فرعون الإضطھاد وفرعون الخروج


فرعون الاضطھاد وفرعون الخروج

من أكثر المواضیع التي أثارت الجدل بین الدارسین واختلفت فیھا الآراء وھو من ھو فرعون الاضطھاد؟ ومتى حدث الخروج من مصر؟ وفي أي عھد من حكم الفراعنة؟ ! فقد أغفل الكتاب المقدس أسماء ملوك مصر واكتفى بلقب فرعون وھو اصطلاح ولیس اسم لشخص وقد لُقب به ملوك مصر .
كما أن سجلات المصریین لم تذكر شیئاً صریحاً عن تواجد الشعب الإسرائیلي في مصر فقد كان ینظر إلیھم على أنھم فئة من قبیلة رعویة ولم تكن ذات شأن ، أما بخصوص الخروج فلیس جیداً أن یسجل المصریون ھزیمة لھم مثل غرق فرعون وجنوده في البحر الأحمر .
وھنا تكمن الصعوبة في تحدید تاریخ الخروج ، وقدم الدارسون في ذلك عدة آراء وكان أھمھا والأكثر احتمالاً ھو واحد مѧن رأیین : ففي أحدھما یرون أن الاضطھاد حدث في نھایة حكم رمسیس الثاني ویكون بذلك فرعون الخروج ھو خلیفته مرنبتاح ، والرأي الآخر أن الخروج حدث في زمن مبكر عن ذلك وأن فرعون الاضطھاد ھو تحتمس الثالث وأن الخروج حدث في عھد خلیفته أمینوفیس الثاني .
وحتى تأتینا الاكتشافات فیما بعد من ھو فرعون الخروج سوف نسوق الرأیین :


الرأي الأول

فرعون الاضطھاد رمسیس الثاني (١٢٩٠-١٢٢٤ ق.م) :-
یرى معظم الدارسین أن فرعون الاضطھاد ھو رمسیس الثاني (الأسرة ١٩) ویكون بذلك مرنبتاح خلیفته ھو فرعون الخروج ، ویسوق أصحاب ھذا الرأي الأدلة الآتیة :-

