تفسير رسالة غلاطية أصحاح ٥ للقمص أنطونيوس فكري
شرح غلاطية – الإصحاح الخامس
الآيات 1 – 12
أنهى الرسول الإصحاح الرابع بأننا أحرار ولئلا يسئ أحد فهم الحرية بدأ هنا فى هذا الإصحاح يحدثنا عن الحرية التى حررنا بها المسيح (يو36:8) فالحرية التى لنا ليست كما يتحدث عنها العالم أى هى ليست حرية إباحية يطلق فيها الإنسان العنان لشهواته. بل نحن نتكلم عن إنسان مؤمن مات مع المسيح عن العالم، صار مصلوبًا عن العالم والعالم مصلوبًا له. لا يستعبده شئ فى هذا العالم (غل 14:6). ونحن بحريتنا نتشابه مع مخلصنا فى بذل حياتنا عن العالم. الحرية الحقيقية هى فى قيادة الروح القدس لحياتنا فيجذبنا لنتحرر من الأرضيات ونحيا فى السماويات. إذا تحدثنا عن الحرية التى قصدها بولس الرسول فهى حرية من الالتزام الحرفى بطقس الناموس ولكنها ليست خروجًا عن ناموس المسيح ولا عن ناموس موسى الأخلاقى كالوصايا العشر مثلاً.
الحرية
أساء الناس فهم الحرية دائمًا. فحاول أن تقول لإنسان خاطئ: كف عن خطيتك (مثال حاول أن تنصح مدخن أن يكف عن التدخين) فستجد الإجابة المكررة من الجميع: أنا حر. وهكذا أجاب اليهود على المسيح حينما حدثهم عن الحرية وقالوا لم نستعبد لأحد قط (يو32:8ـ36) ولاحظ أنه فى هذا الوقت كان اليهود مستعبدين للرومان. وهكذا كل خاطئ يتصور أنه يمارس خطيته بحرية ولا يدرى أنه مستعبد لها.
والله أعطانا الوصايا ليحمينا من أن نُستعبد لغيره، فنُذل. حين يطلب الله أن نعبده ولا نعبد سواه فى الوصية الأولى من الوصايا العشر، كان هذا ليس لأن الله فى حاجة لعبوديتى أو لعبادتى، ولكن الله كأب يخاف على أن أعبد غيره فيذلنى هذا الآخر. سواء صنم أو شيطان أو لذة…
والفلاسفة الملحدين فهموا أن الوصايا هى تحكم من الله واستعباد الله لنا.
فقال بعضهم:
* الله فى برج عاجى لا يشعر بحاجات الإنسان.
* الله خلق الإنسان ليستعبده ويذله وأن حرية الإنسان لا تأتى إلا بالإنفلات من الله والتخلص منه، لذلك ناضلوا ضد فكرة وجود الله. ولاحظ أن الإلحاد غير الوثنية. فالوثنية هى عبادة أصنام أما الإلحاد فهو رفض فكرة وجود إله أصلاً. هؤلاء اعتبروا أن الله يقيد حريتهم فرفضوه. وقالوا الإنسان موجود بقدر ما هو حر.
* قالوا أبانا الذى فى السموات إبق هناك (أى لا نريدك إلهاً لنا).
* قالوا لنترك السماء للملائكة والعصافير (فهم يريدون الأرض).
* نيتشة أعلن موت الله وأعلن الكنائس قبوراً له (ليصير هو إلهًا).
* قالوا إنهم برفضهم لله يحققون ملء إنسانيتهم.
ونرد عليهم
1 ـ الله خلقنا على صورته أحرارًا، فالله يريد أن نختاره بحريتنا ونحبه بحريتنا ولا نحبه كعبيد. لذلك قال: “ لا أعود أسميكم عبيد بل أحباء” وإذا كان الله أعطانا الحرية فلماذا يأخذها ثانية.
2 ـ الله الذى يسمى نفسه أب وأخ وصديق وعريس… هل يريد أن يذلنا.
3 ـ كيف يستعبد الله الإنسان ويذله. وهو الذى أذل نفسه بتجسده وصلبه بل ترك العبيد يلطمونه. هو غسل أرجل تلاميذه ومازال واقف على الباب يقرع ينتظر من يفتح له، باحثاً عن الدرهم المفقود.
4 ـ بالحرية التى أعطاها الله الإنسان:
أ) رفضه الفلاسفة ب) أهانه الملحدين
ج) صلبه لليهود د) خالفنا وصاياه جميعاً.
5 ـ يقال إن الأكثر حبًا أكثر ضعفًا. والله محبة فهو إذًا أكثر حبًا. الإله الذى يتهمونه بأنه يستعبد البشر يقول: “ حَولِى عنى عينيك فإنهما قد غلبتانى” ولذلك نجد الله يقف كمهزوم أمام يعقوب.
6 ـ رفضهم للوصايا هو رفض مريض لروشتة طبيبه.
7 ـ هم ظنوا الصلوات والأصوام عبودية. ولكن من جربها شعر بلذة الله وبقوة لا نهائية تسانده.
8ـ هم يريدون تحقيق ملء إنسانيتهم، والله يريد أن يؤلهنا “ ألم أقل إنكم آلهة” فالله يريد أن يخرجنا من ذاتيتنا وقفصنا البشرى لنتحد به ونلتصق بألوهيته ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.
9 ـ أقصى ما يحلم به هؤلاء هو أن يعيشوا فى لذاتهم الحسية بحرية كالحيوانات وتنتهى حياتهم بالموت مثلهم بلا حياة بعد الموت. أما الله فيخطط لنا لحياة أبدية ومجد أبدى وفرح أبدى.
10 ـ باختصار هم يهاجمون ويرفضون إلهًا ليس هو إلهنا الذى نعرفه.
لماذا الوصايا ؟
الله خلق آدم حرًا. وأعطاه وصية حتى لا يفقد حريته. ولما أخطأ وسقط خسر كثيرًا ومات. ولكن الله أعطاه بعض الوصايا حتى يعيش بقدر الإمكان فى سعادة الفترة التى سيعيشها على الأرض. إذًا هذه الوصايا ليست لصالح الله، فالله لن يزداد قداسة لو نفذنا الوصايا ولن يقل لو لم ننفذها. إنما هى لصالح الإنسان.
آدم فى الجنة كان كمريض بالإيدز (نقص المناعة) الموجود فى غرفة معقمة. وطالما هو فى الغرفة المعقمة ممكن أن يعيش ولا يموت. وقول الله له لا تخطئ، كقولنا لمريض الإيدز، لا تخرج من الغرفة المعقمة لئلا تموت. وحينما أخطأ آدم خرج من الجنة وهذه تساوى خروج مريض الإيدز من الحضّانة. حينئذ يأتى الطبيب ويقول لمريض الإيدز طالما خرجت، فخذ هذه الوصايا لتحيا أطول فرصة ممكنة فى صحة: ” لا تمتد يدك إلى شئ ملوث، إغسل المأكولات أولاً…“، وهكذا فعل الله إذ أعطانا الوصايا، ففائدة الوصايا هى أن نحيا سعداء وبلا عبودية وبلا مذلة. هى لصالحنا وليست لمصلحة الله. لذلك فالله فى حزقيال20 حين أراد أن يظهر محبته لشعبه، قال لهم أنا قد أعطيتكم الوصايا تحيون بها (حز11:20).
