تفسير سفر أعمال الرسل ١٢ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثاني عشر

هيرودس أم بطرس الرسول؟

انتهت الخصومة في داخل كنيسة أورشليم إلى تقديم ذبائح شكر وتسبيح للَّه الذي فتح أبواب الإيمان للأمم. وازدهرت الخدمة في إنطاكية على يديّ القدّيسين برنابا وشاول، وصارت أنطاكية سندًا لأورشليم في احتياجاتها الماديّة. الآن جاءت الحرب من الخارج حيث مدّ هيرودس الملك يده فقتل يعقوب الرسول. ظنّ أنّه قادر أن يقتل بقيّة الرسل، فسجن بطرس أثناء عيد الفصح ليقتله، لكن الرب أنقذ بطرس بصلوات الكنيسة المجتمعة معًا تصلّي بلجاجة، وضرب ملاك الرب هيرودس المتعجرف.

  1. هيرودس يقتل الرسول يعقوب 1-2.

تحركت السماء لفتح باب الإيمان أمام الأمم لكي يتمتع العالم كله بالخلاص. فتمتع بطرس الرسول برؤيا سماوية ليخرج من دائرة الحرفية اليهودية ويذهب يبشر كرنيليوس، وهو ضابط أممي، هو وأهل بيته. كما تمتع شاول الطرسوسي برؤية السيد المسيح نفسه ليعده إناءً مختارًا للكرازة بين الأمم. لم يحتمل عدو الخير ذلك، فأثار هيرودس الملك، فمد يده وقتل يعقوب الرسول أسقف أورشليم، وأراد أن يمد يده على بقية الرسل.

منذ اهتداء شاول الطرسوسي إلى الإيمان. لم نسمع عن موجات اضطهاد عنيفة في أورشليم ضد القديسين. الآن ظهرت موجة من جانب آخر، أي من السلطات المدنية.

وفي ذلك الوقت مد هيرودس الملك يديه،

ليسيء إلى أناس من الكنيسة“. [1]

هيرودس أغريباس: وهو ابن أرستوبولس Aristobulus الحفيد الأكبر لهيرودس الكبير من المدعوة مريمن Mariammne، أحدى الأميرات الحشمونيات. وُلد سنة ١١ ق.م.، وذهب إلى روما مع أمه ليتعلم هناك بعد إعدام أبيه أرستوليوس سنة ٧ ق.م. كوَّن صداقة مع أفراد عائلة الإمبراطور، وخاصة مع غايس كاليجولا Caligula ابن أخت الإمبراطور طيباريوس. وإذ صار غايس إمبراطورًا عام ٤٧م منحه المناطق التي كانت تحت حكم فيلبس وليسانيوس في شمال سورية (لو ٣: ١)، كما منحه لقب “ملك”. بعد سنتين أضاف إليه أعمال مناطق الجليل وبيريه.

بعد اغتيال غايس صار كلوديوس قيصر إمبراطورًا في سنة ٤١م، فأضاف إلى الملك أغريباس منطقة اليهودية وأراضي باتانيا Batania وتراخونيتس Trachonitis والجليل والسامرة.

تقول المشناة إنه اجتذب مشاعر اليهود لما قام في أحد الأعياد اليهودية ومسك التوراة وقرأ قانون تدبير المملكة (تث ١٧: ١٤-٢٠)، وكان عيد المظال، وكانت السنة سبتية حيث يتم فيها إراحة الأرض (لا ٢٥: ١-٧). ولما جاء نص الآية التي تقول: “لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبيًا ليس هو أخوك” (تث ١٧: ١٥) بكى بصوتٍ مسموعٍ لأنه ينتسب إلى عائلة أدومية، هي عائلة الهيرودسيين. تأثر الشعب إذ تذكروا أنه أيضًا من عائلة حشمونية يهودية مكابية فصرخوا: “لا تجزع، أنت أخونا أيضًا”. اتسع مُلكه ليشمل جميع الأراضي التي كان يحكمها هيرودس الكبير جده.

كان من أعمامه أرخيلاوس (مت ٢: ٢٢) وهيرودس أنتيباس Herod Antipas الذي قطع رأس يوحنا المعمدان (مت ١٤: ١-١٢)، وكانت أخته هيروديا الراقصة.

مّد هيرودس يده على بعض المؤمنين، غالبًا من عامة الشعب، مع أثار مضيقات لهم كنوعٍ من جس النبض. وإذ رأى رضا اليهود وسرورهم بسلوكه هذا تطاول وارتكب جريمة قتل الرسول يعقوب بالسيف.

v هذا نوع جديد من المحن. لاحظوا ما قلته منذ البداية كيف امتزجت الأمور معًا، كيف اختلطت الراحة مع المتاعب معًا في نسيج التاريخ كله. الآن ليس اليهود ولا السنهدرين وإنما الملك يقاوم. قوة أعظم، وحرب أشد، وقد تم هذا لإرضاء اليهود… يا له من شر متزايد! لحساب من يرضيهم بارتكاب جرائمٍ كهذه بدون تدبيرٍ أو تعقلٍ؟

القديس يوحنا الذهبي الفم

فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف“. [2]

القديس يعقوب الرسول هو أول شهيد بين الرسل، أثرت حياته التقوية على السجان، فآمن بالسيد المسيح ونال الاستشهاد معه. وهو غير يعقوب بن حلفى، ويُدعى يعقوب الصغير الذي استشهد في عصر نيرون بواسطة حنان. لقد تحقق قول السيد المسيح له ولأخيه: “أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان” (مر 10: 39). إنه أحد أعمدة الكنيسة المعتبرين “بطرس ويعقوب ويوحنا”.

لعل غيرته المتقدة للشهادة للسيد المسيح القائم من الأموات والكرازة بإنجيل الخلاص وعمله الرعوي الذي لا يخمد، هذا كله أثار هيرودس ليبدأ بقتله بالسيف. لم يروِ لنا الإنجيلي لوقا شيئًا عن أحداث استشهاده كما فعل بالنسبة للاستشهاد استفانوس.

كان اليهود يوقعون عقوبة الموت بإحدى أربعة طرق، وهى الرجم أو الحرق أو القتل بالسيف أو الشنق. وكان قطع الرقبة بالسيف عقوبة يستخدمها اليهود كما الرومان، يشير إليها التلمود.

v فعل هذا بالرغم من التحذيرات غير المحصاة في حالتي جده ووالده هيرودس، كيف عانى الأول من مصائب كثيرة إذ قتل الأطفال، والأخير صار في حرب خطيرة إذ قتل يوحنا (المعمدان).

القديس يوحنا الذهبي الفم

  1. سجن بطرس الرسول 3-5

وإذ رأى أن ذلك يُرضي اليهود،

عاد فقبض على بطرس أيضًا،

وكانت أيام الفطير“. [3]

استشهد القديس يعقوب أخي يوحنا سنة ٤٤م، وهي نفس السنة التي مات فيها هيرودس. استحسن اليهود قتل يعقوب الرسول، وإذ شعر هيرودس بذلك أراد أن يثَّبت دعائم ملكه على اليهود، فقبض على بطرس الرسول في أيام الفطير، كأنه يود أن يطَّهر الأمة اليهودية من خمير الشر، حتى يعيدوا الفصح بفرحٍ. لكن الله لم يمهله حتى يقتل أيضًا بطرس الرسول. سمح الله باستشهاد يعقوب، ولم يحن وقت استشهاد بطرس، إذ بقيت له رسالة حتى ينال إكليل الشهادة على يد نيرون.

سفك دم القديس يعقوب لم يُشبع شوق هيرودس المحب لسفك الدماء بل زاده عطشًا لذلك. لذا بدأ يضع خطة لسلسلة من سفك دماء بقية قادة الكنيسة، فابتدأ بالقديس بطرس. هذا من سمات كل الخطايا، ليس من خطية يمكنها أن تحقق شبعًا للنفس، لكن مع بداية ممارسة الخطية، ولو في صورة بدائية، يصير للخطية الحق أن تسحب القلب والفكر وكل طاقات الإنسان لسلسلة من الممارسات لا تنقطع. ومع كل ممارسة تؤكد الخطية حقها في السيادة على قلب الإنسان وسلطانها على توجيه إرادته حسبما تشاء! بل وكل خطية تحدر الإنسان إلى أسفل لتسلمه إلى خطية أخرى، ويبقى في تدحرج مستمر ما لم تسنده نعمة الله بالتوبة الصادقة.

ولما أمسكه وضعه في السجن،

مسلِّمًا إيّاه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه،

ناويًا أن يقدمه بعد الفصح إلى الشعب“. [4]

لم يكن ممكنًا أن يقتل بطرس في الحال إذ كانت أيام الفطير، وكانت المدينة مزدحمة من القادمين ليس فقط من اليهودية بل ومن دوٍل كثيرة. خشي أن يتعاطف معه اليهود الغرباء الذين يحملون نوعًا من التحرر من جهة حرف الناموس، خاصة وأنه وضع في خطته أن يحاكمه علانية، مقدمًا إياه للشعب.

إذ خشي أن يهرب بعد قتل يعقوب أمسكه، ووضعه في السجن تحت حراسة مشددة “أربعة أرابع من العسكر”. وقدر ما كانت الأوامر مشددة بالحراسة صار الخلاص عجيبًا! وُضعت هذه الحيطة خشية أن يتعاطف معه أحد أعوان المسيحيين من العاملين في السجن فيخطط لهروبه.

v لم يهرب خادم الله، بل وقف بثباتٍ دون مرور أي فكر للخوف. صلَّت الكنيسة من أجله، أما الرسول فنام في السجن علامة أنه لم يكن في خوفٍ. أُرسل ملاك ليوقظه إذ نام، واقتاد بطرس خارج السجن، وهرب من الموت إلى حين.

القديس أمبروسيوس

فكان بطرس محروسًا في السجن،

وأمّا الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى اللَّه من أجله“. [5]

ماذا فعل السجن؟ وماذا أمكن للحراسة المشددة أن تعمل؟ لقد تزكى بطرس الرسول كإنسانٍ شجاعٍ يقبل الضيق بفرحٍ من أجل الرب، وتمتعت الكنيسة بحياة الصلاة بلجاجة، وتحركت السماء للعمل، وآمن حارس السجن وأهل بيته. كان النفع عجيبًا لحساب ملكوت الله!