  •  إن بناء الھیكل حدث في السنة الرابعة لحكم سلیمان وھي تقابل السنة ٤٨٠ للخروج (١ مل ١:٦) ، ویفسرون ذلك بأنھا تعبر عن مدة ١٢ جیلاً كل منھا ٤٠ سنة لكن حقیقة أن الجیل ٢٥ سنة فتكون المدة بدقة ھي ٣٠٠ سنة فإذا أضیف إلیھا ٩٦٠ سنة حیث بناء الھیكل فیكون الخروج حدث نحو سنة١٢٦٠ق.م وھي تقع في نھایة حكم رمسیس الثاني أو في حكم مرنبتاح خلیفته.
  •  رمسیس الثاني ھو ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشر حیث أسسھا رمسیس الأول ثم خلفه سیتي أبو رمسیس الثاني الذي استأنف في الفترة الأولى من حیاته مجھودات أبیه في استعادة مجد الإمبراطوریة في آسیا فجرد جیشاً وغزا فلسطین وشرق الأردن وجنوب سوریة وكان ذلك الوقت مصاحباً ازدھار إمبراطوریة حثیة وحدث صراع بین الحثیین في الشمال ومصر في الجنوب وظل یشتد الصراع حتى انتھي بموقعة قادش (نحو ١٢٨٦ ق.م) ثم عقد صلح بین الطرفین ختمه رمسیس الثاني بزواجه من ابنة ملك الحثیین ، ومن بنود الاتفاق أن صارت فلسطین تحت النفوذ المصري وأثناء ذلك قام بحملة ناجحة على الثوار في فلسطین وجعلھا خاضعة لحكم عسكري وتعیین ولاة لإدارتھا ، والآثار التي خلفھا كل من سیتي الأول ورمسیس الثاني في بیسان تؤكد استرجاعھم لتك المناطق . كما سجل مرنبتاح ( ١٢٢٤ – ١٢١٤ق.م) خلیفة رمسیس الثاني انتصاراته على فلسطین وذكر فیھا أسماء ومدن مثل أشقلون وجازر ، وذلك على النصب الذي اكتشفه بتري في طیبة ومسطر علیه أقدم اسم لإسرائیل حیث كان الإسرائیلیون موجودین في غرب الأرض أثناء حملته وجاء في ھذا الأثر ما یلي : “اغتصبنا كنعان … اكتسحنا أشقلون … استولینا على جازر … دمرت إسرائیل وأصبحت أرملة لمصر …” وعلى ذلك یكون یشوع دخل كنعان نحو سنة ١٢٢٠ق.م ، ویكون خروج بني إسرائیل قد حدث في بدایة حكم مرنبتاح ابن رمسیس الثاني وتكون الأمیرة التي انتشلت موسى من الماء ھي (إیست نفرت) زوجة رمسیس الثاني وأم مرنبتاح .
  • ولكن في سنة ١٨٨١م حدثت مفاجأة إذ اكتشفت مومیاء مرنبتاح في مقبرة بالدیر البحري على الشاطئ الغربي للنیل في طیبة وھذا قد یتعارض مع غرق فرعون في البحر حسب روایة سفر الخروج ولكن المرجح أنه أخرج بسرعة من البحر وتمت عملیات التحنیط المعتادة بعد غسل الجثة جیداً من أي آثار للملح .
  • كان حكم رمسیس الثاني طویلاً حیث امتد به العمر وھو ما تظھره ممیاؤه فبعد أن أنھى أعماله الحربیة الناجحة كرس بقیة حیاته في مشاریع البناء تخلیداً لحكمه ومن أعظمھا معبد أبو سمبل الذي حفر في الجبل والمطل حالاً على بحیرة السد العالي بعد نقله من مكانه الأصلي وفي مدخله أربعة تماثیل لرمسیس الثاني ارتفاع كل منھا ٦٧ قدماً (٢٠ متراً) وشید معبد طیبة على النیل في الأقصر وكان عصره زاھراً بالمشاریع التي سخر فیھا الأجراء والعبید الآسیویین وخاصة العبرانیین.
  • ذكرت التوراة أن بني إسرائیل بنوا مدناً (مخازن) وھما مدینتي فیثوم ورعمسیس وأضافت النسخة السبعینیة مدینة أون (عین شمس) مركز عبادة الإله رع. ومدینتا فیثوم ورعمسیس تقعان شرق الدلتا بالقرب من أرض جاسان حیث كان یقیم العبرانیون فقد كان رمسیس الثاني حریصاً على سلامة البلاد بتأمین الحدود الشمالیة الشرقیة والتي كانت منفذاً لدخول الآسیویین .
  •  وكانت رعمسیس تسمى بیت الرعامسة وھي صوعن (صا الحجر) (عد ٢٢:١٣) وھي التي أسماھا الیونانیون تانیس وقد اكتشف قصر فیھا لرمسیس الثاني ، أما فیثوم (تل المسخوطة) وأسماھا الیونانیون ھیروبولیس فقد اكتشفت نقوش لرمسیس الثاني یقول فیھا “أنا بنیت فیثوم”.
  •  ومن ذلك یتضح أن رمسیس الثاني ھو الذي بني مدینتي فیثوم ورعمسیس وسخر في البناء العبرانیین (خر ١١:١) ویكون ھو صاحب قرار الاضطھاد وأمر بعمل الطوب بدون تبن وربما كان صاحب قرار قتل الأطفال (أو سلفه سیتي الأول) ، وقد اكتشف في وادي طومیلات (تل الرتابة) ویقترن بفیثوم أبنیة ضخمة كمخازن بنیت من اللبن (الطوب المصنوع من الطین) ، واكتشفت لبنات علیھا اسم رمسیس الثاني بعضھا مصنوع بدون تبن والبعض مخلوط بالتبن وھو یعكس ما جاء في سفر الخروج (خر ١٠:٥- ١٢) ، ومدینتا فیثوم ورعمسیس اللتان اكتشفتا وكل منھما ذات غرف سمیكة الجدران وبنیا بالطوب المجفف في الشمس .
  •  في بردیات ترجع لعصر رمسیس الثاني قصص عن العبیرو الذین یجرون الحجارة الضخمة لبوابة معبد الملك رمسیس الثاني ، وعن آخرین یصنعون ما قرر علیھم صناعته من الطوب ، وعن موظفین لم یكن تحت أمرتھم عمال أو تبن لصناعة الطوب (خر ٧:٥) ، وفي طیبة على الضفة الغربیة للنیل اكتشفت في قریة العمال الذین كانوا یقطعون الأحجار مدونات على شقفات من كسر الفخار كمذكرات مكتوب فیھا أیام العمل والعطلة وأسباب تغیب العمال ومنھا مرض الزوجة وصناعة الخمور مع الرئیس أو بسبب لدغ عقرب أو تقدیم قرابین للآلھة ، ومن بین ھذه التسجیلات الممتعة طلب أجازة جماعیة لحضور حفل دیني وھو یشبه ما جاء في حدیث موسى مع فرعون حیث طلب موسى وھارون أجازة للعبرانیین للعبادة (خر٣:٥)