فالخطية تستعبد الإنسان. وحينما تذوق آدم من الشجرة وتلذذ بها انفصل عن الله. وهذا ما نبه له الله ألا يتذوق من الشجرة، ولم يستمع وبنفس المنطق يعطى الله الوصايا ليقول لنا: ” آدم خالف الوصية فخرج من الجنة وعاش فى آلام الأرض، وأنتم لا تخالفون وصاياى فتتألموا” والله هو الذى خلقنا ويعرف أننا جسد + نفس + روح. أما هؤلاء الفلاسفة فلا يروا سوى الجسد، فأرادوا أن يعطوا هذا الجسد كل ملذاته وشهواته ظنًا منهم أن هذا هو طريق السعادة للإنسان وملء إنسانيته. لكن الله الذى يعرف كخالق لنا أن هناك روح لا تشبع وترتاح سوى بطريق آخر غير اللذات الحسية، أعطانا الوصايا التى من يتبعها تشبع روحه فيجد راحة وسلام وفرح.
ونلاحظ أن البلاد الإسكندنافية بها أعلى نسبة من الانتحار والأمراض النفسية مع إنها بلاد بلا مشاكل مادية، والسبب أنهم أشبعوا الجسد فقط بالملذات ولم يشبعوا الروح، التى لا تشبع ولا ترتاح إلا بالقرب من الله وهذا لا يأتى إلاّ بتنفيذ الوصايا، التى أعطاها الله للإنسان كطريق للفرح. وقارن مع السواح الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتلذذون بملذات العالم لكنهم فى منتهى الفرح. لأن الروح حين تشبع تشبع النفس ويشبع الجسد. والعكس غير صحيح.
العبودية لله تحرر
يعقوب ويهوذا أخو الرب حينما كتبا رسالتيهما فى الكتاب المقدس لم يفتخرا بكونهما إخوة للرب يسوع، بل بكونهما عبيدًا له . فالقرابة الجسدية لا تفيد. لكنهما اكتشفا أن العبودية لله فيها كل البركة والحرية. لسبب بسيط أن الله خلقنا على صورته أحرارًا، فالله لا يريد عبيدًا. بل خلقنا أحرارًا وبحريتنا إما نقبل الله إلهًا نعبده أو نرفضه. والله يحترم حريتنا هذه، فمن رفضه لا يرغمه الله على شئ. والدليل بلايين البشر الذين رفضوا الله ووصاياه والله لم يتخل عنهم بل كان يطعمهم ويعولهم ويشرق بشمسه عليهم. أما العبودية لآخر (شيطان، شهوة، خطية، لذة) فهى تستعبد الإنسان، ولا يستطيع بسهولة الفكاك من هذه العبودية. والإنسان قبل المسيح استُعبد للشيطان وللخطية. وجاء المسيح ليحررنا (يو32:8ـ36) ويطلب منا أن لا نعود للخطية فنُستعبد. فطالما نحن عبيدًا لله، فنحن أبناء لله، نعيش فى بيت الله. فى بيت أبينا. نعيش فى فرح وفى ملء البركة. أما من يرفض كالابن الضال فهو يخرج من بيت أبيه إلى المجاعة فى الخارج وإلى العبودية. وللآن فهناك من يفهم الحرية خطأ، وأن الحرية هى فى ممارسة الخطية، فيستعبد لها ويُحرم من بركات الله له. أما الابن الذى يحيا يعبد الله طائعًا وصاياه فيبقى فى بيت أبيه مستمتعًا بالأحضان الإلهية الأبوية، لا يعود يخاف من شئ فهو فى يد أبوه الإله القوى، لا يخاف إنسان ولا يخاف من الغد ولا يخاف على رزقه سيتحرر من همومه ويعيش فى حرية. من يستعبد نفسه لله، لن يعود يهتم بالناس بل بأن يرضى الله، فلن يُستعبد لإنسان ولن يهتم بتقدير أحد. بل سيتحرر من العواطف البشرية. فهو قد أحب الله الذى شعر بأحضانه الأبوية أكثر من الناس وأكثر من أقربائه. سيحب الله أكثر من أبيه وأمه… من يستعبد نفسه لله سيفتح الله عينيه على أمجاد السماء فلا يعود يشتهى شيئًا فى الأرض. لذلك قال أغسطينوس: ” جلست على قمة العالم عندما صرت لا أشتهى شيئًا فى العالم“. وهذا هو سر قوة المسيحية أن نرتبط بالمسيح إلهنا بقوة حب ترفعنا للسماء وتحررنا من الأرضيات ونشعر بالحرية الحقيقية، أى أن نتحرر من كل ما يجذبنا للأرضيات ويجعلنا نلتصق بها، لا يعود لشئ سلطان علينا. هذا ليس معناه أن نترك أعمالنا وبيوتنا. بل ابن البيت يأكل ويشرب ويلعب وهو مستمتع بمحبة وأحضان أبيه. ونحن نعيش ونعمل ونتزوج ونحيا حياة طبيعية ولكن القلب لله، يعبد الله، ويستمتع بمحبة أبيه وأحضانه. وهذه دعوة لكل إنسان. ومن يذهب لله ليعبده يجرى الله نحوه بالأحضان.
تعرفون الحق والحق يحرركم: (يو32:8)
طريق الحرية الحقيقية هو معرفة الحق. والمسيح هو الحق “ أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو6:14). والآب هو الحق، والسماء حق. أما الأرض بكل ما فيها فهى باطل الأباطيل (سفر الجامعة). والأرض بكل ملذاتها ومجدها هى باطل الأباطيل، هى قبض الريح، هى سراب نسعى وراءه ولا ندرك شيئًا سوى أن نُستعبد لشهواتها العمر كله. أما من يتذوق معرفة الله الحق ويتذوق لذة السمائيات فيكون كمن وجد لؤلؤة كثيرة الثمن هى (الحق) فمضى وباع باقى اللآلئ (محبة العالم) وباع أى صارت بلا قيمة عنده. أصبح لا يجرى ورائها ولا يهتم بها. لكننا لن نتحرر من محبة العالم ولذاته ما لم نتذوق أولاً حلاوة المسيح أى نعرف الحق. وهذا هو جهاد المؤمن أن يجاهد فى صلاته (يتغصب على الصلاة مت 12:11) ويومًا وراء يوم سيكتشف المسيح. وهكذا فى دراسته للكتاب المقدس سيكتشف المسيح (الحق) ويتحرر من عبودية العالم.
الروح والجسد
الله خلق الإنسان طاهرًا. وبعد السقوط صار هناك انفتاح على الشر، صار فى الإنسان، إنسان داخلى عتيق، أى طبيعة تميل وتشتهى الشر. وبعد المعمودية تنكمش وتموت هذه الطبيعة (لكن لنا سلطان بحريتنا أن نقيمها ثانية) وتولد فينا طبيعة جديدة، إنسان داخلى جديد منفتح على السماء يشتهى الله. وبحريتنا نحكم على إحدى الطبيعتين (أو الإنسانين) الداخليين بالموت وعلى الآخرى بالحياة. فمن يحيا ميتًا أمام الخطية مصليًا مسبحًا دارسًا للكتاب المقدس فهو يميت إنسانه العتيق ويحيى وينمى إنسانه الداخلى الجديد والعكس فمن يهمل وسائط النعمة ويجرى وراء شهواته فهو ينشط ويحيى الإنسان العتيق وكأنه يحكم على الإنسان الداخلى الجديد بالإنكماش والموت.
