تفسير سفر أعمال الرسل ١٦ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح السادس عشر
آية (1):-
ثم وصل إلى دربة ولسترة وإذا تلميذ كان هناك اسمه تيموثاوس ابن امرأة يهودية مؤمنة ولكن أباه يوناني.
واضح من قوله تلميذ أن تيموثاوس سبق وآمن وإعتمد فى الإرسالية الأولى خلال رحلة بولس الرسول الأولى.
آية (3):-
فأراد بولس أن يخرج هذا معه فأخذه وختنه من اجل اليهود الذين في تلك الأماكن لان الجميع كانوا يعرفون أباه انه يوناني.
الرسول بولس يتصرف بحكمة من أجل اليهود، فتيموثاوس سيخدم وسطهم، وهم يعتبرون أن غير المختون من اليهود هو كافر خصوصاً أن أم تيموثاوس يهودية. ولنلاحظ أن مجمع أورشليم قد أعفا الأمم من الختان أماّ اليهود فلهم وضع خاص، فليختتنوا لأنهم تعودوا على ذلك وليفهموا بالتدريج. ولنلاحظ أن بولس لم يختنه لإعتقاده أن هذا لازم للخلاص كما يفكر المتهودين بل لأنه أرادا أن يكون لليهود كيهودى ليكسب على كل حال قوماً. وبنفس الفكر لم يختن تلميذه تيطس فأبواه كليهما أمميان وكان سيخدم الأمم.
آية (4):-
وإذ كانوا يجتازون في المدن كانوا يسلمونهم القضايا التي حكم بها الرسل والمشايخ الذين في أورشليم ليحفظوها.
القضايا= هى قرارات مجمع أورشليم
آية (6):-
وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في أسيا.
هنا نرى الروح القدس الذى يقود الكنيسة ويتدخل فى توجيه مسيرة التبشير. إجتازا فى فريجية = غرباً وكورة غلاطية= شرقاً. ومنعهم الروح ان يتكلموا بالكلمة فى أسيا= (إتجاه أفسس فى الجنوب الغربى )
آية (7):-
فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بثينية فلم يدعهم الروح.
مرة أخرى الروح يتدخل لتوجيه المسيرة.
آية (9):-
وظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول اعبر إلى مكدونية وأعنا.
هنا يتضح لماذا منعهم الروح فهو يريدهم أن يتوجهوا إلى مقدونيا.وهنا نرى غالباً ملاك فى صورة رجل مكدونى. أعنا= ضد الشيطان والوثنيين والجهل والخطية. وكان ظهور رجل يطلب معونة حتى لا يهلك من المؤكد أنه سيحرك قلب بولس ويذهب. الروح القدس سمح بوجود موانع فى طريقهم الأول ثم يقنعهم بهذه الرؤيا فهو لا يحرك أدوات صماء، بل يقنعهم ( أقنعتنى يا رب فإقتنعت ار 7:20)
آية (10):-
فلما رأى الرؤيا للوقت طلبنا أن نخرج إلى مكدونية متحققين أن الرب قد دعانا لنبشرهم.
طلبنا= لأول مرة يستخدم الكاتب ضمير الكاتب المتكلم، فمن هنا نرى أن بولس إصطحب معهُ لوقا. ولكن لوقا لا يذكر إسمه أبدأ ولا خدماته التى يقدمها ولكن بولس يذكره بكل إعجاب (كو 14:4+2تى 11:4+2كو 18:8).
آية (11):-
فأقلعنا من ترواس وتوجهنا بالاستقامة إلى ساموثراكي وفي الغد إلى نيابوليس.
ترواس= ميناء. ساموثراكى= جزيرة متاخمة للشاطىء.نيابولبس= ميناء.
آيات (13:12):-
ومن هناك إلى فيلبي التي هي أول مدينة من مقاطعة مكدونية وهي كولونية فاقمنا في هذه المدينة أياما. وفي يوم السبت خرجنا إلى خارج المدينة عند نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة فجلسنا وكنا نكلم النساء اللواتي اجتمعن.
فيلبى= هى كبرى مدن مقاطعة مكدونية. ومقاطعة مكدونية مقاطعة كبرى فى بلاد اليونان. وقد صيرَّها بولس الرسول محطاً وممراً فى رحلاته من فيلبى إلى تسالونيكى ثم إلى بيرية ذهاباً وإياباً = أول مدنية = 1) أكبر مدينة 2) أول مدينة يدخلها الإيمان. كولونية = تعنى أن فيلبى كانت تحت الرعاية الرومانية مباشرة وأن للمواطنين فيها حقوق وإمتيازات رومانية كأن لا يُجلدون قط ولا يقبض عليهم إلاّ تحت إشتراطات خاصة. ولهم الحق فى رفع شكواهم من تحت تحقيق الحكام المحليين إلى الإمبراطور نفسه. وقوانينها هى قوانين روما نفسها أى أن فيلبى كانت روما مصغرة. وسبب كل هذا الشرف أن أغسطس قيص إنتصر فيها بجيوشه على أعدائه. ولم يكن فيها مجمع لليهود كمبنى للعبادة ربما لقلة عددهم ولكن لهم مكان للصلاة
( مصلى بجانب النهر ليسهل فيه الإغتسال) وربما لرفض أهالى فيلبى إقامة مجمع لليهود داخل أسوار المدينة. ولقد إعتادت النسوة الإجتماع فى هذا المكان أكثر من الرجال.