شعرت الكنيسة بجدية عزم هيرودس على قتله، فالتهب قلب الكنيسة ليس خوفًا على موت بطرس، وإنما لكي يكمل رسالته، شعرت الكنيسة أن المعركة ليست بين الملك والقديس بطرس، بل بين مملكة المسيح وقوات الظلمة، لذا صارت تصلي بلجاجة إلى الله.

جاءت الكلمة اليونانية تعني بغيرة متقدة، وأيضًا مثابرة. هذا هو سلاح الكنيسة القوي، الصلاة الجماعية الحارة بلا انقطاع، خاصة وهي تحمل مع الإيمان بعمل الله وقدرته علي الخلاص رائحة الحب والتسليم، حب لله ولبعضهم البعض.

v إنها صلاة تصدر عن حب (بنوي) مُقدم من أبٍ، ومن أجل أبٍ لطيفٍ.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الجميع قدموا الصلاة بلجاجة دون دخول في مناقشات أو انقسامات، كما لم يستخف أحد بنفسه كيف يصلي من أجل الرسول، فإن الحب لن يسمح لمثل هذه الأفكار أن تتسلل إليهم.

v صلى دانيال، وصلاته سدت أفواه الأسود (دا 6)، أغُلق الفم المفترس أمام جسد البار وعظامه… صلواته أيضًا ردت السبي بعد إتمام السبعين سنة (دا 9: 23). هكذا تسلح كل واحدٍ من آبائنا السابقين بسلاح الصلاة عندما قابلتهم شدائد، وبالصلاة خلصوا من الضيق.

الأب أفراهات

v يليق بنا ألا نقصر خدمتنا (صلواتنا) على أوقات معينة ثابتة للسواعي، بل أمرنا الرسول أن نصلي في كل حين (أف 6: 18) بالروح، وأن نبقى ساهرين في الصلاة في كل لحظة، مصلين على الدوام بلا انقطاع. مرة أخرى يقول: “لتُعلم طلباتكم لدى الله” (في 4: 6) بكل أنواع الطلبة. “مواظبين على الصلاة” (رو 12: 12). “امتلئوا بالروح، مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب” (أف 5: 18-19). يحدثنا في كل موضع في رسائله بقوة أن نثابر على الصلاة، لأنه يعرف أن الصلاة هي سلاح القدير للمسيحيين، وحصن منيع، يصير قويًا بالله. الصلاة تفعل ما تشاء، حسب قدرة (إرادة) الله. أنها تصدر أوامر على الأرض وترتد إلي السماء.

الأب مارتيروس

يليق بنا الإشارة إلى الخط الواضح في إنجيل لوقا وأعمال الرسل ألا وهو الصلاة. فيقدم لنا لوقا الإنجيلي يسوع المسيح صديقًا لكل البشرية. هذه الصداقة التي قدم ثمنها مسيحنا، دمه على الصليب، تستلزم منا الحديث المستمر معه. نذكر على سبيل المثال:

* أثناء عماد السيد المسيح: “إذ كان يصلي انفتحت السماء(لو 3: 21)

* وقبل اختياره للتلاميذ الإثني عشر خرج إلي الجبل ليصلي، وقضى الليل في الصلاة لله(لو 6: 12).

* وفي تجليه: “صعد إلى الجبل يصلي، وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة” (لو 9: 28-29).

* قدم السيد المسيح ثلاثة أمثال عن الصلاة: صديق نصف الليل (لو 11: 5-13)؛ القاضي الظالم والأرملة “ينبغي أن يُصلي كل حين ولا يُمل” (لو 18: 1-8)؛ مثل الفريسي والعشار اللذين صعدا إلى الهيكل ليصليا (لو 18: 9-13).

* عند حديثه عن نهاية الأزمنة ختم خطبته بالقول: “اسهروا إذًا وتضرعوا في كل حين لكي تُحسبوا أهلاً للنجاة من الجميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا أمام ابن الإنسان” (لو 21: 36).

أما سفر الأعمال فهو سفر الكنيسة المثابرة على الصلاة.

* هؤلاء كانوا يواظبون بنفسٍ واحدة على الصلاة والطلبة” (أع 1: 14).

* “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات” (أع 2: 42).

* “كانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة… مسبحين الله (أع 2: 46-47).

* صلواتك وصدقاتك صعدت تذكرًا أمام الله (أع 10: 4).

* “وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله (أع 12: 5).

* “كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون” (أع 12: 12).

  1. خلاص بطرس من السجن 6-11

ولما كان هيرودس مزمعًا أن يقدمه،

كان بطرس في تلك الليلة نائمًا بين عسكرين، مربوطًا بسلسلتين،

وكان قدام الباب حراس يحرسون السجن“. [6]

كان السجين في النظام الروماني يُربط بسلسلة في خسر يده اليمنى ونهايتها في يد الجندي اليسرى، وتُترك يده اليمنى حرة لإبطال أية محاولة لهروب السجين. وفي الحالات الخطيرة يُربط السجين بيديه اليمنى واليسرى مع جنديين، واحد من كل جانب، ويحرس جنديان باب الزنزانة. لعل هذا الأجراء التحفظي تم بالنسبة للقديس بطرس كسجينٍ خطيرٍ بناءً على توصية من رئيس الكهنة، كما سبق فأوصى بختم القبر لئلا يأتي التلاميذ ويسرقون الجسد.

هكذا كانت قوات الظلمة تشعر بضعفها، وتبذل كل جهودها لتحبس عمل الله وتحَّجمه، أما بطرس الرسول فكان نائمًا، لا يشغله ما سيحل به من مخاطر. كان بينه وبين الموت خطوة، أما هو فكان يحمل في داخله واهب القيامة، ومعطي السلام الفائق.

وإذ ملاك الرب أقبل،

ونور أضاء في البيت،

فضرب جنب بطرس وأيقظه، قائلاً: قم عاجلاً،

فسقطت السلسلتان من يديه“. [7]

كانت الكنيسة تصلي بلجاجة ولم تدرِ أن الله قد سمع صلاتها، وتحركت السماء ليضيء ملاك الرب بالنور السماوي في الزنزانة المظلمة. تعجل ملاك الرب القديس بطرس، فضربه في جنبه في حنوٍ ورقةٍ بالقدر الذي به يوقظه. وسأله أن يقوم عاجلاً، ويتمتع بعمل الله العجيب! ويفّرح قلوب المجتمعين بالصلاة، فيدركوا تحقيق الوعد الإلهي: “أفلا ينصف الله مختاريه، الصارخين إليه نهارًا وليلاً، وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه أنصفهم سريعاً” (لو ١٨: ٧-٨).

ألقى الرب على الجنديين ثباتًا فناما نومًا عميقًا، ولم يشعرا بالنور الملائكي ولا بسقوط السلسلتين من يدي القديس بطرس. سقطت السلسلتان المحكمتان الإغلاق، إذ لم يكن ممكنًا للقيود الحديدية أن تقف أمام أمر الله بإطلاق الأسير. ذاك الذي يطلق الأسرى في القبور، ويهب الموتى الحياة، والذي يحلّ رباطات الخطية المرة، لا يصعب عليه أن يحل القيود من يدي رسوله، فلا تبقى مطبقة إلاَّ على أيدي الحراس.

تمتع الرسول في تلك اللحظات بعمل الله واهب الحرية للنفس، الذي لا تستطيع المتاريس الحديدية ولا الحراس المسلحين، ولا القيود الصلبة أن تحده بالزنزانة، بل خرج حرًا تحت قيادة ملاك الرب!

وقال له الملاك: تمنطق والبس نعليك،

ففعل هكذا،

فقال له: البس رداءك واتبعني“. [8]

سأله الملاك أن يتمنطق ويلبس نعليه ورداءه بينما يرقد حارس عن يمينه، والآخر عن يساره والسلسلتان في أيديهما.

كانت هذه هي الليلة الأولى والوحيدة له في السجن، ومع هذا لم ينشغل بشيء، بل في سلامٍ كاملٍ خلع المنطقة والرداء والنعلين، لينام بين الجنديين في راحةٍ وسلامٍ.

طلب منه أن يتبعه لكي يرفع عنه كثافة الحيطان والأبواب الحديدية والمتاريس، فيعبر من السجن، وكأنه روح بلا جسد، أو ملاك لا إنسان. حقًا “يكونون كملائكة الله” (مت ٢٢: ٣٠). لقد اختبر القديس بطرس عربون القيامة في صورة رائعة.

يرى القديس يوحنا كاسيان في كتابه عن أنظمة الشركة أن الرهبان المصريين كانوا يرتدون منطقة لتأكيد ارتداء منطقة روحية، حيث يكون الذهن مستعدًا لكل عمل للدير دون عائق لثيابه. وأنهم بهذا يتشبهون بالقديس بطرس إذ طلب منه الملاك أن يتمنطق، والقديس بولس الرسول حيث قال له أغابوس أن من له هذه المنطقة سيجتاز شدائد في أورشليم (أع 21: 11).

فخرج يتبعه،

وكان لا يعلم أن الذي جرى بواسطة الملاك هو حقيقي،

بل يظن أنه ينظر رؤيا“. [9]

لم يصدق القديس بطرس ما قد حدث، وظن أنه في رؤيا. أما الذين في السجن، فغطتهم الظلمة الكثيفة، ولم يروا شيئًا، ولا شعروا بحركة وسط هدوء الليل.

فجازا المحرس الأول والثاني،

وأتيا إلى باب الحديد الذي يؤدي إلى المدينة،

فانفتح لهما من ذاته،

فخرجا وتقدّما زقاقًا واحدًا،

وللوقت فارقه الملاك“. [10]

عبر به الملاك من السجن الداخلي ثم الخارجي، ليجد نفسه معه في ردهة مؤدية إلى باب السجن العام المؤدي إلى المدينة. هذا الوصف يطابق قلعة أنطونيا. تُرى هل كان الحرس ساهرين ولم يروا الملاك والقديس بطرس، أم ألقى الرب عليهم ثباتًا، فنام الجميع، ولم يشعروا حتى بانفتاح الباب الحديدي الضخم؟

انفتح الباب الحديد من ذاته، أي بقوة إلهية، عندئذ تنسم بطرس الرسول نفحات الحرية بعد أن سار معه الملاك زقاقًا واحدًا، فصار بعيدًا عن دائرة السجن. لم يعد هناك حاجة لظهور ملائكة لبطرس بعد أن خرج من محيط الخطر. لم يرافق الملاك القديس بطرس حتى يدخل به إلى العلية، فإن الله يقدم معونة ملائكية علنية للمؤمنين قدر احتياجهم، أما إذا لم تكن هناك حاجة، فيلزم على المؤمنين أن يسيروا مجاهدين تسندهم نعمة الله وترافقهم الملائكة خفية.