 الرأي الثاني

فرعون الاضطھاد تحتمس الثالث (١٤٩٠-١٤٣٦ ق.م) :-
یرى المتحمسون لھذا الرأي أن تحتمس الثالث (الأسرة ١٨) ھو فرعون الاضطھاد والذي یُعرف بعدو السامیین فھو صاحب قرار قتل أطفال العبرانیین ، ویكون الخروج حدث في أثناء حكم خلیفته أمینوفیس الثاني (١٤٣٦-١٤١٣ ق.م) فیكون ھو فرعون الخروج ، وأصحاب ھذا الرأي ومنھم د. لبیب حبشي الأثري المصري العالمي یعززون رأیھم بالبراھین التالیة :-

  •  إن بناء الھیكل حدث في السنة ٩٦٠ ق.م إذا أضیف إلیھا مدة ٤٨٠ سنة من خروج بني إسرائیل إلى بناء الھیكل وھو ما ورد في (١ مل ١ : ٦) یكون بذلك تاریخ الخروج ھو ١٤٤٠ق.م وھو یقع في نھایة حكم
    تحتمس الثالث أو بدایة حكم أمینوفیس الثاني ویفترض في ذلك ت اخل أزمنة غزوات القضاة.
  • ارتقي تحتمس الثالث العرش أمیراً صغیراً فحكمت حتشبسوت مشاركة له ویظن أنھا ھي الملكة التي انتشلت موسى من الماء فیشیر أحد ألقابھا التي كانت تحملھا في فترة حكم تحتمس الثاني أنھا (ابنة فرعون) فتربى موسى في القصر وقت أن حكمت حتشبسوت ، وحین أصبح تحتمس رجلاً یافعاً فأطلق یده في الحكم ومن الواضح في آثاره إنه انتوى أي تتفوق علیه زوجة أبیه المتوفاه وإن كان قد خلا حكم حتشبسوت من أي مشروع حربي اللھم إلا غارة غیر ھامة على النوبة وأرسلت أسطولا تجاریاً خارج البلاد سُطرت رحلته على جدران الدیر البحري غرب طیبة ، ومن جراء ھذا الھدوء أن وجد الأمراء في فلسطین وسوریة الفرصة السانحة لطرح النیر المصري فقاد تحتمس الثالث معركة حسمھا بانتصاره على مجدو المدینة الحصینة وامتد بزحفه محققاً النصر حتى الفرات وسجل انتصاراته على جدران معبد الكرنك ویعرف تحتمس الثالث المرعب بأنه عدو الآسیویین أكثر من كل الفراعنة .
  • من رسائل تل العمارنة تلك الرسائل الدبلوماسیة من حكام مصریین في كنعان وكانت وقتھا خاضعة لمصر أرسلوھا إلى امنحتب الرابع (أخناتون) (١٣٨٣-١٣٦٦ ق.م) یشكون فیھا أن العبیرو (العبرانیین) یستولون على حصون الملك ومن ذلك یتضح أن غزو یشوع للأرض حدث قبل ذلك (أي بین سنتي ١٤٠٠ – ١٣٨٥ق.م) وھذا دلیل على أن فرعون الاضطھاد ھو تحتمس الثالث والخروج حدث في عھد أمینوفیس الثاني .
  •  ذكر مانیتو Manetho (القرن الثالث ق.م) أن الملك أمینوفیس الثاني قد طرد الإسرائیلیین إرضاء للآلھة التي كانت غاضبة فأراد أن یطھر البلاد من البرص وجمیع النجسین .
    في مقبرة وزیر تحتمس الثالث ظھرت لوحة حائطیة تصور عبیداً یصنعون الطوب من طمي النیل ویخلطونھ بالتبن وفي اللوحة كتابة جاء فیھا : “العصا في یدي لا تكن متكاسلاً” .

فاصل

 

موسى النبي تاريخ العهد القديم الضربات العشر
الخروج
تاريخ الكنيسة

 

زر الذهاب إلى الأعلى