آية (14):-
فكانت تسمع امرأة اسمها ليدية بياعة ارجوان من مدينة ثياتيرا متعبدة لله ففتح الرب قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس.
ثياتيرا= فى أسيا الصغرى. وهناك علاقة تجارية بين ثياتيرا وفيلبى قائمة على شهرة ثياتيرا فى إنتاج الأصباغ.
آية (16-18):-
وحدث بينما كنا ذاهبين إلى الصلاة أن جارية بها روح عرافة استقبلتنا وكانت تكسب مواليها مكسبا كثيرا بعرافتها. هذه اتبعت بولس وإيانا وصرخت قائلة هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي الذين ينادون لكم بطريق الخلاص. وكانت تفعل هذا أياما كثيرة فضجر بولس والتفت إلى الروح وقال أنا أمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها فخرج في تلك الساعة.
كانت العادة أن يستخدم عدو الخير اليهود ومجامع اليهود فى الثورة والهياج على بولس. وهنا لا يوجد مجمع، فنجد عدو الخير يستخدم إمرأة بها روح شرير لإثارة المشاكل. وهى كانت تشوش على الوعظ والخدمة بصراخها. وبولس ضجر من محاولاتها فهو خاف أن يختلط فى أذهان الناس أن المسيحية التى يبشر بها لها علاقة بالعرافة الشيطانية، أوهو خاف أن يظن الناس أن المسيحية هى نوع من العرافة الشيطانية. ونلاحظ أن الشيطان هو الذى حرك الجارية لتصرخ بالإيمان ليضلل السامعين، وهكذا يفعل الشيطان أحياناً بأن يخفى خبثه تحت ستار الدين. فهى الآن تشهد لبولس وللمسيحية حتى يثق الناس فيها وبعد قليل تبدأ فى تضليلهم والهجوم على المسيحية.
آية (17):-
هذه اتبعت بولس وإيانا وصرخت قائلة هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي الذين ينادون لكم بطريق الخلاص.
نجدها أخر أية بضمير المتكلم وذلك ربما لأن لوقا كان له مهمة فى مكان آخر أو هو تخلف فى فيلبى ليكمل الرسالة وغادرها بولس وسيلا. ولكن يعود ضمير المتكلم فى (5:20).
آيات (19-24):-
فلما رأى مواليها انه قد خرج رجاء مكسبهم امسكوا بولس وسيلا وجروهما إلى السوق إلى الحكام.
وإذ أتوا بهما إلى الولاة قالوا هذان الرجلان يبلبلان مدينتنا وهما يهوديان. ويناديان بعوائد لا يجوز لنا أن نقبلها ولا نعمل بها إذ نحن رومانيون. فقام الجمع معا عليهما ومزق الولاة ثيابهما وأمروا أن يضربا بالعصي. فوضعوا عليهما ضربات كثيرة والقوهما في السجن وأوصوا حافظ السجن أن يحرسهما بضبط.
وهو إذ اخذ وصية مثل هذه ألقاهما في السجن الداخلي وضبط أرجلهما في المقطرة.
هيج عدو الخير أصحاب الجارية التى خرج منها الروح النجس فثاروا ضد بولس إذ خسروا مصالحهم الشخصية. عدوا الخير يستخدم كل الطرق ضد الكرازة. السجن الداخلى= مكان المجرمون الخطيرون وهو مظلم وبه قاذورات.
آية (25):-
ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما.
عجيب بولس الذى نسى ألامه المبرحة وأخذ يسبح الله فهو يعتبر الآلام شركة حب مع المسيح المتألم. ولكن لنلاحظ أن الأجسام كانت مقيدة أماّ النفوس فمحررة، هما كانا بالجسد فى السجن ولكن أرواحهما كانت فى السماء.
آية (26):-
فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت اساسات السجن فانفتحت في الحال الأبواب كلها وانفكت قيود الجميع.
الإستجابة السمائية لبولس الرسول العظيم. والمزلزلة هى تعبير عن تواجد الملائكة الذين فتحوا أبواب السجن، وكانت الزلزلة لازمة لتلفت النظر لغضب السماء على الظلم الذى وقع على الرسولين بلامبرر، السماء تعلن حقيقة الرسولين، وكان هناك فائدة أخرى هى إيمان حافظ السجن بسبب هؤلاء الذين يقبلون الألام بفرح وحياتهم متحررة من كل شر، بل السماء تشهد لهم وتحررهم وتزلزل المدينة لأجلهم، وهم فى محبة لكل إنسان.
آية (27):-
ولما استيقظ حافظ السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة استل سيفه وكان مزمعا أن يقتل نفسه ظانا أن المسجونين قد هربوا.