فقال بطرس وهو قد رجع إلى نفسه،

الآن علمت يقينًا أن الرب أرسل ملاكه،

وأنقذني من يد هيرودس،

ومن كل انتظار شعب اليهود. [11]

رجع بطرس الرسول إلى نفسه أو في نفسه، كما لو كان قد دخل في حالة دهشٍ إلهيٍ، خرج من نفسه ليتمتع برؤيا فائقة، وعمل سماوي عجيب. ترنم الرسول بتسبحة للرب نطق بها بقلبه لا بلسانه، يمجد فيها الله مخلصه الذي أنقذه من يد هيرودس، وكأنه يردد ما قاله نبوخَذْنَصَّر: “تبارك إله شدرخ وميشخ وعبدنغو الذي أرسل ملاكه، وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه” ( دا 3: 28). وما سبح به يثرون حمى هرون: “مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين، ومن يد فرعون” (خر 18: 10). وما أنشد به زكريا الكاهن: “مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه… خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا” ( لو 1: 68، 71).

ما تمتع به هؤلاء جميعًا يقدم لنا صورة حيَّة لتدخلات الله في تاريخ الكنيسة، كما في حياة كل مؤمن، علانية أو خِفية.

من كل انتظار شعب اليهود“: كان اليهود المجتمعون للاحتفال بعيد الفصح منتظرين هدية هيرودس لهم، وهي قتل القديس بطرس، لكن يد الله تدخلت لتنقذ حياته.

يرى بعض الدارسين أن خلاص بطرس من السجن كان في آخر الليالي الخاصة بالاحتفال بالفصح، فجاء سجن بطرس وخلاصه وتسبحته الداخليّة واجتماع الكنيسة، كل هذا كان مرتبطًا بالفصح! جاء في المدراش عن ليلة خروج الشعب من مصر (خر 12: 42) إنها ليلة سهر، يصنع الله فيها العظائم مع قديسيه، كما فعل مع شعبه أيام موسى. ففي تلك الليلة أنقذ الرب حزقيا الملك، والثلاثة فتية من آتون النار، ودانيال من جب الأسود، وفي هذه الليلة يُظهر المسيح قوته وأيضًا إيليا (عند مجيء المسيح الأخير). هكذا ارتبط الفصح في ذهن اليهود بخلاص الله العجيب في حياة الكنيسة عبر العصور، وفي حياة كل مؤمن مقدس للرب.

ويرون أيضًا أنها ليلة تسبيح وتهليل حيث ينشد الشعب ورجال الله تسابيح الحمد لله المخلص، فيرى الرابانيون أن يشوع سبح الله في مثل هذه الليلة عندما غلب ملوك الكنعانيين الخمسة، ودبورة وباراق حين انتصرا على سيسرا، وحزقيا حين أنقذه الله من حصار سنحاريب، والثلاثة فتية عندما خلصوا من أتون النار، واستير ومردخاي حين أنقذ الله شعبه من خطة هامان لإبادتهم، وكأن أعمال الله الخلاصيّة عبر العصور ترتبط بذبيحة الفصح، أي خلاص الله العظيم بالصليب وتتويجه بالقيامة.

  1. القدّيس بطرس في العُلّية 12-17

ثم جاء وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقّب مرقس،

حيث كان كثيرون مجتمعين،

وهم يصلّون“. [12]

توجه القديس بطرس إلى العلية ليخبرهم بعمل الله الفائق معه، ورعاية الله لكنيسته.

لقد انفتحت له الأبواب من ذاتها، لكنه وقف على باب الكنيسة يقرع، وللأسف شكت الكنيسة في الأمر، وقالت: “إنه ملاكه“. إذ كان المؤمنون يعتقدون بوجود ملاك حارس لكل مؤمنٍ.

وسط هذا الجو الروحي البديع للصلاة وقف بطرس يخبرهم كيف اختبر عربون القيامة، يرسل الله ملائكته، يفك الراقدين من السجن، يشرق بنورٍ سماويٍ عليهم فيضيء لهم، يترك قوات الظلمة داخل السجن، وقد قيدوا أنفسهم بالسلاسل، تنفتح الأبواب أمام المؤمنين…

v لم يوجد الليل لكي نقضيه كله في النوم والخمول، بل نشهد أمام أن كنيسة المسيح تقوم في منتصف الليل. قوموا أنتم أيضًا وتطلعوا إلى أفلاك النجوم في صمتٍ عميقٍ وتجاوبٍ سليمٍ، متأملين في نظام سيد الأسرة (المسكونة) المهوب. فإن كانت نفسك أنقى (من النجوم)، أخف منها، وأكثر لطفًا، فإنها تسبح في حرية، فالظلمة ذاتها والسكون عينه يكفيان أن يقوداك إلى الندامة… النوم هو صورة للموت، صورة لنهاية كل الأشياء. إن تطلعت من نافذة نحو الشارع لن تسمع صوتًا، وإن نظرت في البيت تجد الكل راقدين كما في مقبرة، هذا كله يوقظ النفس، ويقودها إلى التفكير في نهاية كل الأشياء…

يتحرك الله بالصلوات التي تُقام في الليل، عندما تجعل وقت الراحة وقت الحزن (التوبة). تذكر ما نطق به الملك: “تعبت في تنهدي، أعوم كل ليلة سريري، وبدموعي أذوب فراشي” (مز 6: 6).