إنسان مولود بحسب إنسان وُلِدَ فى المعموديه إنسان أهمل جهاده
الطبيعه من أبيه وأمه من الماء والروح وسعى وراء شهواته
وبولس الذى يتكلم هنا عن الحرية يقول طالما إنك حر فاختار طريق الروح أى أن تجاهد لينمو الإنسان الداخلى الجديد وينتعش الإنسان العتيق. والإنسان الداخلى سواء هذا أو ذاك هو الذى سيقود أعضاء جسدك (رو16:6) فإن قادها الإنسان العتيق صارت آلات إثم. ولو قادها الإنسان الجديد صارت آلات بر. ونسمع هنا قول الرسول “ اسلكوا بالروح“. والروح هنا ليس هو الروح الإنسانى بل هو الروح القدس. والروح القدس يقود الإنسان الداخلى الجديد. والروح الإنسانى ليس بالضرورة أن يكون طاهرًا. فالمتكبر إنسان روحه متكبرة والشيطان نفسه روح. ويقول الرسول “ لا تكملوا شهوة الجسد“. والرسول بهذا لا يهاجم الجسد بل الإنسان الداخلى المنفتح على الشر (العتيق).ونسمع فى (غل17:5) أن هذان يقاوم أحدهما الآخر أى الروح والجسد فالروح القدس يعمل مع الإنسان الداخلى الجديد (هذا إن كنت أنا أجاهد وأحافظ على الإنسان الداخلى حيًا منتعشًا ناميًا بالصلوات ودراسة كلمة الله وممارسة وسائط النعمة عمومًا) فيجذب الإنسان ليحيا فى السماويات والعكس فإن أهمل الإنسان وسائط النعمة يضمر الإنسان الداخلى الجديد وينتعش الإنسان العتيق جاذبًا الإنسان للأرضيات. وأحسن تشبيه لهذا الوضع هو المنطاد (بالون يحتوى على غاز خفيف يجذب إلى فوق) ومثبت بالبالون سلة يركب فيها إنسان لتحمله إلى فوق. ويوجد بالسلة أكياس رمل، وتربط السلة بأربطة تمنعها من الطيران. وإذا شاء الإنسان أن يطير يقطع الأربطة ويلقى بأكياس الرمل فيطير البالون. هنا لو تذوق هذا المسافر حلاوة السماء سيلقى بالمزيد من أكياس الرمل بحريته ليرتفع أعلى وأعلى. والرباطات التى تربط البالون بالأرض هى الخطايا والشهوات الخاطئة، وقطع الأربطة هى التوبة. وأكياس الرمل هى اللذات المحللة كالطعام والشراب. وإلقاء أكياس الرمل هو الصوم والزهد والتقشف وهذا لن نمارسه بلذة، ما لم نتذوق طعم السماويات. الروح يجذب لأعلى بأن يقنعنا أن نلقى بأكياس الرمل أى نزهد فى ملذات الدنيا. ثما كلما عشنا فى السماويات وتذوقنا حلاوتها، نزداد فى أصوامنا وزهدنا بحريتنا وهذا ما قاله السيد المسيح من ضيع حياته لأجلى يجدها (مت39:10) .
الرسول بعد أن تكلم عن الحرية طلب منا أننا بحريتنا نختار طريق الروح أى نهتم ببناء الإنسانالداخلى الجديد تاركين شهوات الجسد لنحيا فى السماويات. ويكون لنا ثمار الروح (22:5، 23). وهذا يكون بأن نصلب شهواتنا وأهوائنا (نحكم بالموت على الجسد أو الإنسان العتيق 24:5) أما من يعمل للجسد أى يستخدم حريته لإرضاء ملذاته الجسدية الشهوانية فهو يحكم بالموت على إنسانه الداخلى الجديد وينعش العتيق وهذا العتيق أعماله فظيعة سجلها الرسول هنا فى (غل19:5ـ21).
كيف نحيا فى السماويات؟
نجاهد أى نغصب أنفسنا أن نسمع وننفذ الوصايا (مت12:11). فيسكن عندنا الآب والابن (يو23:14) ولا نقاوم الروح، فنمتلئ منه، خصوصًا إذا سبحنا وصلينا… وبذلك يسكن عندنا الثالوث. فنصير سماء. وحين نصير سماء ونتذوق حلاوتها يزداد زهدنا فى الأرضيات (نلقى بأكياس الرمل من المنطاد) بحريتنا. فنزداد إحساسًا بالسمائيات إذ نرتفع أكثر وأكثر وبهذا نفهم ترابط الإصحاح. فهو يكلمنا عن الحرية، ثم يشرح معنى الحرية الحقيقية وأن الحرية ليست فرصة للاندفاع وراء شهوات الجسد. فالجسد فى صراع مع الروح وحينما نُغَلِب الروح على الجسد تكون لنا ثمار الروح . الحرية أيضًا يجب أن نفهمها أننا نحيا فى دوائر متماسة، فالله لن يتركنى أعتدى على حرية غيرى. أنا حر الحركة داخل دائرتى لا أتعداها إلى دائرة الآخر
وهذا مثل لاعب الكرة. هو بحريته يعطى الكرة لمن يشاء، ولكن هناك حدود له. فلو ضرب لاعب آخر يعاقب أى أن حريته مقيدة. ولولا أن حريتنا مقيدة سنفسد خطة الله ونعتدى على حياة الآخرين. والله حدد حريتنا لأننا يمكن أن نخطئ، أما الله فحريته مطلقة فهو لا يخطئ. إذًا الله لا يذلنا إذ يعطينا وصايا نعيش بها فهذه لكى نعيش فى فرح ولكى لا نهلك. وإن قال إنسان أنا حر ولم يطع الوصايا فهو كمريض قال أنا حر وترك الدواء الذى وصفه الطبيب. فمن يترك وصايا الله سيحيا فى حزن. والكنيسة لا تذلنا إذ تضع لنا وصايا وصلوات طويلة وأصوامًا طويلة هى تشجعنا بأن نلقى أكياس الرمل، تشجعنا أن نتذوق السمائيات فنلقى نحن بأكياس الرمل بعد ذلك بحريتنا أى نزداد زهداً وتقشفًا.
مفهوم الحرية فى غل 5
1 ـ هى حرية من الخطية. فالخطية تستعبد الإنسان.
2 ـ حرية من وثنيتهم القديمة حتى لا يرتدوا إليها.
3 ـ حرية من أعمال الناموس وعوائده مثل الختان والنجاسات والمأكولات النجسة (لا11) والتطهيرات والذبائح وعدم لمس الميت…
4 ـ حرية من تقليد الآباء اليهود. الذين منعوا السير يوم السبت سوى لمسافة محددة وقال آباءهمإن الله لا يسير مسافة أطول من قامته يوم السبت. والآن فى إسرائيل يأتى الرجل بعامل فلسطينى ليضئ له النور ويطفئه يوم السبت فهو لا يعمل يوم السبت حتى فى إنارة وإطفاء منزله.
غل1:5 : ” فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية”.
نير: هى اسم للخشبة التى تربط حيوانين يجران حِملاً. والمقصود لا ترتبطوا بخطية أو بأحكام الناموس فتكون لكم كنير. هو وصف صعب لمن يتعبد لوصايا وأحكام ثقيلة بدون فائدة، ويكون كالبهيمة التى تحمل النير على رقبتها وتجر ثقلاً هائلاً دون أن تفهم أو تدرى عنه شيئًا. والرسول يريد أن يقول إن المسيح حررنا من ثقل الناموس فلماذا نعود لعبوديته. هم لم يستفيدوا من خبراتهم السابقة إذ تحرروا بإيمانهم من أوثانهم وها هم ينتقلون إلى عبودية أخرى للناموس. وفى المقابل يقول السيد المسيح إحملوا نيرى فهو خفيف (مت30،29:11) فهو (أى المسيح) الذى يحمله حقيقة (يو5:15). والمقصود بنير المسيح أى وصاياه. ومن يحاول أن ينفذها سيجدها سهلة التنفيذ لأن المسيح هو الذى يحمل معنا. أما الذى يقف خارجًا ويقول هى صعبة التنفيذ لن يقدر على شئ. لن يقدر أن لم يبادر ويحاول التنفيذ.
مثال: لو قلت لك احمل رجل ثقيل جدًا واقف فى الماء، ستقول لا يمكننى حمله. ولكن لو حاولت ستجده خفيفًا جدًا. لأن قوة دفع الماء هى التى تحمله.
الحرية التى حررنا بها المسيح: هى حرية من كل خطية ومن الناموس (يو34:8 ـ36). فالمسيح فى هذه الآيات يشير لأنه فك العبيد من نير عبوديتهم ليصيروا أبناء. وهذه لا يقدر عليها سوى المسيح الذى يمنحنا روح البنوة.
فاثبتوا: معناها قفوا بجدية وحزم. مادام المسيح قد حرركم فقفوا بثبات فى هذه الحرية. ولو علّمكم الاخوة الكذبة أن ترتدوا، عليكم أن تثبتوا فى الحرية التى حرركم بها المسيح، ولا ترتدوا للاستعباد لا لخطية ولا للناموس. وقوله اثبتوا فيه إشارة لتذبذبهم. والثبوت فى الحرية هو الثبوت فى الإيمان بالمسيح. لأن المسيح هو الحق، والحق هو الذى يحرر. والروح القدس هو الذى يعرفنا المسيح ويخبرنا عنه فنعرف الحق فنتحرر (يو14:16 + يو6:14 + يو32:8-36).
غل2:5: ” ها أنا بولس أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا”.
أنا بولس: الذى له سلطان من المسيح، وتعليمه من المسيح. بالإضافة إلى أنه هو الذى بشرهم، وعرفوا المسيح بواسطته. وأحبهم وأحبوه. ولمحبته لهم التى اختبروها، ها هو يخبرهم بالصالح لهم.إن إختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا: من يذهب ليختتن ظنًا منه أن الختان طريق للخلاص، فهو لا يؤمن بالمسيح مخلصًا وأن فيه الكفاية. هو لا يثق فى كفاية دم المسيح للخلاص. ومن لا يؤمن لا يتبرر، ومن يؤمن بالمسيح أى أن يثق فيه ينال من المسيح خلاصًا وبرًا ومعونة ونعمة بلا حدود. أما من يختتن خوفًا من الناموس فهو لا يثق فى قوة النعمة لذلك فهو يفقد فعلها فى حياته بل يضع نفسه تحت حكم الناموس.
غل3:5: ” لكن أشهد أيضًا لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس”.
أيضًا: عائدة على الآية السابقة. والختان هو المدخل لكل الناموس اليهودى، هو علامة الدخول لليهودية ومن ثم الإلتزام بالناموس. فمن اختتن يلزمه تقديم ذبائح دموية. ومن التزم بالناموس عليه أن يكمله وإلا صار ملعونًا (غل10:3) وأين فى هذا العالم من استطاع الالتزام بكل ما فى الناموس من وصايا. ومن ارتد للناموس ليتبرر فهو يرتد عن المسيح لأنه إن كان الناموس يبرر،فالمسيح مات بلا سبب (21:2). فالذى استعبد نفسه تاركًا حرية المسيح يجب ألا يسلك فيما بعد كإنسان حر بل كعبد ملتزم بكل قوانين الناموس. أما البر الذى بالمسيح فهو أنه أى المسيح أُسلِمَمن أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رو25:4).
غل4:5: ” قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس سقطتم من النعمة”.
تبطلتم عن المسيح. سقطتم من النعمة: إذ ذهبوا لمصدر آخر غير المسيح ليتبرروا بطلت العلاقة مع المسيح، فمن يرجع ليحيا تحت لعنة الناموس يسقط من عمل النعمة، فماذا يبقى له حينئذ إلا الغضب لأن الناموس يقف عاجزًا والنعمة تتخلى تمامًا. الناموس ليس لديه قوة والمرتد قد ترك المسيح ونعمته، ولم يعد للنعمة عمل معهم. كل هذه الخسارة تحدث فى حالتين:
1) عندما يتكل المؤمن على أحد غير المسيح أى الناموس فى حالة غلاطية أوعلى بره الذاتى فيفتخر بأعماله (لذلك تعلمنا الكنيسة فى معظم مردات القداس أن نقول يارب ارحم. أى ليس لنا يا رب أن نطلب، إذ نحن غير مستحقين فنحن عبيد بطالون. ولا نطلب سوى مراحمك).
2) أن يرتد المؤمن لطريق الشر، فلا شركة للنور مع الظلمة.
عمومًا الإرتداد لأعمال الناموس يفقدنا النعمة، لأن النعمة الشرط الأول لها هو الإيمان. وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عب6:11) الإيمان هو المدخل لكل البركات الإلهية (انظر المقدمة).
غل5:5: ” فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر”.
المدخل هو الإيمان بعمل فداء المسيح، وتأتى المعمودية بعد ذلك، وفيها أموت مع المسيح وأقوم معه. ثم الميرون أى حلول الروح القدس. كل هذا لخصه الرسول هنا فقال فإننا بالروح من الإيمان:فبدون إيمان كمدخل لن يحل علينا الروح القدس. والروح القدس يعمل على تغيير شكلى لشكل المسيح (كمثال فنان يحول قطعة رخام إلى تمثال جميل) هذا هو الخلاص. والقوة التى تغير طبيعتى هى النعمة التى تجعلنى أموت مع المسيح وأقوم معه بطبيعة جديدة. والإيمان هو تسليم نفس لتموت الطبيعة القديمة، هى قبولى أن أموت عن العالم (هى تسليم قطعة الرخام للمثّال). هى تسليم نفس للروح القدس، أصابع الله لتعمل فىَ. وكلما عمل فىّ الروح القدس أقترب من صورة المسيح، الصورة السماوية، الخليقة الجديدة التى يريدنى الله عليها وكلما اقترب من هذه الصورة يدخل فىَ رجاء، رجاء بر: أمل أن الله إذا بدأ عمل يكمله، فالله سيعطينى طالما بدأ معى أن أتبرر وأصلح للمجد السماوى المعد. وبدون هذا الرجاء، فنحن ينقصنا فضيلة مسيحية أساسية (1كو13:13) بعد كل هذا نسأل أين دور الختان فى كل هذا. فالختان لا يعطى رجاء بر. أما الذى يؤمن يعطيه الروح القدس رجاء بر. ونلاحظ فى هذه الآية وآية6 ثلاثية بولس الرسول عن الإيمان والرجاء والمحبة. ونلاحظ هنا ارتباط الإيمان بالرجاء. فالإيمان هو الثقة بما يرجى (عب1:11. وقارن مع 1كو13:13 +عب10:6ـ12 + عب22:10ـ24).
غل6:5: ” إنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة”.
كانت الختانة هى علامة العلاقة مع الله فى العهد القديم. والناموس وضع للتهذيب. أما فى العهد الجديد فقد صارت هناك علاقة مباشرة مع الله لا تعتمد على الجسد ولا النسب، بل على العلاقة القلبية مع الله، ولا يمكن أن توجد علاقة قلبية قوية مع الله إلا بالثقة فيه أى الإيمان به بأنه إله قوى قادر على حمايتى وخلاصى، هو يحبنى وهو صانع خيرات، ويدبر كل الأمور للخير. بهذا نرتبط بالله برباط سماوى، فكل ما يدبره للخير والخير هو خلاصنا ووصولنا للسماء فكل ما يسمح به هو طريقنا للسماء. إذن الفرق الحقيقى بين الناس ليس فى الختان أو الغرلة بل فى الإيمان. والختان لم ينفع اليهود إذ وهم مختونين صلبوا المسيح. والإيمان كما قلنا هو الطريق للخليقة الجديدة التى بها نخلص لذلك كرر الرسول نفس الآية فى (غل15:6) ولكنه فى الأخيرة أشار للخليقة الجديدة.
الإيمان العامل بالمحبة: الإيمان ليس فكرة أو أقوال تصدر من الفم، ليس هو أن أؤمن بأن الله هو واحد مثلث الأقانيم، فهذا النوع من الإيمان تعرفه الشياطين (يع 19:2) إنما الإيمان هو الإيمان الحى، فيه أؤمن بأن الله محبة، وكل ما يسمح به هو للخير، مهما حدث من أمور صعبة لا يهتز إيمانى به ولا ثقتى فيه، ولا تهتز محبتى له، فأنا أحبه أكثر من أبى وأمى.. هذا الإيمان العامل بالمحبة يجعلنى أموت عن العالم وأترك شهواته وخطاياه، فأنا أحب الله أكثر من كل العالم. هذا الإيمان يجعلنى أقف للصلاة وجسدى منهك، فكيف لا أقف لأتكلم مع من أحبه. هذا الإيمان يدعونى أن أقدم خدمات لكل الناس باذلاً نفسى بمحبة فهو إيمان عامل بمحبة. أما الإيمان بدون أعمال فهو إيمان ميت (يع20:2). الإيمان العامل بمحبة هو شكل محبة الله الباذلة التى ظهرت على الصليب. إيمان عامل بمحبة تجعلنى أطيع وصايا الله لأننى أحبه (يو21:14، 23) وفى هذه الآية تأنيب للغلاطيين، كأن الرسول يقول لهم ” لو أحببتم المسيح لما حدث لكم هذا الإرتداد“. والإيمان يأتى أولاً ثم الحب، فنحن يمكن أن نؤمن أن المسيح قد جاء دون أن نحبه والعكس ليس صحيحًا.
غل7:5: ” كنتم تسعون حسنًا فمن صدكم حتى لا تطاوعوا للحق”.
تسعون: بمعنى السباق والجرى، والمقصود هو جهاد للامتلاء من الروح وجهاد فى سبيل الملكوت بفرح. فمن صدكم: أى من عوقكم عن همتكم والحقيقة أن من صدهم هو دخول عقيدة خاطئة هى الاهتمام بأعمال الناموس. والعقائد الخاطئة تقلل أو توقف عمل النعمة، لذلك فنشاط الغلاطيين تعوَّق. بولس كان يسمع أخبارًا عن تقدمهم فى الإيمان إلى أن وصلت بعثة الإخوة الكذبة. الحق:الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) وهو أيضًا كلمات الكتاب المقدس.
غل8:5: ” هذه المطاوعة ليست من الذي دعاكم”.
المطاوعة: بمعنى الثقة. ومطاوعة الإقتناع هذه ليست من الذى دعاكم: أى ليست من الله.
غل9:5: ” خميرة صغيرة تخمر العجين كله”.
هذا مثل سائد استخدمه الرسول فى (1كو6:5) والخميرة الصغيرة هى عامل الفساد الذى يبدو صغيرًا فى البداية ولكنه فى النهاية يسيطر ويفسد الكل (1كو33:15 + مت 6:16) وبولس هنا يطلب أن ينقى الغلاطيون أنفسهم من أى تعاليم يهودية مثل الختان وخلافه. وهكذا نحن كمسيحيين علينا أن ننقى أنفسنا من أى عقيدة مخالفة لعقيدتنا. وننقى حياتنا من أى خطية مهما بدت صغيرة. وها نحن نرى مثالاًً فبولس يهتم كل هذا الاهتمام بمنع الختان مع إنه شئ بسيط ولكن الإهمال فى الشئ البسيط سيؤدى لإهمال الإيمان كله.
غل10:5: ” ولكنني أثق بكم في الرب أنكم لا تفتكرون شيئًا آخر ولكن الذي يزعجكم سيحمل الدينونة أي من كان”.
أثق بكم فى الرب: هى كلمة تشجيع لهم. وهى أن الله سيحفظهم من هؤلاء المعلمين الكذبة. ولكن لاحظ أنه لم يقل أثق فى الله أنه… فالروح القدس يعمل مع من يريد. لو الروح القدس يعمل وحده لحوَّل العالم كله إلى قديسين. ولكن قول الرسول أثق بكم يُظهِر أن لهم دور فى الموضوع. ولو فشلوا فالعيب عيبهم وليس عيب الروح القدس. والله لا يعيننا ما لم نقم بواجبنا.
ونرى أن نهاية الإخوة الكذبة هى الدينونة (2كو15:11+عب27:10). وأسلوب بولس فى هذه الآية نجده أيضًا فى (رو14:15-16 + فل21+ 2تس4:3).
غل11:5: ” وأما أنا أيها الاخوة فإن كنت بعد أكرز بالختان فلماذا اضطهد بعد إذًا عثرة الصليب قد بطلت”.
يبدو أن الإخوة الكذبة أشاعوا كذبًا أن بولس كان يكرز بالختان فى أماكن أخرى. وهنا يرد بقوله إن كنت أكرز بالختان مع كرازتى بالصليب لما إضطهدنى اليهود والمتهودين، ولإنتهت عثرة الصليب، فاليهود لا يعثرون فى الصليب بقدر التخلى عن عوائد الآباء. فهم ما كانوا يعثرون بالصليب أى يرفضون الصليب لو إلتزمت بجانب كرازتى بالصليب، بوصايا الآباء. ولكن عثرة الصليب لليهود أن بالصليب وحده الخلاص دون أعمال الناموس. ولاحظ قوله أكرز بالختان: فهو لم يقل أمارس الختان فهو قد مارس الختان مع تيموثاوس.
غل12:5: ” يا ليت الذين يقلقونكم يقطعون أيضًا”.
يَقْطَعون: هذه الكلمة لها عدة تفسيرات:
1 ـ يقطعون أنفسهم من شركة الكنيسة والسماء. يقطعون أنفسهم بأنفسهم وذلك بعد أن حُكِمَعليهم بالدينونة.
2 ـ كان بعض كهنة غلاطية الوثنيين (واسمهم كهنة سيبيل) يقطعون أعضاءهم التناسلية (الخصيتين) إعتقادًا منهم أن هذا يعتبر تماديًا فى التقوى، وأنهم بهذا يتطهرون ويتبررون. وإلتقط بولس هذه العادة من غلاطية وقارن بينها وبين الختان، لأن المتهودين كانوا يعتقدون أنهم يتبررون بالختان. وبولس يهزأ هنا بالمتهودين ويقول لهم يا ليتكم تتمادوا وتتشبهوا بكهنة الأوثان وتقطعوا لا الغرلة فقط بل كل أعضاءكم التناسلية لكى تتبرروا.
3 ـ ربما عنى بولس قطع الأعضاء التى تعثرهم، كعيونهم وأياديهم ويشوهوا أجسادهم بتطبيق حرفى جاهل لما قاله السيد المسيح ” إن عينك تعثرك فاقلعها، وإن كانت يدك تعثرك فاقطعها، فليقطعوا أياديهم حتى لا تمتد للسرقة، وليقلعوا عيونهم حتى لا يشتهوا ولا ينظروا بشهوة…
هذه السخرية من أناس لا يريدون أن يفهموا أن طريق التبرير هو النعمة.فبالنعمة يصير الإنسان خاضعاً لناموس المسيح ومتمماً له بفرح بكونه إبناً يسكنه الروح ويتقوى به. فالروح يعين ضعفاتنا. الختان الآن للمسيحى هو ختان القلب بالروح (رو29:2) أى القلب تموت فيه محبة الخطية بعمل النعمة (راجع عمل النعمة فى المقدمة). وراجع قول بولس أيضاً “فإن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون (رو13:8). ففى المسيحية نحن لسنا وحدنا، لا نعتمد على ذراعنا، بل نحن نعمل والروح القدس يعين. الروح القدس يقتل محبة الخطية فينا ويعطينا أن نعمل أعمال بر بفرح.
الآيات 13 – 15
غل13:5: ” فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الاخوة غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا”.
يبدأ الرسول هنا الجزء التعليمى وهو مرتبط بالجزء العقائدى. ولقد دار الجزء العقيدى حول التحرر من الناموس، إذ حررنا المسيح الذى آمنا به لذلك أصبح الموضوع العملى الآن هو كيف نستخدم الحرية التى حررنا بها المسيح ملتزمين بالسلوك الأدبى والأخلاقى. وكأن الرسول يريد أن يقول لا تفهموا الحرية خطأ، فلا تتركوا أنفسكم لشهواتكم، بل بحريتكم إنقادوا للروح لتتذوقوا السمائيات. لقد رفع المسيح عنا نير الناموس فلا تكن هذه فرصة لنرفس بل لنجرى للأمام. وكيف نجرى للأمام؟ هذا بأن نخدم بمحبة فلنخلع نير الناموس ونضع نير الحب للمسيح وللآخرين وهذا ألذ وأخف لأن المسيح يحمله معنا. الناموس الأدبى يلزمنا بالمحبة ويخضعنا تحت قيادة الروح للسلوك حسب الروح وليس حسب الجسد “ لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل فى القداسة” (1تس7:4) والله حين يدعو الآن فى عهد النعمة فهو يعطى قوة من الروح القدس الذى حل فينا لتساندنا. أما فى العهد القديم فكان الشعب يمتنع عن الخطية فى كبت خوفاً من العقوبات كالرجم. أما فى العهد الجديد فلقد وهبنا الله القداسة (1تس13:3، 3:4).
بل بالمحبة إخدموا بعضكم بعضا: قارن مع (رو8:13) “ لا تكونوا مديونين لأحد بشئ غير أن تحبوا بعضكم بعضًا” ويصد الرسول أن الإنسان المسيحى شاعر بأنه أخذ الكثير من المسيح وهو غير مستحق، ويتساءل كيف أرد الجميل لله؟ لا يوجد طريق سوى أن أحب أولاد الله وأخدمهم، ألم يصلب المسيح لأجلهم، إذًا هو يحبهم، وطالما هو يحبهم فلأخدمهم. لذلك يقول بولس أنه مديون لليونانيين والبرابرة، للحكماء والجهلاء (رو14:1). ومعلمنا يوحنا يقول أن من يحب ينتقل من الموت إلى الحياة (1يو14:3) والمحبة فى المسيحية إرتفعت عن الناموس فصارت “ أحبوا أعدائكم ” بدلاً من “ تحب قريبك كنفسك” وقارن مع (يو25:17، 26+1يو 7:4-12).
غل14:5: ” إن كل الناموس في كلمة واحدة يكمل تحب قريبك كنفسك”.
هنا ملخص للناموس أى محبة القريب. ومحبة الآخرين لا تأتى إلا من محبة الله أولاً. هنا توجيه لطيف للغلاطيين، فإن كانوا مصرين على العبودية فبدلاً من عبودية الناموس فلتكن عبودية المحبة. فالمحبة أسمى وصايا الناموس.
غل15:5: ” فاذا كنتم تنهشون و تاكلون بعضكم بعضا فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا”.
بعد أن كلمهم عن المحبة يشير لحالتهم التى وصلوا لها من انقسامات ونزاع والرسول يطلب منهم أن يكفوا عن الشجار والنزاع حتى لا يفنوا أنفسهم. وهو يشير للأحقاد التى صارت بينهم حتى صاروا كالكلاب التى تنهش بعضها. وهذا يتفق مع قول يوحنا الرسول فى (1يو15:3) “ كل من يبغض أخيه فهو قاتل نفس“ تنهشون: أى إشباع شهوة الغضب فى أبشع صورة لها. والإنقسامات تبدد حياتنا الجسدية والروحية : لئلا تفنوا بعضكم بعضاً . ولكن ما الذى أوصلهم لتلك الحالة من قلة المحبة؟ الإجابة ببساطة، الإيمان الخطأ والعقيدة الخاطئة تتسبب فى فساد الحياة الروحية، فهناك علاقة أكيدة بين العقيدة والروحيات. لقد دخلت لهم عقيدة عاجزة معتمدة على الشكليات، فمن يعتقد أن الختان وغسيل الأرجل والأيادى يطهر سيهمل صلواته وجهاده وسعيه (آية 7) وبالتالى تكف النعمة عن أن تعمل فيه، هنا تختفى المحبة وتظهر الأحقاد. وهذا هو حال كل منا إذا إكتفينا بممارسة الطقوس كشكليات دون أن ندخل إلى العمق.
الآيات 16 – 26
غل16:5: ” وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد”.
المقصود اسلكوا بالروح فلن تكملوا شهوة الجسد: الروح القدس يدعونى أن أطيع الوصية، فلو سلكت بالروح أى أطعت صوت الروح القدس سأكتشف أن هناك فى داخلى قوة تعيننى على أن أنفذ الوصية. وبهذا تظهر فاعلية الروح القدس، فى أنه يعطينى قوة أن لا أكمل شهوة الجسد، أى الروح يعين الجسد فلا يكمل شهوته (رو26:8 + اف 8:2).
مثال: إن أخطأ فيك أحد ستتحرك داخلك شهوة الإنتقام وسيصاحبها غيظ شديد واهتياج. ولو إتخذت قراراً نابعاً من طاعتك لصوت الروح فى داخلك أن تسامح وقلت للمخطئ “الله يسامحك أنا لا أريد منك شيئاً” ستجد السلام يملأ قلبك ولن تحاول أن تنتقم وتضرب وبهذا لن تكمل شهوة الجسد. ولكن علينا بالصلاة لننال هذه النعمة وأيضاً صلب أهوائنا وشهواتنا حتى لا نعيش حسب الجسد معترفين دائماً بخطايانا، فالروح يسكن عند المنسحقين ويعين من يصلب شهواته (إش15:57 + غل24:5 + رو1:12 + كو5:3 + رو11:6ـ14+ رو13:8ـ16. إذًا من يسلك بالروح فهو تلقائيًا لن يكمل شهوة الجسد. والروح هو الروح القدس. وكما قلنا فى مقدمة الإصحاح أن هناك إنسان داخلى جديد يولد فى المعمودية والروح القدس يعمل دائماً على أن ينميه. وطالما أن هذا الإنسان الداخلى فى حالة نمو وصحة روحية فهو يستجيب لصوت الروح القدس، هو يميزه ويسمعه وقادر أن يتجاوب معه وهذا هو السلوك بالروح . لكن هل كل واحد يستطيع أن يسمع صوت الروح القدس؟ قطعاً لا. لأن هناك من أطفأ الروح . أما المملوء من الروح فيستطيع أن يسمع ويتجاوب .
الامتلاء بالروح: راجع (أف18:5ـ21) فالامتلاء من الروح هو نعمة لكن لا توجد نعمة بدون جهاد. وفى هذه الآيات نجد الجهاد المطلوب وهو الصلاة والتسبيح والشكر والخضوع. أى المطلوب هو الإتصال المستمر بالله. والسيد المسيح وضع شرط طلب الروح القدس (لو13:11) وبولس يقول صلوا بلا إنقطاع (1تس17:5). إذًا لنسمع صوت الروح القدس يجب أن نكون مملوئين. والمملوءسيسلك بالروح. وكلما إستجبنا لصوت الروح القدس نزداد إمتلاءً والعكس فمن يقاوم صوت الروح القدس يطفئه ويقاوم أى يعاند دعوة الروح القدس الذى يبكت يو 8:16.
والسؤال الآن … ماذا نعمل الآن إلى أن نمتلئ من الروح… كيف نسلك بالروح:
1) لنتشبه بالمسيح. إسأل نفسك فى كل موقف… لو كان المسيح مكانى ماذا كان سيفعل
2) أطع الوصايا التى تسمعها فى الكتاب المقدس.
غل17:5: ” إن الجسد يشتهي ضد الروح و الروح ضد الجسد و هذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون”.
الجسد: قسمت الفلسفة الأفلاطونية الإنسان إلى قسمين:
أ) الجسد وقالوا عنه إنه القسم الحيوانى فى الإنسان.
ب) العقل وقالوا عنه إنه القسم الإنسانى فى الإنسان.
أما المسيحية فهى لا تهاجم الجسد أو تحط من شأنه.
أ) لأن الله خلقه والله لا يخلق شيئاً نجساً.
ب) المسيح اتخذ له جسداً، والمسيح لا يمكن أن يفعل هذا لو الجسد شئ نجس.
ج) نجد فى الكتاب المقدس أن عظام أليشع أقامت ميت. بل هناك كثير من أجساد القديسين والشهداء نجدها فى حالة سليمة.
فلماذا يهاجم بولس الرسول الجسد، أو ما هو الجسد فى أقوال بولس الرسول؟
الرسول يقصد بالجسد، الاٍنسان العتيق الذى فينا أى الاٍرادة المنحرفة أو الطبيعة المنفتحة على الشر، أو الذهن الأرضى الفاسد والمنحرف والمستهتر. ونحن قد ولدنا بحسب الجسد من أمها تنا بهذا الاٍنسان العتيق.
الروح: ليست هى الروح الإنسانية، دائمًا الروح مقدسة، فالشيطان روح. وهناك خطايا كالكبرياء، تنسسب للروح. ولكن الروح مقصود به الإنسان الداخلى الجديد المولود فى المعمودية (2كو16:4) وهو مخلوق بحسب الله فى المسيح. وهذا مدعو للحياة الأبدية. وهو يشتهى الطهارة ليحصل على السماء، وليحيا فى السماويات ويتذوق حلاوتها. وهذا الإنسان الداخلى يقوده الروح القدس، ويرتقى بالروح وينمو يومًا فيومًا بقدر ما يغتذى على كلمة الله فى الإنجيل وبالصلاة والتسبيح وممارسة أسرار الكنيسة. وشهوة هذا الإنسان هو الله (مز2:84،1:42) ويشتهى السماء (فى23:1).
الجسد يشتهى ضد الروح: الجسد المقصود به القوة الى تقاوم كل ما هو صالح، الجسد لا يلد إلا الخطية ويجذب الإنسان للشهوات الأرضية والملذات الحسية، هو يجذب لأسفل. أما الروح فهو عمل الروح القدس مع الإنسان الداخلى الجديد ويجذب الإنسان فيشتهى السمائيات. الروح يجذب الإنسان ليصلى والجسد يجذبه لينام وينشغل بكل الملذات الأرضية تاركاً الصلاة، بحجة النوم أو التعب أو أى شئ . المهم أن لا نصلى كلاهما يقاوم أحدهما الآخر: هذا الصراع بين الجسد والروح سيظل قائماً طالما نحن فى الجسد الترابى الذى يشتهى ما فى الأرض حتماً. وبقدر ما ينمو الإنسان الداخلى الجديد يتقهقر الإنسان العتيق. لأن الجديد ينمو على أساس التخلى عما للقديم من تسلط ووجود وقوة. والإنسان المؤمن المعمد حر فى تغذية أى منهما وجعل أحدهما ينمو. فمن يجاهد حاسباً نفسه ميتاً عن الخطية مجاهداً فى صلاته وتسابيحه ينمو إنسانه الداخلى ويضمر إنسانه العتيق. وهذا قد بدأ فى المعمودية. ولكن كل نعمة نحصل عليها إما أن نجاهد لتنمو فينا هذه النعمة أو نتكاسل فنفقدها. ومن يتكاسل تاركاً جهاده ساعياً وراء شهواته يضمر إنسانه الجديد وينمو إنسانه العتيق. وأى منهما سواء الإنسان العتيق أو الإنسان الجديد قادر فى حالة وجوده نامياً منتعشاً على أن يستخدم أعضاءنا، إما كآلات بر، أو كآلات إثم. فلو كنا نسلك بالروح وإنساننا الداخلى نامياً، فهذا يستخدم أعضاءنا كآلات بر فبعيوننا نرى خليقة الله وبألسنتنا نسبحه وبأيدينا نرفعها للصلاة وبأرجلنا نسعى للسلام والخدمة والكرازة. وهنا يكون لنا ثمار الروح(غل22:5، 23). ولكن هذه لمن صلبوا الأهواء مع الشهوات غل 24:5. أما لو سلكنا بحسب الجسد، فإنساننا العتيق سيستخدم أعضاء جسدنا كآلات إثم وستكون أعمال الجسد فظيعة (غل19:5، 20) .
هذا الصراع بين الروح والجسد هو الصراع بين حالتين عقليتين تتصارعان معًا، ولنسميهما الخير والشر، هما صراع بين صوت الروح القدس فينا يدعونى للسماويات وصوت شهواتى الجسدية تدعونى للأرضيات، هو صراع مستمر بين الطبيعة الجسدية الساقطة بغرائزها الطبيعية التى تستخدم الجسم كأداة وبين الروح القدس الذى يستخدم الجسم أيضًا كأداة. والإنسان له حرية الإرادة فى الإنحياز لأيهما. والإنسان الروحانى الذى تذوق السمائيات يتخلى عن شهواته الجسدية وتكفيه لقمة يسند بها جسده. وهذه درجات عبر عنها يوحنا الرائى حين قال
1) كنت فى الروح وهنا درجة أعلى هى 2) صرت فى الروح (رؤ10:1+رؤ 2:4).
بولس هنا كان يتكلم عن الحرية، وكأنه يقول بحريتكم اسلكوا هذا الطريق الروحى وتذوقوا لذاته، ولأن الجسد نهايته التراب أما الإنسان الداخلى الجديد لو كان نامياً ، فهذا نهايته السماء موطنه الموعود (2كو1:5، 6).
تفعلون ما لا تريدون: الإرادة منقسمة بين إرادة حسنة لطاعة صوت الله وإرادة شريرة لطاعة شهوة الجسد. فإن إنحاز الإنسان وأطاع شهوة الجسد فإنه يعمل الشر ضد صوت الله الذى يدعوه للخير وهو كان يريده جزئياً فهو يسمع صوت الروح القدس الذى كان يحاول إقناعه (إر7:20) ومن ينحاز للروح القدس (ولكن هذا يحتاج لأن يتغصب الإنسان (مت12:11) وهذا نسميه جهاداً) يجد معونة جبارة وينال رضى الله والحياة الأبدية. أما من ينحاز لشهوة جسده فهو يحزن الروح القدس بل يطفئه ويكون مصيره الدينونة.
غل18:5: ” ولكن إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس”.
لستم تحت الناموس: من ينقادون بروح الله تنطفئ فيهم كل الرغبات الشريرة. وبذلك لا يحتاجون لضبط الناموس إذ هم تجاوزوا إمكانياته تماماً. فالذذى لا يغضب لا يحتاج لوصية لا تقتل. والذى لا ينظر ليشتهى لا يحتاج لوصية لا تزن. ومن يسمع صوت الروح القدس داخله لن يحتاج لمن يوجهه من الخارج. وهذه الآية هى نفسها بالضبط (23:5) “ ضد أمثال هذه ليس ناموس” أى من له ثمار الروح القدس هذه المذكورة فى 22، 23 قطعًا لا يحتاج لناموس.
غل19:5:” وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة”.
أعمال الجسد هى ثمار الطبيعة الفاسدة، ينفذها الجسد أو الجسم.
ظاهرة: أى معروفة، فمن يسلك فى هذه الخطايا فهو يسلك بالجسد.
زنى: هو إلتصاق محرم بإمرأة، والزنى يبدأ بالنظرة للشهوة.
نجاسة: هى خطية أوسع معنى تشمل الشذوذ الجنسى والإنحلال الخلقى.
دعارة: تجارة الجنس
عهارة: إظهار الجسد عارياً
غل20:5: ” عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة”.
عبادة الأوثان: تشمل الطمع وعبادة المال
عداوة: هى إثارة العداوات بين الناس.
خصام: محبة الشجار والنزاع
سخط: انفجار بالغضب بلا تعقل.
غيرة: ليست الغيرة المقدسة لحساب مجد الله بل حسد الآخرين أو نقمة عليهم.
تخرب: هو إتجاه مشاكس مسوق بقوة شيطانية.
بدعة: هرطقة وهى التى تقود للشقاق فالمنشق هو مبتدع.
غل21:5: ” حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضًا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله”.
حسد: روح حقد لا تحتمل أن ترى نجاح إنسان.
بطر: عربدة وهى نوع من الفرح المفرط نتيجة شرب الخمر.
غل22:5: ” وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان”.
راجععمل الروح القدس فى تجديد طبيعة الإنسان فى المقدمة.
وهذه الثمار لا توجد منفردة فلا محبة بدون فرح وسلام.. وهكذا. هذه الثمار تأتى من تفاعل الروح القدس (المشبه بأنهار ماء يو 38:7، 39) مع الجسد المأخوذ من تراب الأرض. فالماء مع التراب يعطى ثماراً صالحة. أما من يحزن الروح ويطفئه فيكون بلا ثمر. وهنا تظهر طبيعة الجسد المنحرفة أى أعمال الجسد آيات 19، 20. ومن ثمارهم تعرفونهم كما يقول السيد المسيح (مت16:7ـ20) وثمار الروح غير مواهب الروح التى يعطيها الروح لمنفعة الخدمة (1كو4:12، 7-11، 30).
المحبة: هى أول ثمار الروح . فلأنها أول إستعلانات إنسكاب الروح فى القلب (رو5:5). وهى محبة لله أولاً ثم لكل إنسان حتى الأعداء (رو 38:8، 39).
فرح: المحبة تملأ القلب بفرح حقيقى لا ينزع.
سلام: هو صفة مميزة للعهد الجديد. يشمل نفس صحيحة مزدهرة فى إنسجام داخلى وهدوء الفكر والضمير والنفس بسبب النعمة. ونحن حصلنا على السلام يوم ولد المسيح ملك السلام. وفى تسبحة الملائكة إقترن السلام بالمسرة أى الفرح وراجع (فى4:4-7 + يو 1:14، 27).
طول أناة : وهذه صفة خاصة بالله (خر5:34-7) وطول الأناة تعنى التمهل (لو7:18، 8).
لطف: وهى أيضًا صفة لله (رو4:2).
صلاح: تعنى السخاء والجود وهى ضد الحسد والغيرة.
إيمان: أى الثقة فى الله وهى أساس لما نأخذه من بر.
غل23:5:- وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس.
وداعة: هى القدرة على عدم الغضب أمام تعدى الآخرين الشديد وهذه صفة للمسيح (مت29:11). تعفف: تعنى النفس الشبعانة بالمسيح فلا تريد معه شيئًا. والمسيح قادر أن يشبعنا روحياً ونفسياً وجسدياً فالسواح فى البرية لم يكونوا يشتهون طعامًا فاخرًا فهم فى تعففهم شبعانين. هذه الصفة، تجعل النفس تحيد عن الشر بطبيعتها.
ضد أمثال هذه ليس ناموس: هى نفس آية 18 (راجع شرح الآية)
من له الثمار فهو مملوء من الروح، فمن الطبيعى أنه يسمع لصوت الروح وهو لا يقاومه، وبالتالى فهو غير محتاج لصوت خارجى، فهو له الآذان التى تسمع صوت الروح القدس. مثل هذا لا يحتاج لناموس ضده. فالحصان الوديع غير محتاج للجام. الناموس وضع لمن لهم قلب حجر، أما من صار لهم قلب لحم (أى مملوء محبة لله) فلا يحتاجون لناموس يملى عليهم وصايا.
غل24:5: ” ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات”.
من هم الذين لهم ثمار الروح؟ هم الذين صلبوا أهوائهم وشهواتهم لذلك يطلب بولس الرسول أن نقدم أجسادنا ذبيجة حية (رو1:12). ويقول مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَ (غل20:2) وحين يحيا فىَ المسيح وأثبت فيه أمتلئ من الروح فتكون لى ثمار الروح. الذى يصلب أهواءه هو الذى باع نفسه للمسيح وصار عبداً له، وصلب نفسه مع المسيح، وقبلت هذا فى جسدى بالمعمودية. ولكن ما حصلنا عليه فى المعمودية ينبغى أن نحافظ عليه بأن نقف أمام العالم كمصلوبين لنتمتع بحياة المسيح القائم فى (كو5:3، 6). والروح يساعدنا على هذا (رو13:8ـ16). ولذلك نجد بولس بالرغم من كل ما هو فيه من ألم يقول أقمع جسدى وأستعبده (1كو24:9ـ27).
الأهواء: هى الميول الظاهرة. الشهوات: هى المفاعيل الخفية فى الجسد والتى تحرك الأهواء والجسد كله. ولو كانت منحرفة تصير الأهواء منحرفة.
غل25:5: ” إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضًا بحسب الروح”.
نعيش بالروح: حياة الجسد الجديد الذى أخذناه بالمعمودية هى بالروح القدس الذى حل فينا. هذه هى هبة المسيح التى بها نفتخر (رو2:5).
نسلك بالروح: هذا إلتزام أدبى أن نلتصق بالروح ونقتدى بالمسيح فى كل خطوة. الروح صار مصدر حياتنا فليتنا نتركه يقود الطريق ونسلك خاضعين لقيادته وتوجيهه. وإن كانت حياتنا منضبطة بالروح سيكون لنا ثمار الروح.
الرسول فى هذه الآية يريد أن يقول… الإمكانية موجودة داخلك فالروح حل فيك. إذاً اسلك بالروح لتمتلئ بالثمار.
غل26:5: ” لا نكن معجبين نغاضب بعضنًا بعضًا ونحسد بعضنًا بعضًا”.
معجبين: يعجب الإنسان بذاته فى كبرياء. وهذه دخلت لهم من المتهودين، فهذه طباع اليهود. بولس شعر أن المتهودين نقلوا لأهل غلاطية عيوبهم. نغاضب بعضنا: الكلمة تشير للإثارة والإستفزاز ومن هو معجب بنفسه لن يقبل الآخر وسرعان ما سيتغاضب معه.
تفسير غلاطية 4 | تفسير رسالة غلاطية | تفسير العهد الجديد |
تفسير غلاطية 6 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة غلاطية | تفاسير العهد الجديد |