كان من تقليد الشرف الرومانى أن السجان الذى يخفق فى ضبط سجينه أن لا ينتظر التحقيق والعقوبة بل يقضى بنفسه على نفسه. وعموماً لم يكن بديل من حكم الموت لمن يهرب من سجين. ونلاحظ أن من بداخل السجن فى ظلام يستطيع أن يرى من فى الخارج لذلك رأى بولس السجان وهو يوشك أن ينتحر. بينما من فى الخارج لا يرى من فى الداخل بسبب الظلمة فى الداخل لذلك لم يرى السجان بولس ومن معه فظن أنهما هربا.
آية(30):-
ثم أخرجهما وقال يا سيدي ماذا ينبغي أن افعل لكي اخلص.
ياسيدىً بولس وسيلا فى نظره لم يعودا مساجين، بل لقد إرتفعا لدرجة السادة.وربما سمع هذا السجان عن الدين الجديد والخلاص الذى يبشربه بولس الرسول ولكنه لم يصدق ولم يؤمن. ولكن بعد الزلزلة وما حدث طلب خلاصه الشخصى.
آية (31):-
فقالا أمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك.
آمن بالرب يسوع … فتخلص = يعتمد الإخوة البروتستانت على هذه الآية لإثبات أن الإيمان وحده هو كافى للخلاص دون أى عمل او جهد. وهنا ليس مجال الرد على ذلك ( راجع كتاب الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى لقداسة البابا شنودة ) ولكن الرد البسيط، هل كان الوقت مناسباً لمثل هذا السجان الذى يطلب خلاص نفسه أن يقول له بولس لكى تخلص ينبغى أن تؤمن تم لاتكف عن الصلاة ” صلوا بلا إنقطاع (اتس 5:17) وتقمع جسدك وتستعبده حتى لا تصير مرفوضاً (1كو9:27). وتميت أعضاءك التى هى على الأرض (كو 5:3) وتعيش لتفكر فى السماويات فقط وتطلب ما هو فوق ولا تهتم بأى شئ على الأرض (كو3:1) وتتعلم المحبة ومواصفاتها كالتالى (1كو13). وعليك أن تقبل الظلم وأن يسلبك الناس ولا تحاكمهم أمام المحاكم (1كو 6:6،7…وَ…وَ…وَ. هل كان هذا السجان الوثنى سيتحمل كل هذه التعاليم أم يؤثر طريق السلامة ويترك المسيحية. لكننا نفهم من قول بولس الرسول أن الإيمان هو المدخل وبعد ذلك يأتى كل ما يعلمه لنا الكتاب المقدس تدريجياً. بدليل أننا نجد فى آية (33) أن بولس عمّد السجان وأهل بيته، فإذا كان الإيمان لوحده يكفى فلماذا عمدّهم ؟! وإذا تمسكنا بالحرف فالآية لا تفيد البروتستانت فيما يريدون لأن بولس يقول تخلص أنت وأهل بيتك فهل إيمان الشخص يفيد أهل بيته؟! طبعاً المقصود إيمانك هو الخطوة الأولى وسيأتى بعدها خطوات على طريق الخلاص.
آية(33):-
فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون.
وغسلهما … وإعتمد= السجان غسًل بولس من جراحاته الجسدية وبولس غسًل السجان من جراحاته الروحية.
آية (35):-
ولما صار النهار أرسل الولاة الجلادين قائلين أطلق ذينك الرجلين.
ربما أتى ملاك وأفزع الولاة ليلاً. وربما عرف الولاة بحقيقة المرأة العرافة فأصدروا أمراً بالإفراج. وربما إرتعبوا من الزلزلة خاصة حين سمعوا عن فتح أبواب السجن.
آية (37):-
فقال لهم بولس ضربونا جهرا غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان والقونا في السجن افالان يطردوننا سرا كلا بل ليأتوا هم أنفسهم ويخرجونا.
بولس يعلن أنه رومانى حتى لا يعطلونه مرة أخرى عن الكرازة سواء فى هذا البلد أو أى بلد رومانى آخر، أى أن يراعى الحكام هذه الحقيقة مستقبلاً. فالحكم الذى سيصدر من حاكم رومانى سيكون سابقة يستفيد منها باقى الحكام. وبولس إعتمد على أن الحاكم أخطأ إذ ضربهما وهما رومانيان. والضرب كان جهراً ليذلهما. وحكم عليهما بدون محاكمه. وهذا درس أن يطالب المسيحى بحقوقه دون أن يكره أحد.
آية (39):-
فجاءوا وتضرعوا إليهما وأخرجوهما وسألوهما أن يخرجا من المدينة.
سالوهما أن يَخْرجا= لقد أصرّ بولس الرسول أن يأتى له الحكاّم ليطلبوا خروجه وذلك لإعلان أن القانون الرومانى لم يجد عيباً فى المسيحية والحكام وافقوا خوفاً من العقاب لأنهم ضربوا بولس ومزقوا ثيابه وسجنوه وهو رومانى الجنسية. ولكن الحكام طلبوا خروج بولس وسيلا لأن حمايتهم من الجماهير الغاضبة ستكون صعبة لذلك طلبوا بأدب خروجهما.
سفر أعمال الرسل : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 –27 – 28
تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7– 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 –15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 –25 – 26 –27 – 28