v ليكن البيت كنيسة تضم رجالاً ونساء، فلا تظن أنك أنت الرجل الوحيد الموجود في البيت، ولا هي المرأة الوحيدة الموجودة فيه، فإن هذا يمثل عائقًا. يقول: “لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم (مت 18: 20). وحيث يوجد المسيح في الوسط تكون جموع عظيمة. حيث يوجد المسيح يوجد الملائكة. وبالضرورة رؤساء الملائكة أيضا وقوات أخرى. فأنت لست وحدك، إذ لديك ذاك الذي هو رب الكل. اسمع أيضًا ما يقوله النبي: “واحد يفعل إرادة الرب أفضل من ربوة من العصاة” (راجع ابن سيراخ 16: 3). ليس شيء أضعف من جمهور الأشرار، ولا من هو أقوى من إنسان بار يسلك بناموس الله.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v الكلمات “أقوم في نصف الليل” ليست بلا قيمة. فإنّهم يعرفون أنّه في تلك الساعة قُتل أبكار المصريّين، وفي ذلك الوقت انحلّت قيود بطرس وبولس وسيلا الذين ألقوا في السجن، وأيضًا يأتي العريس في نصف الليل (مت 25: 6).

الأب كاسيودوروس

فلما قرع بطرس باب الدهليز،

جاءت جارية اسمها رُودا لتسمع“. [13]

غالبًا ما كان الباب الخارجي، وهو يبعد عن مبنى البيت، إذ كانت المنازل الكبيرة تُحاط بفناء حوله سور، ويوجد دهليز يربط بين الباب الخارجي وباب البيت.

فلما عرفت صوت بطرس لم تفتح الباب من الفرح،

بل ركضت إلى داخل،

وأخبرت أن بطرس واقف قدام الباب“. [14]

يرى البعض في هذا الحدث صورة أو ظلاً لفصح المسيح، أي آلامه وقيامته، حيث يود أن تتمتع الكنيسة بشركة آلامه وتختبر بهجة فصحه أو قيامته. فقد كان الرسول راقدًا في السجن، وكأنه قد دُفن مع السيد المسيح في القبر. وكان محاطًا بالعسكر والأبواب مغلقة، صورة للسيد المسيح في القبر تحت الحراسة، والحجر على باب القبر وعليه الختوم. ظهر لبطرس ملاك الرب، ووُجدت ملائكة في القبر.

لم يهلك بطرس، بل عاد إلى الشعب يعلن مجد الله. والسيد المسيح لم يرَ جسده فسادًا، بل قام حيًا يعلن حضوره وسط شعبه.

جاءت رودا (معناها وردة) الجارية تسمع صوت بطرس وتبشر الكنيسة بالخبر، وجاءت المريمات إلى القبر والتقَيْن بالمسيح القائم من الأموات، وسمعن صوته. وعادت المريمات يبشرن بالقيامة.

قال المجتمعون: “أنت تهذين“، ولم يصدق حتى الرسل والتلاميذ ما أخبرت به المريمات عن القيامة (مت 28: 7-8).

فقالوا لها أنت تهذين،

وأمّا هي فكانت تؤكد أن هكذا هو،

فقالوا أنه ملاكه“. [15]

يعتقد اليهود أن الملائكة تحمي الأبرار وتعينهم. وأن ملاكين، واحد صالح والآخر شرير، يصاحبان الإنسان عند عودته من المجمع إلى بيته في عشية السبت.

يظهر هذا التعليم الخاص بالملاك الحارس في الكتابات المسيحية المبكرة، ذُكر في برناباس وكتاب الراعي لهرماس وفي أعمال القديس إكليمنضس السكندري، وأوريجينوس. ووجد له أساس في الكتاب المقدس (تك 16:48؛ طو 25:3؛ مت 10:18؛ أع 15:12).

يظهر من قول السيد المسيح نفسه أن ملائكة هؤلاء الأصاغر يرون وجه الآب السماوي.

جاء في سفر الأعمال قول المجتمعين للجارية عن الذي يقرع الباب إنه ملاكه.

أوصى الرسول بولس المرأة أن يكون لها غطاء للرأس لأجل الملائكة.

قول المرتل: “ملاك الرب حال حول خائفيه”.

قول يعقوب بن اسحق أن الملاك كان يقوته، وأنه قاده في حداثته.

6 v يجب أن نؤمن أن الملائكة، وهم خدام الله والحراس المعينين من قِبَله، متواجدون مع الإنسان الذي يصلي، حتى ينضمون إليه فيما يلتمسه. والحقيقة أن الملاك المخصص لكل منا، حتى للصغار في الكنيسة، والذي يعاين دائمًا وجه الآب، ويشاهد ألوهية الخالق، يصلي معنا ويدعمنا على قدر الإمكان فيما نطلب.

v كل واحدٍ من المؤمنين حتى وإن كان الأصغر في الكنيسة، يعاونه ملاك، قال عنه المخلص أنه يعاين وجه الله الآب.

v لابد أن نقول إن النفس البشرية هي تحت إشراف ملاك بالنسبة لها بمثابة الوالد.

v إذ يقبل إنسان الإيمان، يعهد به المسيح الذي فداه بدمه من الشرير إلى ملاك مقدس الذي بسبب نقاوته يعاين وجه الله الآب.

v حتى لا يحدث أن تجد الأرواح الشريرة فيما بعد مكانًا فيها (النفس البشرية)، رأت حكمة الله وعنايته أن تُزوّد الأطفال الصغار، وأولئك الذين هم ليسوا إلا أطفالاً رُضّع في المسيح، وغير القادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد غواية الشيطان وهجمات الأرواح الشريرة، بملائكة وحراس أبطال، معينين من قِبَله، كمرشدين ومُربّين لصغار السن أو غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم (1 كو 1:3؛ أف 11:6؛ غل 2:4).

v حيث أن الله عالم بالإرادة الحرة لكل إنسان، إذ سبق فرأى ما يفعله الإنسان لذلك رتب بعنايته لكل واحدٍ ملاكًا يليق به حسب استحقاقه، معطيًا إياه لكي ما يصلي عن أجله…

يقول الله لمن يتصف بهذه الصفات، أو تلك أرسل إليه ملاكًا حارسًا يعمل معه لخلاصه، وذلك ابتداء من الوقت المعين ويبقى معه إلى وقت آخر. ويقول عن آخر: سأبعث بملاك آخر ربما يكون برتبة أعلى بما يتناسب مع أفضليته عمن سبقه. ولآخر ممن كرّسوا أنفسهم للتعليم السامي، ثم أدركه الضعف فعاد به إلى الأمور المادية، سأجرده من معاونة القوي، الذي برحيله عنه – بحسب استحقاقه – سوف تقتنصه قوة شريرة معينة، وتجد لها فرصة للانتفاع بضعفه هذا، فتستدرجه -إذ أظهر استعدادًا للخطية – لاقتراف هذه الرذيلة أو تلك.

v كل الناس يحركهم ملاكان: أحدهما شرير يحرضه على الشر، والآخر صالح يحثّه على الصلاح”… فإن كان يوجد فكر صالح في رأسنا، فما من شك في أن ملاك الرب هو الذي يتحدث معنا. أما إن جاءت أمور شريرة إلى قلوبنا، فالذي يخاطبنا هو ملاك الشر.

العلامة أوريجينوس

يعتقد آباء القرن الرابع نفس هذه العقيدة. فبالنسبة للقديس باسيليوس، يُخصص ملاك لكل مؤمن؛ هذا إذا لم نستبعده عنا بالخطية، يحرس النفس مثل جيش.

v يشهد الكتاب المقدس عن وجود ملاكين، أحدهما صالح والآخر شرير، يكونان ملاصقين لكل واحدٍ منا. يقول المخلص عن الملاك الصالح: “لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه أبي الذي السماوات” (مت 10:18). وأيضًا: “ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم” (مز 7:34). وأيضًا ما قيل في أعمال الرسل عن بطرس: “إنه ملاكه” (أع 15:12).

الأب سيرينوس

وأمّا بطرس فلبث يقرع،

فلما فتحوا ورأوه اندهشوا“. [16]

انفتح الباب الحديدي للسجن من ذاته، حيث كان الموقف خطيرًا. أما وقد أُنقذ بطرس فالتزم أن يقرع، ويلبث يقرع حتى يفتحون له. في وسط الضيق تتدخل عناية الله لتنقذ في اللحظات الحاسمة، أما في وقت الفرج، فيُسمح للشخص أن يقف وينتظر لعل أحد أحبائه يفتح له.

فأشار إليهم بيده ليسكتوا،

وحدثهم كيف أخرجه الرب من السجن،

وقال: اخبروا يعقوب والإخوة بهذا،

ثم خرج وذهب إلى موضع آخر“. [17]

إذ رأوه حدث ارتباك شديد وضوضاء مع فرحٍ وتهليلٍ، فكان كل منهم يُحدِّث الآخر: ماذا حدث؟ لذلك أشار إليهم بيده ليسكتوا، ثم بدأ يحدثهم عن عمل الله معه، طالبًا أن يخبروا يعقوب (غالبًا الصغير) والإخوة، ربما يقصد بهم الرسل زملاءه.

  1. اضطراب العسكر 18-19

“فلما صار النهار حصل اضطراب ليس بقليلٍ بين العسكر،

ترى ماذا جرى لبطرس؟” [18]

وأمّا هيرودس فلما طلبه ولم يجده فحص الحراس،

وأمر أن ينقادوا إلى القتل،

ثم نزل من اليهودية إلى قيصرية،

وأقام هناك“. [19]

فحص الحراس“: أراد هيرودس أن يعرف حقيقة الموقف، هل تراخى الحراس عن عملهم أم حدثت خيانة وأخذوا رشوة. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هيرودس تضايق جدًا ظانًا أن حراس السجن سخروا به كما سخر المجوس بجده عند ميلاد السيد المسيح ولم يرجعوا إليه بعد سجودهم للملك الطفل.

يبدو أن هيرودس ظن بأن ما حدث فيه إهمال من جانب الحراس لذلك أمر باقتيادهم للقتل، لكن إذ ترك اليهوديَّة وذهب إلى قيصريّة، حيث ضربه ملاك الرب ومات [33]، لا نعرف إن كان قد نُفذ حكم الإعدام عليهم أم لا.

  1. ملاك الرب يضرب هيرودس 20-25

وكان هيرودس ساخطًا على الصوريين والصيداويين،

فحضروا إليه بنفسٍ واحدةٍ،

واستعطفوا بلاستس الناظر على مضجع الملك،

ثم صاروا يلتمسون المصالحة،

لأن كورتهم تقتات من كورة الملك“. [20]

هدد هيرودس أغريباس الأول بقطع إمدادات الطعام عن صور وصيدا، لأن شعب المدينتين أغضبوا الملك لأسباب لم يذكرها معلمنا لوقا البشير. جاءوا يطلبون الصلح والصفح مستعينين ببلاستس القائم على مخدع الملك، وهو من أقرب الناس إلى قلبه. وقد روى يوسيفوس ذات القصة بالتفصيل، وقد جاءت مطابقة لما ورد في السفر.

ففي يوم معين لبس هيرودس الحُلّة الملوكية،

وجلس على كرسي الملك وجعل يخاطبهم. [21]

فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنسان“. [22]

ففي الحال ضربه ملاك الرب،

لأنه لم يعطِ المجد للَّه،

فصار يأكله الدود ومات“. [23]

مات في الحال في صورة مخجلة، ليس من أجل اضطهاده لبطرس فحسب، وإنما لأجل قبوله للمجد الباطل، حيث ظن أنه مستحق أن يُعبد كإله. هذا، وقد قدم الله درسًا سريعًا للذين في مداهنة له وتملق ادعوا أنه إله. لعلهم يرجعوا إلى الله بالتوبة.

سمح الله بذلك ليكشف عن شخصية يسوع المسيح. فإن كان الملك الذي لم ينطق بكلمة إنما في غروره صرخت الجماهير إن صوته صوت إله لا إنسان ضُرب في الحال، فإن يسوع المسيح أعلن مرارًا وتكرارًا عن مساواته للآب، وقد وأقامه الآب من الأموات… يستحيل أن يكون مجدفًا حين يعلن عن ربوبيته!

“فصار يأكله الدود ومات“: كثيرًا ما يقدم الكتاب المقدس هذا الوصف عن الذين باغتهم الموت بنوعٍ من النقمة، مثل أنطيخوس الرابع (٢ مك ٩: ٩)، وهيرودس الكبير ويهوذا الاسخريوطي (بابياس وأخذ عنه أوليناريوس)، جالريوس، يوليانوس الكافر.

وأمّا كلمة اللَّه فكانت تنمو وتزيد“. [24]

بينما كان أغريباس يسهر ليخطط ضد الكنيسة، كان الله ساهرًا على كلمته. كلما اشتدت الضيقة وسفكت دماء الشهداء تُستعلن ذراع الرب وينمو ملكوته على الأرض.

لقد أغلق الهيكل بابه في وجه المؤمنين، لكي تفتح الأمم أبوابها وتصير هي هيكل الرب المقدس الذي يسكنه روح الرب.

لم يروِ لنا الإنجيلي لوقا شيئًا ما بين موت أغريباس وبدء أول رحلة تبشيرية للرسول بولس ومعه برنابا ومرقس، تُقدر هذه الفترة بحوالي سنتين. فقد مات أغريباس عام ٤٤م وبدأت الرحلة عام ٤٦م.

ورجع برنابا وشاول من أورشليم،

بعدما كملا الخدمة،

وأخذا معهما يوحنا الملقّب مرقس“. [25]

يوحنا الملقب مرقس“: القديس مرقس الرسول هو ابن أخت القديس برنابا (١ كو ٤: ١٠). يبدو أن الصديقين الحميمين بولس وبرنابا كانا قد أقاما في أورشليم في بيت يوحنا مرقس، حيث كان التلاميذ يجتمعون.


 

من وحي أعمال الرسل 12

يا لبؤس هيرودس كل عصر!

v يا لغباوتك يا هيرودس الكبير،

ظننت أنك تلحق بيسوع بقتلك أطفال لحم.

حطمت ذاتك، وخسرت كل شيء.

يا لبؤس ابنك قاتل القديس يوحنا المعمدان،

ظن أنه يحقق السعادة بالخلاص منه.

فصارت حياته جحيمًا ورعبًا.

ويا لغباوة حفيدك، فقد ظن أنه يقتل كل الرسل.

أراد إرضاء صالبي يسوع بالخلاص من رسله.

ها هو هيرودس كل عصر يقاوم مملكة النور،

ظانًا أنه قادر أن يحبسها،

فيحل به الفساد ويفقد مملكته!

v ماذا فعل هيرودس؟

ظن أنه قتل يعقوب، هذا الذي تهللت نفسه بانطلاقها.

ظن أنه يرعب بطرس، فتزكى بطرس أمام الله والناس.

السجن بكل حصونه يشهد لانهياره أمام الله.

فلت بطرس من أيدي الحراس بكل جبروتهم!

السماء تحركت، فجاء ملاك الرب نائبًا عنها يخدم بطرس!

الكنيسة في ضيقتها تحولت إلى جماعة صلاة بلجاجة وقوة!

v صدَّق هيرودس تملق الجمهور.

ظن في نفسه أنه إله، فصار وليمة للدود.

مات هيرودس، وانطلقت الكنيسة تكمل رسالتها!

فاصل

سفر أعمال الرسل : 123456789101112131415161718192021222324  – 25262728

تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة1 23456789101112131415161718192021222324 25262728

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى