمل إن لعدم حضور بولس الرسول عندهم أحزنهم جداً وشوشهم ، وذلك ما كان قد وعد به ، لكنه أقام السنة كلها في مكدونية وكان يظن عندهم أنه فضل آخرين عليهم، ولذلك إذ نهض نحو هذا الاضطراب ذكر العلة التي لأجلها لم يحضر ، إلا أنه لم يقل ذلك جهاراً.

ولكي لا يسألوا فيما بعد عن السبب الذي لأجله تأخر عن المجئ فعل هذا الأمر بعينه ، كالذي يعد بالمجئ إلى عند أحد المحبوبين ثم بعد وقوع شدائد كثيرة يأتي فيقول : الحمد لك يا الله الذي أريتني وجه حبیبی ، مبارك الإله الذي أنقذني من الشدائد الكثيرة ، لأن هذا التمجيد هو اعتذار نحو من يكون عتيداً أن يلومه بشيء آخر لسبب تأخره ، لأنه يستحي من الذي يشكر الله على النجاة من شرور هذا مقدارها مما يلومه ولا يطالبه بالجواب عن التأخير.

وأما أنت فإمعن نظرك هنا أيضا في تواضع بولس الرسول الذي شقي في الشدائد من أجل الكرازة لم يقل إنه عائش لأجل الرتبة التي هو فيها بل برأفة الله.

«و الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزى الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزي نحن بها من الله » ( ع 4).

لم يقل الذي ما أهملنا أن نحزن بل قال « الذي يعزينا في كل ضيقتنا»، لأن هذا الأمر يوضح قدرة الله ويزيد صبر المحزونين ، وذلك ما قاله داود النبي أيضا حين قال « في الضيق رحبت لی» ( مز 4 :1) فلم يقل داود لم تدعني أن أقع في الضيق ، ولا أزلت الضيق عني سريعاً بل لما دام الضيق رحبت لي ، أي أن الله منحه الوسع والراحة، الأمر الذي حدث أيضاً مع الثلاثة فتية القديسين، لأن الله لم يمنع عنهم الوقوع في النار ولا عندما طرحوا فيها أطفأ اللهيب، لكنه بينما كان الأتون متقدة منحهم الراحة والسعة.

وهذا الأمر أشار إليه بولس الرسول حين قال « الذي يعزينا في كل ضيقة » وبذلك أوضح شيئاً آخر ، وما هو هذا الشيء ؟ إن الله لا يفعل هذا دفعة ولا دفعتين بل على الدوام ، لأنه لا يعزى تارة ويهمل أخرى ، لكنه يفعل ذلك دائماً، ولذلك قال بولس الرسول “الذي يعزينا”، ولم يقل الذي عزانا.

«لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزیتنا أيضاً» ( ع 5 ).

أوضح بولس الرسول هنا وجود الزيادة في التعزية وأنهض عزائمهم ، ليس بهذا فقط بل وبإيراد ذكر المسيح ، وبقوله إنها آلامه ، لأنه أي شيء يكون أجمل أن يكون بولس الرسول مشاركاً للسيد المسيح ويتألم بهذا من أجله ، فأي تعزية تعادل هذه.

ولم يقل بولس الرسول كما تأتي علينا وإنما قال « كما تكثر» موضحا أنهم لا يحتملون آلام ذاك فقط لكنهم يحتملون آلاما أخرى أزيد منها.

ولم يقل إن التعزية مساوية للآلام بل قال « تكثر تعزیتنا » .

« فان كنا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الآلام التي نتألم بها نحن أيضا أو نتعزى فلأجل تعزيتكم وخلاصكم » ( ع 6)

أي أن خلاصكم لا يصير بالإيمان فقط بل وبتألمكم عينه بما نتألم به نحن وتصبرون. 

«فرجاؤنا من أجلكم ثابت عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلام كذلك في التعزية أيضاً» ( ع۷ ) .

أي أن تعزيتنا لكم قد تكون لكم نياحاً، فإن استرحنا قليلا فقط فذلك يكون عزاء كافياً ، لأننا إن تعزينا نحن فقد يكون ذلك تعزيتكم ، كما أن آلامنا قد تحسب الامكم ، هكذا وتعزيتنا قد تعزیكم لأنه لا يليق أن تشاركوا في الشدائد ولا تشاركوا في الخيرات ، فإن کنتم إذا تشاركون في الأحزان وفي التعزية ، فلا يجب أن تلومونا على تأخرنا هذا ، لأننا نحزن بسببكم ونتعزى من أجلكم ، وإننا لا نتألم نحن بمفردنا بل أنكم تشاركون هذه الآلام عينها ، ولذلك إذ وضع لهم نسب مشاركتهم في الشدائد وفي التعزيات صير القول لطيفاً.

« فَإِنَّنَا لاَ نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا الَّتِي أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا. » ( ع ۸ ) .

هذه الأمور ذکرها بولس الرسول لكي لا يجهلوا ما حدث له ، لأنه يريدهم أن يعرفوا أحواله ، وقد حرص على ذلك جداً الأمر الذي هو علامة عظيمة للمحبة وكان هذا قد أنذر به في رسالته الأولى إلى كورنثوس فقال : “لأنه قد انفتح لی باب عظيم فعال ويوجد معاندون كثيرون ” ( 1کو 16: 9) مذكراً إذا إياهم بأولئك ومخبراً بكل ما أصابه فقال هنا في رسالته الثانية إلى كورنثوس « لا نريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في أسيا ».

ولم يكن ذلك أمراً زائداً بل ضرورياً جداً، فكان هذا لأجل المحبة البليغة التي كانت لبولس الرسول مع تلاميذه.

والمقصود من قول بولس الرسول «حتى أيسنا من الحياة أيضا» أي إننا لم نكن نرجو المعيشة فيما بعد.

« لكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ، » ( ع ۹ ) .

المقصود ب “حكم الموت” هنا هو انتظاره .

ولكن لأي سبب سمح الرب بمثل هذه الشدة حتى إننا عدمنا الرجاء وأيسنا ؟ ! يقول بولس الرسول هنا : “لكي لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله”. 

من الواضح هنا أن بولس الرسول يتواضع رادعاً الذين يترفعون بذواتهم متكبرين فقال « لكي لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله » .

«الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ. »( ع ۱۰)

لم يقل بولس الرسول من شدائد مثل هذه بل قال « من موت مثل هذا » فأوضح صعوبة المحنة.

«وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ.» ( ع 11 ) 

حثهم بولس الرسول على الجهاد وصيَّرهم مجتهدين على عمل الفضيلة ، أي بالصلوات ، حيث أنهضهم نحو الصلوات ، من أجل الآخرين جاعلاً سُنة أن يشكروا الله أيضا عما يتفق أن يصاب به آخرون.

كما أظهر بولس الرسول أنه خَلص بصلواتهم ، وقد أعطاه الله ذلك هبة بتضرعهم ، فالصلاة تساعد في ذلك كثيراً.

«لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ. » ( ع ۱۲).

يكشف لنا بولس الرسول هنا عن قضية ليست بصغيرة بل عظيمة جداً من حيث إنه قال إن الله أنقذنا ناسباً كل الأشياء إلى رأفاته وصلواتهم ، فلكي لا يصير السامع بهذا متوانياً، إذ يثق برحمة الله وصلوات الغير فقط ، أثبت أنهم وهم أيضا قدموا ما ليس بقليل إذ يقول بولس الرسول : “إننا في بساطة وإخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم”، فقال هذه الأقوال ليعلمهم ألا يتراخوا في الأحزان بل عليهم أن يتشددوا إذا كانت لهم بصيرة نقية.

والمقصود من قول بولس الرسول “و لا في حكمة جسدية”، أي بدون خديعة أو غش أو رياء أو حيلة أو بحكمة بشرية أو بخبث.

أما المقصود بقوله ” بل في نعمة الله تصرفنا “، أي أن بولس الرسول لا يمتلك شيئاً من الحكمة البشرية ولم يستعملها بل فعل الأشياء كلها بنعمة الله 

«فَإِنَّنَا لاَ نَكْتُبُ إِلَيْكُمْ بِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى مَا تَقْرَأُونَ أَوْ تَعْرِفُونَ. وَأَنَا أَرْجُو أَنَّكُمْ سَتَعْرِفُونَ إِلَى النِّهَايَةِ أَيْضًا،» (ع۱۳) .

حيث إن بولس الرسول تكلم في شأن ذاته أقوالاً عظيمة ، وأظهر أنه يشهد لنفسه ، الأمر الذي كان ثقيلاً، قدمهم أيضا للشهادة بما قاله لأنه يقول : لا أحد يظن أن ما قلته أمور كبرياء ، لأننا نوضح لكم هذه الأمور التي أنتم تعرفونها ، ولا نكذب في ذلك لأنكم أنتم قبل الجميع تشهدون لنا به لأنكم متى قرأتم ذلك تعرفون اننا ما نقوله في الكتابة تعرفونه معنا في الأفعال وشهادتكم لا تخالف الرسائل بل تطابق قراءتها لمعرفتكم التي كانت لكم فينا من قبل.

«كَمَا عَرَفْتُمُونَا أَيْضًا بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ أَنَّنَا فَخْرُكُمْ، كَمَا أَنَّكُمْ أَيْضًا فَخْرُنَا فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.» (ع14) .

قول بولس الرسول “كما عرفتمونا” ، بمعنى أنكم عرفتم أحوالنا لا بالسمع بل باختبار الأمور نفسها.

أما قوله : “بعض المعرفة”، فذلك تواضع ، لأن هذا من عاداته.

وقوله « إننا فخركم كما أنكم أيضاً فخرنا » هنا حسم ما ينتج من قاله ، إذ صيَّرهم ورثاء وشرکاء شرف فضائله ، ومما قاله يتضح تواضعه العظيم ، لأنه لم يخاطبهم كمعلم لتلاميذ بل کتلاميذ معادلين له في الكرامة .

«وَبِهذِهِ الثِّقَةِ كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، لِتَكُونَ لَكُمْ نِعْمَةٌ ثَانِيَةٌ.» ( ع 15).

قول بولس الرسول في الرسالة الأولى إلى كورنثوس « وسأجئ إليكم متی اجتزت بمكدونية لأني أجتاز بمكدونية » ( 1 کو 16 : 5 ) ربما يتعارض مع قوله هنا ” أشاء أن آتي إليكم أولاً” والواقع أنه لا يوجد تعارض إذ أن بولس آثر أن يمضي إلى مكدونية قبل أن يجئ إليهم ، وجاهد ، وأخيرا امتنع لأنه أراد حسب قوله « لتكون لكم نعمة ثانية».

ولكن ما هو المقصود من قوله « نعمة ثانية»؟ أي التي بالمكاتبة ، والتي بحضور بولس الرسول إليهم ، وقد يعني بالنعمة هنا الفرح.

 

«وَأَنْ أَمُرَّ بِكُمْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، وَآتِيَ أَيْضًا مِنْ مَكِدُونِيَّةَ إِلَيْكُمْ، وَأُشَيَّعَ مِنْكُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ. فَإِذْ أَنَا عَازِمٌ عَلَى هذَا، أَلَعَلِّي اسْتَعْمَلْتُ الْخِفَّةَ؟ أَمْ أَعْزِمُ عَلَى مَا أَعْزِمُ بِحَسَبِ الْجَسَدِ، كَيْ يَكُونَ عِنْدِي نَعَمْ نَعَمْ وَلاَ لاَ؟» ( ع 16، 17) .

أي أن بولس الرسول لم ينظر إلى ما يخص الجسد ، ولم يكن أيضا بدون تدبیر الروح ، فلا سلطان له أن يمضي حيث يشاء ، لأنه تحت سيادة الروح المعزی وأمره ، فهو بحكمة يمضي ويتجول ، ولهذا لم يمكنه المجئ ، الأمر الذي حدث له مراراً كثيرة في سفر أعمال الرسل ، حيث يكون قد اتفق القول بالمضي إلى مكان فيأمره الروح بالمضي إلى مكان آخر ، ولذلك لم يكن هذا لخفة عزمه أنه لم يف بل إنه المطيع لأمر الروح فيخضع له .

«لكِنْ أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ.» (ع18).

إن أمور الله لا يمكن تكذيبها ، ولذلك قال بولس الرسول : « أمين هو الله » أي أنه محق ، فلا تشك إذا في شيء مما لله.

«لأَنَّ ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ. » (ع19).

وعلى الرغم من أن الذين ذكرهم بولس الرسول تلاميذ إلا أنه لتواضعه أحصاهم مع نفسه وهو المعلم.

«لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ»، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا.» (ع20)

إن مواعيد الله وعدت بأمور كثيرة في شأن القيامة وعدم الفناء والجوائز العتيدة وتلك الخيرات التي لا ينطق بها ، فهذه المواعيد باقية غير متزعزعة ولم يكن فيها نعم ولا ، أعني لم تصر الأقوال فيها تارة صدقاً وتارة كذباً ، بل هي – دائماً-  صدق.

والمقصود من قول بولس الرسول “فيه النعم وفيه الآمين” أي أن مواعيد الله حق.

أما معنى قول بولس الرسول “لمجد الله بواسطتنا” أي يوفيها بواسطتنا ، أعنی الإحسانات التي تصلنا تكون لمجد الله ، فإن كانت لمجد الله ستكون حقاً.

وإن كانت المواعيد هي لمجد الله فبلا شك يتبعها خلاصنا ، كما أن مواعيد الله غير كاذبة لأنها لا تخلصنا فقط بل وتمجده.

«وَلكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ 22الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا.» ( ع ۲۱ ،۲۲).

فإن كان الله هو الذي يثبتنا في المسيح فلا يهملنا أن نتقلقل عن الإيمان الذي بالسيد المسيح وهو الذي مسحنا وأعطى الروح في قلوبنا.

فالناتج إذا أننا لسنا نحن المثبتين إياكم ، لأننا ونحن أيضا محتاجون المُثبت المهتم بالجميع.

«وَلكِنِّي أَسْتَشْهِدُ اللهَ عَلَى نَفْسِي، أَنِّي إِشْفَاقًا عَلَيْكُمْ لَمْ آتِ إِلَى كُورِنْثُوسَ.» ( ع ۲۳).

ولكي لا يجعلهم بولس الرسول يتوهمون ويقولون لهذا السبب لم ترد أن تجئ لأنك أبغضتنا فأثبت هنا بولس الرسول ما يخالف ذلك ، أي أنه لم يشأ لهذا السبب، لأنهم يحبهم.

ولكن ما معنى قوله “إني إشفاقا عليكم لم آت” لأنه سمع بقوم زنوا عندهم فلم يرد أن يجئ فيحزنهم ، لأنه إذا حضر التزم بالفحص عن القضية حينئذ يعاقب كثيرين فاحتسب أنه من الأفضل ألا يحضر.

«لَيْسَ أَنَّنَا نَسُودُ عَلَى إِيمَانِكُمْ، بَلْ نَحْنُ مُوازِرُونَ لِسُرُورِكُمْلأَنَّكُمْ بِالإِيمَانِ تَثْبُتُونَ.» (ع 24).

لم يقل بولس الرسول نسودکم بل قال بوداعة أكثر وأصدق « نسود على إيمانكم».

ومعنى قوله “بل نحن مؤازرون لسرورکم”، أي أنه يعمل كل شيء لأجل فرحهم ، وعلى هذا يسارع ويشاركهم.

أما قوله “لأنكم بالإيمان تثبتون” فانظر كيف يخاطبهم بحال مستور ، لأنه خشى أن يلذعهم أيضاً كونه بكتهم في رسالته الأولى إلى كورنثوس ، ولذلك كانت هذه الرسالة وديعة أكثر من الأولى.

فاصل

فاصل

فهرس تفسير رسالة كورنثوس الثانية تفسير العهد الجديد
تفسير 2 كورنثوس 2
 القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير رسالة كورنثوس الثانية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى